يأتي هشام أسعد من عائلة تملك خلفية غنية في تحضير الطعام ومكوناته. والده جزار يعرف بأنواع اللحوم وكيفية إعدادها. أما والدته فهي طباخة ماهرة بشهادة مراكز اجتماعية وجمعيات إنسانية، توصيها لتحضير أطباق الطعام التي تحتاجها.
منذ كان طفلاً وأجواء منزله تضج بالتحضيرات لموائد الغداء والعشاء. ولأن والدته كانت تعلّم ابنتها الصغيرة كيفية إعداد أطباق مختلفة، كان هشام يقف من بعيد يسترق السمع ويخزن الوصفات في ذهنه. وبعدما اكتشفw هواية الطبخ عنده، ومن ثم تصوير الأطباق التي يحضرها ونشرها على «إنستغرام»، قرر التفرغ لها بعيداً عن دراسته الجامعية في التصميم الغرافيكي. انطلق هشام وراء هوايته هذه منذ تخرجه في الجامعة، وتدريجياً تطور في تصوير الأطباق حتى صارت شغله الشاغل.
يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كلما تعمقت في المطبخ اللبناني، أنجذب أكثر صوب الأكلات التقليدية، وأبحث عن تاريخها وكيفية تحضيرها والمكونات المؤلفة منها. ومن ثم توسعت بالموضوع، صرت أعمل مع شركات خاصة ومطاعم ومحلات، أصور منتجاتها، كي تنشرها هذه المؤسسات للتسويق لنفسها».
اكتشف هشام أن الأجداد كانوا يحافظون على النظام الغذائي الصحي بصورة تلقائية في كل ما يتناولونه من أطعمة وخضار وفواكه، ترتبط بمواسمها الطبيعية. «كانوا يعيشون تلقائياً بنظام غذائي صحي، وهذا أمر ضروري لأن ما تدره علينا الطبيعة بفصولها هو الأكثر إفادة لسلامة صحتنا. لا مواد حافظة فيها ولا كيمائية أو صناعية مزروعة في الخيام البلاستيكية».
في عام 2020 اتصلت به دار نشر أسترالية كانت تتابع أعماله الفنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وطلبت منه مساعدتها في إصدار كتاب طبخ خاص بالأكلات اللبنانية. «أعجبتني الفكرة وأطلقنا على الكتاب اسم (بيروت). ونشرت فيه أنواع أطباق مختلفة وركزت على تلك البيروتية منها. فأطباق الـ(مفتقة) و(الكبة أرنبية) وما يشابهها لا يعرفها كثر. وهي إضافة إلى أطباق أخرى من يخاني فاصولياء وبطاطا وبامية وداود باشا، ألفت محتوى الكتاب. كما تضمن أيضاً نبذاً عن أساليب تحضير اللحوم المشوية (باربكيو)، كما نحضرها أيام الآحاد والمناسبات».لم يقتصر كتاب الطبخ «بيروت» على تقديم وصفات فقط، بل أرفقه بنصوص يحكي فيها عن التغيرات التي شهدتها حياة اللبناني في المطبخ. وزود قراءه بنبذة عن تاريخ المناطق في المتوسط، وكيف مرت بمشاكل وحروب عبر التاريخ منذ نشأتها حتى اليوم. ويعلق: «أوردت أيضاً في الكتاب الذي خرج إلى النور في عام 2021، التبدلات التي أصابت إيقاع حياة اللبناني في السنتين الأخيرتين، إثر اشتداد الأزمة الاقتصادية وانتشار الجائحة. فهي مراحل بدلت في عاداتنا وتقاليدنا، وطبعت يومياتنا بهموم وتحديات كثيرة».
ويرى هشام أن مهمة تصوير الأطباق تستلزم أفكاراً فنية وإبداعية تثير الشهية عند رؤيتها. لذلك يحاول قدر الإمكان إحاطة طبق الطعام بما يجذب النظر من ألوان خضار. «الهدف من تصوير الطبق هو الجهة التي ستستفيد منها مما يعلل عملية التصوير وتضع لها إطارها العام. فهناك أسلوب معين يتبع في تصوير الأطباق الخاصة بالمطاعم والمحلات أو لكتاب. فمرات يجب إبراز المكونات، ومرات أخرى علي أن أولد أجواء زاهية لطبق مجدرة بني اللون ينشر في كتاب».
ويشبه هشام تصوير الطبق بـ«مانيكان» تعرض زياً لمصمم. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عند تصوير العارضة، يجب التركيز عليها بدون تشويش. الأمر نفسه يصح على الطبق. علي أن أرسم صورة له في خيالي كي أبرز خصائصه ومعالمه وألوان مكوناته وأنقلها بكاميرتي. يجب أن أجد الطريقة المناسبة لأظهر كل ذلك بتأن. وأحيانا ألجأ إلى خضار ملونة كالجزر والفلفل الحلو والليمون الحامض أو المخللات، كي أزيد الطبق أناقة وشهية معاً».
ومن أكثر الأعمال التصويرية التي علمت في ذاكرته، تلك التي تعاون فيها مع محل لبيع المونة اللبنانية. «أعجبت بديكور المحل من الخشب والرخام وبطريقة توضيب المونة في أوعية زجاجية تلفت النظر. فكلما كان المنتج جميلاً حفزني أكثر على تصويره».
عمله في مجال الأكل دفعه إلى ممارسة الطهي كشيف في مطاعم تطلبه كي يحدث الفرق في أطباقها. «لست من النوع الذي يحب الالتزام بالمطبخ والطهي، لأني أمل بسرعة من التكرار. ولكني أفكر في العودة إلى هذه المهنة في مناسبات خاصة، فأخرج طاقتي الإيجابية، من خلال لائحة طعام معينة تكون مستوحاة من الموسم الذي نمر به. أقف على آراء الناس مباشرة وأتفاعل مع ملاحظاتهم الخاصة بالأطباق التي أحضرها، لأني أحب هذا النوع من التواصل في مهنتي».
وعن أكثر المطابخ التي يجدها جذابة للتصوير الفوتوغرافي يقول: «مطبخ المتوسط، هو غني ومنوع يمتد من الساحل وصولا إلى الريف. فأطباق بلادنا جميلة الشكل كما أن طعمها لذيذ جداً».