العراق: كل شيء بـ«لون التراب»

في ظل تواصل موجات العواصف الرملية... ومخاوف من «نزوح بيئي»

«جسر الشهداء» خلال العاصفة الترابية التي ضربت بغداد أمس (إ.ب.أ)
«جسر الشهداء» خلال العاصفة الترابية التي ضربت بغداد أمس (إ.ب.أ)
TT

العراق: كل شيء بـ«لون التراب»

«جسر الشهداء» خلال العاصفة الترابية التي ضربت بغداد أمس (إ.ب.أ)
«جسر الشهداء» خلال العاصفة الترابية التي ضربت بغداد أمس (إ.ب.أ)

لم تكن العواصف الترابية أمراً طارئاً في العراق عبر تاريخيه القريب والبعيد، لكنها أيضاً لم تكن بالكثافة والكثرة والاستمرار مثلما عليه الحال اليوم. وبات هذا الأمر يخيف ويقلق معظم الفئات السكانية التي تتأثر اقتصادياً وصحياً واجتماعياً وأمنياً، نتيجة موجات العواصف الحاملة لرمال الصحراء الحمراء التي تحوّل شوارع ومنازل وأشجار المدن إلى كتل من تراب.
وسجلت وزارة الصحة، الخميس الماضي، 5 آلاف حالة اختناق ووفاة واحدة جراء العواصف الترابية.
وحذّر وزير البيئة جاسم الفلاحي، في تصريحات أول من أمس، مما سمّاها «ظاهرة اللاجئ البيئي» ويقصد بها اضطرار السكان الذين يعيشون في أطراف المدن والمناطق الزراعية إلى النزوح من مناطقهم والتوجه إلى المدن الكبيرة نتيجة الجفاف وموجات الغبار المتواصلة.
وأضاف الفلاحي أن «ازدياد معدلات الغبار بسبب زيادة نسبة التصحر والتغيرات المناخية هو واحد من أهم التحديات التي نواجهها، وليس فقط بسبب ارتفاع درجات الحرارة ولكن بسبب الجفاف وتراجع الإيرادات المائية من دول المنبع».
وأكد أن «النزوح البيئي سيثقل كاهل الوزارات، خصوصاً أنه سيؤدي إلى بناء عشوائيات وتداعيات اجتماعية وصحية وأمنية».
ورغم حديث الوزير عن إعداد وزارته خطة لمواجهة التغيرات المناخية، فإن معظم العراقيين لا يعولون كثيراً على خطط تقدم من هذه الوزارة أو تلك في ظل عجز وتراجع شبه تام تشهده البلاد منذ سنوات في المجالات كافة.
ورجحت الهيئة العامة للأنواء الجوية، أمس (السبت)، انتهاء موجة الغبار يوم الاثنين المقبل.
وتتزايد يوماً بعد آخر أسباب التشاؤم العراقية المتعلقة في الجانب البيئي. فإلى جانب تراجع الموارد المائية والجفاف والموجات الترابية وضعف الأداء الحكومي لمواجهة كل ذلك، جاء تقرير سري كشفت عنه مؤخراً إحدى الوكالات الأمنية الأميركية المتعلقة بالأمن القومي ليزيد الأمور تعقيداً بشأن مستقبل العراق البيئي، بعد أن ذكر التقرير أن العراق سيكون من بين 11 بلداً حول العالم الأشد والأكثر تضرراً من تغيرات المناخ. التقرير الذي نقلته السفارة العراقية في واشنطن إلى وزارة الخارجية وبدورها إلى مجلس الوزراء الذي عممه على جميع الوزارات لخطورته، يشير إلى أن الدول الإحدى عشرة وضمنها العراق، معرضة خلال العشرين سنة المقبلة إلى «الخطر في مجالات الطاقة والغذاء والمياه، وستؤدي بدورها إلى ازدياد الصراعات المحلية والإقليمية، بجانب زيادة في الجفاف والحرارة وتهالك البنى التحتية». وسبق أن حذرت تقارير للأمم المتحدة من إمكانية تعرض العراق إلى نحو 300 عاصفة ترابية في العام الواحد نتيجة انحسار الأمطار والجفاف والتصحر.
وتحظى موجات التراب وانخفاض موارد البلاد المائية هذه الأيام بأهمية استثنائية من معظم المواطنين العراقيين، وقد انتشر يوم أمس شريط فيديو يظهر أحد الشباب وهو يركض في منتصف نهر دجلة أسفل جسر الجمهورية ببغداد، في مؤشر مخيف على انخفاض مناسيب النهر.
وانتشر كذلك، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عنوان رئيسي نشرته صحيفة «حبزبوز» البغدادية الصادرة في أبريل (نيسان) عام 1934، يقول إن «أهالي بغداد يستغيثون من الغبار»، وبعد قرابة قرن من الزمان تتكرر الشكاوى والاستغاثات، ليس من قبل سكان العاصمة فحسب، بل من معظم سكان محافظات غرب وشرق وجنوب البلاد. ورغم الطابع «الطيني» الذي اتصفت به حضارة وادي الرافدين الجنوبية بعكس حضارته الشمالية أو حضارة وادي النيل الحجرية، فإن موجات التراب الأخيرة باتت بالفعل تمثل كابوساً يعكر صفو حياة الجميع، فربات البيوت هذه الأيام يشتكين من أن جهودهن المبذولة في تنظيف منازلهن تذهب أدراج الرياح نتيجة العواصف الترابية المتواصلة منذ أسابيع، ما يلقي أعباء إضافية عليهن، بجانب أعباء المعيشة والعمل وإدارة المنزل.
وفيما اشتكى صاحب قطيع للغنم في محافظة واسط من أن أغنامه لا تتمكن من أكل النباتات المغطاة بتراب كثيف، قال مصوّر في محافظة بابل بعدما التقط صورة من الجو لمدينته إنها أصبحت أقرب إلى مشهد «مقبرة»، بعد أن غمر التراب والرمال الحمراء أبنيتها وشوارعها وأشجارها.
من جانبها، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أمس، توجيهاً بشأن مؤشر التغيرات المناخية لـ«تعزيز الدراسات الكاشفة عن المشكلات المناخية وتشخيص تأثيرها في العراق من خلال منظور استراتيجي متكامل».
وحدد وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، أمس، المساحة المخصصة للخطة الزراعية الصيفية. وقال الحمداني، في مؤتمر صحافي عقده بمحافظة النجف، إن «وزارة الموارد ستوفر المياه لثلاثة ملايين دونم خلال الخطة الزراعية الصيفية، وإن مليون دونم ستخصص لزراعة البساتين ودعم البستنة ومليون دونم ستخصص لزراعة الخضراوات ودعم المنتج الوطني، والمليون دونم الأخيرة ستخصص للأراضي التي تزرع بالمياه الجوفية وحسب الموافقات الخاصة بوزارتي الزراعة والموارد المائية».
وذكر الوزير الحمداني أن وزارته «تضع في أولوياتها تأمين وتوفير مياه الشرب للمواطنين في ظل أزمة الجفاف التي لا يعاني منها العراق فقط وإنما أغلب دول العالم ودول الجوار».
كانت وزارة الزراعة أعلنت، في وقت سابق، انخفاض الخطة الزراعية للعام الجديد بنحو 50 في المائة عن السنوات الماضية نتيجة قلة الموارد المائية.



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.