قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، بدت الديمقراطيات الليبرالية في بعض الأحيان متزعزعة وغير متأكدة من مستقبلها. شكك البعض في تحالفاتهم، بينما استسلم آخرون للمشاعر القومية. لكن الصراع ذكّر الغرب بما يمثله - الحرية والسيادة والقانون. وقد أدى هذا بدوره إلى رد موحد على العدوان الروسي.
وحسب تقرير نشرته قناة «بي بي سي»، فإنه رغم كل الدبلوماسية التي يقوم بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وآخرون، قد تستمر الحرب لبعض الوقت. هل يمكن أن نكون عند لحظة للإجماع داخل التحالف الغربي؟ هناك بعض الخيارات الصعبة المنتظرة والتي قد تجعل من الصعب على القوى الغربية البقاء على نفس الصفحة الدبلوماسية.
يبدو أن أبرز الانقسامات تدور حول أهداف الحرب. في الوقت الحالي، يتحد الغرب وراء الدفاع عن أوكرانيا ويقدم الدعم الاقتصادي والعسكري لمساعدة البلاد على المقاومة.
ولكن ما هو الهدف على المدى الطويل؟ وقف الأعمال العدائية بالطبع. وهل يجب هزيمة روسيا؟ هل يجب أن تفوز أوكرانيا؟ كيف ستبدو الهزيمة والنصر من الناحية العملية؟. قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للنواب الأسبوع الماضي: «علينا ببساطة أن نفعل كل ما في وسعنا بشكل جماعي لضمان فشل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».
ولكن ماذا تعني كلمة «فشل»؟. الشيء الوحيد الذي رفضه جونسون هو الضغط من أجل تغيير النظام في موسكو. وقال: «من المهم جداً... ألا نجعل من إزاحة الزعيم الروسي أو تغيير السياسة في روسيا هدفاً»، مضيفاً: «هذا يتعلق بحماية شعب أوكرانيا. سيحاول بوتين تظهير الأمر على أنه صراع بينه وبين الغرب، لكن لا يمكننا قبول ذلك».
ومع ذلك، تضغط الولايات المتحدة في هذا الاتجاه بشكل متزايد. أشار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى أن هزيمة القوات الروسية لن تكون كافية. وقال: «نريد أن نرى روسيا وهي تضعف لدرجة لا تخولها فعل نفس الأشياء التي فعلتها في غزو أوكرانيا».
قد يعني ذلك استهداف العقوبات قطاع الدفاع الروسي أو قد يعني إعطاء أوكرانيا الوسائل لتدمير جزء كبير من القوات العسكرية الروسية. في كلتا الحالتين، قد لا يشارك جميع الحلفاء الغربيين مثل هذه الطموحات، خوفاً من أن يستغل بوتين الخطاب للادعاء بأن الغرب يشكل بالفعل تهديداً وجودياً لروسيا.
الدعم العسكري لأوكرانيا
الغرب متحدٌ إلى حدٍ كبير في دعم أوكرانيا عسكرياً. لكن الأمر يختلف في التفاصيل. وتحجم بعض الدول عن توفير أسلحة ثقيلة، خشية أن يؤدي ذلك إلى إطالة إراقة الدماء فيما يقوم آخرون بزيادة شحناتهم من الذخيرة والأسلحة الثقيلة.
وطالب النائب في البرلمان البريطاني ورئيس لجنة الدفاع توبياس إلوود لندن بتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا. وقال لقناة «بي بي سي 4»: «نبذل قصارى جهدنا لمنع أوكرانيا من الخسارة ولكن ليس بالقدر الكافي لضمان فوزها. نحن بحاجة لمساعدة أوكرانيا على الفوز بشكل مطلق بدلاً من مجرد الدفاع عن الخطوط الحالية».
لكن قد يخشى آخرون في الغرب من تحويل الدفاع عن أوكرانيا إلى حرب بالوكالة كاملة مع روسيا مما قد يدفع بوتين إلى تصعيد الصراع، إما بمهاجمة أهداف غربية أخرى أو شن هجمات إلكترونية أو حتى استخدام أسلحة الدمار الشامل.
لم يكن عبثاً تحذير وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من الخطر «الجاد والحقيقي» للحرب النووية.
دعم التسوية السياسية
في مرحلة ما، قد يكون هناك مأزق عسكري وقد يتزايد الضغط من أجل تسوية سياسية. الافتراض السائد هو أن الغرب سوف يدعم كل ما تختار أوكرانيا القيام به. ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟.
ماذا لو مارست بعض الدول الغربية ضغوطاً على أوكرانيا للمضي بمحادثات سلام لكن القيادة في كييف تريد الاستمرار في القتال؟ هل يمكن لبعض الدول أن تبدأ في الحد من دعمها العسكري لأوكرانيا؟. أو بدلاً من ذلك، ماذا لو وافقت أوكرانيا على تسوية سياسية يعارضها الغرب ويعتقد أنها تكافئ روسيا كثيراً؟ هل يمكن أن ترفض بعض الدول رفع العقوبات عن روسيا وربما تعرقل اتفاق سلام؟.
هناك نقاش كبير يدور بين صانعي السياسة الغربيين حول نوع التسوية السياسية التي يمكن الاتفاق عليها في أوكرانيا. هل ستكون الأولوية لاستعادة السيطرة على الأراضي التي استولت عليها روسيا - أم ضمان الأمن والسلامة والحيوية المستقبلية لما تبقى من أوكرانيا بعد توقف القتال؟.
وعبر مسؤول غربي كبير عن هذا الأمر، قائلاً: «لا يمكن أن يُنظر إلى بوتين على أنه نجح في تعديل الحدود السيادية لأوكرانيا بالقوة»، قبل أن يضيف: «خطتنا طويلة المدى لأوكرانيا هي أن تنجح كدولة مستقلة وذات سيادة». هذان الهدفان ليسا بالضرورة الشيء نفسه.
من الناحية العملية، هذا يعني أنه ستكون هناك خيارات صعبة عندما يتعلق الأمر بالموافقة على تسوية سياسية. هل يجب على الغرب، على سبيل المثال، الضغط على القوات الروسية للانسحاب الكامل إلى حدود ما قبل فبراير (شباط) 2022 أو ترك بعض المناطق التي احتلتها فقط؟.
بالنسبة إلى وزير الدفاع البريطاني بن والاس لن يكون أي من الخيارين كافياً. وقال لنواب البرلمان: «ما أريده لبوتين ليس فقط ألا يتجاوز حدود ما قبل فبراير. لقد غزا شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني، وغزا دونيتسك بشكل غير قانوني وعليه الامتثال للقانون الدولي ومغادرة أوكرانيا على المدى الطويل».
قد لا تكون هذه وجهة نظر يشاركها الآخرون في الغرب.
عقوبات الطاقة على روسيا
قد تختلف القوى الغربية بشأن العقوبات. في الوقت الحالي، اتفقوا على الاختلاف حول مدى صعوبة معاقبة روسيا، لا سيما ما إذا كان ينبغي فرض المزيد من العقوبات على صادراتها من النفط والغاز.
وتقول الدول التي تعتمد على الطاقة الروسية إن اقتصاداتها لا تستطيع البقاء من دونها. لكن إذا استمر القتال لبعض الوقت، فقد تكون هناك ضغوط مضادة. قد ترغب بعض الدول في زيادة العقوبات على موسكو لمحاولة إنهاء الجمود. قد يرغب البعض الآخر في تقليل العقوبات المفروضة على الطاقة لأن سكانهم يصبحون أقل تسامحاً مع التكلفة الاقتصادية.
مستقبل أوكرانيا
من الممكن أيضاً أن يختلف الغرب حول مستقبل أوكرانيا على المدى الطويل. ماذا يحدث إذا كانت هناك انقسامات داخل أوكرانيا؟ ماذا لو ظهرت الفصائل، مثل القوميين الذين يريدون مواصلة القتال، والمتواطئين الذين يريدون الاتفاق على صفقة؟ هل سيتعين على الغرب أن ينحاز إلى أي طرف؟.
إلى أي مدى يمكن أن تكون الانقسامات مريرة داخل أوكرانيا؟ حتى أن بعض المحللين تكهنوا عن احتمال اندلاع حرب أهلية، وعقدوا مقارنات مع الانقسامات داخل آيرلندا في عام 1922.
أو ماذا لو بدأت أوكرانيا في اتخاذ خيارات سياسية قد يعارضها الغرب؟
أشارت الخبيرة الروسية والمسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الأميركي، فيونا هيل، إلى أن أوكرانيا قد تسعى حتى لامتلاك سلاح نووي لضمان أمنها في المستقبل.
وقالت في ندوة بمركز أبحاث «Changing Europe»: «كلما استمر بوتين في نشر أسلحة نووية هناك... زاد الضغط على دول مثل أوكرانيا للاعتقاد بأن الطريقة الحقيقية الوحيدة للدفاع هي الإسراع والحصول على سلاح نووي».
في مثل هذه الظروف، هل سيكون الغرب على استعداد لتزويد أوكرانيا بالأسلحة التقليدية؟ أو حتى النظر في إمكانية عضويتها في الاتحاد الأوروبي؟.
النقطة المهمة هي أن المواقف السياسية في النزاع نادراً ما تكون ثابتة وقد يكون من الخطأ افتراض أن الوحدة الغربية ستستمر تلقائياً خلال التحديات المقبلة.