(تقرير اخباري)
مع اندلاع أي اشتباكات مسلحة في مدن غرب ليبيا بين التشكيلات المختلفة، تتجدد مطالب رسمية وشعبية بضرورة إعادة تفكيك هذه المجموعات الميليشياوية، أو دمجها في المؤسسات الأمنية أو المدنية، في ظل وعود بتحقيق هذه المطالب، كان آخرها ما صرح به الفريق أول محمد الحداد، رئيس أركان القوات التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية»، بـ«وضع خطة شاملة لتنظيم هذه الكيانات»؛ لكن سياسيين ومتابعين يؤكدون صعوبة تحقيق ذلك لأسباب كثيرة، أبرزها أن هذه المجموعات باتت تستثمر في الصراعات السياسية الراهنة، كما تتمتع بصلاحيات ونفوذ وتسليح واسع، مما يتطلب وجود سلطة ليبية منتخبة لردعها.
بداية، يقول عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، علي التكبالي، إن الفريق أول محمد الحداد يعرف جيداً أن تنظيم هذه التشكيلات في العاصمة يحتاج موافقة قياداتها العسكرية بالمنطقة الغربية؛ مشيراً إلى أنها باتت تتمتع بصلاحيات ونفوذ وتسليح يفوق ما تمتلكه رئاسة أركانه، من بينهم رئيس «جهاز دعم الاستقرار» التابع للمجلس الرئاسي، عبد الغني الككلي، وعبد الرؤوف كارة، رئيس «جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة»، بالإضافة إلى قيادات التشكيلات المتمركزة بمصراتة والزاوية، وغيرها.
ورأى التكبالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ضرورة موافقة «أمراء الحرب في طرابلس الذين تم شرعنة وجودهم وكياناتهم الميليشياوية، بتبعيتهم للدولة خلال الأعوام الأخيرة»، وقال إن مصالح هؤلاء جميعاً «لا تتفق مع وجود جيش نظامي للبلاد، كما يدعو لذلك الحداد بنية حسنة أو بحس عسكري، لتفادي استمرار تدهور أوضاع البلاد».
وتابع التكبالي موضحاً أن «قادة هذه التشكيلات لن يتنازلوا عن الدعم التسليحي الذي يحصلون عليه من أعوانهم»، مبرزاً أن الصراع الراهن على السلطة التنفيذية «يعد فرصة لهم لحصد مزيد من المكاسب».
وتتجدد الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات في غرب ليبيا من وقت لآخر، كان أحدثها ما شهدته مدينة الزاوية نهاية الأسبوع الماضي، إثر قيام ميليشيات بوزريبة، التابعة لـ«جهاز دعم الاستقرار»، بمهاجمة دورية تابعة لـ«سرية الإسناد»، بإمارة محمد بحرون، الشهير بـ«الفار».
من جانبه، وصف عضو «المؤتمر الوطني العام» السابق، عبد المنعم اليسير، حديث الحداد بأنه «محاولة لتعزيز دور حكومة (الوحدة الوطنية)، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وإظهارها أمام المجتمع الدولي بصورة المهتم؛ رغم كل الصراعات»، لافتاً إلى أن ملف التشكيلات يعد أحد أهم ملفات الأزمة الليبية؛ خصوصاً في ظل ما أبدته بعض الأطراف الخارجية من قلق لتعليق وفد القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» لنشاطه في اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) الشهر الماضي.
وتحدث اليسير لـ«الشرق الأوسط» عن ازدياد قدرات التشكيلات المسلحة، قائلاً إنها «باتت تشكل قوى اقتصادية وإدارية وسياسية، تتحكم فعلياً في صناعة القرار بالدولة، وللأسف فالمجتمع الدولي لا يتفهم هذه الحقيقة»، مضيفاً: «المشكلة أنه لم يلتفت أحد داخلياً وخارجياً للتحذير من هذه التشكيلات، وخصوصاً تلك المرتبطة بتيار (الإسلام السياسي) في السيطرة على المواقع المهمة بالدولة، من معابر وموانٍ وجمارك ونقاط تفتيش». من جهته، أرجع عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، فشل أغلب المحاولات التي بذلت في ملف إعادة تنظيم التشكيلات، وإدماج عناصرها بالمؤسسات الأمنية أو المدنية على مدار العقد الماضي، رغم كثرتها، إلى «ضعف الجهات التي أشرفت على هذه العملية، وضعف مصادرها التمويلية، وهو ما ينسحب على ما هو مطروح حالياً».
وأوضح معزب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لم تكن هناك بالفعل خطط محكمة ودقيقة لهذا الملف، وفي الأغلب كان يجري الحديث عن حلول جزئية، وبالتالي تكاثرت على مدار السنوات الماضية أجسام عديدة، وُصفت حينها بكونها محاولة لتنظيم التشكيلات والمجموعات المسلحة؛ لكن سرعان ما اكتُشف أنها مجرد إضافة لتلك التشكيلات، وليست حلاً».
وبخصوص رؤيته للحل وتوحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية، قال معزب موضحاً: «نحتاج إلى سلطة تشريعية قوية تصدر قوانين قابلة للتنفيذ، على أن يتم دعمها من حكومة قوية غير منحازة لأي طرف، في ظل وجود قيادات إدارية وسياسية وعسكرية لتنفيذ تلك القوانين والخطط».
بدوره، استبعد أمين «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا، الدكتور عبد المنعم الحر، حدوث ما يطرحه البعض من حلول بتدخل قوات القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) لاعتقال كبار قادة التشكيلات، أو إخضاعهم للمحكمة الجنائية الدولية، تمهيداً لاحتواء عناصرهما فيما بعد. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «قوات (أفريكوم) ستنأى بنفسها عن الدخول في مثل هذه الأوضاع التي قد تبدو لها كمستنقع، كما أن ليبيا غير منضمة للمحكمة الجنائية الدولية حتى الآن، ولو انضمت اليوم فلن يكون من حق المحكمة النظر في جرائم سابقة على تاريخ انضمام ليبيا إليها».
وانتهى الحر إلى أن «الحل لهذا الملف يتمثل في سلطة قوية منتخبة من الشعب، تكون قادرة على فرض برامج جادة لمعالجة هذه القضية؛ لكن الحديث عنها في ظل الانقسام السياسي والعسكري الراهن يعد غير مجدٍ وبعيداً عن الواقع».
هل تستطيع الحكومة الليبية التخلص من التشكيلات المسلحة؟
بعد أن أصبحت تشكل قوى اقتصادية وإدارية وسياسية تتحكم فعلياً في صناعة القرار
هل تستطيع الحكومة الليبية التخلص من التشكيلات المسلحة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة