ولاية الفقيه لم تتضمنها مسودة أول دستور للثورة الإيرانية

منتظري وبهشتي لعبا دورا أساسيا في تمرير المادة

علي خامنئي
علي خامنئي
TT

ولاية الفقيه لم تتضمنها مسودة أول دستور للثورة الإيرانية

علي خامنئي
علي خامنئي

اقترن النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يدخل عامه الخامس والثلاثين بفكرة ولاية الفقيه كأساس سياسي للنظام رغم أن أول مسودة للدستور الإيراني بعد الثورة لم تشر من قريب أو بعيد إلى ولاية الفقيه. ويذكر أن هيمنة رجال الدين على السلطة السياسية جاءت بعد صراع استمر عقودا مع نظام الشاه السابق.
فبعد سقوط الشاه وقيام الحكومة الإسلامية، كان موضوع الدستور من أول المواضيع التي اهتمت بها الحكومة الوليدة للجمهورية الإسلامية. وقد صاغ حسن حبيبي – الذي أصبح فيما بعد، عضوا في المجلس الثوري للبلاد - أول مسودة للدستور اقتباسا من دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية التي صاغها الجنرال ديغول عام 1958. وقد بعثت الحكومة المؤقتة برئاسة مهدي بازرغان، تلك المسودة مع بعض التعديلات، إلى آية الله خميني للمصادقة عليها.
المفارقة أن مسودة الدستور هذه لم تشر إلى موضوع ولاية الفقيه، لا من بعيد ولا من قريب. كما لم يجر الكشف حتى الآن عن أية وثيقة تدل على أن آية الله خميني عارض هذه المسودة أو عن أي تصريح يعبر عن مبادرته لإدخال مبدأ ولاية الفقيه في الدستور. والأمر الجدير بالانتباه أن آية الله خميني لم يتحدث أبدا عن ولاية الفقيه قبل قيام الثورة.
في نهاية المطاف وبعد تأييد المجلس الثوري، أرسلت مسودة الدستور إلى مجلس يدعى مجلس خبراء الدستور شُكل لهذا الغرض وذلك للبت النهائي فيه.
وتؤكد التقارير المتفرقة حول مفاوضات المجلس التأسيسي أن شخصيتين لعبتا دورا رئيسا في تمرير هذا القانون وهما آية الله حسين علي المنتظري الذي كان يبرر وجود ولي الفقيه في النظام الإسلامي من وجهة نظر آيديولوجية, وآية الله محمد بهشتي الذي كان نائبا لرئيس المجلس لكنه كان يديره فعلا.
وقال بهشتي إن مبدأ ولاية الفقيه هو مركز ثقل الدولة، لكن ليس من الضروري أن يكون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من المجتهدين في الدين. وقد ألقى المنتظري خطابات متشددة حول مبدأ ولاية الفقيه في تلك الاجتماعات.
وقال منتظري: «إذا أرادت الدولة أن تكون إسلامية يجب أن تعتمد على قائد يجري تعيينه من قبل الله، ولو بواسطة.. مع الأسف إنكم لم تقترحوا شرط الفقه لرئيس الجمهورية ولم تؤكدوا أن الفقيه يجب أن يؤيده، فهل صحيح أن نسلم البلاد لشخص أحمق يستغل سلطته». وفي نهاية الأمر، جرت المصادقة على مبدأ ولاية الفقيه بـ53 صوتا موافقة، وثمانية أصوات معارضة، وأربعة أصوات ممتنعة. واعتمد قانونيا بعد استفتاء عام عليه في إيران.
وجرت المصادقة على الدستور عام 1979، وأُعيدت صياغته عام 1989 حيث ألغي شرط «المرجعية» لولي الفقيه (أي الاكتفاء بشرط أن يكون ولي الفقيه، مجتهدا دينيا وليس مرجع تقليد) وتحولت «ولاية الفقيه» إلى «ولاية الفقيه المطلقة».
ويتضمن التعريف الذي يقدمه آية الله خامنئي عن ولاية الفقيه المطلقة، نقطة هامة جدا. هو يقول في هذا الصدد: «نقصد من ولاية الفقيه المطلقة ذات الشروط الجامعة.. وهي أن حاكم المسلمين وبعد أن تولى مسؤولية القيادة وفقا للموازين الشرعية يجب أن يتخذ القرارات اللازمة في الأمور وأن يصدر الأوامر الضرورية. ويجب تقديم وترجيح قرارات وصلاحيات ولي الفقيه في الأمور التي تتعلق بالمصالح العامة للإسلام والمسلمين حتى إذا عارضت إرادة الشعب. هذا هو توضيح موجز حول الولاية المطلقة للفقيه.
رغم أن الفقرة الحادية عشرة من المادة 110 من الدستور الإيراني تحدد مسؤوليات القائد، لكن هذا التفسير الذي يقدمه آية الله خامنئي، يوسع سلطة القائد (المرشد الأعلى) بشكل غير محدود حيث بإمكانه أن يستخدم حق النقض ضد كل أفراد الشعب.
كما أن هيمنة القائد (المرشد الأعلى) على القوات المسلحة والحرس الثوري ووزارتي الداخلية والاستخبارات (حيث يجب على الرئيس تعيين وزيريهما وفقا لنظر المرشد) تخلق ظروفا يتمتع من خلالها المرشد بسلطات غير عادية.
بعد صياغة الدستور بفترة وجيزة انطلقت الحرب العراقية ضد إيران وأهملت البنود الدستورية المتعلقة بحرية التعبير، ومنع الرقابة، وحرية الاجتماعات، وحرية تشكيل الأحزاب، ولم تنفتح الأجواء إلا في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي وبصورة نسبية.
فرغم سلطات الولي الفقيه فإن هناك هامشا كان واضحا في الانتخابات الرئاسية عام 1997 عندما كان المرشد الأعلى آية الله خامنئي يرجح المرشح المحافظ ناطق نوري على محمد خاتمي لكن الأخير حقق فوزا كاسحا، وارتفع سقف الحريات بشكل نسبي.
يذكر أن الصراع بين رجال الدين وشاه إيران السابق بدأ بعدما أعلن الشاه عن برنامج إصلاحات باسم «الثورة البيضاء» والهادف إلى إلغاء النظام الإقطاعي، بهدف جعل إيران من الدول الصناعية وانتزاع الأراضي من الخانات والإقطاعيين الذين يعدون مصدر تهديد رئيسا للحكومة بهدف انحسار سلطتهم وكسب دعم الفلاحين. وحاول محمد رضا شاه بهلوي أن يكسب حماية جزء كبير من المجتمع الإيراني من خلال منح المرأة حق التصويت، وإعطاء العاملين حصصا في نسبة الفوائد التي تكسبها المصانع الحكومية.
لكن المشاريع الحكومية لإعطاء حق التصويت للمرأة وبرامج الإصلاحات التي أعلن عنها شاه إيران لقيت معارضة واسعة من رجال الدين بسبب ما رأوا أن «انتزاع أراضي الشعب أمر حرام». وبالتزامن مع صعود نجم آية الله خميني في المشهد السياسي الإيراني، بعث الأخير برقية إلى رئيس الوزراء آنذاك أسد الله علم احتجاجا على مصادقة البرلمان على مشروع قرار مجالس الولايات والأقاليم الهادف إلى منح المرأة حق التصويت قبيل الاستفتاء الشعبي على برامج الإصلاحات المعروف باسم الثورة البيضاء في 26 يناير (كانون الثاني) 1963. وجاء في نص البرقية أن «دخول النساء إلى البرلمان ومجالس الولايات والأقاليم ومجلس البلدية يعارض القوانين الإسلامية الصريحة التي تحددها اجتهادات علماء الدين والمرجعيات الدينية كما نص الدستور على ذلك. ولا يجوز أن يتدخل الآخرون في هذا الأمر حيث إن الفتاوى الصادرة سابقا والتي تصدر لاحقا من فقهاء الدين والمرجعيات الدينية لا تجيز دخول النساء إلى البرلمان».
ودخل الصراع الدائر بين رجال الدين ومحمد رضا شاه مرحلة جديدة بعد التصريحات النارية التي ألقاها آية الله خميني في مناسبة عاشوراء عام 1963، إذ اتهم فيها الولايات المتحدة، وشاه إيران، وإسرائيل بأنهم عناصر فساد والسبب في شقاء الشعب. وأدت التصريحات الصادرة من آية الله خميني إلى اندلاع انتفاضة في شهر يونيو (حزيران) 1963 وإلى إرساله إلى المنفى. ويعتقد العديد من الخبراء أن هذه الانتفاضة مهدت الأرضية للثورة التي أطاحت بعد 15 سنة بالنظام الملكي في إيران.
والأمر اللافت والغريب أن آية الله خميني لم يكن وجها بارزا في خضم النضال الشعبي لتأميم صناعة النفط رغم أنه دخل العقد الرابع من عمره في تلك الفترة.
وقد أدى فشل برامج الإصلاح إلى موجة نزوح كبيرة للفلاحين إلى المدن الكبيرة بهدف الحصول على الوظائف. وأسفر تسارع وتیرة عملية الحداثة وخاصة في بعدها الثقافي التي كانت تروج له ملكة إيران فرح بهلوي والدائرة المقربة منها من متخرجي الجامعات الغربية إلى اتساع الهوة بين الدولة والجهات الدينية.
ومع ارتفاع أسعار النفط، قام الشاه الذي كان يطمح لإقامة «حضارة كبرى» في إيران خلال عشر سنوات، بضخ إيرادات النفط في الاقتصاد الإيراني دون حساب. ورغم تحسن الوضع الاقتصادي للناس نسبيا، فإن ظاهرة عدم التكافؤ الاقتصادي تجسدت بصورة انفجارية. إذ يصف العديد من المراقبين، انفجار حالة اللاتكافؤ واستياء فئات واسعة بأنه سبب من أسباب قيام الثورة في إيران. وكانت بين العوامل التي أدت إلى الثورة ممارسات جهاز الأمن (السافاك) ضد المعارضين في وقت كانت زيادة أعداد خريجي الجامعات تخلق مناخا يطالب بحريات أكبر. وفيما كان من الضروري أن يقوم الشاه بإصلاحات سياسية بالتزامن مع الإصلاحات الاجتماعية، قام بعكس ذلك، حيث لم يتحمل حزبي «إيران الحدثية» و«الشعب» اللذين كانا تحت إشرافه، وأمر بتأسيس حزب واحد باسم «حزب انبعاث الشعب الإيراني» في عام 1974. كما صرح بأن أي شخص لا يرغب بالانتساب إلى الحزب يستطيع أن يتسلم جوازه ويغادر البلاد. ويعزو العديد من المراقبين، هيمنة الاستبداد في العهد البهلوي إلى هشاشة دستور عام 1909 لأنه وعلى سبيل المثال يمنح الصلاحيات للشاه كي يقوم بحل مجلسي الشيوخ والشورى الوطني.
وبينما يقارن البعض بعض الظواهر في المجتمع الإيراني حاليا بالفترات التي شهد فيها حكم الشاه مظاهر تذمر فإن الجمهورية الإسلامية لم تواجه مصدر تهديد للإطاحة بها بسبب اختلافات أساسية بين نظام الحكم الحالي والسابق. يكمن السبب الأول في الطابع الديني للنظام الذي يعد الدولة الوحيدة في العالم في الوقت الحاضر التي تقوم على أساس ديني (باستثناء دولة فاتيكان). وما زالت شريحة كبيرة نسبيا في المجتمع الإيراني تقبل على النزعة الإسلامية، وهي مستعدة للدفاع عن النظام بكامل قوتها لأسباب عقائدية وحفاظا على مصالحها التي اكتسبتها خلال الحكم الحالي.
وساهمت هذه الشريحة إلى جانب قوات الأمن في قمع المعارضين من العلمانيين والتيارات الدينية المعتدلة في الانتفاضات الذي شهدتها البلاد. ويرى بعض الخبراء أن النظام الحالي لا يواجه أي مصدر للتهديد في غضون الأعوام العشرين لكن البعض الآخر يرى أن التناقضات التي تنخر النظام من الداخل تتجه بوتيرة متسارعة نحو الانفجار.
خدمه «الشرق الأوسط»
الفارسي. شرق بارسي



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.