«تحالف السيادة» العراقي في مهب انقسامات «البيت السنّي»

لا يبدو تحالف «السيادة» الذي يضم معظم الشخصيات والقوى السنية الفائزة في الانتخابات العامة العراقية التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أفضل حالاً من حيث التماسك من بقية القوى السياسية الشيعية والكردية التي تعاني بدورها انقسامات واضحة باتت السمة الأكثر شيوعاً في عراق ما بعد الغزو الأميركي عام 2003.
ويظهر أن صوت «الكلمة الواحدة»، الذي سعت الشخصيات والقوى السياسية السنية إلى تكريسه بعد الانتخابات العامة في سياق رغبتها في التحالف مع بقية الكتل، آخذ في التلاشي، في مقابل أصوات الانقسام المسموعة بوضوح هذه الأيام.
ويوم أمس تفجّرت قضية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أبرز شخصيات تحالف «السيادة»، مع النائب ليث الدليمي بعد أن خسر الأخير عضويته النيابية وفق استقالة «قديمة» أصرَّ الحلبوسي على قبولها. والخلاف بين الأخير والدليمي يعود إلى نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي، حين قرر الحلبوسي إلغاء عضوية الدليمي في حزب «تقدم»، الذي يتزعمه بعد قيام الدليمي بزيارة أمير قبائل الدليم علي الحاتم سليمان بعد تسوية ملفاته القضائية وعودته إلى بغداد. ومعروف أن سليمان أحد الخصوم التقليديين للحلبوسي في محافظة الأنبار غرب العراق.
وتبدو عملية قبول استقالة نائب من رئيس البرلمان مسألة غاية في التعقيد والغموض في سياق الديمقراطية البرلمانية العراقية. فالقضية الشائعة في العراق هي أن معظم زعماء الكتل السياسية يقومون بأخذ تعهدات ملزمة من قبل المرشحين معهم في الانتخابات، تصل إلى حد كتابة المرشح قبل فوزه استقالته غير المؤرخة وتسليمها إلى رئيس الكتلة لضمان بقائه في التحالف أو الكتلة وعدم انتقاله إلى كتل أخرى بعد وصوله إلى البرلمان. وهذا ما حدث، أو على الأقل هذا ما يقال إنه حدث، بالنسبة لقضية استقالة الدليمي وقبولها من الحلبوسي. إذ إنها وبحسب كلمة مسجلة وزعها ليث الدليمي على وسائل الإعلام، كتبت، أي الاستقالة، في الدورة البرلمانية السابقة غير المكتملة (2018 - 2021) تحت «ضغوط سنوضحها لاحقاً». والضغوط التي يتحدث عنها الدليمي هنا يفهم منها كثير من المراقبين على أنها إملاءات من رئيس الحزب أو الكتلة للمرشحين معه لإخضاعهم والسيطرة عليهم.
ويضيف الدليمي أن «الاستقالة الموقعة من دون تأريخ التي قبلها الحلبوسي كتبت في الدورة السابقة وقمت بإبلاغ نواب رئيس البرلمان على سحبها».
ودعا الدليمي القضاء والكتل السياسية وتحالف «إنقاذ وطن»، الذي يضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف «السيادة»، إلى التصدي لهذه «المهزلة» التي يقودها ضده، حسب رأيه، «رئيس البرلمان بدوافع حزبية ومن خلال استغلاله لكتب استقالة سابقة».
وظهر في وسائل الإعلام أمس كتاب من رئيس البرلمان بقبول استقالة الدليمي استناداً إلى طلبه غير المؤرخ، وآخر موقّع من نائب رئيس البرلمان يوافق على طلب سحب كتاب الاستقالة من النائب الدليمي.
وسواء تمسك الحلبوسي بإقالة الدليمي أو نجح الأخير في استعادة عضويته النيابية، فإن أصوات التصدع العالية باتت مسموعة جداً خلف جدران «البيت السني». ففي جانب آخر من ذلك التصدع «يتطاحن» النائبان مشعان الجبوري وأحمد الجبوري على منصب المحافظ في صلاح الدين التي يتحدران منها، رغم انتمائهما لذات العشيرة والتحالف السياسي، مما يهدد ببعثرة جميع الأوراق.
وهذا ما عبّر عنه النائب مشعان الجبوري حين قال، أول من أمس، إن «تحالف السيادة لم يقدم شيئاً لجمهورنا حتى الآن».
وفي معرض خصومته الشديدة مع أحمد الجبوري المعروف بـ«أبو مازن»، قال إن كتلة الأخير «تضم الآن ثلاثة نواب فقط، أبو مازن عليه 220 قضية في النزاهة، وهناك 8 نواب سينسحبون من السيادة إذا أقيل محافظ صلاح الدين».
وأضاف: «تعرضت لضغوط كبيرة لتأسيس تحالف السيادة بوجود أبو مازن».
وأول من أمس، وجه مشعان الجبوري رسالة إلى تحالف «إنقاذ وطن» حذّره فيها من «انشقاقات كبيرة». وأشار الجبوري في تغريدة عبر «تويتر» إلى «الملفات التي كشفها محافظ صلاح الدين عمار الجبر والتي أظهرت استيلاء أحمد الجبوري أبو مازن على تريليون و60 مليار دينار من أموال الناس!؟». وأضاف: «‏إذا تورط تحالف إنقاذ وطن في استهدافه (المحافظ) أو إقالته أو الإساءة له سيؤدي حتماً لخروجي وقامات أخرى من التحالف وبداية لانشقاقات كبيرة في تحالف السيادة».
في مقابل ذلك، رد أحمد الجبوري (أبو مازن) في تغريدة مماثلة بالقول: «اتحدروا إلى أدنى درجات الهلاك ووصل بهم الطمع إلى مستوى تزوير بصمات صوتية باسمنا واعتبارها من شواهد الابتزاز».
وأضاف أن «الصغار لن يتغيروا وثمن كل واحد منهم معلوم. المقامات الكبيرة تعرف طريقة تفكيرنا واحترامنا للعهود. وإلى هؤلاء (أي الصغار) نقول إن بضاعتكم سترد إليكم بثمن بخس».