رشاد العليمي... الرئيس الآتي من أعماق الدولة اليمنية

قائد «مجلس التوافق» للسلم والحرب

رشاد العليمي... الرئيس الآتي من أعماق الدولة اليمنية
TT

رشاد العليمي... الرئيس الآتي من أعماق الدولة اليمنية

رشاد العليمي... الرئيس الآتي من أعماق الدولة اليمنية

واجه الدكتور رشاد العليمي الموت في انفجار دار الرئاسة، وغلبه. وعندما ضُمّدت جراحه الجسدية والنفسية، وجد الشجاعة الكافية لمغادرة «مؤتمر» علي عبد الله صالح، الذي كاد يهوي بحياته معه بتفجير دار الرئاسة عام 2011. وذات يوم، صار العليمي عنواناً عريضاً وحلاً لتعقيدات السياسة اليمنية ومماحكات لاعبيها. لم يحالفه الحظ في تمرير قانون يمنع حمل السلاح في اليمن، لكنه مرر قانوناً يمنع حمله في الأماكن العامة عام 2006. بعدها اختارته التعقيدات وزكّاه الفرقاء رئيساً لمجلس القيادة الرئاسي، بعد عشرة أيام من «مشاورات الرياض» التي توّجها إعلان رئاسي مطلع أبريل (نيسان) 2022. وضرب العليمي نموذجاً توافقياً بقيادته التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية الذي يضم 17 حزباً يمنياً مناهضاً للانقلاب الحوثي على رأسهم «المؤتمر الشعبي العام» و«التجمع اليمني للإصلاح» عام 2019.
يقول مقربون، إن الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، تعالج من آثار تفجر دار الرئاسة الإرهابي في السعودية 6 أشهر وقضى 6 أشهر أخرى في ألمانيا، واستطاع تجاوز الألم العضوي سريعاً لهمّته وانتظامه في تنفيذ نصائح الأطباء. كما أنه استطاع تجاوز التأثير النفسي الذي عادة ًيؤثر في مثل هذه الحوادث، «بل واستطاع التأثير الإيجابي على زملائه المصابين بتجاوز هذه التأثيرات».
توسد الرئاسة، وهو أول حكام اليمن آخر 30 سنة من خارج الإطار العسكري البحت، ووصل آتياً من أعماق دهاليز الدولة اليمنية وفسيفساء تركيبتها الاجتماعية والمؤسساتية وأبعادها الأكاديمية.

الفرصة الأخيرة للبناء
يقول الدكتور محمد عسكر وزير حقوق الإنسان اليمني السابق «أعتقد أن تولي الدكتور العليمي دفة القيادة في هذه المرحلة يشكّل الفرصة الأخيرة لبناء دولة في هذه المرحلة من تاريخ اليمن. لكن نجاحه يتطلب شروطاً موضوعية وذاتية لخلق تحالف داخلي صلب ذي رؤية، ومشروع واضح يواجه تحديات بناء المؤسسات، وتوفير الخدمات باعتبارها أبرز تحديات السلام، كما يواجه تحديات الحرب في مواجهة الانقلاب الحوثي». ويضيف «إن نجاحه والمجلس يتطلبان أيضاً دعماً قوياً اقتصادياً وسياسياً من الأشقاء في التحالف بقيادة السعودية والإمارات، ومن الإقليم والمجتمع الدولي».

قبول إقليمي ودولي
أما حمزة الكمالي، وكيل وزارة الشباب والرياضة اليمني، فيصف العليمي بأنه «لا يكتفي بالحضور الهزيل أو أن يكون مجرد جزء من التركيبة السياسية دون أن يكون فاعلاً»، متابعاً «لديه حس سياسي، وقبول إقليمي ودولي سينعكس حتماً على حضور الدولة اليمنية».
وحقاً، عندما يتحدث اليمنيون عن عمله السياسي، يشعر المستمع أنه أمضى طيلة حياته يضرب بمطرقة التوافقات وإزميل التنافس الحزبي، ولعل فاعليته إبان عضويته في «المؤتمر الشعبي العام»، أو نفسه الطويل قبل تكوين التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية، خير الأمثلة على ذلك.
وإذا تذكروا عمله الحكومي، فقد تتعجب من منعطفات تركت بصمات الرجل في جل مهامه التي أوكلت إليه.
وإذا حضر الإنجاز الأمني كثرت قصص «الانتشار الأمني» و«مكافحة حمل السلاح» وصولات «مكافحة الإرهاب»، فإن المخيلة الجمعية تصوّر ضابطاً لم يغادر مقر وزارة الداخلية اليمنية في صنعاء قط، أو حتى مبنى الأمن في تعز، المحافظة التي وشت بقدرات الرجل مرتين، الأولى حينما حملت صرخته الأولى مقبلاً للحياة، والأخرى التي سبقت توزيره بإدارة أمن المحافظة.

علاقات اجتماعية جيدة
أما عمله الأكاديمي، فخليط من القانون وعلم الاجتماع وكتب عن حل النزاعات القبلية، بالإضافة إلى فهم عميق لفسيفساء التعقيدات اليمنية.
إلا أن كل الإنجازات قد توضع في كفة، مقدار الاحترام الاجتماعي الذي يتمتع به الرجل داخل اليمن وخارجه قد يوضع في كفة أخرى. فالرجل من السياسيين اليمنيين قلائل الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية جيدة في شمال اليمن مثل جنوبه، وخير استدلال قبول 4 نواب لرئيس المجلس الرئاسي من جنوب اليمن.
ذلك أن لدى العليمي في الخليج والعالم العربي علاقات وطيدة، سواءً نتيجة دراسته في الكويت أو لتمثيله اليمن خلال فترات عمله نائباً لرئيس الوزراء أو وزيراً للداخلية أو الإدارة المحلية.
أما علاقاته الدولية، فهي نتاج عمله في ملفات أمنية كمكافحة الإرهاب، أو سياسية بحتة تمثلت بعد الانقلاب الحوثي في لقاءات لم تنقطع مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أو سفراء مجموعة أصدقاء اليمن أو ما تعرف بدول (19+).

إدراك مبكّر
الدكتورة ألفت الدبعي، عضو لجنة صياغة الدستور الاتحادي اليمني، كانت معيدة في جامعة تعز عام 1998 وتتذكر العليمي مدير أمن تعز آنذاك والأستاذ المنتدب من جامعة صنعاء، وعنه قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدكتور العليمي لما اتجه إلى العمل بوزارة الداخلية، مثّلت طبيعة دراسته الأكاديمية في علم الاجتماع، بالإضافة إلى خلفيته في العلوم العسكرية في كلية الشرطة وتجربته العملية كوزير داخلية، رصيداً جعله أقرب إلى معرفة المشكلات الرئيسية المعيقة لجذور التحديث في اليمن وبناء دولة المواطنة والمساواة، وهو ما انعكس في تبنيه مشروع قانون حيازة السلاح الذي تقدم به إلى البرلمان عام 2006».
وتضيف الدبعي «كان العليمي يدرك خطورة بقاء السلاح في اليمن بالفوضى وإعاقة أي مشاريع للتحديث، وهو ما كان ينعكس في بقاء مراكز النفوذ التي كان سلاحها يجابه مشاريع الدولة إذا تضاربت المصالح. وهذا ما تم في التصويت على القانون آنذاك بالرفض من قبل القوى (التقليدية) التي أعاقت صدوره، وبالتالي أعاقت أي تقدم لليمن باتجاه التحديث». ورغم عرقلة مساعي إقرار قانون حيازة السلاح، فذلك لم يمنع ظهور العديد من أفكار التحديث التي كان له فضل تمريرها، وذلك أثناء عمله وزيراً للداخلية، من فكرة الشرطة القضائية والشرطة النسائية وغرف العمليات الإلكترونية إلى كتائب مكافحة الإرهاب»، بحسب الدبعي.
لقد كانت تعز مرحلة للنجاح الحكومي. والعليمي، الذي يبلغ اليوم 68 سنة، يتمتع باطلاع واسع ومعرفة في تفاصيل هياكل مؤسسات الدولة. هذا ما يعتقده الدكتور محمد عسكر، وهو وزير حقوق الإنسان اليمني السابق، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن قدرة العليمي على اكتشاف عوائق وإشكاليات البناء المؤسسي اليمني سابقاً وحالياً، وسبل إعادة ذلك البناء وتطويره... وقال معلقاً «لقد تعمّق في دراسة المجتمع اليمني علمياً وعملياً والإشكاليات التاريخية والجغرافية في بنية المجتمع، التي واجهت وما زالت تواجه تماسكه».

رجل المرحلة
وجد اليمن نفسه بعد سبع سنوات من الانقلاب الحوثي والحرب أمام مجلس رئاسي يقوده العليمي وأعضاء سبعة، كل واحد منهم برتبة نائب لرئيس المجلس، ومثلما فرّقتهم السياسة جمّعتهم. ولكن كان الفرق هذه المرة أن العليمي مثّل ميزان إجماع للقوى المناهضة للانقلاب والمشروع الإيراني، وبارقة أمل جادة وجديدة لاستعادة الدولة سلمياً، والدفاع عنها، وتحريرها إذا قضت الضرورية، عسكرياً.
«في ظل التشظّي الذي تعاني منه البلاد والانقسامات على المستوى العسكري والأمني والسياسي، تصبح الحاجة إلى من يعيد تركيب هذا التفكك مطلباً ملحاً. وعملية مثل هذه تحتاج إلى رجل دولة حقيقي يفهم جذور الصراع في اليمن وخلفياته ويساهم في قيادة توافقات عملية باتجاه وحدة القرار والهدف واستعادة مؤسسات الدولة». وتوضح ألفت الدبعي «ما كان يمكن لأي رجل دولة أن يستطيع إنجاز هذه المهمة بما يحقق الاستقرار ويقود البلد للسلام... ما لم يكن يمتلك رؤية عالم الاجتماع في قراءته للمشهد اليمني وجذور الصراع فيه. وهنا يصبح الدكتور رشاد العليمي بحكم امتلاكه هذه الخلفية المعرفية كأستاذ أكاديمي في علم الاجتماع، بالإضافة إلى تجربته العملية كسياسي مخضرم في المؤتمر الشعبي العام، فضلاً عن تقلده مناصب أمنية عديدة، منها عمله وزير داخلية ونائب رئيس وزراء ووزير إدارة محلية، كل ذلك - وفق الدبعي - يجعله أقرب لفهم تعقيدات الصراع في اليمن بكل أبعاده الأمنية والعسكرية والسياسية والاجتماعية، وخطورة المشروع الإيراني في فرض تدخلاته على المشهد اليمني وتأثير ذلك على دول الجوار».
وتتابع الدبعي شرحها، قائلة «خبرته كوزير سابق في الإدارة المحلية تجعله أقرب لمعرفة احتياجات ومعاناة المحليات من مركزية القرارات. وأتوقع سيكون له دوره الفاعل في إيجاد حلول لهذه المعضلة اليمنية المسببة لأحد جذور الصراع الأساسي في اليمن، وهو إشكالية إعادة توزيع السلطة والثروة في اليمن». وتستطرد بالقول، إن «الدكتور العليمي كسياسي يدرك خطر إعادة مشروع الإمامة في اليمن وعلاقته بإيران، ولعل عمله في المجال الأمني كوزير داخلية مكّنه من استيعاب الإبعاد الأمنية لتحركات هذا المشروع من وقت مبكر. ومع استيعابه لذلك إلا أنه يدرك في الوقت نفسه أن تثبيت مشروع دولة المواطنة والمساواة والنظام والقانون يشكل المدخل الوحيد لإضعاف أي مشاريع خارج إطار الدولة... وهو المشروع الذي لم نستطع الوصول إليه حتى اليوم».

مسيرة وتوثب مهني
مرحلة البداية والتكوين المهني بالنسبة للعليمي كانت جادة ومتوثبة. فبعد ثلاث سنوات في كليّة الشرطة بصنعاء بدأت عام 1975، انتقل على امتداد ثلاث سنوات أخرى في إدارة البحث الجنائي بين عامي 1978 و1981.
العام 1989، الذي يسبق الوحدة اليمنية بعام، حمل علامة بارزة في بدايات العليمي المهنية والوظائفية؛ إذ عُين أستاذاً في جامعة صنعاء ومديراً للشؤون القانونية بوزارة الداخلية في الوقت نفسه.
وأمضى العليمي من ثم أربع سنوات قبل أن يُسمّى رئيساً لمصلحة الهجرة والجوازات في العام 1994. ويحسب له إدخال منظومة الإصدار الآلي للجوازات، بحسب الدكتورة الدبعي، ثم أمضى سنتين أخريين، ليعود إلى مدينته تعز مديراً لأمن محافظة تعز في العام 1996.
وبعد ذلك، حملت الألفية الجديدة نقلة نوعية في سجل عمل العليمي الحكومي؛ إذ سُمي وزيراً للداخلية عام 2001، ثم نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للداخلية في 2006. وفي العام 2008 صار نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، وفي العام نفسه عُيّن نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن وزيراً للإدارة المحلية.
إلا أن رياح العام 2011 هبّت، بم يسمى لشغل أي منصب حتى عام 2014، لكن في شهر فبراير (شباط)، حين سُمي مستشاراً لرئيس الجمهورية السابق عبد ربه منصور هادي، ثم اختير رئيساً لمجلس قيادة رئاسي يضم سبعة أعضاء نواب للرئيس.



الأردن... رئيس لا يجامل في مواجهة مجلس نواب برؤوس حامية

تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
TT

الأردن... رئيس لا يجامل في مواجهة مجلس نواب برؤوس حامية

تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)

لم يُفسّر أحد «قلة اكتراث» الشارع الأردني أمام حدثين مهمين على المستوى المحلي: إذ بعد نتائج الانتخابات النيابية التي أُجريت في العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي وجاءت نتائجها بعكس جميع التوقعات الرسمية، تشكلت حكومة جديدة مُشبعة بمفارقات عدة، بدءاً من اختيار الرئيس، وليس انتهاءً بخريطة التشكيل سياسياً وديموغرافياً وجغرافياً. وحقاً، لم ينشغل أحد سوى الإعلام ونخبه السياسية ببث تحليلات متناقضة بين التبشير ونقص التفاؤل بالمرحلة. إذ يُعتقد وسط النخب أن جبهة المواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مقبلة، لا سيما وأن اختيار الفريق الوزاري سبق انعقاد مجلس الأمة ليصادر معه طموحات النواب الحزبيين بأن يكون لهم تأثير في اختيار الوزراء من بوابة «المشاورات» - التي درجت أحياناً ويعتبرها البعض «شكلية»، - الأمر الذي قلّص مساحات نفوذ الأحزاب الطامحة أمام منتسبيها والرأي العام.

اختيار جعفر حسّان رئيساً للحكومة الأردنية الجديدة كان مفاجأة لم تتوقعها الأوساط السياسية؛ كونه «رجل ظل مؤثراً» في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية خلف الكواليس، وذلك من خلال خدمته في فترتين مديراً للمكتب الخاص للعاهل الأردني (الفترة الأولى من 2014 - 2018، والفترة الثانية من عام (2021 - 2024)، بل، حتى وهو وزير في 6 حكومات، عُرف عنه زهده الإعلامي.

المقربون من حسّان يصفونه بأنه حاد الطباع، وإن خفتت هذه الصفة إبّان خدمته الأخيرة بالقصر الملكي. وهو منتظم بالعمل لساعات طويلة لدرجة يرهق معها مَن حوله، ثم أنه محسوب على نخب الاقتصاد أكثر من نخب السياسة، وقريب من تيار ينتمي إلى فكرة الإصلاحات الشاملة في البلاد، وهو التيار الذي أثّر بحسّان خلال فترته الثانية في خدمة الملك عبد الله الثاني.

أشبه بـ«تعديل موسّع»

لم تأتِ حكومة جعفر حسّان التي أدت اليمين الدستورية يوم 18 سبتمبر (أيلول) الحالي بأسماء من خارج صندوق الخيارات التقليدية؛ ما دفع بعض النقاد إلى اعتبار التشكيل أشبه بـ«تعديل موسع» على حكومة بشر الخصاونة، التي استقالت غداة إعلان النتائج النهائية لانتخابات أعضاء مجلس النواب في الجريدة الرسمية. ويأتي ذلك انسجاماً من أعراف أردنية تتعلق بمشاورات مراكز القرار المدنية والأمنية، وحسابات الجغرافيا والمحاصصة.

ولقد تحصّنت حكومة حسّان في تشكيلتها الجديدة بخبرات بيروقراطية وخبرات نيابية ونقابيّة سابقة تأهباً لـ«المواجهة المرتقبة» مع مجلس النواب الذي سيتعامل مع استحقاقين دستوريين في مطلع عهده، هما: مناقشة البيان الحكومي والتصويت على الثقة، واستحقاق مناقشة وإقرار قانون الموازنة العامة المُثقل بأرقام العجز وارتفاع سقوف خدمة المديونية الخارجية والداخلية. وكذلك سيتعامل مع مطالبات نيابية موسمية تُطالب بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، ومطالب اقتصادية لم يعد بإمكان الحكومات الاستجابة لها في ظل تنامي أرقام المديونية العامة وعجز الموازنة. وفضلاً عن هذا وذاك، فإن الرئيس الجديد المعروف عنه اقتصاده في المجاملة سيواجه بنواب عُرف عنهم الإسراف في المطالبات الخدمية.

من جهة ثانية، جاء احتفاظ حسّان بحقائب لعدد من الأصدقاء المقربين منه - وهو واقع استقرت عليه الأعراف السياسية في البلاد من حيث الاستعانة بالمعارف والثقات في اختيار الوزراء - فإنه لم يستطع تجاوز أسماء خلال الـ48 ساعة الماضية التي سبقت إعلان تشكيلة فريقه الوزاري، ولقد خصّ في تشكيلته ثلاثة أحزاب فقط من التي نجحت في الانتخابات الأخيرة.

قراءات أولية يصعب التنبؤ بنتائجها

استدعى جعفر حسّان من الخبرات النيابية السابقة كلاً من: المحامي عبد المنعم العودات، رئيس مجلس النواب الأسبق ورئيس اللجنة القانونية لدورات عدة، ليكون وزيراً للشؤون السياسية والبرلمانية، وخالد البكار، النائب السابق لدورات عدة وعضو مجلس الأعيان وزيراً للعمل، وخير أبو صعيليك، النائب السابق لدورات عدة ورئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب لدورات عدة وزير دولة لتطوير القطاع العام. كذلك استعان حسّان بمصطفى الرواشدة، عضو مجلس الأعيان وأول نقيب لنقابة المعلمين (المُعطل عملها بموجب قرار قضائي) في البلاد وزيراً للثقافة، والنائب السابق يزن شديفات وزيراً للشباب.

جرى استدعاء هؤلاء في مواجهة مجلس النواب الجديد، بكتله الحزبية الوازنة التي تتقدّمها كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي»، كتلة «المعارضة الحرجة» الممثلة بـ31 مقعداً، إلا أن ما ينقصهم في خبرة العمل الحكومي، قد يعوّضه الوزير العائد والمحسوب على تيار البيروقراط الرسمي المهندس وليد المصري الذي عيّن وزيراً للإدارة المحلية. وكان المصري قد خدم رئيساً لبلدية إربد الكبرى، ثاني أكبر بلديات المملكة، ثم وزيراً في حكومات متعاقبة، ولقد نجح في تفريق جبهات المعارضة النيابية في ملفات عدة أيام مشاركته في حكومات عبد الله النسور، وهاني الملقي وعمر الرزاز خلال السنوات بين 2013 و2019.

وبين الخطوات المهمة كان الإبقاء على أيمن الصفدي، الوزير الأكثر شعبية في الحكومة السابقة بسبب تصريحاته القاسية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة وموقفه المعادي لحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، نائباً للرئيس ووزيراً للخارجية، وأيضاً الاستعانة بعضو مجلس الأعيان محمد المومني صاحب لقب «أطول وزراء الإعلام بقاءً»؛ إذ عمل وزيراً خلال السنوات (2013 - 2018) مسجلاً حضوراً لافتاً في عدد من الأحداث الأمنية والسياسية التي عاشتها البلاد، ومعروف عنه دقة تصريحاته، ودبلوماسيته العالية في الإجابة عن أسئلة الصحافيين.

الأحزاب في البرلمان

وكما سبقت الإشارة، جاءت تشكيلة حكومة الرئيس حسّان كـ«أمر واقع» وفق موعد تكليفه، لتتجاوز فكرة المشاورات النيابية الحزبية غير المُلزمة؛ الأمر الذي ترك ظلالاً على فرص تشكيل حكومة «توافقات حزبية». وهذا ما يؤيده مناصرو فكرة منع «حرق المراحل»؛ إذ من المبكّر الذهاب لهذا الخيار في ظل غياب غالبية حزبية مؤثرة نيابياً. وبين المفارقات الرقمية والمحاصصات التقليدية ما يلي:

أولاً- توزّعت جغرافيا اختيار الفريق الحكومي تبعاً للتقاليد المحلية، فحظي شمال المملكة بحصة وازنة من الحقائب، وتمثل الجنوب بخمس حقائب وزارية، وكان للوسط حصة أعلى في الحقائب مما كان له في الحكومة السابقة، وذلك لصالح محافظتي العاصمة والبلقاء، في حين بقيت أرقام «كوتات» الشركس والمسيحيين من دون ارتفاع. وتَسقط هذه الحسابات إلا من جلسات النميمة السياسية في البلاد، بيد أنها لن تؤثر في ارتفاع منسوب النقاش المجتمعي بسبب ابتعاد الأردنيين عن سجالات المحاصصة والجهوية إذا كان أداء الفريق الوزاري جاداً في حل الأزمات الاقتصادية المتراكمة.

ثانياً - انخفض عدد النساء في الحكومة الجديدة إلى 5 سيدات، ولقد توزّعن على وزارات السياحة التي أسندت إلى لينا عناب، والتخطيط والتعاون الدولي لزينة طوقان، والتنمية الاجتماعية لوفاء بني مصطفى، والنقل لوسام التهتموني. وبقيت نانسي نمروقة في الحكومة الجديدة، لكن كوزيرة الدولة للشؤون الخارجية بعدما كانت تشغل حقيبة وزارة الدولة للشؤون القانونية في الحكومة السابقة. وفي المقابل، خرجت من الحكومة وزيرة الاستثمار خلود السقّاف، ووزيرة العمل ناديا الروابدة، ووزيرة الثقافة هيفاء النجار.

ثالثاً - أبقت الحكومة الجديدة على وزراء الخارجية أيمن الصفدي، والتربية والتعليم والتعليم العالي عزمي محافظة، ووزير الداخلية مازن الفراية، ووزير الأشغال ماهر أبو السمن، ووزير المياه رائد أبو السعود، والزراعة خالد حنيفات، والطاقة صالح الخرابشة، والأوقاف محمد الخلايلة، والصحة فراس الهواري، والبيئة خالد الردايدة، إضافة إلى الوزيرات الخمس. في حين انتقلت وزارة الإدارة المحلية من الوزير المخضرم توفيق كريشان إلى وليد المصري، والاتصال الحكومي من مهند مبيّضين إلى محمد المومني، ووزارة المالية من محمد العسعس لأمينها العام عبد الحكيم الشبلي، ووزارة الدولة للشؤون القانونية من نانسي نمروقة إلى فياض القضاة رئيس ديوان التشريع والرأي، ووزارة الدولة لشؤون رئاسة الوزراء من إبراهيم الجازي إلى عبد الله العدوان، ووزارة الدولة من وجيه عزايزة إلى أحمد العبادي، ووزارة الدولة للشؤون الاقتصادية من ناصر شريدة إلى مهند شحادة، ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة من أحمد الهناندة إلى سامي سميرات، والشؤون البرلمانية من حديثة الخريشا إلى عبد المنعم العودات، والعمل من ناديا الروابدة إلى خالد البكار، ووزارة الثقافة من هيفاء النجار إلى مصطفى الرواشدة، ووزارة الصناعة والتجارة من يوسف الشمالي إلى يعرب القضاة.

هذا، وبدلاً من وزير العدل أحمد زيادات دخل الفريق الحكومي بسام التلهوني - وهو الذي غادر ومعه وزير الداخلية السابق سمير مبيضين بتعديل طارئ من حكومة بشر الخصاونة بسبب مخالفتهما شروط وقواعد السلامة العامة المتبعة أثناء انتشار فيروس «كوفيد - 19» -، كما عاد إلى الحكومة وزيراً للاستثمار مثنّى الغرايبة بعد مغادرة خلود السقاف، وللعلم سبق للغرايبة العمل في حكومة عمر الرزاز (2018 - 2020)، وكان قبلها حراكياً نشطاً خلال سنوات الربيع الأردني. ولقد عادت السفيرة الأردنية لدى اليابان لينا عناب إلى موقعها وزيرة للسياحة بدلاً من مكرم القيسي، ويذكر أنها كانت قد استقالت من حكومة الرزاز، ومعها وزير التربية والتعليم عزمي محافظة، بعد فاجعة وفاة 22 طالباً وطالبة في البحر الميت بسبب الظروف الجوية ومخالفة تعليمات الرحلات المدرسية شتاء عام 2019.

جبهات حكومية مزدحمة المعارك

بناءً على ما سبق؛ من المتوقع أن يكون لحزب «جبهة العمل الإسلامي» (الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخّصة في البلاد) فرصة لتحقيق مزيد من الشعبية من خلال مقاعده الـ31 في مجلس النواب العشرين؛ إذ يعتقد أن نواب الحزب سيسعون لتسجيل المواقف مسلحين بملَكة الخطابة ومتجهّزين بقراءات سابقة وتحضير جيد لجداول أعمال الجلسات النيابية الرقابية والتشريعية.

وبالفعل، بدأ استثمار الحزب مبكّراً في حصد الإعجاب الشعبي من خلال مطالباته بمواقف تصعيدية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعوته إلى النزول للشارع بهتافات «تزايد» على الموقف الرسمي الذي حظي باحترام النخب السياسية بعد تقدّمه على عدد من المواقف العربية والدولية، ويتوقع أن يواصل نواب الحركة الإسلامية حصد المزيد من الشعبية على حساب موقع الحكومة المحاصرة بمحدّدات لا يمكن تجاوزها. ومن ثم، يتوقّع مراقبون أن تكون «عقدة المواجهة» المنتظرة بين نواب الحركة الإسلامية والحكومة هي مسألة نقابة المعلمين التي جمّد القضاء أعمالها منذ عام 2018، وجرى توقيف نقيبها وأعضاء من مجلسها، وهذا النقيب هو اليوم نائب فاز عن مقاعد الدائرة الحزبية المخصصة للأحزاب، وهو شخصية شاغبت كثيراً في ملف نقابة المعلمين وتعرّضت للتوقيف مرات عدة.

الإسلاميون... ومفاجأة الرسميين

> جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة «صادمة» لمراكز القرار السياسي في الأردن، وبالأخص بعد الكشف عن «زيف» بعض الدراسات والاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات مجتمع مدني روّجت لقراءات داخلية تتعارض مع الواقع الذي ظهرت عليه النتائج النهائية. وكانت هذه قد أشارت إلى «محدودية» أصوات الحركة الإسلامية، وتنامي فرص أحزاب محسوبة على الخط الرسمي. لكن نتيجة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» جاءت بما لم يتوقعه أحد في أعقاب حصول مرشحيها على أكثر من 450 ألف صوت من أصل 1.65 مليون من المقترعين. ومقابل ذلك، جاءت نتائج أحزاب «الميثاق» 93680 ألف صوت، و«إرادة» 75121، والحزب الوطني الإسلامي 87519، و«تقدم» 61199، وهذه النتائج على مستوى الدائرة العامة المخصصة للأحزاب. من ناحية أخرى، بعيداً عن التلاوم بين «عرّابي العملية الانتخابية»، فإن قانون الانتخاب الذي أجريت بموجبه الانتخابات الأخيرة صعد بالجميع على الشجرة، فأمام حقيقة النتائج، فإن أي تعديل على القانون سيكون بمثابة «رِدة» على برنامج التحديث السياسي. وإذا بقي القانون على حاله، فإنه من المقرّر ارتفاع أرقام المقاعد الحزبية في البرلمان المقبل بنسبة 50 في المائة؛ وهو ما سيعني زيادة ضمنية لمقاعد الإسلاميين في المجلس المقبل، وهذا تحدٍ أمام «الدولة العميقة» التي تبحث عن تعدّدية متقاربة الأثر والدور والتنظيم. والحقيقة أن الإسلاميين كانوا مُدركين لحقيقة أرقامهم. فأي قانون انتخاب بصوتين: واحد لدائرة محلية حدودها الإدارية ضيقة وواحد آخر للدائرة العامة (الوطنية) المخصّصة للأحزاب... يعني مضاعفة حصصهم في عدد المقاعد. وهذا مع الوضع في الحسبان أن «مطبخ» إدارة العملية الانتخابية لدى الحركة الإسلامية، ابتعد تماماً عن مزاحمة مرشحيه في الدوائر المحلية، وركّز على «خزّانه التصويتي» في معاقله التاريخية. وهكذا حصل في الدوائر المحلية على 14 مقعداً في عشر دوائر محلية ترشّحوا عنها، وفي الدائرة العامة حصل على 17 مقعداً، مستفيداً من أصوات مجّانية حصل عليها من المحافظات ودوائر البدو المُغلقة ذات الصبغة العشائرية التي كانت تُحسب تاريخياً على المؤسسة الرسمية.