صنعاء تقاوم الطائفية رغم القيود الحوثية والقمع الممنهج

25 إذاعة و3 فضائيات ومحطات إذاعية وتلفزيونية لترويج الفتنة المذهبية

TT

صنعاء تقاوم الطائفية رغم القيود الحوثية والقمع الممنهج

«لن يستطيع الحوثيون فرض رؤيتهم المذهبية ولا تغيير المجتمع في صنعاء». بهذه العبارة تلخص منى اليمنية العائدة إلى المدينة بعد ستة أعوام قضتها في دراسة الجامعة في الخارج، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتوقع أن أجد وضعا مختلفا، لكن ورغم سيطرة الحوثيين على المساجد ووسائل الإعلام وقطع الرواتب لتجويع الناس ومساعي فرض قيم متطرفة على المجتمع عبر تشكيلاتهم الأمنية من الذكور والإناث، لكن المجتمع قاوم كل ذلك».
وتشرح منى التي فضلت اختيار اسم مستعار للحديث عن معاناتها مع نقاط التفتيش بعد مغادرتها مدينة عدن ودخولها مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، حيث كانت تخضع للاستجواب عن المحرم المرافق لها، ويستهجن القائمون على النقاط كيف أن أسرتها سمحت لها بالسفر وحيدة والبقاء في الخارج هذه المدة للدراسة.
وقالت إنهم في كل نقطة يفتشون حقائبها تفتيشا دقيقا مع أنها حاولت إظهار جواز سفرها وتاريخ وصولها للتأكد من أن حقائبها مليئة بأغراض شخصية لكن محاولتها فشلت.
وتضيف «غادرنا عدن الحادية عشرة ليلا ووصلنا صنعاء قبل المغرب في رحلة معاناة مررنا خلالها بطرق فرعية ضيقة وعانينا فيها الكثير وفي كل نقطة تفتيش يتم مقارنة الركاب بالقوائم التي أرسلت للميليشيات قبل انطلاق الرحلة وبعد ذلك يتم إنزال العفش وتفتيشه قطعة قطعة».
وعما شاهدته خلال أسبوعين من وجودها في صنعاء ولقائها بأهلها وجيرانها تقول: «اكتشفت أن المجتمع يقاوم بقوة، وأن كل ما فعله الحوثيون تحول إلى كره عميق واحتقان قابل للانفجار في أي لحظة، حيث الناس رغم المأساة متكاتفون بشكل غير متوقع رغم الضائقة المعيشية نتيجة قطع المرتبات وتردي الأوضاع الاقتصادية، حيث إن الأقارب والجيران يساعدون بعضهم البعض، حتى رجال شرطة المرور الذين يعملون دون راتب يقوم السائقون بإعطائهم مبالغ مالية بصورة طوعية تقديرا لظروفهم».
هذه الصورة تؤيدها أروى وهي ناشطة نسائية، وتؤكد أن محاولات الحوثيين تقسيم المجتمع على أساس طائفي أو سلالي تواجه بمقاومة كبيرة من المجتمع، مدللة على ذلك بإصرار الناس على أداء صلاة التراويح وبأعداد كبيرة ردا على قرار منعها، وبرفضهم سماع الخطب اليومية لزعيم الميليشيات، رغم أنها تبث في كل محطات الإذاعة والتلفزيون المحلية، ويتم نصب شاشات كبيرة في المساجد والأندية وحتى في السجون لإرغام الناس على سماع ما يقوله، لكنهم في الأخير يسخرون من حديثه.
وقالت أروى: «حديث الناس في الشارع وفي الجلسات وحتى في وسائل النقل العامة يتركز على الجبايات التي تفرض على المحلات التجارية وعلى السكان والفساد غير المسبوق وربط الحوثيين بين الحصول على أسطوانة الغاز ودفع مقرر الزكاة الذي فرض».
ووفق ما ذكرته الناشطة فإن إجراءات الميليشيات الحوثية لمنع الاختلاط في المقاهي الحديثة فشلت، كما أن إلزامها للموظفين بحضور ما تسمى «الدورات الثقافية» فشلت في الترويج للفكر الطائفي السلالي، حيث أكد بعض ممن حضروا هذه الدورات أنهم فعلوا ذلك بغرض الحصول على ترقية أو راتب شهري منتظم، وقالت إن السكان يسخرون في اللقاءات الخاصة مما يقدم في تلك الدورات، بل باتوا أكثر قناعة أن مشروع الميليشيات هو مشروع مذهبي عنصري ونسخة رديئة من نظام الإمامة الذي أطيح به في مطلع الستينات.
ويقول كُتّاب وصحافيون يعيشون في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي إن المجتمع بطبيعته لا يقبل المشاريع الطائفية والعنصرية، لأن لليمن تجربة سيئة مع نظام حكم الإمامة والذي كان سببا في صراعات استمرت عقودا من الزمن، كما أن الأوضاع المأساوية للبلدان العربية التي اكتوت بنيران الأنظمة الطائفية أظهرت مدى الكارثة التي حلت بتلك البلدان وكيف حولتها إلى أدوات بيد نظام الحكم في إيران.
وقال أحد الصحافيين المعروفين مشترطا عدم ذكر اسمه بسبب القمع الذي يمارس، إن أكبر مأساة يعيشها السكان في مناطق سيطرة الحوثيين تتجسد اليوم في الجباية القسرية للزكاة وفرض مبالغ كبيرة على الناس والتجار والباعة والمزارعين، حيث أعاد ذلك إلى الأذهان ممارسات نظام حكم الأئمة في شمال البلاد، حيث كان المزارع يبيع أرضه لمندوب الإمام عندما يعجز عن دفع المبالغ المفروضة عليه.
ويضيف «اعتقد الناس بشكل عام أنه بعد 60 عاما منذ قيام ثورة 26 سبتمبر والإطاحة بالإمامة فإنه من المستحيل عودتها، لكنها عادت اليوم وبصورة أكثر سوءا».
يشار إلى أن الميليشيات الحوثية ومنذ اقتحامها صنعاء قامت بنقل العديد من قياداتها من المحافظات الأخرى إلى العاصمة واشترت لهم مباني سكنية فخمة، وقامت بجلب أعداد كبيرة من أتباعها من صعدة وحجة وبعض مناطق محافظة عمران وأسكنتهم في المدينة ودعمتهم بالأموال لتملك مبان وعقارات بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للمدينة وصبغها طائفيا.
كما ألزمت الميليشيات المساجد باعتماد أذان الصلوات وفقا لرؤيتها المذهبية وأوجدت نحو 25 إذاعة محلية إلى جانب ثلاث محطات فضائية والمحطات الإذاعية والتلفزيونية المملوكة للدولة، ونشرت لوحات ضخمة في الشوارع تحمل عبارات مذهبية وصورا لقادتها بهدف تحويل صنعاء إلى مدينة مذهبية بدلا من كونها عاصمة كل اليمنيين.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».