شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

بعد خروجه عن ظل شقيقه الأكبر

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية
TT

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

اختارت وسائل الإعلام الباكستانية إطلاق وصف خاص على السرعة التي جرت بها أعمال التطوير والتنمية في ظل قيادة شهباز شريف، حاكم إقليم البنجاب - ذلك أنهم يطلقون عليها «سرعة شهباز». ووصفت وسائل الإعلام شهباز شريف بأنه «ساحر»، وذلك في إشارة إلى السرعة التي تمكن من خلالها من تحويل لاهور، ثاني أكبر مدن باكستان، من مدينة متروبوليتانية قديمة إلى مدينة حديثة تتميز بجسورها المرتفعة وقطارات الأنفاق وحافلات الركاب والطرق الحديثة. أما منتقدوه، فاتهموه بتنفيذ أجندة تنموية تفتقر إلى التوازن، وذلك مع تجاهله مناطق ومدناً أخرى. ويرد شهباز شريف على ذلك بقوله، إنه نجح في بناء منظومة رعاية صحية فاعلة داخل الإقليم تقوم على شبكة واسعة من المستشفيات. وفي ظل قيادته، تمكن الإقليم من مواجهة جائحة كبرى بنجاح، حسبما أكد شهباز شريف.
دخل رئيس وزراء باكستان شهباز شريف ميدان العمل السياسي عام 1988 عندما انتُخب لعضوية مجلس إقليم للبنجاب، أكبر أقاليم باكستان من حيث عدد السكان. ثم انتُخب لعضوية المجلس الوطني الباكستاني عام 1993 وأصبح زعيماً للمعارضة. ومن ثم وقع عليه الاختيار لمنصب حاكم البنجاب، للمرة الأولى في 20 فبراير (شباط) 1997. وبعد الانقلاب العسكري الذي شهدته باكستان عام 1999، أمضى شهباز شريف وأسرته سنوات في منفى اختياري في المملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى باكستان عام 2007.
عُين شهباز حاكماً للإقليم لولاية ثانية عام 2008، في أعقاب فوز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية في الانتخابات العامة الباكستانية داخل إقليم البنجاب. كما انتُخب حاكماً للبنجاب للمرة الثالثة عام 2013 في أعقاب انتخابات عامة وظل في منصبه حتى هزيمة حزبه في الانتخابات العامة عام 2018. ولكن مع ذلك، بقي شهباز شريف كل هذه السنوات في ظل شقيقه الأكبر نواز شريف. ورغم ما يتمتع به من مهارات إدارية ممتازة، نظر كثيرون إلى شهباز شريف داخل عالم السياسية الباكستاني باعتباره مجرد الشقيق الأصغر لنواز شريف.
اللافت، أن شهباز شريف نفسه يبدي القدر ذاته من الولاء تجاه شقيقه الأكبر، ودائماً ما يؤكد أن المكانة التي نالها في عالم السياسة يعود الفضل وراءها إلى نواز شريف.
وأكد العديد من المحللين والمعلقين السياسيين، أن الأصوات الانتخابية التي دفعت بحزب الرابطة الإسلامية إلى سدة الحكم ثلاث مرات منذ عام 1990، مرتبطة بصورة أساسية بنواز شريف. ويرى أصحاب هذا الرأي، أنه رغم أن شهباز شريف قد يكون إدارياً بارعاً، فإن شعبية نواز شريف هي ما أوصلته إلى السلطة.
مع هذا، فإنه بفضل جهوده الدؤوبة نجح شهباز شريف في إيجاد مكان له داخل الساحة السياسية الباكستانية، وبالأخص، بفضل مشاريع البنية التحتية التي أطلقها خلال فترة عمله حاكماً لإقليم البنجاب. وحقاً نجح شهباز في إنجاز هذه المشاريع في وقت قياسي؛ ما أكسبه إشادات واسعة من مختلف أرجاء باكستان، وهكذا بدأت وسائل الإعلام تطلق على السرعة التي أنجزت بها المشاريع «سرعة شهباز».
جدير بالذكر هنا، أنه جرى ترشيح شهباز شريف لمنصب رئيس حزب الرابطة الإسلامية، خلفاً لشقيقه نواز، الذي لم يعد مؤهلاً لتولي هذا المنصب بعدما حرمه قرار من المحكمة العليا من تولي أي منصب عام. ووقع الاختيار على شهباز شريف زعيماً للمعارضة في أعقاب انتخابات عام 2018.
من ناحيتها، هاجمت حكومة عمران خان، شهباز شريف ورفعت مراراً دعاوى فساد ضده. وفي المقابل، وفي أحد خطاباته السياسية داخل المجلس الوطني، أكد شهباز شريف أنه سيستقيل ويبتعد عن العمل السياسي حال إدانته بأي من الاتهامات الموجهة ضده داخل محكمة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مكتب المحاسبة الوطنية تأسس على يد الرئيس الأسبق الجنرال برويز مشرف، للتحقيق في اتهامات الفساد الموجهة إلى سياسيين، خاصة أبناء عائلة شريف. واستمرت حكومة عمران خان في الاعتماد على مكتب المحاسبة الوطنية في توجيه اتهامات إلى عائلة شريف؛ الأمر الذي شكل مصدر التوتر الأول بين المعارضة وحكومة عمران خان.
في ديسمبر (كانون الأول) 2019، جمّد مكتب المحاسبة الوطنية 23 من ممتلكات تخص شهباز شريف ونجله، حمزة شريف، متهماً كليهما بالتورط في غسل الأموال. وفي 28 سبتمبر (أيلول) 2020، ألقى مكتب المحاسبة الوطنية القبض على شهباز وأُدين أمام محكمة لاهور العليا باتهامات تتعلق بغسل الأموال، وظل سجيناً خلال فترة المحاكمة. إلا أن هذا الوضع أسهم في تعزيز المكانة السياسية لشهباز شريف في وقت ظل شقيقه الأكبر خارج البلاد لتلقي العلاج لأكثر عن سنة.
بعد إطلاق سراح شهباز شريف بكفالة بقرار من المحكمة العليا، شرع في العمل على خطة لإسقاط عمران خان من السلطة. واستهدفت خطته الأحزاب المتحالفة مع عمران خان، والتي اعتمد عليها الأخير في التمتع بأغلبية داخل البرلمان. وبالفعل، في 11 أبريل (نيسان) 2022، انتًخب شهباز شريف رئيساً للوزراء في أعقاب التصويت بسحب الثقة من عمران خان.
- بطاقة هوية
ولد شهباز شريف في 23 سبتمبر 1951 وهو ينتمي إلى عائلة شريف السياسية الكشميرية التي تعيش في لاهور وتتكلم البنجابية. كان والده، محمد شريف، رجل أعمال ينتمي للطبقة فوق المتوسطة هاجرت أسرته من كشمير واستقر بها المقام في البنجاب. وتزوج شهباز، نصرة شهباز عام 1973 وأنجبا أربعة أطفال: سلمان وحمزة وشقيقتين توأم، جفريا ورابية.
عام 2003، تزوج شهباز زوجته الثانية تهمينا دوراني. ويعمل شهباز بمجال التجارة ويشارك في ملكية «اتفاق غروب»، شركة كبرى تعمل بمجال صناعة الصلب.
على المستوى السياسي، أمضى شهباز شريف الجزء الأكبر من مسيرته المهنية في ظل أخيه الأكبر، لكن بعض المصادر المطلعة ترى أنه من دون الحنكة السياسية لشهباز شريف التي عملت خلف الكواليس، لم يكن الصعود السياسي لآل شريف ليصبح ممكناً. يذكر أنه على امتداد السنوات الماضية، تولى شهباز شريف إدارة الحملات السياسية لشقيقه الأكبر من خلف الكواليس.
- الصراع مع عمران خان
وفي الوقت الذي اجتذب عمران خان تأييد حشود واسعة داخل مدن باكستانية خلال هذه السنوات، كان شهباز شريف يقدم المشورة لشقيقه الأكبر بأن يبقى ملتزماً بالسياسات التي تركز على التنمية الاقتصادية.
وخلال الأيام السابقة مباشرة للانتخابات البرلمانية في مايو (أيار) 2013، نجح عمران خان في اجتذاب تأييد أعداد كبيرة خلال مؤتمرات انتخابية عقدها في أرجاء مختلفة من باكستان. ونجح خان في اجتذاب عناصر ذات ثقل سياسي وانضمت له. وتجلى الصعود السياسي لخان في نتائج استطلاع رأي أجري عام 2012 كشفت عن أنه واحد من أكثر السياسيين الباكستانيين شعبية على مستوى البلاد.
ولكن قُبيل عقد الانتخابات التشريعية في مايو 2013، تعرّض خان لإصابات في الرأس والظهر عندما سقط من فوق مسرح أثناء عقد مؤتمر انتخابي. وظهر خان على شاشات التلفزيون من داخل المستشفى قبيل ساعات من عقد الانتخابات ليوجه مناشدة أخيرة للناخبين. وأثمرت الانتخابات أكبر عدد أصوات لصالح حزب خان «تحريك الإنصاف»، ومع ذلك كان مجمل عدد المقاعد التي حصل عليها أقل عن نصف المقاعد التي حصل عليها حزب الرابطة الإسلامية، بقيادة نواز شريف.
يومذاك، اتهم خان حزب «الرابطة الإسلامية» بتزوير الانتخابات. ولكن لم تلقَ دعواته لإجراء تحقيق في الأمر استجابة، الأمر الذي دفع خان وقادة معارضين آخرين لقيادة مظاهرات على مدار أربعة أشهر نهاية عام 2014 من أجل الضغط على شريف كي يتنحى.
من ناحيته، كان شهباز شريف ينصح شقيقه الأكبر بألا يتخذ إجراءات قاسية ضد المظاهرات التي يؤججها عمران خان. وألقى خان خطباً أمام مسيرات وقاد مظاهرات في أجزاء مختلفة من باكستان تطالب باستقالة نواز شريف وإجراء تحقيق محايد حول التجاوزات المالية لنواز شريف وأفراد عائلته.
وأثمرت جهود خان عندما أعلنت المحكمة العليا أن نواز شريف غير مؤهل لتقلد منصب عام لأنه لم يقُل الصدق للشعب الباكستاني أثناء تقلده منصب رئيس الوزراء حول التجاوزات المالية لأفراد عائلته. وبالفعل، أطيح بنواز شريف من المنصب وصدر بحقه لاحقاً حكم بالسجن 10 سنوات. ويعود الفضل الأكبر وراء محاسبة نواز شريف إلى عمرات خان.
وفي انتخابات يوليو (تموز) 2018، ظهر حزب عمران خان كأكبر كتلة داخل البرلمان، في إشارة واضحة إلى أنه المرشح الأول لتشكيل الحكومة المقبلة في البلاد بمعاونة عدد من الأعضاء المستقلين داخل البرلمان.
داخل البرلمان، نجح شهباز شريف في أن يقض مضجع عمران خان. ونقلت وسائل الإعلام الباكستانية بإسهاب مقتطفات من خطبه أمام البرلمان. وخلال هذه الفترة، تمكن شهباز شريف من تعزيز مكانته السياسية، في الوقت الذي كان شقيقه الأكبر خارج البلاد، وبالتالي خارج المشهد.
في الوقت الراهن، يترأس شهباز شريف حكومة ائتلافية في وقت تنوي المعارضة التحريض على مظاهرات ضد الحكومة بعد إجازة العيد. يذكر هنا، أن شهباز شريف إداري وخبير تنموي، وليس زعيماً شعبياً. وبالتالي، سيجد صعوبة بالغة في مواجهة عمران خان الذي تتزايد شعبيته داخل المناطق الحضرية في باكستان.
ولذلك؛ يبدو أن شهباز شريف عاقد العزم على إنجاز فترة ولايته؛ الأمر الذي يعد بمثابة كابوس لعمران خان. وإذا نجح شهباز شريف في تعزيز قبضته على السلطة واستمر لأكثر من سنة، فإن هذا سيمنحه فرصة تعيين القائد الجديد لأركان الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.