هنري الثامن وصراع العشق والدين والسياسة

الملك هنري الثامن
الملك هنري الثامن
TT

هنري الثامن وصراع العشق والدين والسياسة

الملك هنري الثامن
الملك هنري الثامن

لا خلاف على أن إنجلترا كانت وستظل إلى يومنا هذا دولة فريدة بتاريخها وجغرافيتها، فهي مختلفة عن باقي القارة الأوروبية، وسياساتها كانت دائمًا مختلفة تراعي طابعًا مختلفًا في كل شيء حتى في الديانة، فعندما مرت أوروبا خلال مطلع القرن السادس عشر بحركة إصلاح ديني بدأت بفكر شخص وانتشرت كما كان الحال بالنسبة لمارتن لوثر في ألمانيا وكالفن في فرنسا وسويسرا، فالقاسم المشترك لحركة الإصلاح الديني في أوروبا كان ظهور المصلح / المفكر يعقب ذلك طرح فكره ورؤيته الجديدة لتفسير الدين، ثم تعتنق العامة الفكرة ثم بعد ذلك يأتي دور الملوك أو الأمراء ليضفوا عليها قوة ثم تنشب الحرب الأهلية بين المذهب الإصلاحي والكاثوليكي ثم ينتهي الأمر بإقرار حق الملوك في إقرار المذهب في الأراضي التي تحت سيادتهم، ولكن إنجلترا كعادتها كان لها نموذجها الفريد، إذ جاءت حركة لإصلاح الديني من القيادة السياسية ممثلة في الملك، وكانت الأسباب تتعلق بولاية العرش وشهوة ملك أراد استبدال زوجته، فكانت النتيجة تغيير مذهب الأمة الإنجليزية برضاء واسع من العامة خاصة الطبقة الوسطى والتي أيدت هذا التغير.
لقد كان الملك هنري الثامن والذي اعتلى العرش عام 1509 عن عمر يناهز الثامنة عشرة أقوى ملوك «آل تيودور» تربى في أحضان الثقافة الكاثوليكية روحيًا وعلميًا، حتى أنه كان يمثل أحد أقوى الملوك المؤيدين لهذا المذهب المسيحي المنتشر، وقد وصل ارتباط الملك الشاب بالكنيسة أنه قام بالرد على كتب مارتن لوثر لحماية مبادئ الكاثوليكية من حركة الإصلاح، وهو الأمر الذي جعل البابا يمنحه لقب «حامي الإيمان» حيث كان الملك الشاب مفوهًا وعالمًا في اللاهوت، ولكن والد الملك كان قد فرض عليه أن يتزوج من أرملة أخيه كاترينا دي أوريجون، والتي أنجبت له الأميرة ماري، ولكنه كان في حاجة إلى ولي عهد يخلفه من بعده ويبعد شبح الحرب الأهلية، وكانت الملكة تكبر الملك بأكثر من خمسة عشر عامًا، بالتالي كان الملك يرغب في الطلاق، ولكن بما أن الطلاق مُحرمٌ في الديانة المسيحية، فإنه سعى لإلغاء الزواج من الأساس، وهو أمر لم يكن صعبًا في الظروف الطبيعية لكثير من الأمراء والملوك في ذلك الوقت، خاصة وأنها كانت زوجة أخيه، ولكن البابا كان في موقف صعب للغاية لأن الملكة كانت خالة الإمبراطور الروماني المقدس «شارلز الخامس»، لذلك رفض البابا منح ملك إنجلترا إبطال الزواج.
واقع الأمر أن هنري الثامن كان من أعتى ملوك إنجلترا وكان قد وقع بالفعل في غرام إحدى الوصيفات وتسمى «آن بولين» وعقد العزم على الزواج منها، وإذا ما كان الطلاق غير ممكن من البابا، فإنه ليس مستحيلاً على كبير الأساقفة، فلقد استغل الملك وفاة كبير الأساقفة وعين كرانمر أحد أعوانه بدلاً منه حيث تم الاتفاق على قيامه بهذه المهمة، فكان هذا هو أول انشقاق حقيقي بين البابا والكنيسة الإنجليكية، وبالفعل تزوج الملك من آن بولين والتي أنجبت له الأميرة إليزابيث التي حكمت بعد ذلك، ولكن العلاقة لم تستمر طويلاً حيث تعددت العلاقات الحميمة للملكة مع رجال القصر، فكان مصيرها المحاكمة والإعدام، ولكن ليس قبل أن تتسبب في فصل العلاقة بين الكنيستين، فلقد جاء رد فعل البابا سريعًا حيث قام بحرمان الملك أي إعلانه خارجًا عن الملة وكانت هذه الخطوة في حد ذاتها كفيلة بكسر كثير من الملوك الأوروبيين على مر العصور، ولكن هذا لم يحدث من هنري الثامن، فلقد قرر قطع كل الروابط بكنيسة روما في عام 1534 حيث قرر أن يستقل بالكنيسة ويصبح هو رئيسها لأول مرة في تاريخ التجربة الكنسية، وقد جمع البرلمان الإنجليزي والذي أصدر القوانين اللازمة لذلك، كما أصدر قانون الخيانة والذي بمقتضاه يتم إعدام كل من يتكلم ضد هذا المرسوم الملكي، كما أصدر البرلمان قانونًا آخر يتضمن الحفاظ على الأركان الأساسية للمذهب الكاثوليكي على غير الحركات الإصلاحية في القارة الأوروبية، فموقف هنري الثامن لم يكن هدفه تغيير الملة أو المذهب، بل كان هدفه واضحًا وهو السيطرة على الكنيسة.
وردًا على موقف البابا في روما، لم يتوان الملك عن اتخاذ الخطوات الإضافية، فسرعان ما أصدر قراراته بتأميم الأديرة في إنجلترا، وقد كانت هذه خطوة جريئة بحق كفلت أموالاً طائلة لخزانة الدولة استخدمت في الأساس لتقوية البحرية البريطانية واستمالة الطبقة الوسطى التي كانت تساند الملك فضلاً عن تغطية تكاليف القصر الملكي والتي كانت عالية للغاية، ومع ذلك فإن هنري الثامن ظل على معتقداته الأساسية ومحافظًا عليها على عكس لوثر وكالفن، فلقد أقر البرلمان الإنجليزي من خلال مرسوم جديد أكد على بقاء المبادئ الستة الأساسية وعلى رأسها قدسية تحول الخبز والنبيذ إلى جسد ودم السيد المسيح تخليدًا لذكراه وهنا يلاحظ أن هذه الحالة الأولى التي يقوم فيها ملك وبرلمان بتغيير ملة الدولة بهذه البساطة، ولكن ما أسهم في استيعاب أمر التغيير كان كراهية الطبقة الوسطى لسلطان البابا المتفشي في البلاد، فضلاً عن أن الملك تعمد عدم إجراء تعديلات فقهية على أسس الكاثوليكية، فكان له ما أراده دون ثمن باهظ، فعلى الرغم من وجود بعض المعارضة خاصة في الشمال، فإن رجال القصر استطاعوا بقدراتهم ودهائهم استيعاب الأمر تدريجيًا دون تقديم التنازلات المتوقعة.
حقيقة الأمر أن ما فعله هنري الثامن تدشينه للمذهب الإنجليكاني فيما بعد يعد سابقة تاريخية كما أشرنا سابقًا، ولكنها تعكس حقائق مهمة للغاية لعل أهمها خطورة هي الآثار السلبية التي أثرت على الرعية في الدول الأوروبية آنذاك بسبب تعاليم البابا وكنيسته والتي سعت لاستحواذ السلطة الروحية ومن بعدها محاولاتها للتأثير المباشر على السلطة السياسية، فالمواطن الإنجليزي البسيط شأنه شأن المواطن الأوروبي في ذلك الوقت وجد نفسه في صراع روحي / سياسي جسدته الخلافات بين المؤسستين الدينية والسياسية في بلاده، كما أن مثل هذه الظروف تخلق حالة من الغموض حول مفهوم الشرعية السياسية والتشكك في المعتقدات الروحية الراسخة. لقد غير الملك مذهب غالبية شعبه من أجل قصة حب انتهت باتهام زوجته بالزنا فيما بعد، ولكن ليس قبل أن تسفر عن أمرين غاية في الأهمية كما سنرى، الأول، هو دخول الدولة في حرب أهلية / مذهبية بعد مماته، والثاني، أن زيجته أسفرت عن طفلة لم تملك من الجمال كثيرًا ولكنها ملكت من الحكمة ما جعلها تضع بذور القوة السياسية والعسكرية البريطانية والتي كفلت لها أن تكون الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، وهي الملكة إليزابيث الأولى كما سنرى.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.