رشاد العليمي... الرئيس الآتي من أعماق الدولة اليمنية

قائد «مجلس التوافق» للسلم والحرب

رشاد العليمي... الرئيس الآتي من أعماق الدولة اليمنية
TT

رشاد العليمي... الرئيس الآتي من أعماق الدولة اليمنية

رشاد العليمي... الرئيس الآتي من أعماق الدولة اليمنية

واجه الدكتور رشاد العليمي الموت في انفجار دار الرئاسة، وغلبه. وعندما ضُمّدت جراحه الجسدية والنفسية، وجد الشجاعة الكافية لمغادرة «مؤتمر» علي عبد الله صالح، الذي كاد يهوي بحياته معه بتفجير دار الرئاسة عام 2011. وذات يوم، صار العليمي عنواناً عريضاً وحلاً لتعقيدات السياسة اليمنية ومماحكات لاعبيها. لم يحالفه الحظ في تمرير قانون يمنع حمل السلاح في اليمن، لكنه مرر قانوناً يمنع حمله في الأماكن العامة عام 2006. بعدها اختارته التعقيدات وزكّاه الفرقاء رئيساً لمجلس القيادة الرئاسي، بعد عشرة أيام من «مشاورات الرياض» التي توّجها إعلان رئاسي مطلع أبريل (نيسان) 2022. وضرب العليمي نموذجاً توافقياً بقيادته التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية الذي يضم 17 حزباً يمنياً مناهضاً للانقلاب الحوثي على رأسهم «المؤتمر الشعبي العام» و«التجمع اليمني للإصلاح» عام 2019.
يقول مقربون، إن الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، تعالج من آثار تفجر دار الرئاسة الإرهابي في السعودية 6 أشهر وقضى 6 أشهر أخرى في ألمانيا، واستطاع تجاوز الألم العضوي سريعاً لهمّته وانتظامه في تنفيذ نصائح الأطباء. كما أنه استطاع تجاوز التأثير النفسي الذي عادة ًيؤثر في مثل هذه الحوادث، «بل واستطاع التأثير الإيجابي على زملائه المصابين بتجاوز هذه التأثيرات».
توسد الرئاسة، وهو أول حكام اليمن آخر 30 سنة من خارج الإطار العسكري البحت، ووصل آتياً من أعماق دهاليز الدولة اليمنية وفسيفساء تركيبتها الاجتماعية والمؤسساتية وأبعادها الأكاديمية.

الفرصة الأخيرة للبناء
يقول الدكتور محمد عسكر وزير حقوق الإنسان اليمني السابق «أعتقد أن تولي الدكتور العليمي دفة القيادة في هذه المرحلة يشكّل الفرصة الأخيرة لبناء دولة في هذه المرحلة من تاريخ اليمن. لكن نجاحه يتطلب شروطاً موضوعية وذاتية لخلق تحالف داخلي صلب ذي رؤية، ومشروع واضح يواجه تحديات بناء المؤسسات، وتوفير الخدمات باعتبارها أبرز تحديات السلام، كما يواجه تحديات الحرب في مواجهة الانقلاب الحوثي». ويضيف «إن نجاحه والمجلس يتطلبان أيضاً دعماً قوياً اقتصادياً وسياسياً من الأشقاء في التحالف بقيادة السعودية والإمارات، ومن الإقليم والمجتمع الدولي».

قبول إقليمي ودولي
أما حمزة الكمالي، وكيل وزارة الشباب والرياضة اليمني، فيصف العليمي بأنه «لا يكتفي بالحضور الهزيل أو أن يكون مجرد جزء من التركيبة السياسية دون أن يكون فاعلاً»، متابعاً «لديه حس سياسي، وقبول إقليمي ودولي سينعكس حتماً على حضور الدولة اليمنية».
وحقاً، عندما يتحدث اليمنيون عن عمله السياسي، يشعر المستمع أنه أمضى طيلة حياته يضرب بمطرقة التوافقات وإزميل التنافس الحزبي، ولعل فاعليته إبان عضويته في «المؤتمر الشعبي العام»، أو نفسه الطويل قبل تكوين التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية، خير الأمثلة على ذلك.
وإذا تذكروا عمله الحكومي، فقد تتعجب من منعطفات تركت بصمات الرجل في جل مهامه التي أوكلت إليه.
وإذا حضر الإنجاز الأمني كثرت قصص «الانتشار الأمني» و«مكافحة حمل السلاح» وصولات «مكافحة الإرهاب»، فإن المخيلة الجمعية تصوّر ضابطاً لم يغادر مقر وزارة الداخلية اليمنية في صنعاء قط، أو حتى مبنى الأمن في تعز، المحافظة التي وشت بقدرات الرجل مرتين، الأولى حينما حملت صرخته الأولى مقبلاً للحياة، والأخرى التي سبقت توزيره بإدارة أمن المحافظة.

علاقات اجتماعية جيدة
أما عمله الأكاديمي، فخليط من القانون وعلم الاجتماع وكتب عن حل النزاعات القبلية، بالإضافة إلى فهم عميق لفسيفساء التعقيدات اليمنية.
إلا أن كل الإنجازات قد توضع في كفة، مقدار الاحترام الاجتماعي الذي يتمتع به الرجل داخل اليمن وخارجه قد يوضع في كفة أخرى. فالرجل من السياسيين اليمنيين قلائل الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية جيدة في شمال اليمن مثل جنوبه، وخير استدلال قبول 4 نواب لرئيس المجلس الرئاسي من جنوب اليمن.
ذلك أن لدى العليمي في الخليج والعالم العربي علاقات وطيدة، سواءً نتيجة دراسته في الكويت أو لتمثيله اليمن خلال فترات عمله نائباً لرئيس الوزراء أو وزيراً للداخلية أو الإدارة المحلية.
أما علاقاته الدولية، فهي نتاج عمله في ملفات أمنية كمكافحة الإرهاب، أو سياسية بحتة تمثلت بعد الانقلاب الحوثي في لقاءات لم تنقطع مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أو سفراء مجموعة أصدقاء اليمن أو ما تعرف بدول (19+).

إدراك مبكّر
الدكتورة ألفت الدبعي، عضو لجنة صياغة الدستور الاتحادي اليمني، كانت معيدة في جامعة تعز عام 1998 وتتذكر العليمي مدير أمن تعز آنذاك والأستاذ المنتدب من جامعة صنعاء، وعنه قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدكتور العليمي لما اتجه إلى العمل بوزارة الداخلية، مثّلت طبيعة دراسته الأكاديمية في علم الاجتماع، بالإضافة إلى خلفيته في العلوم العسكرية في كلية الشرطة وتجربته العملية كوزير داخلية، رصيداً جعله أقرب إلى معرفة المشكلات الرئيسية المعيقة لجذور التحديث في اليمن وبناء دولة المواطنة والمساواة، وهو ما انعكس في تبنيه مشروع قانون حيازة السلاح الذي تقدم به إلى البرلمان عام 2006».
وتضيف الدبعي «كان العليمي يدرك خطورة بقاء السلاح في اليمن بالفوضى وإعاقة أي مشاريع للتحديث، وهو ما كان ينعكس في بقاء مراكز النفوذ التي كان سلاحها يجابه مشاريع الدولة إذا تضاربت المصالح. وهذا ما تم في التصويت على القانون آنذاك بالرفض من قبل القوى (التقليدية) التي أعاقت صدوره، وبالتالي أعاقت أي تقدم لليمن باتجاه التحديث». ورغم عرقلة مساعي إقرار قانون حيازة السلاح، فذلك لم يمنع ظهور العديد من أفكار التحديث التي كان له فضل تمريرها، وذلك أثناء عمله وزيراً للداخلية، من فكرة الشرطة القضائية والشرطة النسائية وغرف العمليات الإلكترونية إلى كتائب مكافحة الإرهاب»، بحسب الدبعي.
لقد كانت تعز مرحلة للنجاح الحكومي. والعليمي، الذي يبلغ اليوم 68 سنة، يتمتع باطلاع واسع ومعرفة في تفاصيل هياكل مؤسسات الدولة. هذا ما يعتقده الدكتور محمد عسكر، وهو وزير حقوق الإنسان اليمني السابق، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن قدرة العليمي على اكتشاف عوائق وإشكاليات البناء المؤسسي اليمني سابقاً وحالياً، وسبل إعادة ذلك البناء وتطويره... وقال معلقاً «لقد تعمّق في دراسة المجتمع اليمني علمياً وعملياً والإشكاليات التاريخية والجغرافية في بنية المجتمع، التي واجهت وما زالت تواجه تماسكه».

رجل المرحلة
وجد اليمن نفسه بعد سبع سنوات من الانقلاب الحوثي والحرب أمام مجلس رئاسي يقوده العليمي وأعضاء سبعة، كل واحد منهم برتبة نائب لرئيس المجلس، ومثلما فرّقتهم السياسة جمّعتهم. ولكن كان الفرق هذه المرة أن العليمي مثّل ميزان إجماع للقوى المناهضة للانقلاب والمشروع الإيراني، وبارقة أمل جادة وجديدة لاستعادة الدولة سلمياً، والدفاع عنها، وتحريرها إذا قضت الضرورية، عسكرياً.
«في ظل التشظّي الذي تعاني منه البلاد والانقسامات على المستوى العسكري والأمني والسياسي، تصبح الحاجة إلى من يعيد تركيب هذا التفكك مطلباً ملحاً. وعملية مثل هذه تحتاج إلى رجل دولة حقيقي يفهم جذور الصراع في اليمن وخلفياته ويساهم في قيادة توافقات عملية باتجاه وحدة القرار والهدف واستعادة مؤسسات الدولة». وتوضح ألفت الدبعي «ما كان يمكن لأي رجل دولة أن يستطيع إنجاز هذه المهمة بما يحقق الاستقرار ويقود البلد للسلام... ما لم يكن يمتلك رؤية عالم الاجتماع في قراءته للمشهد اليمني وجذور الصراع فيه. وهنا يصبح الدكتور رشاد العليمي بحكم امتلاكه هذه الخلفية المعرفية كأستاذ أكاديمي في علم الاجتماع، بالإضافة إلى تجربته العملية كسياسي مخضرم في المؤتمر الشعبي العام، فضلاً عن تقلده مناصب أمنية عديدة، منها عمله وزير داخلية ونائب رئيس وزراء ووزير إدارة محلية، كل ذلك - وفق الدبعي - يجعله أقرب لفهم تعقيدات الصراع في اليمن بكل أبعاده الأمنية والعسكرية والسياسية والاجتماعية، وخطورة المشروع الإيراني في فرض تدخلاته على المشهد اليمني وتأثير ذلك على دول الجوار».
وتتابع الدبعي شرحها، قائلة «خبرته كوزير سابق في الإدارة المحلية تجعله أقرب لمعرفة احتياجات ومعاناة المحليات من مركزية القرارات. وأتوقع سيكون له دوره الفاعل في إيجاد حلول لهذه المعضلة اليمنية المسببة لأحد جذور الصراع الأساسي في اليمن، وهو إشكالية إعادة توزيع السلطة والثروة في اليمن». وتستطرد بالقول، إن «الدكتور العليمي كسياسي يدرك خطر إعادة مشروع الإمامة في اليمن وعلاقته بإيران، ولعل عمله في المجال الأمني كوزير داخلية مكّنه من استيعاب الإبعاد الأمنية لتحركات هذا المشروع من وقت مبكر. ومع استيعابه لذلك إلا أنه يدرك في الوقت نفسه أن تثبيت مشروع دولة المواطنة والمساواة والنظام والقانون يشكل المدخل الوحيد لإضعاف أي مشاريع خارج إطار الدولة... وهو المشروع الذي لم نستطع الوصول إليه حتى اليوم».

مسيرة وتوثب مهني
مرحلة البداية والتكوين المهني بالنسبة للعليمي كانت جادة ومتوثبة. فبعد ثلاث سنوات في كليّة الشرطة بصنعاء بدأت عام 1975، انتقل على امتداد ثلاث سنوات أخرى في إدارة البحث الجنائي بين عامي 1978 و1981.
العام 1989، الذي يسبق الوحدة اليمنية بعام، حمل علامة بارزة في بدايات العليمي المهنية والوظائفية؛ إذ عُين أستاذاً في جامعة صنعاء ومديراً للشؤون القانونية بوزارة الداخلية في الوقت نفسه.
وأمضى العليمي من ثم أربع سنوات قبل أن يُسمّى رئيساً لمصلحة الهجرة والجوازات في العام 1994. ويحسب له إدخال منظومة الإصدار الآلي للجوازات، بحسب الدكتورة الدبعي، ثم أمضى سنتين أخريين، ليعود إلى مدينته تعز مديراً لأمن محافظة تعز في العام 1996.
وبعد ذلك، حملت الألفية الجديدة نقلة نوعية في سجل عمل العليمي الحكومي؛ إذ سُمي وزيراً للداخلية عام 2001، ثم نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للداخلية في 2006. وفي العام 2008 صار نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، وفي العام نفسه عُيّن نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن وزيراً للإدارة المحلية.
إلا أن رياح العام 2011 هبّت، بم يسمى لشغل أي منصب حتى عام 2014، لكن في شهر فبراير (شباط)، حين سُمي مستشاراً لرئيس الجمهورية السابق عبد ربه منصور هادي، ثم اختير رئيساً لمجلس قيادة رئاسي يضم سبعة أعضاء نواب للرئيس.



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.