جائحة «التفكير السيئ»: من أين تأتي القناعات الفاسدة؟

المحتوى المتداول على الصحف والمواقع وأدوات التواصل الاجتماعي يشير إلى أزمة معرفية

جائحة «التفكير السيئ»: من أين تأتي القناعات الفاسدة؟
TT

جائحة «التفكير السيئ»: من أين تأتي القناعات الفاسدة؟

جائحة «التفكير السيئ»: من أين تأتي القناعات الفاسدة؟

لعل جولة سريعة للبحث في عقلانية المحتوى المتداول على الصحف والمواقع الإعلامية وأدوات التواصل الاجتماعي ستشير حتماً إلى أزمة معرفية شاملة مما يسميه الفلاسفة بـ«التفكير السيئ» – أي غياب الحجة وراء الادعاءات ورفض الأدلة لدى توفرها - لا تمس أفكار الناس العاديين وتعاطيهم مع العالم والأحداث من حولهم فحسب، وإنما تتغشى أيضاً طروحات المتعلمين والمثقفين على مسرح اليوم، الذين هم بشكل أو آخر نخبة عالمنا وقادته الفكريون. فهناك أعداد هائلة من البشر لم يشهدها التاريخ من قبل تتوزع أركان العالم من غربه إلى شرقه تعتنق أفكاراً غرائبية لتفسير تحولات الأزمنة، أو تتبنى طروحات فاسدة المنطق لتبرر عنصريات مقيتة – عرقية وطائفية وجندرية وحتى طبقية - ضد الآخر المختلف، أو تقضي أعمارها مسجونة في كهوف فكرية مغلقة لا ترغب في مغادرتها. والمقلق أن التكنولوجيا الحديثة التي لا شك فتحت النوافذ لفضاءات معرفية لم تكن لتتوفر لمعظم البشر قبل عقود قليلة، ساهمت كذلك في توسيع دوائر الخلل الأبستمولوجي تلك، وأوصلت شعوذات ورغائبيات، كان سوقها لقرون محلياً، إلى جمهور معولم عابر للحدود واللغات والأديان.
جائحة «التفكير السيئ» هذه - إن جاز التعبير - لا ترتبط حصراً بأذهان أصحابها كنشاط ذاتي محض يقتصر تأثيره عليهم، وإنما تنتشر كما العدوى، وقد تتسبب في دفع المصابين بها إلى ارتكاب اعتداءات وجرائم لفظية وجسدية ضد الآخرين، تصل أحياناً إلى درجة القتل. وتكتمل الكارثة عندما نجد أن كثيراً من تلك الأفكار السيئة عصية على الموت، فمهما تم نقضها أو دحضها أو تكذيبها تظل هائمة في سياقاتنا المعرفية كما (الزومبيات)، وفق توصيف بول كروجمان المفكر الأميركي الحائز على نوبل (الاقتصاد) لها، وأنها غالباً ما تكون في غير مصلحة من يتبناها كمرجعية لمعتقداته وسلوكه.
ولا تبدو «الأفكار السيئة» مرتبطة بشكل منهجي بتدن في المستوى التعليمي أو محدودية الذكاء الفطري أو غياب المعرفة والتي بمجموعها قد تكون سبباً لغياب الدربة على التفكير السليم في حالات معينة وتمنح أصحابها مبرراً مقبولاً أقله على المستوى الأخلاقي لوقوعهم في الزلل. إذ ينتشر عادة التفكير السيئ بين المتعلمين والمتخصصين والمثقفين، الذين بحكم قدرتهم على البحث عن الحقائق وراء الظلال يمكنهم بشكل إرادي مقاومة الوقوع في فخ الأفكار السيئة، لكنهم - ولأسباب متفاوتة - قد يقعون ضحية الكسل الفكري، ويمتنعون عن بذل الجهد لتمييز تلك الأفكار الخطرة من غيرها، ويجدون أنه من الأسهل الاستمرار باجترار معتقداتهم القديمة - وإن بليت - والإبقاء على الأوضاع القائمة كما هي دون امتلاك جرأة التغيير.
ويربط متخصصون ذلك الكسل الفكري بما يسمونها ظاهرة «العناد المعرفي»، أي ذلك التمسك غير العقلاني بمعتقدات توفرت أدلة متقاطعة على بطلانها. وعلى الأغلب أن المعاندين معرفياً ليسوا بالضرورة أشخاصاً سيئين، وإنما هم يتبعون العرف السائد في محيطهم دون إعمال عقولهم لتقييم ما يعرض عليهم من أفكار، أو هم يرون مصلحة ذاتية مؤقتة من وراء تلك المعتقدات. وهذه على نحو ما أخبار جيدة لأنها تشير إلى أن «التفكير السيئ» ليس قدراً، وأنه يمكن عملياً تجنب التورط في أحابيله، ولكنها في ذات الوقت تفتح باب اللوم الأخلاقي – وربما المسؤولية القانونية – لمن يمتنع عن التدقيق في معلومات معينة ويكتفي بتصديق ما يعرض عليه دون أدلة كافية أو يرفض القبول بأدلة مناقضة، لا سيما إذا تسبب هذا «العناد المعرفي» في النهاية بضرر لآخرين.
مهمة التخلص من «الأفكار السيئة» أصبحت بفضل التقدم العلمي والفلسفي المتراكم منذ عصر النهضة مسألة غير معقدة وقريبة إلى كل متعلم، حيث المنهج القائم على تدعيم كل ادعاء نظري بأدلة تجريبية أو منطقية أو كنسه خارج حرم المعرفة. لكن الإنسان العادي في عصر الرأسمالية المتأخر هذا يواجه معيقات جمة تدفعه فرادى أو سوية لتقبل الأفكار السيئة، وتجنب بذل الجهد في البحث عن أدلة تنقضها.
ولعل أخطر تلك المعيقات دور التضليل ونشر الأخبار الكاذبة وأنصاف الحقائق الذي قبلت مؤسسات الإعلام الجماهيري الكبرى القيام به لمصلحة النخب السياسية المهيمنة، لا سيما في الدول المؤثرة على ثقافة المتلقين على نطاق عالمي. وهذه بحملاتها المكثفة وتقاطعها على تعميم التصورات الفاسدة أو المنحازة بشأن ما يجري في العالم تُوقع كثيرين من ذوي النيات الطيبة المنشغلين بأمور معاشهم اليومي في شباك «الأفكار السيئة»، الذين بفضل التعزيز اليومي المستمر لتلك الأفكار في غالب وسائل الإعلام قد لا يدركون الخلل الذي يستندون إليه في تحديد توجهاتهم بشأن مسارات الأحداث.
وتوازي سطوة الإعلام الموجه تلك، منظومة التعليم التي تنازلت عن غايتها النبيلة في نشر التنوير وتعميم المعارف وتسليم الأجيال الجديدة أدوات النقد والتفكير السليم، وانخرطت بدورها في خدمة مصالح الطبقات المهيمنة عبر الاكتفاء بإنتاج كمي هائل من المستهلكين والعمال اللازمين لإدارة عجلة الاقتصاد الكلي دون تزويدهم بالمهارات العلمية والفلسفية اللازمة لطرد «الأفكار السيئة» من الفضاء العام.
وتكتمل حلقة المعيقات الجهنمية التي تحجز الفكر السليم باستقالة الفلسفة – كنطاق معرفي أكاديمي – من موقعها كخط دفاع أخير للمجتمع تعجز «الأفكار السيئة» عن اختراقه، بعدما اختار الفلاسفة المعاصرون لعب دور العرافين والمشعوذين للنخب الحاكمة، يبررون لهم تجاوزاتهم، ويجملون سياساتهم، ويهاجمون بلا هوادة كل من يختار طرائق بديلة للفكر والتحقق بغير السائد، أو هم انعزلوا في أبراج الأكاديميات العاجية، مزجين جل وقتهم في نقاشات معقدة بلغة بعيدة عن حياة الناس وهمومهم، فكأنهم ناد خاص للترفيه لا حصن للفكر المتحرر من الوهم والعرف والدعاية.
لقد أثبتت التجارب التاريخية المتعاقبة أن مجتمعات تسيطر عليها «الأفكار السيئة»، ولا يتم فيها التدقيق بالادعاءات المطلقة على عواهنها أو مساءلة الأدلة بشأنها تنتهي غالباً إلى الانحطاط أو الاندثار الكلي من خلال تجاهل التحولات الكبرى اجتماعية أو طبيعية التي قد تطيح بالحضارة القائمة، أو غلبة الاستقطابات العمياء على المجموعات السكانية فتضيع طاقتها في نزاعات واحترابات أهلية لا طائل من تحتها، أو تساق للموت والفناء في حروب ضد آخرين تحت رايات زائفة وهستيريات كراهية مفتعلة.
وإذا كانت قضية محاربة «التفكير السيء» مسألة بهذه الخطورة لأمن المجتمعات وصحتها وازدهارها وديمومتها، فإنها يجب أن تصبح قرينة المشروع السياسي وركيزة أي حكم وطني رشيد. وهو ما لاحظته الجمعية الفلسفية الأميركية في خضم جائحة (كوفيد - 19) الأخيرة وتضارب المرجعيات والتصورات حول الطرق الأنجع للتعامل مع الوباء وغياب المنطق السليم والأدلة الكافية لادعاءات مختلف الأطراف، مما حدا بها إلى إصدار نداء عاجل للقيادات السياسية للمجتمع مشرعين وتنفيذيين لإطلاق مبادرة قومية شاملة غايتها إعادة الاعتبار لطرق التفكير النقدي في الفضاء العام وبخاصة التعليم، على المدى القصير كجزء من الجهد القومي المشترك لمواجهة تحدي الجائحة، وعلى المدى البعيد لضمان ما وصفته بأمن المجتمع الأميركي وصحته ومستقبله.
لكن غياب مثل تلك المبادرات أو تغول منظومات الإعلام والتعليم الفاسدة في مجتمع ما، وانعزال الفلسفة لا تعفي الأفراد من المهمة ذات البعد الأخلاقي والواجب تجاه الآخرين للتخلص من الكسل المعرفي والبحث عن الأدلة الوافية قبل القبول بالادعاءات المعروضة على الملأ، وعندئذ فقط تستحق تجربة العيش الإنساني أن تعتبر «حياة تم اختبارها» كما قال سقراط الحكيم.



قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟