هل سرق شكسبير مسرحية «سيمبلين»؟

شكسبير
شكسبير
TT

هل سرق شكسبير مسرحية «سيمبلين»؟

شكسبير
شكسبير

تتضمن طبعة عام 1533 من سجل فابيان التاريخي، وهو موجز للتاريخ البريطاني والفرنسي منذ زمن الرومان حتى عصر هنري السابع، ملاحظات على الهامش، بخط توماس نورث، أحد رجالات العهد الإليزابيثي، ترتبط بالحبكة الدرامية وغيرها من تفاصيل العمل المسرحي المأساوي الهزلي لشكسبير الذي تدور أحداثه في بريطانيا خلال العصر الروماني.
يقول مايكل بلاندينغ الذي اكتشف وجود الكتاب في مكتبة «هوتون» بجامعة هارفارد، إنه لا يمكن للملاحظات الهامشية أن تكون إشارة إلى مسرحية شكسبير؛ لأن نورث قد تُوفي قبل التاريخ المقبول تقليدياً لأول عرض للمسرحية بنحو 6 سنوات، وهو عامي 1609 و1610. ويضيف قائلاً: «إنه اكتشاف ثوري من الصعب أن يكون له تفسير، سوى أن نورث قد استخدم الكتاب في تدوين ملاحظات خاصة بمسرحيته التي اقتبسها شكسبير لاحقاً».
وعمل باحث مستقل على تحليل تلك الملاحظات الهامشية، وهو دينيس مكارثي الذي يستخدم منذ عام 2005 برنامج كومبيوتر خاصاً بالسرقة الأدبية، لكشف روابط وصلات بين «هاملت» ومسرحيات أخرى وبين كتابات نورث. لقد كان بحثه مصدر إلهام لكتاب بلاندينغ الذي يحمل عنوان «نورث من خلال شكسبير».
تتبع بلاندينغ منذ ذلك الحين عشرات المؤلفات التي تعود إلى القرن السادس عشر، والتي كانت ملكاً لعائلة نورث يوماً ما، والتي يتضمن عديد منها ملاحظات هامشية لنورث. ويقول بلاندينغ إنه من المعروف أن نورث هو مترجم كتاب «حيوات» لبلوتارك، وهو مصدر شهير معترف به لمسرحيات شكسبير الرومانية. وتظهر الملاحظات الهامشية الموجودة في سجل فابيان التاريخي تشابهاً كبيراً مع الحبكة التاريخية لمسرحية «سيمبلين». وهو يستشهد بأمثلة تبين هذا التشابه: «على سبيل المثال، تشير كل من الملاحظات الهامشية والمسرحية إلى محاولات يوليوس قيصر المتكررة لغزو بريطانيا، وتستعرض تركيزه الذي يصل لدرجة الهوس، على موضوع الخراج الذي كان يدفعه ملوك بريطانيا إلى روما. إضافة إلى ذلك، تركز هذه الملاحظات على ولدَي سيمبلين: غايديريوس وأرفيراغس، وإشارة لمعركة (الجدار الأخضر) التي دارت رحاها تاريخياً في اسكوتلندا».
ومن المعروف أن مسرحية «سيمبلين» التي تعدّ من مسرحيات شكسبير المتأخرة، تتناول قصة ملك قديم من ملوك بريطانيا، وتدور أحداثها حول رهان على إخلاص ابنته إنوغين للرجل الذي تتزوجه سراً، وهو بستيوموس ليونوتوس، وتتحول الأحداث نحو مواجهة بين البريطانيين والجيش الروماني. وشخصية سيمبلين مستمدة من ملك سلتيكي يشير إليه مؤرخون معاصرون، مثل جيفري أوف مونماوث، باعتباره شخصية مهمة في مراحل تاريخية لاحقة لبريطانيا.
ويقول مكارثي الذي ساهم في بحثه جون شلوتر، وهو أستاذ فخري في كلية لافاييت بولاية بنسلفانيا: «أعتقد أن نورث كان يكتب تلك الهوامش كمخطط لمسرحية... ويجمع أحداثاً تاريخية يريد استخدامها. إنها تقوم جميعاً على الموضوع نفسه، وهو بريطانيا في مواجهة روما». كذلك أشار مكارثي إلى دليل يثبت دفع مبلغ مالي إلى نورث مقابل مسرحية عنوانها «رجال».
رغم أن مكارثي ليس من منكري وجود شخصية شكسبير، ويقرّ بأن الباحثين قد اعتمدوا على سجل فابيان التاريخي كمصدر، فإنه يرى أن ملاحظات نورث الهامشية «تشير بقوة إلى أن العقل المبدع العبقري وراء مسرحية (سيمبلين) كان في الواقع هو توماس نورث». ويكتب في دراسة للملاحظات الهامشية المذكورة، والتي من المقرر نشرها قريباً، أن تلك الملاحظات الثرية تشير إلى الخلفية التاريخية والشخصيات واللغة في مسرحية شكسبير. ويوضح قائلاً: «تشير أكثر من نصف تعليقات نورث الهامشية المميزة البالغ عددها 53، إلى شخصيات وأحداث موجودة في مسرحية شكسبير، وتتضمن جميع التعليقات الباقية تقريباً إشارة إلى الموضوع أو جوهر المسرحية».
إنه يشير أيضاً إلى تفاصيل، مثل التهجي الخاطئ لاسم كاسيبيلان؛ حيث كُتب «كاسيبولان»، بقوله: «في مسرحية (سيمبلين) الواردة في المطوية الأولى لمسرحيات شكسبير عام 1623، وهو أول نص معروف، تشير الملكة إلى ملك بريطاني قديم حارب الرومان، يعرف باسم كاسيبولان. وهذا الاسم مكتوب خطأ من جانب مؤلف المسرحية لاسم كاسيبيلان، ومن الواضح من إشارات نورث أنه مسؤول عن ذلك الهجاء الخاطئ للاسم».
ويستنتج مكارثي أن هذه الاكتشافات قد زعزعت بعض الباحثين؛ إذ «مع ظهور اكتشاف تلو الآخر، يصبح من الصعب جداً تجاهل الأمر... لدينا دليل قاطع»؛ إلا أن مايكل دوبسون، مدير معهد شكسبير في بلدة «ستراتفورد أبون أفون»، يرى أن اكتشاف ملاحظات نورث كان «هائلاً ومهماً» في حد ذاته. ويوضح قائلاً: «لا أعتقد أن الدليل... يقترب ولو بقدر ضئيل من دعم وإثبات الزعم بأن نورث كان يستخدم سجل فابيان التاريخي، كأساس لمسرحية عن سيمبلين. كذلك لا يبدو أن هناك أي سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن شكسبير كان بحاجة لمعرفة تلك التعليقات، أو بالمسرحية غير الموثقة وغير المعروفة من تأليف نورث التي تشير المزاعم إلى تأليفها من تلك الملاحظات».
لقد أضاف أن الدليل المتعلق بالهجاء الموجود في المطوية الأولى لم يكن أبداً «قوياً»؛ لأنه سجل هجاء من نسخوا ونقلوا وثائق المسرح أكثر مما يسجل هجاء شكسبير، وأن الحبكة الأساسية لمسرحية «سيمبلين» مستمدة بالأساس من كتاب الـ«ديكاميرون» لبوكاتشيو أكثر مما هي مستمدة من فابيان أو غيره من المؤرخين.
وقال ريتشارد داتون، مؤلف الكتاب المرتقب «ماسترينغ ذا زيفيلز»، «إجادة المرح الصاخب: التنظيم والرقابة الخاصة بالدراما العصرية الحديثة»: «اكتشاف ملاحظات توماس نورث الهامشية المتعلقة بموضوع مسرحية (سيمبلين) أمر مثير للاهتمام، ولن أستبعد احتمالية أن شكسبير كان على علم بها؛ لكن الطرح بأنه كان يعلم بها من مسرحية مجهولة ألّفها نورث نفسه، غير قابل للتصديق».
* ترجمة بتصرف عن جريدة «الغارديان» البريطانية



الرياض تحتفي بالريحاني وبكتابه «ملوك العرب» في مئويته الأولى

مائة عام على صدور كتاب الريحاني «ملوك العرب» (دارة الملك عبد العزيز)
مائة عام على صدور كتاب الريحاني «ملوك العرب» (دارة الملك عبد العزيز)
TT

الرياض تحتفي بالريحاني وبكتابه «ملوك العرب» في مئويته الأولى

مائة عام على صدور كتاب الريحاني «ملوك العرب» (دارة الملك عبد العزيز)
مائة عام على صدور كتاب الريحاني «ملوك العرب» (دارة الملك عبد العزيز)

في نهاية ربيع الأول من عام 1341 للهجرة، كتب الملك عبد العزيز رسالة جاء فيها «إلى حضرة الوطني الغيور والمصلح الكبير أمين أفندي الريحاني المحترم، دامت أفضاله، آمين. سلاماً وشوقاً وبعد، فبأشرف طالع وردني كتابكم الكريم المنبئ بوصولكم إلى البحرين، وإنكم مزمعون التوجه إلى طرفنا. أهلاً وسهلاً على الرحب والسعة. بالله لقد سررت جدّاً بذلك؛ فطالما كنت مشتاقاً للقياكم، وقد حققت الأيام شوقي والحمد لله».

وردت هذه الرسالة التي تعكس الرابط الوثيق بين الملك المؤسس عبد العزيز مع الأديب والمثقف اللبناني أمين الريحاني، في مطبوع وزعته دارة الملك عبد العزيز خلال الحفل الذي أقيم (الأربعاء) في مدينة الرياض، بمناسبة مرور مائة عام على صدور كتابه «ملوك العرب»، الذي أودع فيه الريحاني خلاصة رحلته إلى الجزيرة العربية بين عامي 1922 و1924، وقدّمها في عمل استثنائي وثّق معالم الجزيرة العربية وشخصياتها.

شارك في الندوة نخبة من الأكاديميين والمفكرين من مختلف التخصصات، لمناقشة الأبعاد المتعددة التي تضمنها كتاب «ملوك العرب».

واستعرض المشاركون في الندوة إسهامات الريحاني بوصفه كاتباً متعدد المجالات، وأكدوا أهمية توثيق تاريخ المنطقة ومجتمعاتها، من خلال استعراض تجربة المفكر الريحاني التي عكست وعي الملك عبد العزيز المبكر بأهمية كتابة التاريخ، وتوفير كل الوسائل المتاحة لتمكين المؤرخ من عمله.

الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن (الشرق الأوسط)

محطة لتأمل العلاقة بين الريحاني والجزيرة العربية

قال الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس إدارة الدارة، إن الاحتفاء بالكتاب هو بمثابة محطة لتأمل العلاقة الفريدة التي جمعت بين هذا المفكر الكبير والجزيرة العربية، مضيفاً أن الريحاني جاء مشحوناً بتصورات ضبابية، ومخاوف زُرعت في أذهان الكثيرين ممن لم تتسن لهم فرصة التعرف على جزيرة العرب من قرب.

وأشار الأمير فيصل، في كلمته خلال افتتاح الندوة، إلى أن «الجزيرة العربية كانت تتوجس من الآخر، وتنظر له نظرة شك، إلا أن الملك عبد العزيز بحكمته، تبنّى نهجاً منفتحاً ومرحباً بالجميع، إيماناً منه بأن معايشة القيم الإسلامية والعربية الأصيلة من شأنها تغيير المفاهيم وكسر الحواجز وعبور المسافات».

وأبان أن الريحاني «لم ينبهر بشخصية الملك عبد العزيز، حين أُسر بحنكته ورحابة صدره فحسب، بل سحرته أرض الجزيرة العربية، وأحب جبالها الشامخة ووديانها الغنية وصحراءها الفسيحة»، مضيفاً: «من أهم ما لفت نظر الريحاني هو اهتمام الملك عبد العزيز بالتاريخ والصحافة وتجارب الأمم الأخرى».

وتابع الأمير فيصل: «كما لم تفت الريحاني الإشارة إلى تفاصيل متعددة تعكس النهم لدى الملك المؤسس حول السياسات العالمية والدول الكبرى والفوارق بينها، وإدراكه كيف يسخر ذلك لمصلحة بلاده الفتية وللأمة العربية والإسلامية».

‏⁧وواصل: «من تجربة شخصية في الواقع، لا أكاد أعرف شخصاً كان عنده تصورات سلبية مسبقة عن هذه الدولة إلا وتشكلت عنده نظرة إيجابية بعد زيارتها والتعرُّف على شعبها الكريم».

من جهته، شارك الأكاديمي والباحث الدكتور أمين ألبرت الريحاني، رئيس مؤسسة الريحاني وابن شقيق المحتفى به، بكلمة مصورة، حكى فيها عن مسيرة الراحل البحثية، والأثر الذي تركته مؤلفاته على المستويين العربي والدولي.

الأمير فيصل بن سلمان خلال كلمته في افتتاح الندوة (دارة الملك عبد العزيز)

وقال أمين ألبرت إن الريحاني فوجئ عندما خاطبه الملك عبد العزيز بقوله: «لك الحرية يا أستاذ أن تتكلم معي بكل حرية، ولا أقبل منك غير ذلك، وأنا أتكلم معك بكل حرية، ولا تتوقع مني غير ذلك».

وأضاف: «القارئ يستوقفه ما كتبه الريحاني في مذكراته من اليوم الأول واللقاء الأول مع الملك عبد العزيز، حيث قال: لقد قابلت أمراء العرب كلهم، فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل، لست مجازفاً أو مبالغاً فيما أقول، فهو حقاً كبير، في مصافحته، وفي ابتسامته، وفي كلامه، وفي نظراته».

واستشهد ألبرت بآراء عدد من كبار المفكرين العرب والغربيين الذين أشادوا بكتاب «ملوك العرب» الذي نقل قصة الشرق إلى الغرب، وذلك بلغة علمية دقيقة وراقية، وكان كتابه إضافة أدبية في أدب السياسة، وفي أدب الرحلات الصحراوية.

ثم انطلقت الجلسات العلمية للندوة التي تناولت جوانب أدبية وتاريخية عن الكتاب والمؤلف، وشارك في الندوة نخبة من الأكاديميين والمفكرين من مختلف التخصصات، لمناقشة الأبعاد العميقة والمتعددة التي تضمنها كتاب «ملوك العرب».

واستعرضت الندوة إسهامات الريحاني بوصفه كاتباً متعدد المجالات، حيث كتب في مجالات الأدب، والفلسفة، والسياسة، والاجتماع، وأدب الرحلات، وهو ما أكسبه مكانةً خاصةً، وجعل رؤاه تتجاوز الزمان والمكان.

من ندوة الاحتفاء بمئوية كتاب ملوك العرب (دارة الملك عبد العزيز)

وقال الدكتور عبد اللطيف الحميد، الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، إن أبناء الملك عبد العزيز ورثوا مكانة الريحاني لدى والدهم المؤسس، ومن ذلك اهتمام الملك سلمان بمؤرخي التاريخ السعودي، وفي مقدمتهم أمين الريحاني.

وأضاف الحميد في ورقته «السعودية كما رآها الريحاني» أن «السعودية أعادت طباعة كتابة ملوك العرب، في طبعته الخامسة قبل خمسة وأربعين عاماً، في استمرار للاهتمام بإرث الريحاني قبل أن تحين لحظة الاحتفاء السعودي العربي المئوي المهيبة هذه، بأمين الريحاني وبمؤلفه الرصين».

من جهتها، قالت الدكتورة زهيدة درويش أستاذة الأدب الفرنسي بالجامعة اللبنانية، إن المناسبة تجديد للجسور بين السعودية ولبنان، وإن الطريقة التي وصف بها الريحاني لقاءه بالملك عبد العزيز تعكس هذه العلاقة الممتدة منذ أكثر من مائة عام.

وأضافت درويش: «هذا الاحتفاء يأتي في لحظة مهمة للسعودية، التي تشهد تحولاً كبيراً في كل المجالات، والتنوع الثقافي والجغرافي لديها وما تتميز به من ازدهار ورخاء، يعكسان اعتزاز المجتمع السعودي بهويته».

وتابعت: «استوقفتني في الكتاب مقدمته، وما ورد فيه عن إشكالية الهوية والعلاقة بالآخر، وأزعم أن سؤال الهوية هذا، شكّل أحد الدوافع الرئيسية لزيارة أمين الريحاني إلى شبه الجزيرة العربية، التي وفرت له مادة غنية بوضع هذا المؤلف المرجع».

وواصلت: «يبوح لنا الريحاني، بأن وعيه تكوّن وهو طفل على صورة مغلوطة للعربي، تكشف عن أحكام نمطية وصور مسبقة طالما أطبقت على وعينا الثقافي، إلا لدى من حثّه فضوله المعرفي، إلى طرح السؤال، وبدء مغامرة البحث عن حقيقة يتبناها بقناعة».

واستعرض فيلم قصير جزءاً من سيرة أمين الريحاني، والكتاب الذي عدّ أحد أبرز الأعمال الأدبية التي وثّقت الحياة في المنطقة العربية وتاريخها في مطلع القرن العشرين، لتسليط الضوء على أثر هذا الكتاب المميز في توثيق الثقافة العربية ورؤى الريحاني في مستقبل المجتمعات العربية، من خلال استعراض محاور ثقافية وفكرية متنوعة.

وسعت «دارة الملك عبد العزيز» من خلال هذه الندوة إلى إحياء التراث الثقافي العربي، وتعزيز الوعي بأهمية توثيق تاريخ المنطقة ومجتمعاتها.