المغرب.. من الساحل إلى الصحراء

رحلة إلى بعض من أجمل مدن البلاد الساحرة

صحراء جميلة تغري زائرها برمالها الذهبية
صحراء جميلة تغري زائرها برمالها الذهبية
TT

المغرب.. من الساحل إلى الصحراء

صحراء جميلة تغري زائرها برمالها الذهبية
صحراء جميلة تغري زائرها برمالها الذهبية

كانت درجة الحرارة 90 درجة بينما محمد يغطي رأسي بغطاء أزرق اللون يستخدمه بدو الصحراء المغاربة من أجل حماية أنفسهم من الشمس. وبالقرب من ذلك المكان تتناهى إلى أسماعنا أصوات لجمال، بينما يضع عليها المسؤولون عن رعايتها، الركاب استعدادا لرحلة قريبة. وتمتد وراءنا الكثبان الرملية الشاسعة التي يبلغ ارتفاعها ارتفاع طابقين، ويتماوج محيط من الرمال باتجاه نهاية الأفق. وبعد رحلة استغرقت أسبوعا في أنحاء جنوب المغرب، بدأت أخيرا مغامرة داخل الصحراء تحقيقًا لحلم ظل يراودني لعقدين من الزمان. سألني محمد، المدير الشاب للفندق الذي كنت أمكث به: «هل معك ماء؟»، مشيرًا إلى حقيبة السفر التي تحتوي على أشيائي الخاصة وهي برتقالة، فرشاة أسنان، وأيضا زجاجة مياه. وفجأة صدمتني حقيقة أن هذه أشياء قليلة جدًا. وكنت أنتظر نصائح عند الوداع بشأن الوقاية من الشمس، والتنقل في الصحراء، ووسائل البقاء على قيد الحياة، وأسوأ ما يمكن أن يحدث، لكن محمد اكتفى بالابتسام.
وعادت نسائم الربيع للهبوب مرة أخرى مما أثار الخوف داخلي. وسألت: «ليس هناك احتمال أن تهب عواصف رملية، فهي تبدأ في الصيف، أليس كذلك؟». وحاولت أن أخفف من أثر الملاحظة بالدعابة. ففي النهاية ليست هذه سوى أكبر صحراء في العالم، إنه عالم لا يهدأ من الشمس الحارقة، والرمال الساخنة التي تمتد على مساحة 3.5 مليون ميل مربع تقريبا، حيث يمكن أن تتخبط بلا اتجاه لأيام أو أسابيع في قلب حرارة مميتة دون أن تلوح أي علامة تدل على وجود حياة لبشر أو حيوان ربما باستثناء عقرب واحد. ما أسوأ شيء يمكن أن يحدث؟
هبت أول رياح صحراوية في حياتي منذ 20 عاما علي حين كنت في الجامعة من صفحات رواية «مأوى السماء» الوجودية لبول باولز والتي صدرت في أربعينات القرن الماضي والتي كانت تروي حياة ثلاثة أميركيين يتنقلون عبر صحراء شمال أفريقيا. وجذبتني الرواية من أول كلمة وأثارت حماسي وتوتري. «استيقظ وفتح عينيه. لم تكن تلك الغرفة تعني الكثير له، فقد كان منغمسا في العدم الذي جاء لتوه منه». وحملتني تلك العبارات الحزينة نحو طرق لا تقل عجبا وإبهارًا عن تلك التي يتخذها بدو الرواية الذين توغلوا في قلب الصحراء اللامبالية. ويكتب باولز عن كيت، التي تسافر مع زوجها بورت قائلا: «لقد أذهلها صمت المكان. وكان هذا ليجعلها تظن أنه لا يوجد كائن حي على بعد ألف ميل. إنه صمت الصحراء الشهير». وترددت أصداء تلك العبارة «صمت الصحراء الشهير» في داخلي، وانتهى بي الحال إلى اختيار موضوع القصة الغريبة لجين، زوجة باولز، وهي نموذج لكيت، ليكون موضوع رسالة الماجستير الخاصة بي. والجدير بالذكر أن جين وبول باولز أقاما لعقود في مدينة طنجة المغربية التي بها ميناء حتى نهاية حياتهم، حيث تُوفيت جين عام 1973، وتُوفي بول عام 1999.
خلال السنوات التالية، أخذت أغذي الحلم الذي كانت تحلمه الفتيات اللاتي يتخذن من الجبل مأوى لهم، والتي تشكل قصتهم خطا رفيعا روائيا داخل رواية «مأوى السماء». وكان الحلم هو زيارة الصحراء، وتسلق الكثبان المرتفعة، وشرب الشاي في الصحراء. وحانت اللحظة في شهر مارس (آذار) الماضي، فبعد جولاتي الاستكشافية في مراكش، وفاس، والدار البيضاء، خلال زيارات سابقة، توجهت إلى الجنوب النائي المتسع، والذي يعد منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة تمتد على مساحة شاسعة. وعل متن خطوط حافلات «سي تي إم» و«سوبراتورز»، تنقلت عبر الجبال المتفرقة المتباعدة، وبين وديان الأمازيغ الجبلية، وسكان شمال أفريقيا ذوي البشرة البيضاء الذين كانوا موجودين قبل وصول العرب في القرن السابع الميلادي ولا يزالون يمثلون أغلبية سكان جنوب المغرب.

أغادير
بعد الوصول إلى مراكش بدأت رحلة بالحافلة مدتها ثلاث ساعات إلى أغادير التي تعد بوابة على الساحل تمتلئ بالشواطئ المتواضعة، وملاعب الغولف، والمنتجعات السياحية. وكان المنتجع الذي أقمت فيه يسمى «كينزي يووربا» نظيفا ذا طابع يجمع بين العصرية وطابع الموريين، ويبدو أنه ذائع الصيت بين السائحين القادمين من شمال أوروبا ممن يأتون إلى مطار أغادير الدولي على متن خطوط طيران منخفضة التكاليف وينتشرون حول أحواض السباحة حيث تتوافر كل وسائل الاسترخاء. ولعلمي أن أغادير ستكون فرصتي الأخيرة للاستمتاع بالشاطئ، والطعام البحري الطازج، والسهرات الليلية التقليدية، اعتزمت تدليل نفسي قبل تجربة الحرمان في الأراضي النائية. وكان المقصد الأساسي الذي دفعتني إليه حاجتي الأولى هو شارع 20 أوت الذي يمر بين مبان خراسانية بيضاء قاتمة تم تشييدها بعد ما دمر زلزال عام 1960 المدينة، ويؤدي إلى شاطئ المحيط الأطلسي. وتحت أشعة شمس العصر، كان رجال مغاربة ذوو شوارب كثة ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وأطفال يصيحون بمرح، ونساء يرتدين القفطان الملون الطويل، يتنزهون بين الأشياء المألوفة والطقوس التي تميز النزهات بطول الشواطئ في مختلف أنحاء العالم مثل الرجل الذي يلوي قبعات من البالون، والصفوف الممتدة من أجل تناول الآيس كريم الذي يقدم داخل مخروط من البسكويت، والصبية الذين يتباهون برقصاتهم الحماسية لإثارة إعجاب الفتيات. قد تشبه مدينة أغادير جنوب فلوريدا أو جنوب تكساس، باستثناء أن النساء بها يرتدين غطاء الرأس، وتحمل اللافتات عبارات مكتوب باللغة العربية، ومنها لافتة «ماكدونالدز»، وإن كانت مطعمة ببعض كلمات من اللغة الفرنسية، التي تستخدم كثيرا في الحديث في مختلف أنحاء المغرب، والتي كنت استخدمها في معاملاتي اليومية. وحصلت على مقعد تحت الشمس في نادي «شي عزيز» على الشاطئ مقابل 25 درهما. وعندما دفعت 45 درهما حصلت على كوب من الجعة الباردة منتجة في الدار البيضاء. وكان نورس أبيض وحيد يجوب السماء ذات اللون الأزرق الفاتح، بينما تتلاطم الأمواج محطمة معها كل إحساس بالزمن.
وأرخى الليل سدوله على مرفأ المدينة الزاخرة بالمباني البيضاء ذات الطراز الإسباني - الموري، ومتاجر «زارا» و«ميكس»، وبدأت المرحلة الثانية من التدليل في مطعم «لو كيه». وأخذت أتناول المحار بالفواغرا، أو كبد الإوز، بينما أجلس على أريكة من الجلد الأبيض اللون، واستمع إلى أنغام عازفي غيتار يعزفان توزيعا أندلسيا للحن أغنية «تيك فايف» لديف بروبيك. وكان هناك مجموعة متحمسة من النساء المغربيات يرتدين سترات جلدية أنيقة يصفقون ويدخنون السجائر ويرتشفون عصائر الكوكتيل. وكان المشهد ككل يتناغم مع النبيذ الأبيض المغربي «دومي دي صحاري» الذي كان اسمه نهاية مناسبة لرحلتي.
تارودانت
نقلتني حافلة في الصباح عبر السهول المتفرقة التي تمتد عليها أشجار رفيعة ومساكن عشوائية مبنية من الطوب اللبن. وبعد ساعتين في تارودانت، وجدت متاهة من الأزقة الضيقة تصطف على جانبيها مبان منخفضة الارتفاع ومتهالكة. وكانت النساء المرتديات غطاء الرأس، والرجال الذين يرتدون الجلباب يتجولون حول محال الجزارة التي تتبع الطريقة الإسلامية في ذبح الحيوانات، وأكشاك إصلاح الدراجات، وورش الميكانيكا. وكان صدى خليط الأصوات المزعجة يتردد، حيث اختلطت أصوات أزيز عجلات «السكوتر» الرخيصة، بأبواق سيارات الأجرة، ووقع أقدام الخيل التي تجرّ العربات، فضلا عن موسيقى البوب المغربي الصادرة من المذياع. ورأيت أن هذه هي مراكش الصغيرة، حيث يطلق المغاربة على المدينة تارودانت ربما لتاريخها المشترك مع قريبتها الأبرز والأشهر التي تقع باتجاه الشمال. وتم اتخاذ مدينة تارودانت، كعاصمة للسعديين، الذي كانوا من الأسر الملكية العربية القوية التي قاتلت من أجل السيطرة على المغرب في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وذلك قبل أن تصبح مراكش هي العاصمة. وحافظت المدينتان على الأسوار التي أبلاها الزمن والتي كانت تعلوها شرفات الحصن، وعلى الأسواق الشبيهة بالمتاهات، والميادين التي تعجّ بالحياة وتزخر بالمعالجين بالطب الشعبي وحواة الثعابين.
وبدا أن أوجه الشبه توقفت عند هذا الحد، حيث بدت تارودانت خالية من مظاهر حياة البذخ والعلامات التجارية العالمية التي كانت تزخر بها مراكش وهو أمر سار. ولم يكن بها سلسلة فنادق خمس نجوم، ولا منتجعات فخمة، ولا جلسات تصوير أزياء، ولا ملاه للقمار. ولم يكن هناك الكثير من السائحين، حيث لاحظت قلة منهم في سوق الأحد المفتوح خلف أسوار تارودانت. وبينما كنت أمر أسفل بوابة على شكل فرجة مفتاح باب تسمى باب الخميس، وجدت أزواجا غير متطابقة من الأحذية، وأدوات مطبخ رخيصة، وملابس أطفال، وقطعا إلكترونية متنوعة، متكدسة على أرض ترابية إلى جانب عصير برتقال طازج بلغ سعر الكوب منه 5 دراهم. وكان هناك امرأة تمسك بمنجل تأرجحه بين يديها بفخر حتى إنها كادت تطيح بأعناق بعض الزبائن.
إذا كنت تفتقد مثلي أفلام كـ«جنازة طعام الديم صام»، و«أبناء رامبو»، فهم بانتظارك على أسطوانات «دي في دي» المعروضة في سوق الأحد في تارودانت، وكذلك تنتظرك الماشية. وأفزع اثنان يستقلان دراجة نارية معزة صغيرة انقلبت على رأسها وجفلت اضطرابا بسبب الصوت، بينما أصدرت سيارة لها ثلاث عجلات تحمل مجموعة صغيرة من الماشية صوتا مفزعا هي الأخرى. ورآني بائع أحملق في معزته فابتسم كاشفا عن أسنانه، وصاح قائلا بالعربية: «مائة درهم». أثبتت المهارة جدواها في ميدان «بليس الهالوين» الذي ينتشر فيه الذين يتسولون بالعزف على الآلات الموسيقية ويروج المعالجون أدواتهم. وخلال فترة ما بعد الظهيرة في أحد الأيام رأيت رجلا يجعل ثعبان كوبرا يتمايل ويتراقص ويصيح بكلمات عربية أمام متفجرين مذهولين. وعلى الجانب المقابل من الميدان، كان هناك فرقة من الأمازيغ يعزفون على آلات موسيقية غريبة نغمات ذات طابع عالمي. وبينهم كان هناك رجل أفريقي يرتدي قبعة اليهود ويجلس على غطاء مبعثر عليه جماجم فارغة، وعظام مطلية باللون الأسود، وبيض في حجم الكرة لنعام ميت. وقال مشيرا إلى البيض: «إنه دواء للمعدة»، ثم أعطاني زجاجة بلاستيكية مكتوب عليها بالفرنسية «دواء للخصيتين». ورفضت بأسلوب مهذب موفرًا مهاراتي في التفاوض على الأسعار للأكشاك في الأزقة المغطاة المنتشرة في أسواق تارودانت.
وكان المكان الذي أثبتت فيه مهاراتي هو شيز إبراهيم المليء بالصناديق الملونة، والآنية المصنوعة من الجص الجيري المصقولة بصابونة زيت زيتون سوداء لإضفاء لمسة أخيرة من النعومة، والحلي الفضية المطعمة بالمرجان الأحمر، والفيروز، والمالاكيت، واليشب، وأحجار كريمة أخرى. وقال إبراهيم، صاحب المتجر الذي سخر من محاولاتي في مفاوضته على السعر: «نحن نجدها بين سكان الجبل، الذين يرتدونهم في حفل زفافهم ثم يبيعونها لنا عندما يحتاجون إلى المال». وبدا على وجه إبراهيم إمارات الرضا والاستمتاع كأب يشاهد طفله وهو يتناول الآيس كريم للمرة الأولى.

* خدمة «نيويورك تايمز»



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.