شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

بعد خروجه عن ظل شقيقه الأكبر

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية
TT

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

اختارت وسائل الإعلام الباكستانية إطلاق وصف خاص على السرعة التي جرت بها أعمال التطوير والتنمية في ظل قيادة شهباز شريف، حاكم إقليم البنجاب - ذلك أنهم يطلقون عليها «سرعة شهباز». ووصفت وسائل الإعلام شهباز شريف بأنه «ساحر»، وذلك في إشارة إلى السرعة التي تمكن من خلالها من تحويل لاهور، ثاني أكبر مدن باكستان، من مدينة متروبوليتانية قديمة إلى مدينة حديثة تتميز بجسورها المرتفعة وقطارات الأنفاق وحافلات الركاب والطرق الحديثة. أما منتقدوه، فاتهموه بتنفيذ أجندة تنموية تفتقر إلى التوازن، وذلك مع تجاهله مناطق ومدناً أخرى. ويرد شهباز شريف على ذلك بقوله، إنه نجح في بناء منظومة رعاية صحية فاعلة داخل الإقليم تقوم على شبكة واسعة من المستشفيات. وفي ظل قيادته، تمكن الإقليم من مواجهة جائحة كبرى بنجاح، حسبما أكد شهباز شريف.
دخل رئيس وزراء باكستان شهباز شريف ميدان العمل السياسي عام 1988 عندما انتُخب لعضوية مجلس إقليم للبنجاب، أكبر أقاليم باكستان من حيث عدد السكان. ثم انتُخب لعضوية المجلس الوطني الباكستاني عام 1993 وأصبح زعيماً للمعارضة. ومن ثم وقع عليه الاختيار لمنصب حاكم البنجاب، للمرة الأولى في 20 فبراير (شباط) 1997. وبعد الانقلاب العسكري الذي شهدته باكستان عام 1999، أمضى شهباز شريف وأسرته سنوات في منفى اختياري في المملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى باكستان عام 2007.
عُين شهباز حاكماً للإقليم لولاية ثانية عام 2008، في أعقاب فوز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية في الانتخابات العامة الباكستانية داخل إقليم البنجاب. كما انتُخب حاكماً للبنجاب للمرة الثالثة عام 2013 في أعقاب انتخابات عامة وظل في منصبه حتى هزيمة حزبه في الانتخابات العامة عام 2018. ولكن مع ذلك، بقي شهباز شريف كل هذه السنوات في ظل شقيقه الأكبر نواز شريف. ورغم ما يتمتع به من مهارات إدارية ممتازة، نظر كثيرون إلى شهباز شريف داخل عالم السياسية الباكستاني باعتباره مجرد الشقيق الأصغر لنواز شريف.
اللافت، أن شهباز شريف نفسه يبدي القدر ذاته من الولاء تجاه شقيقه الأكبر، ودائماً ما يؤكد أن المكانة التي نالها في عالم السياسة يعود الفضل وراءها إلى نواز شريف.
وأكد العديد من المحللين والمعلقين السياسيين، أن الأصوات الانتخابية التي دفعت بحزب الرابطة الإسلامية إلى سدة الحكم ثلاث مرات منذ عام 1990، مرتبطة بصورة أساسية بنواز شريف. ويرى أصحاب هذا الرأي، أنه رغم أن شهباز شريف قد يكون إدارياً بارعاً، فإن شعبية نواز شريف هي ما أوصلته إلى السلطة.
مع هذا، فإنه بفضل جهوده الدؤوبة نجح شهباز شريف في إيجاد مكان له داخل الساحة السياسية الباكستانية، وبالأخص، بفضل مشاريع البنية التحتية التي أطلقها خلال فترة عمله حاكماً لإقليم البنجاب. وحقاً نجح شهباز في إنجاز هذه المشاريع في وقت قياسي؛ ما أكسبه إشادات واسعة من مختلف أرجاء باكستان، وهكذا بدأت وسائل الإعلام تطلق على السرعة التي أنجزت بها المشاريع «سرعة شهباز».
جدير بالذكر هنا، أنه جرى ترشيح شهباز شريف لمنصب رئيس حزب الرابطة الإسلامية، خلفاً لشقيقه نواز، الذي لم يعد مؤهلاً لتولي هذا المنصب بعدما حرمه قرار من المحكمة العليا من تولي أي منصب عام. ووقع الاختيار على شهباز شريف زعيماً للمعارضة في أعقاب انتخابات عام 2018.
من ناحيتها، هاجمت حكومة عمران خان، شهباز شريف ورفعت مراراً دعاوى فساد ضده. وفي المقابل، وفي أحد خطاباته السياسية داخل المجلس الوطني، أكد شهباز شريف أنه سيستقيل ويبتعد عن العمل السياسي حال إدانته بأي من الاتهامات الموجهة ضده داخل محكمة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مكتب المحاسبة الوطنية تأسس على يد الرئيس الأسبق الجنرال برويز مشرف، للتحقيق في اتهامات الفساد الموجهة إلى سياسيين، خاصة أبناء عائلة شريف. واستمرت حكومة عمران خان في الاعتماد على مكتب المحاسبة الوطنية في توجيه اتهامات إلى عائلة شريف؛ الأمر الذي شكل مصدر التوتر الأول بين المعارضة وحكومة عمران خان.
في ديسمبر (كانون الأول) 2019، جمّد مكتب المحاسبة الوطنية 23 من ممتلكات تخص شهباز شريف ونجله، حمزة شريف، متهماً كليهما بالتورط في غسل الأموال. وفي 28 سبتمبر (أيلول) 2020، ألقى مكتب المحاسبة الوطنية القبض على شهباز وأُدين أمام محكمة لاهور العليا باتهامات تتعلق بغسل الأموال، وظل سجيناً خلال فترة المحاكمة. إلا أن هذا الوضع أسهم في تعزيز المكانة السياسية لشهباز شريف في وقت ظل شقيقه الأكبر خارج البلاد لتلقي العلاج لأكثر عن سنة.
بعد إطلاق سراح شهباز شريف بكفالة بقرار من المحكمة العليا، شرع في العمل على خطة لإسقاط عمران خان من السلطة. واستهدفت خطته الأحزاب المتحالفة مع عمران خان، والتي اعتمد عليها الأخير في التمتع بأغلبية داخل البرلمان. وبالفعل، في 11 أبريل (نيسان) 2022، انتًخب شهباز شريف رئيساً للوزراء في أعقاب التصويت بسحب الثقة من عمران خان.
- بطاقة هوية
ولد شهباز شريف في 23 سبتمبر 1951 وهو ينتمي إلى عائلة شريف السياسية الكشميرية التي تعيش في لاهور وتتكلم البنجابية. كان والده، محمد شريف، رجل أعمال ينتمي للطبقة فوق المتوسطة هاجرت أسرته من كشمير واستقر بها المقام في البنجاب. وتزوج شهباز، نصرة شهباز عام 1973 وأنجبا أربعة أطفال: سلمان وحمزة وشقيقتين توأم، جفريا ورابية.
عام 2003، تزوج شهباز زوجته الثانية تهمينا دوراني. ويعمل شهباز بمجال التجارة ويشارك في ملكية «اتفاق غروب»، شركة كبرى تعمل بمجال صناعة الصلب.
على المستوى السياسي، أمضى شهباز شريف الجزء الأكبر من مسيرته المهنية في ظل أخيه الأكبر، لكن بعض المصادر المطلعة ترى أنه من دون الحنكة السياسية لشهباز شريف التي عملت خلف الكواليس، لم يكن الصعود السياسي لآل شريف ليصبح ممكناً. يذكر أنه على امتداد السنوات الماضية، تولى شهباز شريف إدارة الحملات السياسية لشقيقه الأكبر من خلف الكواليس.
- الصراع مع عمران خان
وفي الوقت الذي اجتذب عمران خان تأييد حشود واسعة داخل مدن باكستانية خلال هذه السنوات، كان شهباز شريف يقدم المشورة لشقيقه الأكبر بأن يبقى ملتزماً بالسياسات التي تركز على التنمية الاقتصادية.
وخلال الأيام السابقة مباشرة للانتخابات البرلمانية في مايو (أيار) 2013، نجح عمران خان في اجتذاب تأييد أعداد كبيرة خلال مؤتمرات انتخابية عقدها في أرجاء مختلفة من باكستان. ونجح خان في اجتذاب عناصر ذات ثقل سياسي وانضمت له. وتجلى الصعود السياسي لخان في نتائج استطلاع رأي أجري عام 2012 كشفت عن أنه واحد من أكثر السياسيين الباكستانيين شعبية على مستوى البلاد.
ولكن قُبيل عقد الانتخابات التشريعية في مايو 2013، تعرّض خان لإصابات في الرأس والظهر عندما سقط من فوق مسرح أثناء عقد مؤتمر انتخابي. وظهر خان على شاشات التلفزيون من داخل المستشفى قبيل ساعات من عقد الانتخابات ليوجه مناشدة أخيرة للناخبين. وأثمرت الانتخابات أكبر عدد أصوات لصالح حزب خان «تحريك الإنصاف»، ومع ذلك كان مجمل عدد المقاعد التي حصل عليها أقل عن نصف المقاعد التي حصل عليها حزب الرابطة الإسلامية، بقيادة نواز شريف.
يومذاك، اتهم خان حزب «الرابطة الإسلامية» بتزوير الانتخابات. ولكن لم تلقَ دعواته لإجراء تحقيق في الأمر استجابة، الأمر الذي دفع خان وقادة معارضين آخرين لقيادة مظاهرات على مدار أربعة أشهر نهاية عام 2014 من أجل الضغط على شريف كي يتنحى.
من ناحيته، كان شهباز شريف ينصح شقيقه الأكبر بألا يتخذ إجراءات قاسية ضد المظاهرات التي يؤججها عمران خان. وألقى خان خطباً أمام مسيرات وقاد مظاهرات في أجزاء مختلفة من باكستان تطالب باستقالة نواز شريف وإجراء تحقيق محايد حول التجاوزات المالية لنواز شريف وأفراد عائلته.
وأثمرت جهود خان عندما أعلنت المحكمة العليا أن نواز شريف غير مؤهل لتقلد منصب عام لأنه لم يقُل الصدق للشعب الباكستاني أثناء تقلده منصب رئيس الوزراء حول التجاوزات المالية لأفراد عائلته. وبالفعل، أطيح بنواز شريف من المنصب وصدر بحقه لاحقاً حكم بالسجن 10 سنوات. ويعود الفضل الأكبر وراء محاسبة نواز شريف إلى عمرات خان.
وفي انتخابات يوليو (تموز) 2018، ظهر حزب عمران خان كأكبر كتلة داخل البرلمان، في إشارة واضحة إلى أنه المرشح الأول لتشكيل الحكومة المقبلة في البلاد بمعاونة عدد من الأعضاء المستقلين داخل البرلمان.
داخل البرلمان، نجح شهباز شريف في أن يقض مضجع عمران خان. ونقلت وسائل الإعلام الباكستانية بإسهاب مقتطفات من خطبه أمام البرلمان. وخلال هذه الفترة، تمكن شهباز شريف من تعزيز مكانته السياسية، في الوقت الذي كان شقيقه الأكبر خارج البلاد، وبالتالي خارج المشهد.
في الوقت الراهن، يترأس شهباز شريف حكومة ائتلافية في وقت تنوي المعارضة التحريض على مظاهرات ضد الحكومة بعد إجازة العيد. يذكر هنا، أن شهباز شريف إداري وخبير تنموي، وليس زعيماً شعبياً. وبالتالي، سيجد صعوبة بالغة في مواجهة عمران خان الذي تتزايد شعبيته داخل المناطق الحضرية في باكستان.
ولذلك؛ يبدو أن شهباز شريف عاقد العزم على إنجاز فترة ولايته؛ الأمر الذي يعد بمثابة كابوس لعمران خان. وإذا نجح شهباز شريف في تعزيز قبضته على السلطة واستمر لأكثر من سنة، فإن هذا سيمنحه فرصة تعيين القائد الجديد لأركان الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».