اليونان للتحرر من القيود الاقتصادية ولعب دور أوروبي في قطاع الطاقة

عهد جديد متعدد الأزمات

تركيب خط أنابيب لنقل الغاز شمال اليونان مع الحدود البلغارية (أ.ب)
تركيب خط أنابيب لنقل الغاز شمال اليونان مع الحدود البلغارية (أ.ب)
TT

اليونان للتحرر من القيود الاقتصادية ولعب دور أوروبي في قطاع الطاقة

تركيب خط أنابيب لنقل الغاز شمال اليونان مع الحدود البلغارية (أ.ب)
تركيب خط أنابيب لنقل الغاز شمال اليونان مع الحدود البلغارية (أ.ب)

استحوذت اليونان، التي تعد مهداً للديمقراطية والفلسفة والحضارة الغربية، على جزء كبير من مباحثات الاقتصاد العالمي في حقبة ما بعد الأزمة المالية العالمية، والتي بسببها كادت أن تعلن أثينا تخلفها عن سداد ديونها (إفلاسها)، لتضع الاتحاد الأوروبي في مأزق خشية انفراط العقد، في وقت كانت حكومتها اليسارية آنذاك تعارض خطط المساعدات الأوروبية وصندوق النقد الدولي.
ومنذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008 لم يستقر العالم على أسس اقتصادية قوية، وتوالت الأحداث سواء على الصعيد المحلي لليونان أو الإقليمي والعالمي، فإلى أين بلغ الاقتصاد اليوناني؟
آخر أقساط صندوق النقد
في 5 أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت اليونان انتهاءها من سداد آخر قسط من قرض صندوق النقد الدولي، بقيمة 2.1 مليار دولار، قبل الموعد المحدد بعامين. وتعد هذه الخطوة مهمة للخروج من نظامها الصارم لمراقبة ما بعد حزمة الإنقاذ المفروض من قبل مجموعة اليورو، وذلك بحلول أغسطس (آب) المقبل، وهي خطوة رمزية إلى حد كبير من شأنها أن تمثل النهاية الرسمية للأزمة المستمرة منذ عقد.
كانت اليونان قد أنهت في أغسطس 2018 برنامج الإصلاح والتقشف الأخير. ومنذ ذلك الوقت تزايدت قدرة اليونان على الوقوف على قدميها والاقتراض من أسواق المال مجددا.
ومع سعي البلاد إلى استعادة الاستثمارات في سنداتها، فإن هناك إجماعا بين الدولة الأكثر مديونية في المنطقة ودائنيها الأوروبيين على إنهاء هذا البرنامج بحلول نهاية الصيف.
يبلغ سعر العائد على السندات العشرية السيادية اليونانية حاليا حوالي 5.‏2 في المائة. ذلك مقارنة بعائد وصل إلى 35 في المائة في ذروة الأزمة المالية السابقة.
في أواخر مارس (آذار) وبداية أبريل، قالت اليونان، إنها يمكنها العودة إلى التصنيف الاستثماري العام القادم، رغم التحديات الاقتصادية الحالية.
تضخم أسعار الكهرباء
بالنظر إلى موجات التضخم الحالية وأزمة الطاقة التي تهدد دول الاتحاد الأوروبي جراء تداعيات الحرب، برزت اليونان مؤخرا في عرض مساعداتها على بلغاريا بعد أن قطعت روسيا إمدادات الغاز إليها، ذلك لأن مدفوعات أثينا القادمة لشركة غازبروم الروسية للغاز ستكون في نهاية مايو (أيار) الجاري.
ولا يُفسر ذلك إلا على النحو الذي يفيد بأن أثينا جزء لا يتجزأ من دول الاتحاد الأوروبي، والانخراط بين ثنايا الأزمات يُكون رد فعل أحيانا، وفعلا أحيانا أخرى؛ ذلك أن اقتصاد اليونان سيتأثر بشكل ما بأزمة الطاقة الحالية، مع الإشارة إلى إيرادات السياحة ومعدلات النمو الاقتصادية. وفق رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس.
تعتمد اليونان على الغاز الروسي في أكثر من 30 في المائة من حاجاتها السنوية من الطاقة ولديها عقد يستمر حتى 2026، ولا تتوقع أي عرقلة لإمداداتها من الطاقة. إذ إن مدفوعاتها القادمة ستكون في «الأيام العشرة الأخيرة من مايو. وفق ميتسوتاكيس».
وآخر ما ورد من أثينا يفيد بأن البلاد تتعرض لموجة تضخم حادة تخطت المعدلات الأوروبية، عرضت البلاد لإضراب عام لمدة 24 ساعة يوم الاثنين الماضي. فكانت المرافق العامة والنقل البحري والسكك الحديد والنقل الحضري، بالإضافة إلى غالبية الشركات الخاصة شبه معطلة في اليونان الاثنين، احتجاجا على ارتفاع الأسعار.
بلغ التضخم في اليونان 9.4 في المائة في أبريل، بحسب وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، أي أكثر من المعدل الأوروبي البالغ 7.5 في المائة.
في مارس، وبحسب المصدر نفسه، تضاعفت أسعار الكهرباء تقريباً لتبلغ زيادتها +79.3 في المائة على أساس سنوي، على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. ومنحت الحكومة اليونانية مساعدات اجتماعية يبلغ مجموعها 4 مليارات يورو لمواجهة التضخم الجامح.
وشهد الحد الأدنى للأجور في الأول من مايو زيادة قدرها 50 يورو شهرياً، فأصبح حالياً يساوي 713 يورو قبل حسم الضرائب. غير أن النقابات والمعارضة اليسارية تعتبر أن هذه الإجراءات غير كافية، مطالبة بأن يصل الحد الأدنى للأجور إلى 825 يورو شهرياً.
معدلات نمو
يتوقع وزير مالية اليونان كريستوس ستايكوراس وصول معدل نمو الاقتصاد في بلاده خلال العام الحالي إلى أكثر من 3 في المائة مع تسجيل معدلات نمو كبيرة اعتبارا من 2023 وما بعدها.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن الوزير قوله في الأسبوع الثاني من أبريل: «نتوقع أداء ماليا أفضل من التوقعات الأصلية لعام 2021، وانضباطا ماليا كبيرا في 2022 وتحقيق الفوائض الأولية الواقعية في الميزانية اعتبارا من 2023».
كان محافظ البنك المركزي اليوناني يانيس ستورناراس قد توقع أن يستمر اقتصاد البلاد في تسجيل نمو خلال عام 2022 ولكن بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا قبل الحرب في أوكرانيا عندما كانت التقديرات تشير إلى نمو متوقع بـ8.‏4 في المائة.
دور اليونان في أزمة الطاقة
قد يبرز دور اليونان في أزمة الطاقة الأوروبية الحالية، بالنظر إلى مساعيها وتحركاتها مع قبرص ومصر، إذ إنها تسعى لأن تكون البوابة التي يمر من خلالها الكهرباء والغاز المصريان.
في مارس الماضي، قررت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 تكليف المفوضية شراء الغاز بشكل مشترك، وقالت اليونان وقتها، عبر شركة كوبيلوزوس غروب، إنها انتهت من دراسة الجدوى الأولية للربط الكهربائي بين مصر واليونان.
وأوضح مسؤول تنفيذي، أن شركة كوبيلوزوس ومقرها اليونان، انتهت من إعداد دراسة جدوى أولية بشأن كابل بحري لنقل الطاقة الكهربائية المنتجة في مصر، وذلك بعد أن وافقت اليونان العام الماضي على خطة لمد كابل كهربائي بطول 920 كيلومترا يمتد من أثينا إلى مصر التي تُنتج وفرة من الطاقة المتجددة من العديد من مجمعاتها للطاقة الشمسية.
وإقامة خط الربط الذي تُقدر تكلفته بنحو 3.6 مليار يورو (أربعة مليارات دولار) سيساعد اليونان وأوروبا على تقليل اعتمادهما على الغاز الروسي، والوفاء بالأهداف المتعلقة بالمناخ.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.