تحليل... انتخابات بيروت الثانية: تظهير التحولات الجيلية

أظهرت انتخابات المغتربين مؤشرات إلى تحولات ستكون لها بصماتها في صناديق الاقتراع (إ.ب.أ)
أظهرت انتخابات المغتربين مؤشرات إلى تحولات ستكون لها بصماتها في صناديق الاقتراع (إ.ب.أ)
TT

تحليل... انتخابات بيروت الثانية: تظهير التحولات الجيلية

أظهرت انتخابات المغتربين مؤشرات إلى تحولات ستكون لها بصماتها في صناديق الاقتراع (إ.ب.أ)
أظهرت انتخابات المغتربين مؤشرات إلى تحولات ستكون لها بصماتها في صناديق الاقتراع (إ.ب.أ)

قبل يومين من توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، تبدو العاصمة اللبنانية ساحة لواحدة من أشرس المعارك بين معسكرات وبرامج شتى بعدما اكتشف السياسيون وسكان المدينة أن النتائج قد تكون لها تداعيات بعيدة المدى.
الدائرة الانتخابية الأولى في بيروت، حيث يشكل المسيحيون أكثرية السكان، قد تشهد تكرار نتائج انتخابات 2018. القوى المتنافسة ما زالت على حالها، والأرجح أنها ستحصل على المقاعد ذاتها التي حصدتها قبل أربعة أعوام: حزبا «القوات اللبنانية» و«الكتائب» والتيار الوطني الحر وممثل أو ممثلة عن المعارضة والمجتمع المدني. المقاعد الأرمنية سيدور حولها صراع بسبب تراجع شعبية حزب الطشناق الذي كان يحوز تقليدياً أكثرية التمثيل الأرمني في بيروت بل في لبنان كله، وأيضاً نظراً إلى تضاؤل أعداد ناخبيه بعد الهجرة الكثيفة التي ألمّت بالوسط الأرمني في الأعوام الماضية. من دون أن يعني ذلك أنْ لا مفاجآت منتظَرة في المنطقة هذه التي تعرضت إلى أضرار شديدة جراء تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020 وانخراط عدد من شخصيات المعارضة المدنية في المعركة.
بيروت الأولى ستعكس المعارك داخل الطوائف المسيحية ومحاولة «التيار الوطني الحر» تقليص خسائره قدر الإمكان في وجه «القوات اللبنانية» ومرشحي المعارضة المدنية. بيد أن ما يجري في الدائرة الثانية حيث تنتمي أكثرية الناخبين إلى الطائفة السنية، فلا شك في أنها من أبرز ساحات المعركة الانتخابية في الدورة هذه خلافاً لما كان عليه الوضع في 2018.
قبل أربعة أعوام، كان «تيار المستقبل» ما زال متماسكاً واستطاع ضمان الفوز للائحته باستثناء المرشحين الشيعيين واثنين من السنة الستة. يومها نجح النائبان والمرشحان الحاليان فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي في كسر احتكار «المستقبل» للتمثيل السني في العاصمة لأول مرة منذ انتخابات 2000.
تغيرت المعطيات هذه السنة. ذاك أن استنكاف «المستقبل» عن خوض الانتخابات ترشحاً أو دعماً صريحاً لإحدى اللوائح، بل عمل الكثير من مناصريه على الحض على مقاطعة مجمل العملية الانتخابية، ترك الناخبين السنة المؤيدين في العادة للتيار، في حيرة من أمرهم. وفي ظل إدراك خطر الامتناع عن المشاركة في الانتخابات ومطالبة المرجعية الدينية للسنة، مفتي الجمهورية، لأبناء الطائفة بالاقتراع «الكثيف والصحيح»، بات الناخبون هؤلاء أمام مشهد متناقض.
نظرية «الكتل الناخبة» التي سادت بين 1996 و2018، لم تعد صالحة للتكهن بنتائج الانتخابات. في تلك الفترة كانت أحجام القوى معروفة مسبقاً بحيث يستطيع القارئ العادي للمشهد الانتخابي معرفة النتائج قبل يوم الاقتراع. المتغير المهم في 2022 أن الكتلة التي كانت تصب الأصوات لتيار «المستقبل» باتت مشتتة بين اتجاهات عدة. واحد منها تمثله اللائحة التي يرعاها رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة «بيروت تواجه». اتجاه ثانٍ يميل إلى لائحة «هيدي بيروت» التي يشيع المرشحون فيها أن «المستقبل» يساندهم مساندة غير مباشرة. في غضون ذلك، حافظ الثنائي الشيعي على «كتلته» التي يتراوح عددها بين 30 و45 ألف ناخب. وينطبق الأمر ذاته على كتلة «جمعية المشاريع الخيرية» (الأحباش) الموالية لـ«حزب الله» والنظام السوري التي ينتخب لمرشحيها في العادة ما بين عشرة و12 ألف صوت. ثمة كتل أقل وزناً على غرار كتلة «الجماعة الإسلامية» لكنها عادةً لا تتمتع بالقدرة على تحقيق خروقات ما لم تتحالف مع قوى أكبر حجماً.
عليه، ستعتمد معركة السنة الحالية في توقع نتائجها على نسبة مشاركة الناخبين السنة الذين أظهروا فتوراً في الدورات السابقة. المخاوف التي عبّر عنها أكثر من مرشح والتي جاء بيان دار الفتوى ليظهّرها من أن تفضي الانتخابات إلى سيطرة «حزب الله» على التمثيل السني في بيروت، بالتالي تكريس التحول في هوية العاصمة السياسية بعد التغيرات التي طرأت على طبيعتها السكانية والعمرانية لغير مصلحة السنة، لها ما يبررها. وهناك ما يبرر الاعتقاد أن اندفاعة «حزب الله» للسيطرة على العاصمة سياسياً، ستصل إلى حد فرض رئيس وزراء سني من الموالين له بعدما اكتفى في السنوات الماضية بتعيين «أصدقاء» في المنصب السني الأول في لبنان.
من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أن التغيرات في العاصمة وصلت إلى جميع الطوائف، وأن المعطى الاجتماعي والثقافي قد شهد تحولات عميقة في العقدين الماضيين، وأن فشل القوى التقليدية في تمثيل العاصمة تمثيلاً ذا مغزى بل فرض مجموعة من الفاسدين والنكرات عليها، قد أضر بالمدينة وبالسنة فيها على وجه التحديد، أكثر مما أفاد الزعامات التي جاءت بهم.
يدفع ذلك إلى الاعتقاد بأن نتائج الانتخابات في بيروت الثانية لن تخلو من مفاجآت في حال شارك الناخبون السنة بأعداد كبيرة ما سيؤدي إلى ارتفاع ما يُعرف بـ«الحاصل»، أي الحد الأدنى لفوز أي مرشح. وبذلك تضمحلّ فاعلية «الكتل الناخبة» الحزبية. لكنّ الرهان هذا تعرقله حرب ضروس بين المرشحين السنة أنفسهم الذين يخوض بعضهم ضد بعض قتالاً لا تُستثنى فيه الأسلحة غير المشروعة من نوع تبادل الاتهامات بتقديم الرشى وشراء الأصوات من خلال المساعدات العينية في مجتمع ضربته الكارثة الاقتصادية في مقتل، وصولاً إلى تدخل رجال الدين لمصلحة أطراف ضد أخرى.
أما ما لا يمكن الفرار منه فهو أن أجيالاً من أهالي بيروت تريد المزيد من المشاركة السياسية بممثلين يعكسون تطلعاتها وآمالها وخيباتها من التجارب السابقة.
مهما يكن من أمر، أظهرت انتخابات المغتربين في الدول العربية والأجنبية مؤشرات إلى أن التحولات الاجتماعية والجيلية التي تشهدها العاصمة، ستكون لها بصماتها في صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.