لا يزال سكان الجنوب الليبي يعاينون آثار فلول تنظيم «داعش» على أطراف مدنهم وفي محيط مزارعهم، فهناك تسمح الصحراء المترامية لعناصره بالتمركز بعيداً عن عيون الدوريات العسكرية، بقصد الانقضاض على أهداف حيوية كلما أتيحت الفرصة.
ومنذ تطهير مدينة سرت بوسط ليبيا من عناصر التنظيم الإرهابي قبل ستة أعوام على يد قوات عملية «البنيان المرصوص»، وهم يرابطون على أطراف الحدود الجنوبية، ويخططون لعمليات تفجيرية خاطفة في أوساط المدنيين، أو يستهدفون بوابات عسكرية.
ويقول سكان بالجنوب إنهم «يشاهدون من وقت لآخر مركبات للتنظيم ترفع رايات سوداء، لكنها تمر سريعاً باتجاه الصحراء دون توقف»، مشيرين إلى أن «الدوريات العسكرية لـ(الجيش الوطني) تدفع هذه العناصر للهروب إلى كهوف سرية بعيداً عن المناطق السكنية».
وقال أحد شيوخ قبيلة ليبية بالجنوب، رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، إن عناصر «داعش»، الذين يتخذون من الجبال والوديان أوكاراً لهم، «يعملون كقطاع طرق لنهب أموال المواطنين وماشيتهم».
وفي محاولة لإثبات قدرته على القيام بعمليات إرهابية، استهدف التنظيم بواسطة سيارة مفخخة عن بُعد معسكر سرية الدوريات الصحراوية، التابع للواء طارق بن زياد المعزز بالجيش في منطقة أم الأرانب (جنوب ليبيا) في الثامن عشر من الشهر الماضي.
وتحذر منظمات دولية وأممية من مخاطر تنظيم «داعش» وقدرته على العودة إلى ليبيا، التي كان يعدها معقلاً لقيادته في أفريقيا، وهو ما عبرت عنه المستشارة الأممية سيتفاني ويليامز، سابقاً، بالقول إن «خطر التنظيم أصبح شديداً على البلاد حال العودة للانقسام والحرب، خصوصاً بعد العملية الإرهابية الأخيرة ضد الجيش»، كما عبرت عن قلقها الشديد من شبح رفع الرايات السوداء في الجنوب، بعد عملية قتل فيها عدد من جنود الجيش الوطني الليبي مطلع العام الحالي.
ويرى سياسيون أن «فرص شروع التنظيم في عمليات إرهابية لا تزال قائمة كلما تفاقمت خلافات السياسيين حول السلطة»، مشيرين إلى أن عناصره «تنشط أكثر في المناخ المضطرب والأوضاع الأمنية المتردية».
وسيطر «داعش» على مدينة سرت منذ يونيو (حزيران) 2015، لتصبح معقله الرئيسي في شمال أفريقيا، كما سعى إلى التوسع في ليبيا، عندما تقدم في البداية نحو الموانئ النفطية وحاول التمدد بعدها إلى باقي المدن الغربية، لكن هذا التقدم سرعان ما بدأ في التراجع مع إطلاق حكومة «الوفاق الوطني» في مايو (أيار) 2016 عملية «البنيان المرصوص»، التي نجحت في القضاء على بعض عناصره، وفرار البعض الآخر إلى الصحراء.
وفي نهاية الشهر الماضي، قال «الجيش الوطني»، إن قواته خاضت اشتباكات مع عناصر تابعة للتنظيم بمنطقة غدوة، جنوب مدينة سبها، أسفرت عن «إلحاق خسائر بصفوف الإرهابيين». وأوضح اللواء خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، أن فلول التنظيم تركوا وراءهم متفجرات داخل إحدى العربات، التي كانت تقلهم بمنطقة غدوة، وعدداً من الهواتف النقالة، مشيراً إلى أنهم رصدوا مسؤول التفخيخ والقيادي المتشدد التونسي هشام بن هاشمي، ضمن هذه المجموعة، وأنه يجري البحث عنه في الجيوب الصحراوية.
ومنذ بداية العام الحالي، تزايدت المخاوف الدولية، التي عبر عنها مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة تشانغ جون، من تصاعد نشاط «داعش» واستمراره في ليبيا وسوريا والعراق، ورأى أن عناصر التنظيم تتوغل بوتيرة أسرع في مناطق عدة بأفريقيا، من بينها ليبيا.
ودعا مندوب الصين، الدول الأعضاء، إلى ضرورة التحرك لمواجهة التهديدات الإرهابية والاهتمام بأفريقيا.
في وقت يواصل فيه «الجيش الوطني» تمشيط الصحراء الجنوبية بحثاً عن أوكار للإرهابيين، من بينها مداهمة وكر لتنظيم «داعش» قرب المثلث الحدودي الملتهب مع دولتي تشاد والنيجر، عثر بداخله على سجن سري وقبر أحد القتلى التابع له، وفقاً لوحدة الإعلام الحربي للجيش.
وفي الذكرى السادسة لإنشاء عملية «البنيان المرصوص»، التي واجهت «داعش»، ذكر المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي بغرب ليبيا العميد طيار محمد قنونو، «التضحيات الكبيرة» للقوات التي واجهت عناصر التنظيم في سرت، وقال إن «بواسلنا في هذه الملحمة أثبتوا أنه لا مجال للمزايدة علينا في القضاء على الإرهاب وسحقه واجتثاثه من جذوره».
وتابع قنونو موضحاً أن «الواقع والتاريخ يقولان إن أبطال الجيش الليبي هم من قضوا على أول ولاية لتنظيم الدولة الإرهابي خارج منبته في ملحمة (البنيان المرصوص) التي يُستلهم منها الخبرة والعبر». وتذكر في هذا السياق المعركة التي انتهت بمقتل الرئيس الراحل معمر القذافي، قائلاً: «سرت فيها قضى أبطالنا على رأس النظام البائد، وفيها قضى على تنظيم (داعش) الإرهاب، وفيها ملتقى الشرق والغرب والجنوب... وعندها ستُحافظ على مدنية الدولة وتُنهي وجود المرتزقة الدوليين».
ما هي فرص تخلص ليبيا من مخاطر تنظيم «داعش» المتشدد؟
بعد محاولاته المتكررة إثبات قدراته على القيام بعمليات إرهابية جديدة
ما هي فرص تخلص ليبيا من مخاطر تنظيم «داعش» المتشدد؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة