«ما زلت أذكر فجر ذلك اليوم عندما رافقت والدي، للمرة الأولى، إلى زيارة مقبرة الكتب المنسيّة». هكذا تبدأ رواية «ظلّ الريح» للإسباني كارلوس ثافون الذي رحل فجأة مطالع صيف عام 2020 عن ستة وثلاثين عاماً بعد أن كان أصبح الكاتب الأكثر قراءة باللغة الإسبانية بعد ميغيل دي ثرفانتيس صاحب دون كيخوتي.
تلك الرواية، التي تدور وقائعها في مدينة برشلونة مسقط رأس ثافون، كانت بابه إلى شهرة عالمية لم يعرفها كاتب إسباني من قبل، ونجاح تجاري كبير تشهد عليه ترجمات إلى أكثر من خمسين لغة ومبيع عشرات ملايين النسخ من رواياته.
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للكتاب الذي يتزامن مع انطلاق المعرض الدولي للكتاب في مدريد، قررت مصلحة البريد الإسبانية إصدار طابع بريدي تذكاري لصاحب «ظلّ الريح» التي تلتها سلسلة من أربع روايات هي «مقبرة الكتب المنسيّة» و«لعبة الملاك» و«سجين السماء» و«متاهة الأرواح»، سرعان ما تحوّلت إلى واحدة من كبرى الظواهر الأدبية في القرن الحادي والعشرين على الصعيدين الإسباني والعالمي، حسبما جاء في بيان الهيئة التحكيمية التي ضمّت ثمانين كاتباً وناقداً، واعتبرت «ظلّ الريح» أحد أهمّ مائة كتاب صدرت باللغة الإسبانية إلى اليوم.
وكانت مصلحة البريد الإسبانية أعلنت أن هذا الطابع ستتبعه إصدارات تذكارية أخرى لكبار الأدباء الإسبان المعاصرين، فيما أعلنت دار النشر «بلانيتا» أنها ستطرح قريباً في الأسواق طبعة فاخرة تحت عنوان «مدينة البخار» تضمّ جميع أعمال ثافون، مرفقة بالطابع التذكاري، وخريطة لمدينة برشلونة تبيّن المعالم والشوارع التي تدور فيها وقائع رواياته، والأماكن الأثيرة لديه التي كان يحب التردد إليها.
ولد ثافون في أسرة متواضعة الحال، بعيدة عن عالم الأدب، وكان منذ صغره شغوفاً بعالم السينما والخرافات الشعبية. التحق بجامعة برشلونة لدراسة الصحافة، لكنه سرعان ما غادرها قبل نهاية السنة الأولى ليتولّى الإدارة الفنية في إحدى الشركات الإعلانية الكبرى. وبعد أن صدرت روايته الأولى «مارينا» التي كان يقول إنه يرى ذاته في شخصياتها، قرّر في عام 1992 الانصراف كلّياً للكتابة وانتقل إلى لوس أنجليس ليعمل في كتابة السيناريوهات السينمائية ووضع سلسلة رواياته الشهيرة.
يقول صديقه الكاتب الإسباني إدواردو مندوزا، الذي انطلقت شهرته هو أيضاً منذ صدور كتابه الأول «مدينة العجائب» عن برشلونة، إن ثافون «كان يدرك أنه تحوّل بسرعة كبيرة إلى شخصية أدبية عالمية، لكنه دأب على التصرّف دائماً ببساطته المعهودة من غير أن يتأثر بالشهرة التي أصابته في سن مبكرة».
وفي محادثة مع مندوزا الذي صدرت أولى رواياته بعد تقاعده من عمله كمترجم في مقرّ الأمم المتحدة بنيويورك، يقول إنه عندما سكن ثافون لأشهر بجواره في لندن، كانا يتسكّعان في شوارع العاصمة البريطانية بحثاً عن التنانين والأيقونات الشعبية الإنجليزية التي كان مولعاً بها، بقدر ولعه بأطباق الباستا التي كان يبحث عن وصفات جديدة مبتكرة لها في المطاعم الإيطالية. ويضيف مندوزا أن صديقه كان يتابع باهتمام كبير التطورات السياسية في إسبانيا، خصوصاً ما يتصل بالأزمة الانفصالية الكاتالونية، وفي الولايات المتحدة على عهد الرئيس السابق دونالد ترمب الذي كان يطلق عليه «كاليغولا» تيمّناً بالإمبراطور الروماني الذي تميّز عهده بسلسلة من الفضائح وتدهور الأخلاق العامة.
وكانت وكيلة ثافون الأدبية كشفت مؤخراً أنها لم تكن أوّل من يقرأ مخطوطات أعماله الأدبية، بل زوجته ماري كارمن التي كان يحلو له أن يكرّر دائماً أنهما في زواجهما يشكّلان «أمّة من اثنين» (A nation of two). وكشفت أيضاً أن شغفه بالموسيقى، وبخاصة الموسيقى التصويرية التي كان يقول إن الأفلام لا تطاق من دونها، دفعه في السنوات الأخيرة إلى تأليف مقطوعات ترافق قراءة رواياته مستوحاة من وقائعها والأماكن التي تدور فيها.
ولدى سـؤاله مرة عن الطريقة أو القوس التي يتبعها لكتابة أعماله قال: «تتدرّج الكتابة عندي على ثلاثة مستويات. في المرحلة الأولى أضع مخططاً لما سأقوم به، لكن عندما أبدأ بالتنفيذ أدرك أنني سأغير كل ما سبق وخططت له تقريباً. بعد ذلك تأتي مرحلة الإنتاج والتصوير وتجميع العناصر التي سيقوم عليها الكتاب، لكن سرعان ما يتبيّن لي أن الأمور أكثر تعقيداً مما توقعت، وأن ثمّة مستويات أكثر مما كنت أتصوّر. عندئذ أبدأ بمطارحة نفسي مجموعة الأسئلة الصعبة: ماذا لو بدّلت الأسلوب؟ أو هذه العبارة؟ أو تلك الاستعارة؟ لأنتقل بعد ذلك إلى سبك الحبكة التي يجب أن تبقى مخفيّة على القارئ لكي يقرأ الكتاب كما انسياب المياه من غير أن يواجه أي صعوبة. لكن ذلك يقتضي جهداً كبيراً ولا أعرف أبداً إن كنت قد نجحت في المسعى، أم لا».
كارلوس ثافون... الكاتب الأكثر قراءة بعد ميغيل دي ثرفانتيس
إصدار طابع بريدي تذكاري لصاحب «ظلّ الريح»
كارلوس ثافون... الكاتب الأكثر قراءة بعد ميغيل دي ثرفانتيس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة