حتى في أعظم اللحظات التاريخية لبوروسيا دورتموند، كان الرئيس التنفيذي للنادي هانز يواخيم فاتسكه يعرف جيدا ما هو قادم. كان ذلك بالتحديد في مايو (أيار) 2012 على الملعب الأولمبي في برلين، وكان بوروسيا دورتموند يتلاعب بكل سعادة بغريمه التقليدي بايرن ميونيخ ويسحقه بخمسة أهداف مقابل هدفين، ليفوز لأول مرة في تاريخه بثنائية الدوري والكأس في موسم واحد. سجل المهاجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي ثلاثة أهداف رائعة في تلك الليلة، وتناول المدير الفني لبوروسيا دورتموند آنذاك يورغن كلوب الكثير من الكحوليات أثناء الاحتفالات لدرجة أنه زعم في وقت لاحق أنه لا يتذكر ما حدث. لكن الرئيس التنفيذي لبوروسيا دورتموند والمعروف بنظرته المتشائمة كان أكثر قلقاً بشأن ما قد يحدث بعد ذلك، حيث قال فاتسكه لزملائه: «ستكون تداعيات ذلك دراماتيكية».
وبعد مرور عقد كامل من الزمان، لا تزال تداعيات ما حدث في تلك الليلة تلقي بظلالها على كرة القدم الألمانية حتى يومنا هذا. وحتى فاتسكه نفسه ربما لم يكن يتوقع أن تسير الأمور على هذا النحو وأن تكون تنبؤاته بهذه الدقة، قبل ثلاث مراحل من نهاية المسابقة، فاز بايرن ميونيخ على بوروسيا دورتموند بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد على ملعب «أليانز أرينا» ليفوز بلقب الدوري الألماني الممتاز للمرة العاشرة على التوالي، في إنجاز لم يحققه أي نادٍ آخر في أي من الدوريات الأوروبية الكبرى من قبل.
لقد اتضح أن الإهانة التي تعرض لها بايرن ميونيخ أمام بوروسيا دورتموند تسببت في رد فعل عنيف لم يجعل بايرن ميونيخ الفريق الأكثر هيمنة في تاريخ كرة القدم الألمانية فحسب، لكنه جعله أيضاً أحد أكثر الفرق المهيمنة في عالم كرة القدم ككل. وبلغ هامش انتصارات الفريق في المواسم العشر الماضية 137 نقطة.
لقد فاز بايرن ميونيخ على بوروسيا دورتموند في لقاءاتهم الثمانية الماضية في جميع المسابقات، وهو رقم قياسي آخر. واعترف فاتسكه في وقت لاحق بأن «أكبر خطأ ارتكبه بوروسيا دورتموند هو إثارة غضب بايرن ميونيخ كثيراً في عام 2012».
ورغم كل الإنجازات الرائعة والأرقام الهائلة التي حققها بايرن ميونيخ على مدار العقد الماضي، لكن الفوز بعشرة ألقاب متتالية للدوري الألماني الممتاز يثير العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول قوة المسابقة من الأساس. وحتى المدير الفني لبايرن ميونيخ، جوليان ناغيلسمان، يشعر أحياناً بالملل من قلة المنافسة، وهي المشاعر التي قد تنتاب لاعبيه أيضاً. يعد هذا هو أول لقب للدوري يفوز به ناغيلسمان، الذي يعد واحدا من أفضل المديرين الفنيين الشباب في أوروبا. وعلى النقيض من ذلك، كان هذا هو لقب الدوري الحادي عشر الذي يفوز به توماس مولر. وقال ناغيلسمان يوم الخميس: «أعلم أن لقب الدوري أصبح أقل أهمية في ميونيخ. ومع ذلك، فهو إنجاز جيد للغاية».
وبعيداً عن بافاريا، فغالباً ما يؤدي نجاح بايرن ميونيخ إلى مشاعر أبسط بكثير، بدءا من الغضب وصولا إلى السخرية. فبالنسبة للبعض، فإن ما يحققه بايرن ميونيخ يعد دليلا دامغا على أن كرة القدم بحاجة إلى مزيد من الحماية ضد الثروة غير المقيدة. وبالنسبة لآخرين، فإن هذا دليل قاطع على عكس ذلك: أن مقاومة كرة القدم الألمانية للاستثمار الضخم، من خلال قاعدة الملكية 50+1 (اختصار لنموذج الملكية الألماني لأندية كرة القدم المحترفة، والتي تعني أن نسبة 50 في المائة، بالإضافة إلى حصة واحدة من حقوق التصويت في النادي، يجب أن تكون ملك أعضاء الأندية في أي فريق من فرق الدوري الألماني الممتاز) قد ساعدت بايرن ميونيخ على ترسيخ قوته وهيمنته.
لكن الحقيقة، كما هي دائماً، أكثر تعقيداً من ذلك بكثير. من السهل أن تقول إن فوز بايرن ميونيخ بعشرة ألقاب متتالية أمر سيئ للعبة، لكن يتعين أن نطرح السؤال التالي: متى تكون مرات الفوز بأي بطولة أكثر من اللازم؟ وما هو العدد الصحيح للفرق التي يجب السماح لها بالمنافسة حقا على بطولة الدوري؟ اثنان، كما هو الحال في إسبانيا وإنجلترا؟ أم ثلاثة أو أربعة، كما هو الحال في إيطاليا؟ أم نصف الأندية المشاركة في المسابقة؟ ومن الناحية المثالية، هل يجب أن يفوز فريق مختلف باللقب كل موسم؟
تطرق يورغن كلوب لهذه القضية أثناء مقابلة مع مجلة بيلد الألمانية هذا الشهر، حيث قال: «هناك سببان لهيمنة بايرن ميونيخ. الأول، بالطبع، يتمثل ببساطة في الجودة التي يتمتعون بها. والسبب الثاني هو أن المنافسين يسرقون النقاط من بعضهم البعض، فالفرق الأخرى ربما تكون قريبة جداً في المستوى».
ما يقوله كلوب، في جوهره، يعني أن المنافسة على احتلال المركز الثاني - والتي قد تشمل في أي عام عادي بوروسيا دورتموند ولايبزيغ وبايرن ليفركوزن، بالإضافة إلى فريق آخر أو اثنين - تكون شرسة للغاية ومرهقة لدرجة أنه لا يمكن لأي من هذه الفرق أن يكون منافسا حقيقيا على الفوز باللقب. الفارق الكبير يكمن في مستوى المنافسين. فعلى مدى المواسم الخمسة الماضية، كان متوسط الفجوة بين صاحب المركز الثاني وصاحب المركز الخامس في الدوري الألماني الممتاز 10 نقاط، مقابل 17 نقطة في كل من إنجلترا وإسبانيا. بطريقة ما، لم تكن المنافسة في ألمانيا قوية على المركز الأول، لكنها كانت مشتعلة تماما على المراكز التالية للمتصدر بايرن ميونيخ.
النقطة الأخرى التي يجب توضيحها هي أن هناك بالفعل دلائل مبكرة على أن الأمور قد تتغير. في الحقيقة، يتمثل أحد أخطر أسلحة بايرن ميونيخ في بحثه عن الهيمنة المحلية في قدرته على انتقاء وضم أفضل لاعبي منافسيه. قبل عقد من الزمان، ضم بايرن ميونيخ عدداً كبيرا من نجوم بوروسيا دورتموند مثل ليفاندوفسكي وماريو غوتسه وماتس هوملز. وفي الآونة الأخيرة، خطف العملاق البافاري مارسيل سابيتسر ودايوت أوبيكانو من نادي لايبزيغ. لكن قدرة هذه الأندية على بيع لاعبيها بأسعار عالية إلى أندية الدوري الإنجليزي الممتاز أفسدت هذه الاستراتيجية على بايرن ميونيخ.
ولم يعد من الممكن أن يدخل بايرن ميونيخ في منافسة عمالقة الأندية الأوروبية على لاعب مثل إيرلينغ هالاند أو جود بيلينغهام. ويبدو أن ليفربول في طريقه للتعاقد مع جوهرة ومعجزة بايرن ليفركوزن، فلوريان فيرتس. وفي الوقت نفسه، فإن قائمة اللاعبين الذين يسعى بايرن ميونيخ لضمهم خلال فترة الانتقالات الصيفية المقبلة – والتي تشمل، وفقاً لروايات مختلفة، لاعبين مثل لاعبي أياكس نصير مزراوي وأنطوني، ولاعب بنفيكا داروين نونيز، وجناح ليدز يونايتد رافينيا - تشير إلى أن بايرن ميونيخ لم يعد قادرا على المنافسة على ضم لاعبين من الفئة الأولى. وكما قال كاي هافرتز عندما رفض الانضمام لبايرن ميونيخ وفضل الانتقال إلى الدوري الإنجليزي الممتاز في 2020: «اللقب مع تشيلسي يستحق الكثير».
ربما تكون هذه هي النتيجة المنطقية لإضعاف الدوري المحلي الذي تلعب به، فهذا يجعل كل الأندية عرضة لأن تلتهمها الأندية القوية بالخارج. والآن، يماطل المهاجم البولندي الفذ روبرت ليفاندوفسكي في تجديد عقده مع بايرن ميونيخ، في الوقت الذي يسعى فيه برشلونة جاهدا للحصول على خدماته.
وقد أظهرت الهزيمة أمام فياريال في دوري أبطال أوروبا أن بايرن ميونيخ لم يعد الفريق الذي كان يبث الخوف في نفوس جميع المنافسين في أوروبا. ومؤخراً، كشفت رابطة الدوري الألماني الممتاز أن إيراداتها تراجعت بنسبة 10 في المائة مقارنة بالعام السابق، ولم يكن ذلك نتيجة غياب الجماهير عن الملاعب فحسب، ولكن أيضاً بسبب تراجع حقوق التسويق بعدما بدأ المشاهدون يعزفون عن مشاهدة هذه المسابقة نتيجة قلة المنافسة. وبالتالي، فحتى إذا لم ينجح منافسو بايرن ميونيخ في الحد من قوته، فربما تنجح السوق في ذلك قريباً!