المجموعة القصصية بوصفها متوالية سردية

«بانت سعاد» لرغد السهيل أنموذجاً

المجموعة القصصية بوصفها متوالية سردية
TT

المجموعة القصصية بوصفها متوالية سردية

المجموعة القصصية بوصفها متوالية سردية

تؤشر مجموعة «بانت سعاد» للقاصة والروائية رغد السهيل الصادرة عام 2021 علامة مهمة في مسيرة القصة القصيرة التي تعرضت إلى منافسة شديدة من قبل الرواية، أقصتها بعض الوقت عن تصدر المشهد الثقافي والأدبي، وربما تعدّ هذه المجموعة بمثابة رد فعل على هذا التغيب، ومحاولة للصعود مرة أخرى إلى دائرة الأضواء.
تضم المجموعة القصصية أربع عشرة قصة قصيرة، لكنها على الرغم من استقلال كل قصة منها، منفردةً، بأجوائها الخاصة بها سردياً، فإنها تضمر خيطاً سردياً يربطها جميعاً، ويجعلها أقرب ما تكون إلى لون من السرد الروائي. وهذا يدفعنا إلى عدّ «بانت سعاد» بمثابة «متوالية سردية» (sequence narrative) أو «حلقة» (circle)، وهو توصيف جديد أطلقه بعض النقاد في الولايات المتحدة على المجموعات القصصية التي تمتلك مثل هذا التراسل بين قصصها. ومن المفيد أن نذكّر هنا بأن النقد العراقي الأكاديمي تحديداً انتبه إلى هذا التوصيف مؤخراً من خلال السجالات النقدية الخصبة التي دارت بين الناقدة الدكتورة نادية هناوي إسماعيل أستاذة النقد الحديث في الجامعة المستنصرية والدكتور ثائر العذاري أستاذ النقد الحديث في جامعة واسط الذي أصدر مؤخراً كتاباً نقدياً خاصاً عن «المتوالية القصصية».
والقاصة رغد السهيل دخلت المشهد القصصي والروائي بقوة وثقة من خلال أعمالها المنشورة؛ ومنها ثلاث مجموعات قصصية سابقة؛ هي «ضحكة الخاتون» عام 2011، و«سايكو بغداد» عام 2013، و«كللوش» عام 2017، فضلاً عن إصدار روايتين هما «أحببت حماراً» عام 2015، و«منازل ح 17» عام 2019، واستطاعت بذلك أن تؤكد حضوراً واضحاً في المشهد الثقافي عموماً وفي فضاء السرد الأنثوي، تحديداً. وأتيحت لي الفرصة سابقاً في الكتابة عن روايتها الأخيرة «منازل ح 17» التي وجدتها أنموذجاً متقدماً للسرد الحداثي، المنشغل بشكل خاص بالتعبير عن رؤيا أنثوية ونسوية تجاه الحياة والتاريخ، ومحاولة لإنقاذ صوت المرأة من براثن التاريخ الرسمي والميثولوجي والديني إلى فضاء التمرد والحرية.
في مجموعة «بانت سعاد» نجد أكثر من خيط سردي يجعلها تنتمي بوضوح إلى بنية «المتوالية القصصية» أو السردية، منها محورية شخصية سعاد التي أشار إليها عنوان المجموعة ذاته، بوصفه عتبة نصيّة حسب الناقد الفرنسي جيرار جينيت وهو عنوان حديث، لكنه يقيم تناصاً واضحاً مع بيت الشاعر الجاهلي كعب بن زهير «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول»، وإذا ربطنا دلالة هذا الاسم بالعتبة النصية التي تستهل بها القاصة مجموعتها والمـأخوذة من شعر قيس بن الملوح الذي أحب ابنة عمه (ليلى) حتى الجنون والتي قال بها، أحب من الأسماء ما وافق اسمها - أو أشبهه أو كان منه مدانياً. إذْ نجد تكراراً لاسم سعاد على امتداد المجموعة، يظهر بصور ومشاهد متباينة. وربما تمثل قصة «بانت سعاد» التي تحمل المجموعة اسمها أبرز ظهور سردي لها، حيث تستهل القاصة سردها بالحديث عن ظهور سعاد كأنها تعيد صياغة بيت الشاعر الجاهلي كعب بن زهير:
«حين بانت سعاد... ضحكت الشمس، وابتهجت الروح ولمست الدفء...»، ومن الواضح أن الساردة هنا أنثى عاشقة لسعاد ربما مثل عشق قيس بن الملوح لحبيبته (ليلى). لكن سعاد في هذه القصة لا يمكن الإمساك بها، فهي تنقلت بسرعة، فهي تهرب دائماً كأنها تقول لها متحدية: «لن تتمكني من الإمساك بي» في حوارية داخلية مؤسلبة، داخل ملفوظ واحد، على ما أشار إليه الناقد الشكلاني الروسي ميخائيل باختين. كما تطل سعاد في قصة «وشم بغداد»، حيث يتحدث السارد عن سعاد بوصفها حبيبته «كف حبيبتي سعاد ورقة ريحان طرية، ندية، مزخرفة بالورد». وفي قصة «ليالي سقوط القمر» يتحدث السارد المصاب بلوثة عقلية، عن أخته سعاد بوصفها خاطئة تستحق الموت.
كما يؤكد السارد لاحقاً في سرد هذياني مجنون أنه قد قتل شقيقته سعاد بيديه، وكان مستغرباً من رفض المحقق مثل هذا الاعتراف، ويعدّه لوناً من الهذيان الجنوني البعيد عن الحقيقة، بل نجده يؤكد للمحقق أنه قد قتل سعاد وزوجها وطفلهما بالسكين التي كان يحملها:
«أقسم لك قتلتهم جميعاً. أنت غبي جداً».
وفي قصة «أنثى المومياء» ثمة سرد عن سعاد التي كانت تملأ البيت بالضحكات والزقزقات، على الرغم من تحذيرات أمها لها بحجة أن الغناء والضحك مجلبة لفساد الأخلاق، لكن سعاد تغضب وتصعد إلى سطح البيت، لكنها تختفي فجأة، وتزعم إحدى الجارات أنها عاهرة هربت مع عشيق آخر. وسعاد تبدو هنا من وصف السارد «سعاد لا هي سمراء، ولا بيضاء البشرة. لا طويلة القامة، ولا قصيرة، ولا ممتلئة الجسد، ولا نحيفة». وكانت تتسلل كل ليلة إلى سطح البيت لتتواصل مع ابن الجيران حتى الفجر. وسعاد هنا ليست بالضرورة هي سعاد السرديات القصصية الأخرى نفسها، بل يبدو ثمة «سعادات» عدة ويظل الاسم هو المكرر، وكما تقول المجموعة بوصفه «أحب الأسماء» إلى القاصة. وبعد سبعة وعشرين عاماً من اختفاء سعاد، يصر ضابط يبحث عن الإرهابيين على فتح غرفة مغلقة في بيت سعاد، وعند فتح الغرفة يكتشف الضابط جثة فتاة متيبسة فيتساءل: «من حبس هذه المرأة هنا؟»، ويبدو أن الأم هي التي حبست ابنتها سعاد خشية من هربها، فتسببت في موتها هذا، وهو مشهد يذكرنا بقصة وليم فوكنر «وردة من أجل إميلي» (A Rose For Emily) والتي نجد فيها نهاية مماثلة لهومر بارون عشيق الآنسة إميلي الذي اختفى هو الآخر، في ظروف غامضة، ويعتقد أنها قد دست له السم وحبسته في تلك الغرفة التي لم يفتحها أحد، إلا بعد وفاتها.
وفي قصة «ملكة البجع» التي تتخذ من أوبرا جايكوفسكي «بحيرة البجع» بوصفها نصاً موازياً ومتعالقاً تناصياً مع القصة، نجد سعاد، وهي تصر على الزواج من عبد الوهاب، وهو شاب متدين، ولكن بعد أن تزوجته اكتشفت أنه إرهابي خطر ومسؤول مباشر عن كثير من تفجيرات باريس التي كانت تقيم فيها آنذاك، وأنه يريد استدراجها لارتكاب جرائم إرهابية. وقالت متوسلة بأمها:
«أمي أنا في ورطة... ساعديني أرجوكِ... أمي؛ عبد الوهاب إرهابي ويريد توريطي معه». وسمعت بدهشة ذات مساء من التلفاز خبراً عن إلقاء القبض على منظمة إرهابية تسببت في تفجير المسرح وسط باريس، وشعرت سعاد بعدها بالارتياح والسعادة وعاد لها ألقها. وفي اشتباك تناصي مع باليه جايكوفسكي، حيث وضعت تاجها القديم على رأسها ثم التقطت صوت جايكوفسكي يقول لها: «لا تقلقي، سيعود ينبت الريش، لأنك الملكة!».
وفي قصة «دنيا أم كلثوم» تبرز سعاد أخرى، وهي تغلق الهاتف، ما أثار الساردة وسألتها عن سبب إغلاق هاتفها. ونكتشف أن سعاد في هذه القصة رسامة مشهورة وكانت تخطط لإقامة معرض في بيروت بصحبة زوجها، لكن انفجاراً إرهابياً مزق جسد زوجها أشلاءً فلم تسافر، وبقيت مخلصة لذكرى زوجها رافضةً دعوة حبيب آخر للالتحاق به في السويد، فقد كان صوت زوجها يقترن دائماً بصوت أم كلثوم الذي كان يقول لها «أنت عمري».
ونلتقي بسعاد أخرى في مقهى رضا علوان وسط بغداد، ومعها أيضاً «سعد» وهو من الأسماء التي تحبها ربما تعويضاً عن اسم سعاد فهو من أحب الأسماء لديها، لأنه قريب من اسم سعاد، جرياً على قول الشاعر قيس بن الملوح في العتبة النصية الشعرية الأولى، واسم سعد يتكرر أيضاً في أكثر من قصة من قصص المجموعة.
ومن المحاور المهمة التي تؤكد ميتاسردية القص في هذه المجموعة، وضوح قصدية الكتابة السردية، وظهور الساردة و«القصخونة» في أكثر من قصة. إذ تستهل القاصة قصتها الأولى «ما روته القصخونة» بسرد شفاهي تقدمه القصخونة لرواد مقهى الشاهبندر في شارع المتنبي ببغداد:
«سأدخل مقهى حسن الشاهبندر وسط شارع المتنبي، سأطلب كرسياً، وسأضع فوقه بضع وسائد... وسأقول لهم أنا قصخونة بغداد... وسأقص عليهم حكاية السيد وطن».
ولتأكيد الطبيعة الميتاسردية تختتم القاصة قصتها بقول القصخونة إنها ستخلي مكانها للساردة القادمة. ونجد في هذه القصة ملمحاً واضحاً للسرد الشفاهي موضوعاً داخل إطار يتكرر في ثلاثة مواضع، وهو نص متشابه يروي حكاية الفتى الجنوبي الذي راح يبحث عن وشم بغداد:
«ذهب الفتى الجنوبي باحثاً عن عمل في بغداد، لقد طرّ شاربه، وعليه أن يتصرف كالرجال».
وأخيراً، فإن مما يوحد أقاصيص هذه المجموعة ويجعلها تمثل متوالية سردية أو حلقة سردية على قول بعض النقاد، هذا السرد الأنثوي المهيمن، والمزاج النفسي المشترك الذي يسود المجموعة، ويجعلها تنبض بانسجام وإيقاع مشترك.
مجموعة القاصة رغد السهيل «بانت سعاد» محاولة جادة لإعادة الاعتبار لفن القصة القصيرة لمواجهة طغيان الرواية في عصرنا.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.