تركيز أممي على حرمة الأقصى خشية «عودة التفجير»

وينسلاند لتوفير أفق سياسي للعودة إلى المفاوضات

وقفة تضامنية مع الطفل الأسير إيثال العزة أمام بوابة سجن عوفر غرب رام الله أمس (وفا)
وقفة تضامنية مع الطفل الأسير إيثال العزة أمام بوابة سجن عوفر غرب رام الله أمس (وفا)
TT

تركيز أممي على حرمة الأقصى خشية «عودة التفجير»

وقفة تضامنية مع الطفل الأسير إيثال العزة أمام بوابة سجن عوفر غرب رام الله أمس (وفا)
وقفة تضامنية مع الطفل الأسير إيثال العزة أمام بوابة سجن عوفر غرب رام الله أمس (وفا)

هيمنت الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى وغيره من الأماكن المقدسة في القدس على الجلسة الشهرية التي عقدها مجلس الأمن طوال يوم الاثنين، في ظل دعوات ركزت على ضرورة احترام الوضع القائم تاريخياً، لئلا يتسبب أي تغيير على الأرض في «تفجير الأوضاع» مجدداً بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبينما حض المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، على الهدوء والسماح للمسلمين بالاحتفال بالأسبوع الأخير من رمضان، أكدت المجموعة العربية أهمية توفير أفق سياسي للانتقال إلى خطوات تمكّن الطرفين من العودة إلى المفاوضات على أساس حل الدولتين.
وقدم وينسلاند إحاطة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من القدس، لأعضاء مجلس الأمن في نيويورك، موضحاً أن أعمال العنف الأخيرة والتوترات المتصاعدة منذ الشهر الماضي «تؤكد مرة أخرى أن الجهود المبذولة لإدارة النزاع ليست بديلاً عن إحراز تقدم حقيقي نحو حله». وأكد «حتمية إنهاء الاحتلال والتقدم نحو واقع حل الدولتين». وقال إنه بعد الصدامات الأخيرة في المسجد الأقصى، لا يزال الوضع في القدس «هادئاً نسبياً رغم الخطاب الملتهب»، مضيفاً أن إطلاق الصواريخ من غزة «يؤدي إلى تقويض الاستقرار الهش الذي ساد منذ مايو (أيار) الماضي».
وشدد على أنه «يجب على القادة السياسيين والدينيين والمجتمعيين من كل الأطراف، القيام بدورهم لتقليل التوترات ودعم الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، وضمان احترام قدسيتها من الجميع». وأشار إلى مقتل 23 فلسطينياً، بينهم ثلاث نساء وأربعة أطفال، برصاص القوات الإسرائيلية خلال مظاهرات واشتباكات وعمليات مداهمة وتفتيش وهجمات وادعاءات عن هجمات ضد إسرائيليين وغيرها من الحوادث، فضلاً عن إصابة 541 فلسطينياً بينهم 30 سيدة و80 طفلاً. وفي المقابل، قُتل 12 إسرائيلياً، بينهم سيّدتان وثلاثة من الرعايا الأجانب، وأصيب 82 إسرائيلياً بينهم ستة أطفال وأربع نساء وأجنبي واحد، بإطلاق رصاص فلسطيني وعمليات طعن ودهس واشتباكات وإلقاء حجارة وزجاجات حارقة وغيرها من الحوادث. وطالب بـ«محاسبة مرتكبي كل أعمال العنف وتقديمهم بسرعة إلى العدالة». وقال: «أنا مرتعب بشكل خاص من استمرار قتل الأطفال وإصابتهم».
وتحدث المراقب الدائم لدولة فلسطين رياض منصور، عن «المعايير المزدوجة والغضب الانتقائي والحرمان من العدالة»، مشيراً إلى أن «إسرائيل لا تُحاسَب على أفعالها». وقال: «يسألكم الشعب الفلسطيني: كيف يمكن لإسرائيل أن تفلت من العقاب؟ كيف تفلت من العقاب على القتل في وضح النهار، أمام مرأى الجميع، ربما في صراع هو الأكثر توثيقاً في العالم؟». وأضاف أن «إسرائيل تقتل فلسطينيين كل يوم وتقمعهم كل يوم، وتقوم بتشريدهم كل يوم». وأكد أنه «لا يوجد ما يبرر الاستعمار والفصل العنصري، ولا شيء يبرر قمع أمة بأكملها وحرمانها من حقها في تقرير المصير».
أما المندوب الإسرائيلي جلعاد أردان، فقال إن «إسرائيل لن تسمح لأي جماعة متطرفة بانتهاك الوضع القائم والتحريض على العنف. وذكر نائب المندوب الأردني الدائم لدى الأمم المتحدة، صدقي العموش، أن الإدارة الأردنية لأوقاف القدس هي الجهة الوحيدة المخوّلة بإدارة جميع شؤون المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 ألف متر مربع، مضيفاً: «طالبنا الجانب الإسرائيلي بالقيام بعدد من الإجراءات»، منها «السماح بالوصول الحرّ للمصلين المسلمين إلى المسجد الأقصى المبارك دون قيود ورفع الحواجز التقييدية أمام المقدسيين وأهالي الضفة الغربية، وإزالة كل القيود الرامية إلى تقييد حق المسيحيين في الوصول الحرّ وغير المقيّد إلى كنائس البلدة القديمة خصوصاً كنيسة القيامة».
وربط المندوب المصري أسامة عبد الخالق، بين التصعيد الذي شهدناه العام الماضي وما تشهده المنطقة حالياً، قائلاً إن مصر ترى أن «استمرار محاولة التهويد في القدس الشرقية، ومحاولة قوات الاحتلال فرض سيطرتها على المدينة وتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم في الأماكن المقدسة... أمر ينذر بتصعيد خطير ويمثل مساساً بالمسجد الأقصى». ودعا إلى «تهيئة المناخ الملائم لاستئناف المفاوضات بين الجانبين وفقاً للمرجعيات الدولية المتفق عليها ومبادرة السلام العربية وحل الدولتين على أساس حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967».
ودعا نائب المندوبة الإماراتية إلى الاستفادة من كل الوسائل الدبلوماسية المتاحة لإعادة الهدوء. وطالب المراقب الدائم لجامعة الدول العربية ماجد عبد الفتاح، مجلس الأمن باتخاذ «عدد من الخطوات العاجلة الهادفة لاستعادة مصداقيته أمام الشعوب العربية في التعامل مع قضايا منطقتنا، خصوصاً القضية الفلسطينية». وندد القائم بالأعمال السعودي محمد عتيق، باعتداء الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى في أقدس الأيام والأشهُر للمسلمين. وقال إن «السعودية تدعو المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى الاضطلاع بدورهما في تحميل القوات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن تداعيات استمرار مثل هذه الجرائم والانتهاكات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وأرضه ومقدساته».



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».