رغم المرونة.. السلام في أفغانستان ما زال بعيدًا

بعد 14 عامًا.. مفاوضو طالبان والحكومة يفشلون في الاتفاق على وقف النار

رغم المرونة.. السلام في أفغانستان ما زال بعيدًا
TT

رغم المرونة.. السلام في أفغانستان ما زال بعيدًا

رغم المرونة.. السلام في أفغانستان ما زال بعيدًا

هل يمكن لحركة متشددة وملتزمة بحمل السلاح مثل طالبان أن تخوض مفاوضات سلام مبنية على الجهود الدبلوماسية لوقف حمام الدم في أفغانستان؟ هذا السؤال مطروح أمام المهتمين بالشأن الأفغاني وأمام من يدرس الحركات الأصولية التي تختار السلاح لتنفيذ أجندتها السياسية. المصالح السياسية عادة ما تدفع الآيديولوجيات، ولكن في الوقت نفسه، آيديولوجية طالبان الرافضة أساسا الاعتراف بالنظام السياسي الذي نصبته الولايات المتحدة ودول حلف «الناتو» بعد الحرب التي انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 للإطاحة بحكم طالبان، قد تجعل الدبلوماسية فاشلة من الأساس. والإجابة عن السؤال يعتمد على سير المفاوضات المتقطعة وغير المباشرة التي ترعاها دولة قطر، وعلى النظر إلى تاريخ حركات أصولية أخرى خاضت مسار المفاوضات بعد طول قتال. الحالة الأفغانية فريدة من حيث الوقائع والتدخل الأجنبي في البلاد، لكنها أيضا مرتبطة بمحيطها والتطورات التي تشهدها المنطقة، خاصة العلاقات الأفغانية - الباكستانية. وستكون المرحلة المقبلة من تاريخ طالبان المتقلب معتمدة على التطورات الأمنية داخل أفغانستان.. وعلاقات الحركة خارج البلاد.
انتعشت الآمال لدى الأفغان لأول مرة بعد أن عقد اجتماع هو الأول من نوعه حيث يجلس ممثلون من حركة طالبان الأفغانية التي تقاتل الحكومة وحلفاءها الغربيين منذ أربعة عشر عاما منذ أن أطيح بها عقب حملة عسكرية قادتها الولايات المتحدة الأميركية نهاية عام 2001. الاجتماع الذي عقد في منطقة الخور بالعاصمة القطرية الدوحة جاء بتنظيم وإشراف من منظمة «بكواش» وهي منظمة تروج للحوارات والتفاوض بين الأطراف المتخاصمة في أنحاء العالم, وقد شارك في هذا الاجتماع نحو ثمانية من قادة طالبان بعضهم تم إطلاق سراحه قريبا من معتقل غوانتانامو الأميركي، وشارك من الجانب الحكومي بصفة غير رسمية نحو عشرين شخصا بعضهم أعضاء في مجلس السلم والمصالحة الذي تم إنشاؤه في عهد الرئيس الأفغاني الأسبق حميد كرزاي عام 2010 من أجل فتح قنوات اتصال مع طالبان والجماعات المسلحة الأخرى لإنهاء حرب في البلاد، غير أن أيا من الجهود الرامية لحل المشكلة بين الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والغرب وجماعة طالبان التي يعتقد أنها تتخذ من مناطق القبائل الباكستانية مقرا لهجماتها أتت بالثمار وكانت النتيجة مزيدا من الحروب والتصعيد من كلا الطرفين.
ولكن لم يتضح ما إذا كان الحوار الذي تستضيفه قطر حقق أي تقدم تجاه بدء مفاوضات رسمية طال انتظارها لإنهاء الحرب المدمرة في أفغانستان. وخرج المشاركون في الاجتماع الذي عقد في بلدة الخور الساحلية شمال الدوحة من مكان الاجتماع يبتسمون ويضحكون الأحد، ولكنهم رفضوا التحدث إلى الصحافيين.
وقال أفغاني شارك في المحادثات إن طالبان وعدة حركات سياسية أفغانية أخرى تشارك، وإن جميع الأطراف اتفقت على عدم الإدلاء بأي تصريحات لحين الاتفاق على بيان مشترك.
وتمثل هذه الاجتماعات أول بادرة حياة منذ أسابيع في عملية السلام المأمولة لإنهاء أكثر من 13 عاما من الحرب بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة
وفشلت عدة مبادرات سابقة على مدى أعوام في إنهاء الحرب التي قتل فيها عشرات الآلاف من الأفغان منذ أن أطاحت الولايات المتحدة وحلفاؤها بحكومة طالبان المتشددة من السلطة عام 2001. وجاءت هذه المحادثات غير الرسمية رغم تصاعد القتال في أفغانستان عقب انسحاب معظم القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها.
وبدأت طالبان مؤخرا هجوما جديدا ضاريا في شمال أفغانستان جعل مقاتليها على مشارف مدينة قندوز وهي عاصمة الإقليم الذي يحمل الاسم نفسه. المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد قال في رسالة نصية للصحافيين الأفغان بأن الحركة شاركت في اجتماع قطر، وهي تعتقد أن المصالحة الحقيقية يجب أن تتحقق وأن يحل الأمن والسلام في البلاد، لكنه أشار إلى أن الحركة شاركت في الاجتماع لتطرح مواقفها ورؤيتها تجاه الأزمة الأفغانية ولم تشارك لتفاوض ممثلي الحكومة الأفغانية. وكانت طالبان أعلنت مرارا أنها لا تعترف بالإدارة الأفغانية في كابل، وأنها لن تتفاوض مع هذه الإدارة قبل خروج جميع القوات الأجنبية من البلاد، وإجراء تعديلات على الدستور الأفغاني الجديد، إضافة إلى إقامة نظام إسلامي كشروط مسبقة للحوار، بحسب طالبان. وقالت الشخصيات السياسية الفاعلة في الساحة الأفغانية التي شاركت في اجتماع قطر بأنها لاحظت تغييرا جذريا في موقف طالبان تجاه الملف الأفغاني، وأنها لمست رغبة في قيادات طالبان بضرورة مواصلة الحوار والاجتماعات للتوصل إلى صيغة مشتركة تكون مقبولة لدى طرفي الصراع، ويذكر أن خمسة من أعضاء المكتب السياسي للحزب الإسلامي بزعامة حكمتيار، أحد القادة المطاردين، شاركوا في اجتماع الدوحة أيضا، وقد نقل عن وفد الحزب أنه اقترح تشكيل إدارة مؤقتة تمهد لإجراء انتخابات رئاسية جديدة، وهو مطلب قديم يتجدد لدى الحزب الإسلامي بكل مناسبة.
ورفضت طالبان، بشكل واضح، وقف عملياتها في هذا الاجتماع، غير أنها رضيت بإجراء محادثات جديدة أو الاستمرار في مثل هذا الاجتماع في القريب العاجل في الإمارات العربية المتحدة لتذليل مزيد من العقبات التي تقف عائقا أمام المحادثات الأصلية بصورة مباشرة بين طالبان والحكومة الأفغانية.
وكانت التقارير تشير إلى أن هناك خلافات داخلية في حركة طالبان تمنع إحراز تقدم في المحادثات مع كابل بحيث انقسمت قيادة طالبان إلى قسمين: قسم يدعم الحوار ويرغب في التواصل مع الحكومة الأفغانية وقسم آخر يرفض الحوار من أساسه ويشدد على مواصلة الحرب والتصعيد العملياتي ضد القوات الأفغانية. وفي شهر يونيو (حزيران) عام 2013م تم فتح مكتب سياسي لطالبان في قطر ليكون عنوانا رسميا للحركة وتسهيل التواصل مع الحكومة الأفغانية لإجراء ترتيبات الحوار الرسمية، غير أن المكتب تم إغلاقه بعد أيام قليلة من فتحه بطلب من الرئيس الأفغاني السابق كرزاي الذي رفض رفع العلم الطالباني على المكتب، وأن يحمل اسم «الإمارة الإسلامية الأفغانية»، وهو اسم رسمي لحكومة طالبان التي حكمت أربع سنوات ابتداء من عام 1996 إلى نهاية 2001. وتأخذ الأزمة الأفغانية أبعادا إقليمية ودولية ومن الصعب حل المشكلات العالقة في هذا البلد الذي أنهكته الحروب المتوالية، ويرى المراقبون أنه يجب على الحكومة الأفغانية إجراء حوار مباشر مع باكستان بدل طالبان لأن إسلام آباد هي من تقرر ويمكنها الضغط على قيادات طالبان بضرورة الحوار، وإلا فإن مساعي التواصل مع طالبان هي بمثابة مضيعة للوقت، وإن طالبان لن ترضى بإجراء محادثات سلام مع كابل، يقول زبير أحمد، وهو كاتب ومحلل سياسي ومتابع للشأن الأفغاني والحركات الأصولية في المنطقة، بأن طالبان والجماعات الأصولية الأخرى على شاكلتها لا ترضى بالحوار مع الحكومات التي تعتبر أنها تستمد مشروعيتها من الغرب أو أميركا، وإنما تسعى إلى التغلب عليها عبر الحرب وشن الهجمات لإضعافها والسيطرة على البلد من خلال القوة، مشيرا إلى أن مبدأ المفاوضات غير وارد في قواميس الجماعات الأصولية التي تسعى إلى السيطرة على الحكم بقوة السلاح.

لماذا التغيير في مواقف طالبان؟
فيما يقول أحد المشاركين في اجتماعات الدوحة، فضل عدم الكشف عن اسمه، بأنه لاحظ تغييرا كبيرا في موقف طالبان من الحوار ومحادثات السلام، يعزو ذلك إلى عدة أسباب، والتغييرات التي حدثت على المستوى الداخلي في أفغانستان والمنطقة، وهي:
أولا: أن طالبان تدرك جيدا بعد أربعة عشر عاما من الحرب والعمليات أنها لم تعد قادرة على السيطرة على ولاية واحدة، وأن الجيش الأفغاني البالغ عدده نحو 350 ألف عنصر مجهز بما هو كفاية لمواجهة تصعيد طالبان، مضيفا أن الحركة تبحث عن سبل لإنهاء الحرب والانخراط في العمل السياسي، لكن بحفظ ماء الوجه.
ثانيا: ربما أحد أهم الأسباب التي تدعو طالبان إلى التفكير بجدية في الجلوس إلى طاولة الحوار مع الحكومة الأفغانية هو انتشار ظاهرة عناصر تنظيم داعش في جغرافيا أفغانستان وباكستان، وكان بعض قادة طالبان المنشقين عن طالبان باكستان أعلنوا بيعتهم لتنظيم داعش وغيروا راية طالبان إلى راية «داعش» كما أن أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي باسم تنظيم داعش أعلن قبل أشهر عدة عن ولاية جديدة تضاف إلى خلافة «داعش» وهي ولاية خراسان الإسلامية التي تشمل أفغانستان وباكستان والهند وحتى إيران ودول آسيا الوسطى التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي السابق، فظهور «داعش» إلى جانب طالبان يعني ببساطة، بالنسبة لحركة طالبان التقليدية التي تعتمد على أسباب تقليدية ومناطق نفوذ قبلية، انتحارا سياسيا لها في هذه المنطقة، وتضاؤل نفوذها مقارنة بتنظيم داعش الذي يملك المال والسلاح المتطور، كما أنه أعلن قبل شهور عدة أن زعيم طالبان لا يملك قدرة سياسية وأنه رجل جاهل لا يتمتع برصيد شعبي، في إشارة من التنظيم إلى أن المواجهة المقبلة هي بين طالبان و«داعش» في جغرافيا أفغانستان وباكستان، وهو القلق الذي يساور كثيرا من قادة طالبان الميدانيين الذين يشهدون يوميا تغيير ولاءات في صفوف مقاتليهم الصغار.
يقول حبيب حكيمي، وهو كاتب سياسي وخبير استراتيجي أفغاني، بأن الحرب المقبلة في أفغانستان والمنطقة هي بين طالبان التي تتمذهب بالمذهب الحنفي ومعظم قادته من المدرسة الديوبندية في شبه القارة الهندية، بينما يعتبر تنظيم داعش تنظيما عالميا يتمتع بقوة جذب واستقطاب كبيرين، كما أنه يملك مصادر تمويل ضخمة، والأهم من ذلك أنه إن أراد التوسع في نفوذه إلى منطقة آسيا الوسطى فإنه سيضطر إلى محاربة طالبان أولا، وفتح الطريق أمامه، وهذه النقطة تدرك قيادة طالبان جيدا أن عليها حل مشكلاتها مع الحكومة الأفغانية، وإلا فإنها في طريقها إلى الزوال، بحسب حكيمي.
ثالثا: السبب الثالث الذي يجعل طالبان تميل إلى الحوار في هذه المرحلة من تاريخ قتالها هو الضغط السياسي الذي يمارس عليها وعلى قياداتها التي تتخذ من باكستان مقرا لها، خصوصا بعد أن شن الجيش الباكستاني عملية «ضرب عضب» وهي مستمرة ضد قادة طالبان ومسلحيها في مناطق القبائل لتمشيطها وفرض السيطرة الحكومية عليها، تفيد المعلومات بأن مئات المقاتلين من طالبان أفغانستان ومعهم مقاتلون من الجنسيات الأجنبية الشيشان والأزبك والطاجيك فروا إلى داخل الأراضي الأفغانية بعد عملية الجيش الباكستاني.
كما أن الحكومة الباكستانية باتت تميل إلى تقريب وجهات النظر بين طالبان والحكومة الأفغانية في كابل، خاصة بعد أن أجرى الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غني سلسلة زيارات متوالية إلى إسلام آباد التقى فيها رئيس الوزراء نواز شريف وقائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف، وقد لمست إسلام آباد جدية في حكومة الوحدة الوطنية في كابل وأنها راغبة في إنهاء الأزمة عبر الحوار وإشراك طالبان والجماعات المسلحة الأخرى في الحكم في حال رغبت.
وتبقى عقدة الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان، خصوصا وجود نحو 12500 عسكري أميركي وأطلسي بعد التوقيع على الاتفاق الأمني بين كابل وواشنطن الذي يسمح بإبقاء بضعة آلاف جندي أميركي لمتابعة عمليات تدريب القوات الأفغانية، من الملفات والمشكلات العالقة بين طالبان وحكومة أشرف غني، الرئيس الجديد لأفغانستان. طالبان تطالب برحيل جميع القوات الأجنبية قبل الجلوس إلى طاولة الحوار، بينما تقول الحكومة الأفغانية بأن غالبية القوات الدولية خرجت من البلاد بموجب نقل الصلاحيات الأمنية إلى الجانب الأفغاني، وأن ما بقي من القوات هو لمواصلة تدريب الجيش الأفغاني وفقا للاتفاقية الأمنية.
يقول حسين سادات، وهو خبير أمني، بأن مشكلة الحضور العسكري الأميركي أو حلف شمال الأطلسي ليست من القضايا الملح بحثها في الوقت الحالي، وأن طالبان قد ترضى بوجود بضعة آلاف عسكري أجنبي لكنها تلح حاليا في إزالة أسماء قادتها المدرجين على اللائحة السوداء في الأمم المتحدة ولدى الخارجية الأميركية، فضلا عن وجود ضمانات سياسية وأمنية لها في داخل أفغانستان، مضيفا أن الأوضاع الحالية في المنطقة مواتية لإنجاح الحوار بين طالبان وكابل، خصوصا بعد أن تعرضت باكستان التي كانت تدعم طالبان لسلسلة هجمات عنيفة ودموية، من قبل طالبان باكستان، كما أن الرأي العام في باكستان يميل إلى حل المعضلة الأفغانية تمهيدا لحل مشكلات باكستان الأمنية؛ لأن الملف الأمني في كلا البلدين أصبح مرتبطا بعضه ببعض، ولا يمكن فصل قضية أفغانستان عن التطورات الأمنية التي تشهدها باكستان بين الحين والآخر، بحسب سادات.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».