التأثير الخفي للفن الإسلامي.. من «كارتييه» إلى «ويليام موريس»

الفنانة الكندية ذات الأصول الباكستانية تزين قيوم
الفنانة الكندية ذات الأصول الباكستانية تزين قيوم
TT

التأثير الخفي للفن الإسلامي.. من «كارتييه» إلى «ويليام موريس»

الفنانة الكندية ذات الأصول الباكستانية تزين قيوم
الفنانة الكندية ذات الأصول الباكستانية تزين قيوم

ما المقصود بكلمة الثقافة؟ في عالمنا الحالي المعولم، اعتدنا رؤية العديد من الأشياء والزخارف الثقافية خارج موقعها أو سياقها الأصلي. ولكن في حال لم تكن الثقافة ثابتة ومرتبطة بموقع معين، فكيف تتحرك هذه الثقافة وتتحول؟
تعد الزخرفة في الفن الإسلامي، وهي الزخارف والزينة التي يمكن رؤيتها على القطع الأثرية أو في العمارة، مثالاً رائعاً على مثل هذه الحركة الانتقالية للثقافية التي بات يمكن العثور عليها الآن في جميع أنحاء العالم. وقد انتقلت الأنماط الهندسية الإسلامية وتصميمات الأرابيسك على مر القرون من الشرق إلى الغرب، ولكن عادة ما كان يبنى على هذه الأنماط الإسلامية أو تكييفها مع الفن الغربي، وبالتالي فقد اعتُرف بها على أنها تحمل بصمة أو تأثير المجتمعات الإسلامية وحدها.

تأثير الفن الإسلامي على التصميمات الغربية
ويكشف المعرض الذي عُقد مؤخراً باسم «كارتييه والفن الإسلامي: بحثاً عن الحداثة»، في متحف الفنون الزخرفية في باريس، عن مدى تأثير الفن الإسلامي على تصميمات مصمم المجوهرات الفرنسي الشهير ميزون كارتييه.
وعلى سبيل المثال، فقد استوحى المصمم الإنجليزي ويليام موريس من القرن التاسع عشر، المشهور بالزخرفة التي أصبحت معروفة في الأقمشة والأثاث والفنون الزخرفية الأخرى لحركة الفنون والحرف، أعماله من التصاميم الزهرية الموجودة في زخرفة الأرابيسك الإسلامية. وما يبدو مثيراً للإعجاب في معرض كارتييه الأخير هذا، الذي سينتقل إلى متحف دالاس للفنون في مايو (أيار) الحالي، هو أن مصدر الإلهام الرئيسي الذي استوحى منه المصمم أفكاره في تصميم المجوهرات والقطع الثمينة الأخرى هو القطع الأثرية الموجودة في الأراضي الإسلامية مثل بلاط الفسيفساء الإيراني من القرن الرابع عشر إلى القرن الخامس عشر.

                                                        من أعمال الفنانة سهيلة أصفهاني
ترجمة ثقافية
ويعد تنقل الناس وإمكانية نقل هذه الأشياء المزخرفة بالتصميمات الإسلامية جزءاً من أسباب هذه الحركة الانتقالية الثقافية، ففكرة «الترجمة الثقافية»، التي صاغها المُنظِّر الثقافي هومي ك.بهافا، المقصود بها الترجمة نفسها، وليس التعبير عن تقليد ثقافي معين أو تقليد ثقافي آخر، ولكن ظهور ثقافة ثالثة، فأصل الكلمة الإنجليزية «Translation» مأخوذ من الترجمة اللاتينية التي تعني «الانتقال» أو «النقل عبر».
ويؤدي التنقل الناتج عن هجرة الأشخاص إلى أماكن جديدة لظهور الأعمال التي تقدم الترجمة الثقافية هذه للناس، فهذه الترجمة هي النتيجة الناشئة عن مواجهات بين مجموعتين اجتماعيتين لهما تقاليد ثقافية مختلفة. وبالنسبة إلى بهافا، فإن الاختلاف الثقافي لم يكن شيئًا نهائياً، وذلك لأنه لطالما ستكون هناك تجارب للمهاجرين على حدود أو أطراف الثقافات المختلفة والتي ستظل في حالة تغير مستمر، وبالتالي، فإن أعمال الناس في ترجمة اللغة أو الإشارات والرموز المرئية هي أيضاً بمثابة تفاوض مستمر بين الثقافات.
وفي هذه العملية، فإن كفاح المهاجرين يظهر من خلال إجرائهم لعملية تحول بين الثقافات والتي تُسمى الفضاء الثالث، وهو ما يعد مساحة مختلطة للتفاوض على التفاعلات الثقافية المختلفة.

الفنانون المسلمون في الشتات
ولعل هناك مثالا جيدا على هذه الأنواع من المفاوضات الثقافية فيما يظهر في أعمال الفنانين المعاصرين من خلفيات متنوعة ثقافياً الذين يعيشون في الشتات في المجتمعات الغربية. وبالنسبة للفنانين المسلمين في الشتات، فإن أشكال الفن الإسلامي التقليدي تضع صلاتهم بخلفياتهم الثقافية في سياق مخاوفهم الاجتماعية والسياسية والثقافية الأوسع، وهي المخاوف المتمثلة في الهجرة والهوية الثقافية والتنوع.
وتستخدم الفنانة الكندية ذات الأصول الباكستانية، تزين قيوم، لغة الزخرفة الإسلامية التقليدية في أعمالها من أجل التساؤل عن معنى العيش بين ثقافتين وهو ما ظهر على سبيل المثال في عملها الذي كان باسم «A Holding Pattern» في 2013.
وللوهلة الأولى، يرى المشاهد تصميماً هندسياً جمالياً ممتعاً يذكرنا بأعمال بلاط الأرابيسك في العمارة الإسلامية، ومع ذلك، فإنه من خلال الفحص الدقيق للعمل الفني نرى أن هذا النمط الزخرفي هو مجرد تكرار لصور ظلية لمجموعة من الحشرات، وقد أوضحت قيوم تفاصيل عملها الفني في مقال تم نشره مؤخراً في مجلة «BlackFlash» الكندية. ولطالما جادل المنظرون الثقافيون المعاصرون، مثل سارة أحمد وبهافا، بأن مثل هؤلاء الفنانين يدخلون في نمط من الترجمة الثقافية. ويعمل هؤلاء الفنانون على زعزعة استقرار فكرة الثقافة الأحادية، وبدلاً من ذلك فإنهم يقومون بصنع أعمال متأثرة بمواقع الثقافات التي تعكس «مسافة بينية» وهي مساحة للحوار تعكس هذه التأثيرات المترابطة بين الثقافات المختلفة. وقد قمت مؤخراً بتصميم عمل فني والذي كنت أرغب من خلاله في التحقق من فكرة الترجمة الثقافية هذه، والتساؤل عن إمكانية تغيير الثقافة أو نشرها وإعادة دمجها من خلال إعادة صياغة الزخرفة الثقافية المحددة في سياقها، وسيكون هذا العمل موجوداً في معرض باسم «فن العيش: في المجتمع والهجرة وهجرة الرموز» يضم ثلاثة فنانين هم جود أبو زينة، وسهيلة أصفهاني، وشياو جينغ يان، برعاية كاثرين بيدارد، في المركز الثقافي الكندي في باريس، والذي سيتم افتتاحه هذا الشهر.
ويتضمن عملي الذي يحمل اسم «Mallards Reeds» لوحة خشبية قديمة تصور قطيعاً من الإوز الكندي والبط البري التي تحلق فوق المستنقعات عند غروب الشمس محفورة بالليزر بنمط الأرابيسك.
ومن خلال وضع تصميم الأرابيسك على قطعة خشبية مع الإوز الكندي والبط البري، وهي صورة كندية قديمة، فإنني أهدف إلى التشكيك في أصل الثقافة ودور الزخرفة، وقد حصلت على هذه القطعة الخشبية من شركة محلية حيث أعيش في منطقة واترلو، أونتاريو، والتي تعمل على ترميم المواد الخشبية، إذ كانت هذه القطعة في وقت من الأوقات لافتة معلقة على ما يبدو في أحد المطاعم.
ويعود النمط الذي قمت باستخدامه في هذا العمل الفني لأجزاء من التصميم الفسيفسائي للقبة الداخلية لمسجد الإمام في أصفهان، في إيران، وهو المسجد، المعروف أيضاً باسم المسجد الملكي، الذي يعد جزءًا من مجمع مبانٍ في ساحة حضرية مُصنَّفة كموقع تراث عالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

الخبرات والثقافات
وكما يشير مؤرخ الفن أوليغ غرابار في كتابه «وساطة الزخرفة» فإن الزخرفة هي أحد أهم أدوات الوساطة في أي حوار بين الثقافات، ولكنه يتساءل في كتابه، بشكل متناقض، عن قيمة المعاني في حال توجيهها إلى الفن، أم أنه من الممكن القول بدلاً من ذلك إنه من خلال توفير المتعة، فإن الزخرفة تمنح المشاهد الحق والحرية في اختيار المعنى الذي يرغب فيه. ويهدف عملي إلى أن أصبح وسيطاً يسمح للمشاهد بالدخول إلى الفضاء الثالث ويحاول إجراء عملية تفاوض بين ثقافتين، إذ تُفيد تجارب وثقافات المشاهدين الفريدة في كيفية قراءتهم للعمل الفني، وهو ما يتيح لهم الدخول إلى الفضاء الثالث من خلال الانخراط في الترجمة الثقافية، حيث ينقل المشاهدون ثقافتهم عبر الأعمال الفنية والعكس صحيح.
فأنا أحد المهتمين بمفهوم الفضاء الثالث وذلك ليس في الفن والثقافة المعاصرة فحسب، ولكن أيضاً باعتباره وسيلة لفتح مساحة للحوار عبر مجالات الدراسة من أجل حشد وجهات نظر متعددة.
* أستاذة مساعدة في قسم الفنون البصرية في جامعة «ويسترن» الكندية
* خدمات تريبيون ميديا



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.