ما زال حوالي مائة ألف مدني في المجمل داخل مدينة ماريوبول الواقعة في جنوب أوكرانيا، والتي تحتلها القوات الروسية. وقال رئيس البلدية فاديم بويتشينكو، أمس الثلاثاء، إن أكثر من 200 مدني لا يزالون يتحصنون مع مقاتلين في مصنع ضخم للصلب بالمدينة.
وبدأت الأمم المتحدة واللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» عملية منسقة مع أوكرانيا وروسيا في 29 أبريل (نيسان) لإخراج النساء والأطفال والمسنين من منطقة مصنع الصلب. وانتهى حصار ماريوبول الذي استمر قرابة الشهرين في منتصف أبريل، بسيطرة القوات الروسية والانفصاليين الموالين لروسيا بشكل شبه كامل على المدينة.
وأصبح المجمع الصناعي الضخم ملاذاً لكل من المدنيين والمقاتلين الأوكرانيين، بعدما فرضت موسكو حصاراً على ماريوبول ودمرت المدينة بعد أسابيع من القصف. وتأمل أوكرانيا في وصول مجموعة ممن تم إجلاؤهم من أنقاض المصنع إلى مدينة زابوريجيا الخاضعة للسيطرة الأوكرانية في وقت لاحق.
وأضاف رئيس البلدية أن حوالي 100 ألف مدني إجمالاً بقوا في المدينة الساحلية المطلة على بحر آزوف. وأبلغ بويتشنكو التلفزيون المحلي: «مجموعة (ممن تم إجلاؤهم) تتحرك باتجاه زابوريجيا. الإجلاء مستمر». وأضاف: «نأمل أن يصل الذين تم إجلاؤهم إلى أوكرانيا».
في الماضي غير البعيد، كانت إينا مصففة شعر؛ لكن اليوم تتلخص الحياة اليومية لهذه السيدة التي تعيش في المدينة الكبيرة في جنوب شرقي أوكرانيا والتي استولت عليها القوات الروسية مؤخراً، في «الجري» للحصول على الماء والطعام. وتقول السيدة الخمسينية الرياضية وهي تحمل صفيحتين فارغتين: «نبحث عن نقطة توزيع المياه. بعد ذلك نقطة لتوزيع الخبز. ثم علينا أن نقف في طابور للحصول على حصص». وتضيف: «نجري باستمرار». وبعدما أمضوا أسابيع في ملاجئ تحت الأرض أو في منازلهم، خرج السكان ليكتشفوا أن مدينتهم الساحلية التي كانت تعج بالحركة في يوم من الأيام، باتت خراباً. في هذا الحي الشرقي، لم تسلم أي من المجمعات السكنية المكونة من أبنية من 9 طوابق، من واجهات متفحمة أو متضررة بفعل قذائف إلى مبانٍ أخرى انهارت ومتاجر نُهبت. وفي وسط شارع واسع تظهر شواهد قبور على مساحة عشبية.
بالنسبة للناجين، يضاف إلى هذا الدمار نقص في المواد: لا مياه أو كهرباء أو غاز أو شبكة للهاتف المحمول أو الإنترنت. وحل محل الخوف هاجس السعي للحصول على الماء والطعام، كما جاء في تحقيق «الصحافة الفرنسية» من المدينة.
ونظم الانفصاليون الموالون لروسيا عملية توزيع أمام مدرسة نوافذها محطمة، بينما اخترقت الشظايا جدرانها. واحتشد نحو مائتي شخص وراء شاحنة عسكرية؛ حيث يقوم متطوعون بتسليمهم طروداً غذائية (معكرونة وزيت وبعض الأطعمة المعلبة) تحمل حرف «زد» رمز دعم الهجوم الروسي في أوكرانيا. وفي مكان قريب يوفر صهريجان مياه الشرب.
ويغادر رجل مسن المكان وهو يدفع عربة متهالكة ممتلئة بالعلب والطرود. وأمام صف من المباني المجاورة، التفت مجموعات من السكان حول مواقد بدائية: 4 قطع خرسانية تحيط بالنار التي تنبعث منها رائحة كريهة، لتسخين قِدر أو إبريق شاي كبير. بجانبها، الملابس تنقع في برميلين أزرقين كبيرين يقومان بمهام غسالتين. قالت إيرينا (30 عاماً) التي تعمل في تطوير ألعاب الفيديو، ملخصة الوضع: «نحن لا نعيش؛ بل نكافح من أجل البقاء».
غادر عدد كبير من السكان هذه المدينة التي كان يعيش فيها نحو 450 ألف نسمة قبل النزاع، عبر ممرات إنسانية في الأسابيع الأخيرة. وتتساءل الصيدلانية كريستينا بورديوك (25 عاماً) وهي في طريقها إلى المنزل مع فتاتين صغيرتين تتشبث كل منهما برغيف خبز كبير: «أود أن أرحل. لكن إلى أين؟ إلى مكان آخر في أوكرانيا؟ لم يتبقَّ هناك شيء». وتابعت: «إلى بولندا المجاورة؟ أصبح هناك عدد كبير من الأوكرانيين. أما روسيا فهي مستبعدة». وأضافت أنها شاهدت سيارات «مع عائلات وأطفال» يمزقها الرصاص أثناء محاولتهم مغادرة المدينة في بداية الحصار. وتقول إنها لا تعرف من أطلق النار؛ لكنها تأثرت بذلك. لذلك تفضل البقاء في المنزل مع زوجها ووالدتها وجدتها، وتخطط الآن للعمل مع السلطات الجديدة التي -كما تقول- تعرض إزالة الأنقاض أو جمع الجثث أو إزالة الألغام من المدينة في مقابل راتب يدفع بالروبل. وقالت: «اليوم أنا جاهزة لأي شيء».
في غياب شبكة الإنترنت والهاتف منذ بداية مارس (آذار)، لا تستطيع إيرينا مطورة الألعاب العمل أو الاتصال بأقاربها؛ لا سيما شقيقتها التوأم التي كانت حسب آخر الأخبار في كييف. والمصادر الوحيدة للمعلومات لديها هي جهاز راديو صغير يعمل بالبطاريات لدى أحد الجيران ويلتقط محطة موالية لروسيا، والأخبار التي يتم تناقلها شفهياً وتنشر شائعات أكثر من الأخبار الحقيقية. ويؤدي غياب المعلومات الموثوقة وعدم اليقين إلى شعور بالإحباط والغضب. وخلال توزيع المواد الغذائية، تصرخ امرأة على مسؤول في الإدارة الجديدة يرتدي بزة عسكرية.
خلال ثوانٍ يتجمع حشد حولهما وتطرح أسئلة: «متى سنتلقى معاشاتنا التقاعدية؟»، و«متى ستفتح المدارس مجدداً؟» و«المخازن؟». ويرد المسؤول وهو يمسح جبينه: «نبذل قصارى جهدنا»، محاولاً طمأنة الحشد. ويؤكد أن «الأولوية هي ضمان الأمن والتنظيف».
رغم انتشار عدد كبير من الجنود المسلحين، انفجر شاب غاضباً. قال: «طرحنا عليكم أسئلة محددة، أجيبوا بشكل واضح». ووعد دينيس بوشلين زعيم جمهورية دونيتسك التي أعلنت من جانب واحد ويريد الانفصاليون إلحاق ماريوبول فيها، بإعادة الإعمار «قريباً جداً» بدعم من موسكو. وأشار إلى أن عدد القتلى المدنيين غير معروف؛ لأن «كثيرين ما زالوا تحت الأنقاض».
وتبدو إيرينا المحملة بالمياه والغذاء جاهزة للعودة إلى المنزل. وهي تأمل أن يكون «الأسوأ قد انتهى» وتريد «الصمود لبضعة أسابيع أخرى أو بضعة أشهر حتى يتحسن الوضع».
وتابعت بأنها ليست على عجلة من أمرها سوى في مسألة واحدة، وهي عودة الاتصالات للتواصل مع أختها التوأم. وأضافت: «أريد أن أقول لها: أنا على قيد الحياة، أختك على قيد الحياة».
ماريوبول تبحث عن الماء والغذاء «من أجل البقاء»
ماريوبول تبحث عن الماء والغذاء «من أجل البقاء»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة