الحرب الأوكرانية وسوريا... فرص القوى الخارجية وتحدياتها

صورتان مدمجتان. الأولى لآثار القصف في كييف في 14 مارس الماضي، والثانية للدمار في حلب شمال سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2016 (غيتي)
صورتان مدمجتان. الأولى لآثار القصف في كييف في 14 مارس الماضي، والثانية للدمار في حلب شمال سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2016 (غيتي)
TT

الحرب الأوكرانية وسوريا... فرص القوى الخارجية وتحدياتها

صورتان مدمجتان. الأولى لآثار القصف في كييف في 14 مارس الماضي، والثانية للدمار في حلب شمال سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2016 (غيتي)
صورتان مدمجتان. الأولى لآثار القصف في كييف في 14 مارس الماضي، والثانية للدمار في حلب شمال سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2016 (غيتي)

أسفرت الآثار المباشرة للحرب في أوكرانيا عن تفاقم الأوضاع الإنسانية العسيرة بالفعل في سوريا. فالعنف الذي طال أمده في أوكرانيا وتحول إلى مواجهة كبرى بين حلف «الناتو» وروسيا، من شأنه تعريض التعاون متعدد الأطراف بشأن إدارة الصراع في سوريا وحل الأزمات والقضايا الإنسانية في هذا البلد، لمخاطر شديدة. كما أن النزاع الذي طال أمده في أوكرانيا، يمكنه تعطيل الوضع الراهن المتقلب في سوريا، ما قد يعرض اتفاقات وقف إطلاق النار للخطر، ويحول ميزان القوى لصالح إيران، وبالتالي يزيد من خطر التصعيد العسكري بين إيران وخصومها، ويعقّد المعركة ضد «تنظيم داعش»، ويعرض عمليات إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود للخطر.
العمليات العسكرية واسعة النطاق في سوريا، تقلصت إلى حد كبير على مدى السنوات القليلة الماضية، إلا أن الاستقرار يبقى هشاً. وقد شهد حل الصراع جموداً مطولاً، فهناك 5 دول أجنبية، فضلاً عن أن عدداً كبيراً من الميليشيات المحلية والأجنبية، لها وجود عسكري على الأرض. وأنشأت كل من روسيا وتركيا والولايات المتحدة وإيران مناطق للنفوذ، لا تزال حدودها موضع نزاع.
«الشرق الأوسط» تنشر ملخصاً لترجمة خاصة من تقرير «المعهد الألماني للدراسات الأمنية والدولية» عن آثار الحرب الأوكرانية على سوريا...
شعرت سوريا على الفور بآثار الحرب في أوكرانيا. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المزرية بالفعل في تلك البلاد، ذات الدخل المتوسط، الأدنى سابقاً. وكان الاقتصاد السوري قد انهار بفعل أضرار الحرب، والنزوح على نطاق واسع، وسوء الإدارة، والعقوبات، وفيروس كورونا، وتداعيات الانهيار المالي في لبنان.
حتى قبل الحرب في أوكرانيا، كان 90 في المائة من سكان سوريا يعيشون في فقر، وكان ثلثاهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية، و55 في المائة منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2021 حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من خطر المجاعة، على خلفية الجفاف الشديد والانخفاض الحاد في محصول القمح في سوريا.
وأعلنت روسيا نهاية 2021 أنها لن تقوم بإيصال القمح إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، والتي كان من المفترض أن تسد الفجوة الغذائية. ومن المرجح أيضاً أن تعاني منطقة شمال غربي سوريا من نقص مماثل، لأنها تشتري القمح من أوكرانيا وروسيا، فضلاً عن تركيا؛ حيث تأثر الإنتاج بسبب الجفاف.
بالإضافة إلى ذلك، فإن برنامج الغذاء العالمي، الذي يعتمد إلى حد كبير على الإنتاج الأوكراني، من المتوقع أن يتعرض لضغوط بسبب فقدان الإمدادات، وارتفاع أسعار الأغذية، وزيادة عدد الأشخاص المحتاجين في جميع أنحاء العالم. وابتداء من مايو (أيار) الحالي، سيضطر البرنامج إلى خفض المساعدات الغذائية المنقذة للحياة إلى نحو 1.35 مليون شخص في شمال غربي سوريا.
وفي حين اعتمد النظام السوري تدابير تقشفية، مثل الترشيد ومراقبة الأسعار وقيود التصدير، فإنه لم ينجح في منع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة.

صورتان مدمجتان... الأولى في 12 مارس 2022 تظهر الدمار في أحياء مدينة خاركيف بأوكرانيا، والثانية في 10 أغسطس (آب) 2014 وتظهر حطام المباني في حلب شمال سوريا (غيتي)
في المقابل، يبدو أن الآثار المباشرة للحرب في أوكرانيا على التفاعلات الجيوسياسية في سوريا كانت محدودة حتى الآن. فقد فصلت القوى الخارجية الرئيسية، التي لها وجود عسكري على الأرض في سوريا، تعاونها عن التوترات بشأن أوكرانيا، فاتفاقات «فك الاشتباك» العسكري بين روسيا والولايات المتحدة، فضلاً عن روسيا وإسرائيل، لا تزال مستمرة، وهناك دوريات روسية تركية مشتركة في شمال سوريا، بناء على ترتيبات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها في مارس (آذار) 2020. ولا تزال تُجرى محادثات غير رسمية بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة وأوروبا بشأن وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا. وفي الوقت نفسه، كانت العلاقات الإسرائيلية - الإيرانية متوترة منذ مقتل اثنين من ضباط «الحرس الإيراني» في سوريا، أوائل مارس 2022، وقد أدى ذلك إلى شن إيران هجمات على أهداف مرتبطة بإسرائيل في العراق، فضلاً عن الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف مرتبطة بإيران في سوريا.
ورغم ذلك، بدأت بعض الجهات، وخصوصاً روسيا وإيران، تكييف وجودها في سوريا. وبناء عليه، فإن سوريا لن تخرج بلا أضرار بالضرورة، حتى لو انتهت الحرب في أوكرانيا عاجلاً، وليس آجلاً. وفي حين أنه من المتوقع أن تظل المصالح العامة للجهات الخارجية المهيمنة بلا تغيير، فمن المرجح أن تتأثر مساعيهم ونهجهم وقدراتهم، ما يدفع إلى مزيد من التكيفات والمجازفة بتجدد وتصاعد التوترات في سوريا. وسوف يعتمد مدى هذه التغيرات على مدة وتطور الصراع في أوكرانيا، وتصاعده المحتمل إلى صراع أوسع بين حلف «الناتو» وروسيا.
من عامل استقرار إلى مُعرقل
تؤثر الحرب ضد أوكرانيا بشكل مباشر على القدرات المتاحة لروسيا للتدخل في سوريا. فضلاً عن ذلك، فقد بات بوسعنا أن نلحظ بالفعل تحولاً في أولويات السياسة الخارجية الروسية. وسيعتمد تأثير ذلك على المصالح المحددة لروسيا في الصراع السوري، على مدة ومسار الصراع في أوكرانيا وخارجها.
وفي الوقت نفسه، لا يملك الكرملين ترف رؤية فشل سياسته في سوريا. لقد أصبحت العملية العسكرية في سوريا رمزاً كبيراً جداً لطموح روسيا بالعودة إلى عرش القوة العظمى. وبالتالي، تواجه روسيا الآن التحدي المتمثل بتأمين موقعها في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقدرات محدودة. ولدى روسيا مصلحة استراتيجية في الحفاظ على قواعدها الجوية والبحرية في سوريا، فهذه القواعد تدعم استعداد روسيا العسكري في شرق البحر المتوسط. الأمر الذي يصبح أكثر أهمية في خضم المواجهة المتزايدة مع الولايات المتحدة وحلف «الناتو».
ولا يهدد غزو روسيا لأوكرانيا بتقويض مكانتها العسكرية الرسمية في سوريا بشكل كبير على المدى القصير، لأن هذا الوجود يتمحور بشكل أساسي حول قوات الدفاع الجوي والشرطة العسكرية، بدلاً من القوات البرية الكبيرة التي يبلغ عددها نحو 4 آلاف جندي فقط وفقاً لتقرير التوازن العسكري لسنة 2022 الصادر عن «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية».
ومع ذلك، قد يكون للحرب في أوكرانيا تأثير أكبر على نشر روسيا لقوات مسلحة غير نظامية. فمن أجل سد الفجوات في الجبهة الأوكرانية، قد تجد روسيا أنه من المفيد إرسال شركات عسكرية خاصة و«متطوعين» من سوريا إلى أوكرانيا، ما قد يقوض القوة الضاربة التي تتمتع بها القوات المسلحة السورية. كما أن إغلاق تركيا لطريق الشحن عبر مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن العسكرية من موانئ البحر الأسود في روسيا وإليها، من المرجح أن يزيد المشكلات ويكبد موسكو تكاليف إضافية. وعلى وجه التحديد، سوف يكون من الضروري إلى حدٍ كبير إرسال التعزيزات والإمدادات للقوات الروسية في سوريا عن طريق الجو.
وعلى المدى المتوسط، سيكون لتدهور القدرات الاقتصادية الروسية الناجم عن العقوبات تأثير أيضاً على سياستها تجاه سوريا. ومن المرجح تضاؤل القدرة الروسية على المشاركة في إعادة إعمار سوريا والتأثير على تنميتها الاقتصادية.
وعلى المدى القصير على الأقل، من المرجح أن تتجنب موسكو الخطوات التي قد تؤدي إلى اندلاع مواجهات مسلحة كبيرة في سوريا، لأن هذا يهدد بتوسيع نطاق عمل القوات الروسية. ومع ذلك، وعلى خلفية المواجهة الروسية - الغربية، لا تزال هناك حاجة لأن تستغل موسكو إمكاناتها المعرقلة فيما يتصل بسوريا، على سبيل المثال ما يتعلق بالوصول إلى المساعدات الإنسانية أو فك الارتباط العسكري جزئياً.
التفاعلات الجيوسياسية
ومن المرجح أن يكون للعنف الذي طال أمده في أوكرانيا، أو تصعيد الحرب في أوكرانيا وتحولها إلى مواجهة أكبر بين حلف «الناتو» وروسيا، تأثير على مجريات الصراع في سوريا بما يتجاوز قدرة الجهات الفاعلة الخارجية على التكيف.
وفيما يتعلق بوضع روسيا ونهجها في سوريا، هناك 3 مسارات معقولة...
- أولاً، قد تضطر موسكو إلى تقليص وجودها العسكري والحد من اهتمامها ومواردها التي تنفقها في سوريا. وفي هذا السياق، قد لا تعيق روسيا توسيع النفوذ الإيراني على البنية التحتية العسكرية - الأمنية السورية والأنشطة الاقتصادية بعد الحرب، طالما يتم مراعاة مصالح موسكو الاستراتيجية في الحفاظ على الهيمنة على موانئ اللاذقية وطرطوس على البحر المتوسط. وقد تصبح رغبة طهران الأخيرة في طرد الولايات المتحدة من سوريا أكثر قبولاً لموسكو. وبالتالي، فإن مثل هذا التطور يمكن أن يغير ميزان القوى في سوريا لصالح إيران.
- ثانياً، إذا اضطرت روسيا لنقل أصولها الجوية من سوريا إلى أوكرانيا، فقد يكون لذلك تأثير سلبي على الجهود الروسية (وجهود النظام السوري) لاحتواء «تنظيم داعش» في البادية السورية، فضلاً عن المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام. وحتى الآن، استُخدم العتاد الجوي، ولا سيما المروحيات الهجومية، لمنع ظهور «داعش» مجدداً في هذه المناطق. ومع ذلك، هناك مخاوف متزايدة من أن تشكل عودة التنظيم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تهديداً حقيقياً في الفترة المقبلة. ويمكن أن تتفاقم المشكلة إذا ما تم نشر الجنود السوريين والميليشيات الموالية للنظام في أوكرانيا بأعداد كبيرة، لأن هذا من شأنه تقويض القوة الضاربة للقوات المسلحة السورية. ووفقاً للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، سجل أكثر من 40 ألف مقاتل سوري أسماءهم للانتشار في أوكرانيا بحلول منتصف مارس 2022، بمن فيهم جنود من القوات المسلحة السورية. ولم يصل إلى روسيا للتدريب سوى بضع مئات من المقاتلين من سوريا حتى نهاية الشهر ذاته. ولم يتم نشر أي منهم في أوكرانيا حتى الآن.
- ثالثاً، في حين تسعى موسكو للحفاظ على الوضع الراهن في سوريا في الوقت الحالي، على خلفية تهديد مفترض لأمن نظامها، قد يغير الكرملين جذرياً منهجه في سوريا ويستغل إمكاناته المُعرقلة. ومن الممكن أن يحدث هذا بهدف إرغام بلدان حلف «الناتو»، بما في ذلك تركيا، على تقديم تنازلات فيما يتصل بأوكرانيا، أو ربما لمجرد صرف الانتباه بعيداً عنها. بعبارات محددة، قد يُنفذ هذا السيناريو من قبل روسيا التي تعمل على تعقيد أو تعطيل عمليات مكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، أو تنخرط في مواجهات خطيرة مع الطائرات الأميركية في الأجواء السورية، أو تقدم على إجراءات عدائية ضد السفن الحربية الغربية في شرق البحر الأبيض المتوسط.
إيران وملء الفراغ
بدأت إيران، الشريك الأقرب لروسيا في دعم نظام الأسد، في تكييف سياستها إزاء سوريا مع الظروف المتغيرة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. ويبدو أن طهران تنظر إلى تركيز موسكو على أوكرانيا كفرصة سانحة لزيادة نفوذها في سوريا، من الناحيتين الكمية والنوعية. ومنذ بداية الحرب الأوكرانية، كان هناك اتجاه متزايد بين القوات الإيرانية وتلك المدعومة من إيران لتوسيع أنشطتها في شمال شرقي سوريا (يبلغ عدد القوات الإيرانية الآن نحو 1500 جندي وفقاً لتقرير التوازنات العسكرية لسنة 2022). وفي هذا السياق، رفعت هذه القوات من مستويات وجودها في الحسكة. وفي الماضي، كان الدور المهيمن لروسيا في المنطقة يحدّ من نطاق أنشطة إيران. ومن شأن توسيع نطاق السيطرة على منطقة الحسكة، القريبة من المناطق الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة، أن يقرب إيران خطوة أخرى من هدفها الراسخ، المتمثل في الضغط على واشنطن للانسحاب من سوريا. وفي الوقت نفسه، تشير بعض التقارير إلى أن إيران زودت قواتها الوكيلة في أجزاء مختلفة من سوريا بأسلحة عالية الجودة، بما في ذلك الأسلحة المضادة للدروع. والسبب الرسمي وراء هذا التسليح هو الحاجة إلى التمكن من محاربة أنشطة «داعش» المتجددة. ومع ذلك، وكما هو الحال في الحسكة، يشير قرار إيران بإعادة تنشيط قواتها الحليفة والوكيلة في مناطق شاسعة من محافظتي حمص ودير الزور، إلى رغبتها في توسيع نطاقها الجغرافي، وربما استبدال الوجود الروسي في أكبر عدد ممكن من المناطق في سوريا.
في هذا السياق، وفي أوائل أبريل (نيسان)، عززت القوات الإيرانية، إلى جانب «حزب الله» اللبناني، والفرقة الرابعة في الجيش السوري الموالية لإيران، من وجودها في مستودع «مهين» العسكري في شرق حمص، وذلك بعد انسحاب القوات الروسية والمدعومة من روسيا.
وتتصاحب هذه التفاعلات على الأرض بتجدد النشاط السياسي والدبلوماسي الإيراني في سوريا. ففي 27 فبراير (شباط)، زار مدير الأمن الوطني السوري، علي مملوك، طهران للاجتماع بكبار المسؤولين الإيرانيين. وبعد شهر واحد، في 23 مارس، زار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، سوريا. وسعت الزيارات الدبلوماسية، بالإضافة إلى طمأنة الأسد حول الدعم الإيراني المستمر، إلى المساعدة في توسيع دور إيران الاقتصادي في البلاد. وخلال السنوات الأخيرة، صارت طهران تنظر إلى موسكو من زاوية المنافس الاقتصادي في سوريا. وربما تأمل إيران في أن تتيح التحديات الاقتصادية التي تواجهها روسيا، إثر العقوبات الغربية عليها من جهة، وإمكانية رفع العقوبات المفروضة على إيران مع استعادة الاتفاق النووي لسنة 2015 من جهة أخرى، لطهران مجالاً أكبر للمناورة في اقتصاد ما بعد الحرب السورية.
أميركا... والحذر من «داعش»
تظل مصالح الولايات المتحدة وقدراتها في سوريا بلا تغيير، إلى حد كبير، بفعل الحرب في أوكرانيا، على الأمدين القريب والمتوسط. لكن أولوياتها، ولا سيما ما يتعلق بالشواغل الإنسانية، قد تتحول استناداً إلى مسار الصراع الأوكراني الراهن. وإذا طال أمد الصراع في أوكرانيا، أو ما هو أسوأ، إذا توسع نطاقه إلى ما هو أبعد من الحدود الأوكرانية، فلا يمكننا استبعاد التوترات العسكرية المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا.
وتواصل الولايات المتحدة التركيز على ضمان الهزيمة الدائمة لـ«تنظيم داعش»، والمحافظة على وقف إطلاق النار الحالي في كل من شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي، والحفاظ على وصول المساعدات الإنسانية، إن لم يكن توسيعها، وضمان المساءلة القانونية عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري، والتحقق من التوصل إلى حل سياسي للنزاع بموجب قرار مجلس الأمن 2254، ديسمبر (كانون الأول) 2015، والتحسب للنفوذ الإيراني داخل سوريا.
ولن تتأثر أدوات الولايات المتحدة لمتابعة هذه الأولويات بالغزو الروسي لأوكرانيا. وسوف تحتفظ الولايات المتحدة بوجودها المحدود في البلاد (نحو 900 جندي وفقاً لتقرير التوازنات العسكرية لسنة 2022 الصادر عن «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية») في المستقبل المنظور. وسيستمر تمويل أنشطة تحقيق الاستقرار في شمال شرقي سوريا إن لم يكن سيرتفع، تبعاً لميزانية الولايات المتحدة، وستظل العقوبات، ولا سيما ما يُسمى بعقوبات «قانون قيصر»، أداة رئيسية في صندوق أدوات الولايات المتحدة، المقترن الآن مع العقوبات الواسعة على روسيا، ويمكن أن يزداد تأثيرها، ولا سيما ما يتعلق بالتطبيع وإعادة الإعمار في سوريا. وستستمر الجهود المبذولة للتخفيف من الآثار غير المقصودة للعقوبات عن طريق إصدار التراخيص العامة.
إنسانياً، لا بد أن تظل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لسوريا مستقرة، لكن نقص التمويل الدولي قد يتحول إلى قضية تعتمد على حجم الاستجابة للأزمة الأوكرانية. وقد يكون تجديد القرار الدولي 2585، يوليو (تموز) 2021، الذي ينص على تقديم مساعدات دولية إلى مناطق خارج سيطرة النظام في سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي (بين إدلب وتركيا)، وهو أولوية أميركية رئيسية في سوريا، في خطر. وهذا الأمر مرهون بالموقف الروسي من القرار. وسوف تعطي الولايات المتحدة الأولوية لتجديد القرار، المقرر أن ينتهي العمل به في يوليو، مع صياغة خطط للطوارئ في حالة استخدام حق النقض ضده.
وبالنسبة إلى «داعش»، سوف تراقب الولايات المتحدة عن كثب أي عودة للتنظيم في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، التي قد يتردد صداها بعد ذلك في شمال شرقي سوريا. وفي حال تدهورت قدرات روسيا في مكافحة «تنظيم داعش» بسبب تحول موسكو نحو أوكرانيا، يمكن أن تتعزز قدرة التنظيم في البادية، أي المنطقة الصحراوية الوسطى في سوريا، وربما تتعزز قدرته على شن هجمات على مراكز الاحتجاز ومخيمات النزوح في شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة الأكراد. وقد تؤدي إعادة تنظيم صفوف «داعش» بشكل كبير في سوريا إلى إعادة الولايات المتحدة النظر في استراتيجيتها وموقفها في مكافحة التنظيم. وسوف تسعى الولايات المتحدة، أيضاً، إلى الحفاظ على قدرتها على ضرب «تنظيم القاعدة» والجماعات المتطرفة الأخرى في شمال غربي سوريا، وقد يصبح الوضع أكثر تعقيداً إذا تعثرت قنوات تجنب التصادم الجوي مع روسيا.
تركيا على حبل مشدود
لن تغير حرب أوكرانيا الأهداف التركية الرئيسية في سوريا. والوجود العسكري التركي، ومشاركته الإدارية، وبنيته التحتية في شمال سوريا، يخدم 3 أهداف رئيسية...
(1) منع الحكم الذاتي للأكراد بقيادة «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب».
(2) منع تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى تركيا.
(3) إعادة اللاجئين السوريين المقيمين راهناً في تركيا.
وفي أعقاب الحرب، احتفظت أنقرة حتى الآن برهاناتها، وحمت مصالحها الاقتصادية والأمنية. وتحاول القيادة التركية بعناية عدم استعداء روسيا، في الوقت الذي تعارض فيه تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا. ومن المرجح أن تزداد الضغوط على تركيا لمواءمة موقفها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالعقوبات، وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية إذا ما اتخذت الحرب مساراً مستداماً، ما يزيد من احتمال حدوث مواجهة بين تركيا وروسيا، ويعرض اتفاقات وقف إطلاق النار التي أبرمت في مارس 2020 في شمال سوريا للخطر.
وفي هذا السياق، فإن الوضع الهش في إدلب، الذي يعرض حياة القوات التركية على الأرض للخطر بشكل مباشر (نحو 3000 جندي، إضافة إلى وحدة للدرك، وفقاً لتقرير التوازنات العسكرية لسنة 2022)، سوف يشكل تحدياً خاصاً. وتكمن الأولوية العاجلة لأنقرة في تجنب انهيار ترتيبات وقف إطلاق النار. ومن هذا المنطلق، تودّ تركيا بشكل خاص تجنب هجوم النظام في إدلب، لأن هذا يقتضي موجة أخرى من اللجوء إلى تركيا.
وتركيا عرضة أيضاً للتأثيرات الاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. فروسيا هي أحد أكبر الشركاء التجاريين لتركيا في الواردات، وأحد موردي الغاز الرئيسيين لها. كما تتوقع تركيا انخفاضاً في العائدات السياحية، ونقص العرض في واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا. وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، تسببت الأزمة الاقتصادية التركية المتفاقمة في جعل تبرير التكاليف الاقتصادية لسياستها في سوريا أكثر صعوبة. علاوة على ذلك، ستضيف التداعيات الإنسانية للحرب في أوكرانيا عبئاً اقتصادياً على تركيا في شمال غربي سوريا. وبالتالي، فإن استمرار المساعدات عبر الحدود يشكل أولوية ملحة بالنسبة لتركيا، أكثر من أي وقت مضى.
حسابات معقدة
تتصور أنقرة أن الحرب في أوكرانيا سوف يطول أمدها. ونتيجة لذلك، فإن المواجهة المتصاعدة بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا قد تصب في مصلحتها لسببين رئيسيين...
- أولاً، يمكن أن يؤدي إضعاف موقف روسيا العسكري في سوريا إلى فتح آفاق دبلوماسية جديدة. كما أن إغلاق تركيا لمضيقي البوسفور والدردنيل أمام جميع السفن الحربية (بموجب اتفاقية «مونترو» لسنة 1936) قد يؤثر سلباً على الوجود الروسي في سوريا في حال امتد أمد الحرب.
- ثانياً، أي تفاهم بين روسيا والولايات المتحدة بشأن مستقبل سوريا يصبح أقل احتمالاً مع تزايد التوترات بشأن أوكرانيا، ما يُبدد المخاوف التركية بشأن الاعتراف بالحقوق الكردية أو الحكم الذاتي الكردي في سوريا.
فضلاً عن ذلك، يرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن تجدد اهتمام القادة الغربيين بتركيا مؤخراً، دليل على تزايد الأهمية الاستراتيجية لتركيا. وبالتالي، فإن الحرب الأوكرانية تصب في جهود أنقرة الرامية إلى إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا.
في الأثناء ذاتها، ذكرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية، أن أنقرة ترى في الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة لإصلاح العلاقات مع دمشق. ووفقاً لهذه التقارير، جرى إبلاغ مطالب تركيا الثلاثة (أي الحفاظ على نظام موحد في سوريا، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وضمان سلامة العائدين السوريين) إلى الرئيس الأسد. وإذا صح الأمر، فإنه يشير إلى أن التأثير الدبلوماسي للدول العربية مع الأسد والعودة المحتملة لسوريا إلى جامعة الدول العربية قد يدفع بأنقرة إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، بطريقة تحفظ ماء وجه تركيا وإصلاح المشكلات الاقتصادية.


مقالات ذات صلة

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف في صورة مع أحد الجنود الأوكرانيين الذين أصيبوا في الحرب (د.ب.أ)

شولتس في كييف بعد طول غياب... واتهامات باستغلاله الزيارة لأغراض انتخابية

زار المستشار الألماني أوكرانيا بعد عامين ونصف العام من الغياب وفي وقت تستعد فيه بلاده لانتخاب عامة مبكرة، واتهمته المعارضة باستغلال الزيارة لأغراض انتخابية.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس لدى وصوله إلى أوكرانيا (حسابه عبر منصة إكس)

شولتس في زيارة مفاجئة لأوكرانيا... ويعلن عن مساعدات عسكرية جديدة

وصل المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أوكرانيا، الاثنين، في زيارة لم تكن معلنة مسبقاً للتأكيد على دعم برلين لكييف في حربها ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.