صحافيو تونس يتظاهرون دفاعاً عن «حرية التعبير»

طالبوا بضمان الحقوق والحريات

جانب من مظاهرة سابقة نظمها صحافيو التلفزيون الرسمي وسط العاصمة الشهر الماضي (إ.ب.أ)
جانب من مظاهرة سابقة نظمها صحافيو التلفزيون الرسمي وسط العاصمة الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

صحافيو تونس يتظاهرون دفاعاً عن «حرية التعبير»

جانب من مظاهرة سابقة نظمها صحافيو التلفزيون الرسمي وسط العاصمة الشهر الماضي (إ.ب.أ)
جانب من مظاهرة سابقة نظمها صحافيو التلفزيون الرسمي وسط العاصمة الشهر الماضي (إ.ب.أ)

نظمت نقابة الصحافيين التونسيين، أمس، مسيرة احتجاجية، أطلقت عليها «مسيرة حرية الصحافة والتعبير»، انطلاقاً من مقرها بشارع الولايات المتحدة الأميركية في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية، وحظيت هذه المسيرة بدعم عدد كبير من المنظمات الحقوقية والاجتماعية المطالبة بضمان الحقوق والحريات، بعد أن تراجعت تونس 21 نقطة في سلم الحريات الإعلامية، وفقاً للتقرير الصادر مؤخّراً عن منظّمة «مراسلون بلا حدود»، حيث احتلت المرتبة 94 بعد أن كانت تحتل المرتبة 73 في تصنيف العام الماضي، وفي ظلّ تراجع مؤشرات حرية الصحافة وارتفاع وتيرة الانتهاكات.
في السياق ذاته، أعلن محمد الجلاصي، رئيس نقابة الصحافيين التونسيين، عن بدء مقاضاة رئاسة الحكومة بسبب عدم نشرها الاتفاقية الإطارية المشتركة للصحافيين بالرائد الرسمي للجمهورية (الصحيفة الرسمية للحكومة). ومن جهتها، كشفت أميرة محمد، نائبة نقيب الصحافيين، في مؤتمر صحافي عقد أمس، عن قائمة الجهات الأكثر اعتداء على الصحافة والصحافيين في تونس خلال سنة 2021.
وأكدت أن الحكومة التونسية تصدرت قائمة الجهات الأكثر اعتداء على رجال الصحافة والإعلاميين، تليها بعد ذلك وزارة الداخلية من خلال الإيقافات والاعتداءات بالضرب، وحجز معدات الصحافيين، والمنع من العمل في بعض الأحيان. كما كشفت المصادر ذاتها عن «عنصر جديد ينضمّ لأوّل مرة للجهات الأكثر اعتداء على الصحافة، وهو القضاء التونسي الذي يحل في المرتبة الثالثة بعد الحكومة ووزارة الداخلية»، على حد قولها.
ورفع الصحافيون، خلال هذه المسيرة، التي انطلقت من مقر نقابة الصحافيين، شعارات تطالب برفع اليد عن السلطة الرابعة، وتدعو إلى تكريس الحرية كمبدأ للعمل الصحافي وإتاحة النفاذ إلى المعلومة. كما نفذ الصحافيون وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي، استعرض خلالها نقيب الصحافيين، محمد ياسين الجلاصي، أبرز الصعوبات التي تواجهها مهنة الصحافة «في ظل ضرب حق النفاذ إلى المعلومة عبر مناشير حكومية، والانتهاكات المتواصلة في حق الصحافيين»، مندداً في الوقت نفسه بحالة الإفلات من العقاب.
وتعتبر نقابة الصحافيين أن حرية الصحافة تواجه «خطراً داهماً»، محمّلة السلطة القائمة مسؤولية «التراجع الخطير» في تصنيف تونس في مجال حرّية الصحافة. وترى أنّ تراجع ترتيب تونس «جاء نتيجة تراجع مؤشرات حرية الصحافة، وارتفاع وتيرة الانتهاكات ضد الصحافيات والصحافيين والمحاكمات والإيقافات، وتواصل إحالة المدنيين أمام القضاء العسكري، وانغلاق السلطة وتعتيمها على المعلومة، وضرب حق المواطنين في الأخبار والمعلومات، وفي معرفة مصير بلادهم»، على حد تعبيرها.
من جهة ثانية، أقرت رئيسة شبكة «مراقبون»، رجاء الجبري، بوجود غموض كبير حول فحوى الاستفتاء الإلكتروني الذي أقره الرئيس قيس سعيد، وإجراءاته. وقالت، أمس، إنه «ما زال تفصلنا عن تاريخ إجراء الاستفتاء أيام معدودة، في حين أنه من المفترض نشر نصه قبل شهرين للاطلاع عليه»، وفق تعبيرها.
وتساءلت الجبري: «بأي قانون سيتم إجراء الاستفتاء، خصوصاً بعد إعلان رئيس الجمهورية عن التوجه نحو صياغة دستور جديد، وإصدار مرسوم خاص بتركيبة هيئة الانتخابات»، موضحة أن إعادة تكوين هيئة الانتخابات تستوجب وقتاً بدورها.
وأضافت الجبري أن «هناك ضمانات ومعايير دولية يجب التقيد بها حتى تكون نتائج الاستفتاء شرعية»، مشددة على «ضرورة أن يكون نص الاستفتاء واضحاً ومفهوماً وليس موجّهاً».



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.