بيسترو «Fred».. نكهة باريس في بيروت

يجمع بين سحر الشرق والمذاق الأوروبي الأصيل

ملامح الديكور شرقية يتخللها تصميم عصري
ملامح الديكور شرقية يتخللها تصميم عصري
TT

بيسترو «Fred».. نكهة باريس في بيروت

ملامح الديكور شرقية يتخللها تصميم عصري
ملامح الديكور شرقية يتخللها تصميم عصري

أن تزور بيسترو «Fred» الواقع في حي السراسقة الأرستقراطي المعروف في بيروت، فكأنك قمت برحلة قصيرة إلى باريس وغرفت مما رغبت من رائحة أطباقها ونكهة حلوياتها.
فما إن تطأ قدماك هذا المطعم الذي يطلّ عليك من بعيد بديكوره الحميم، المتمثل بنوافذه الحجرية الصغيرة، والمزينة بالحديد المطوّع، والتي تتدلّى فوقها خيم صغيرة متعرجة حمراء، حتى تشعر بكمية كبيرة من الحب واللهفة لدخوله دون تردد.
كل شيء في بيسترو «Fred» الابن المدلل لمطعم «Table d’alfred» (مطعم عريق افتتح عام 2008 وتحوّل اليوم إلى مكان خاص بالأعراس والمناسبات الاحتفالية) وقد ولدت من أحشائه عام 2013، يجعلك تحسّ وكأنك في ملاقاة شخص تعرفه منذ زمن وتتوق للقائه من جديد. فهذا الشعور بالحنين الذي يسيطر عليك، منذ دخوله إلى حين مغادرته يدفعك إلى ن تعيد الكرّة وتعود لزيارته أكثر من مرة.
الأجواء كانت هادئة عندما دخلته وصديقاتي الأربع، فقد اتفقنا أن نلتقي سويا وبعد طول غياب تحت سقفه، والذي منه تبدأ قصّتك معه.
لم نأخذ وقتا طويلا لنختار -صديقاتي وأنا- الطاولة التي سنجلس عليها في المقهى الـ«بيسترو» كما هي تسميته، فكل زاوية فيه تناديك للجلوس في كنفها ومهما حاولت مقاومة إغراءات هذه الزاوية أو تلك فإنك في النهاية تعرف تماما أن «Fred» بكل ملامحه يغمرك بالدفء، فتبقى حرارته تلازمك من أول نظرة تلقيها عليه حتى آخر لحظة تمضيها فيه. صحيح أنني كنت وصديقاتي في حالة جوع شديد، ولكننا بقينا نحن الأربع للحظات طويلة نتأمّل سقفه «العقد» المبني على طريقة العمارة اللبنانية القديمة والمضاء بثريات عصرية، والتي تولّد لديك بسرعة الفكرة الأساسية التي أراد صاحب المطعم إيصالها إليك، إلا وهي المزج ما بين الأصالة والحداثة معا.
شادي هو اسم الشاب الذي وقف على خدمتنا، فبعد أن ساعدنا على الاستقرار على كراسي خشبية عتيقة الملمس وذات قعدات جلدية حمراء، قدّم لنا لائحة الطعام وهو يستوضحنا عما إذا كنا نريد تناول طعام الغداء أو الاكتفاء بارتشاف كوب ساخن في أجواء الشتاء العاصفة المسيطرة على طقس ذلك اليوم. فابتسمنا وأكدنا له أننا «جوعانين» ونريد أن نتناول الطبق المشهور لديهم، وهو «روستد فارم تشيكن»، أي طبق الدجاج المشوي أمامك مباشرة على ماكينة شواء تعمل على الغاز. وميزة هذا الطبق بأنه مؤلّف من دجاج طازج مربّى في مزرعة صغيرة على حبوب الذرة ولا يتجاوز عمره الأسابيع الستة، كما أنهم لا يتسلّمون منه إلا كميات قليلة جدا لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في اليوم الواحد. وبعد اقتراحه علينا التنويع وعدم التقيّد جميعنا بطلب نفس الطبق، ليتسنّى لنا تذوّق أطباق أخرى اشتهر فيها أيضا، اتفقنا أن نعمل بنصيحته ونطلب «اللازانيا بالكريفيت» (الجمبري) و«البلانكيت دي فو» ذات لحم العجل الطري واللذيذ والمتبّل على الطريقة الفرنسية مع الأرز إلى جانبه.
وفي انتظار أن نبدأ في المقبلات والسلطات التي تنوعت ما بين طبق الخرشوف المتبّل بزيت الكمأ (Salade d’artichauts a l’huile de truffe)، والهليون المرفق بهريسة المدخّن وصلصة الـ«فينيغريت» مع جبنة البارميزان الفرنسية ذات الطعم الحاد، قررت القيام بجولة صغيرة في أرجاء المطعم لأقف على التفاصيل الصغيرة التي تراءت لي لافتة من بعيد.
اعتمد صاحب المطعم الفرد عسيلي ديكورا مميزا صنعت أدواته خصيصا، لتتناسب والفكرة التي أرادها وهي أن تتمتع الحانة بهوية خاصة بها. فغطّت معظم جدران الحانة بصحون البورسيلين، التي رسم عليها كل طبق من الأطباق التي يقدّمها ضمن لائحة الطعام عنده. فعلى الجدار الغربي تشاهد درزنا منها مصفوفا بعضه فوق بعض، يحمل كل واحد منها صورة طبق ما مثل «الأوسو بوكو مع الريزوتو الميلانيز» و«البينيه مع البندورة وجبنة الموزاريلا الطازجة». وهناك على جدار المدخل صحون بورسيلين أخرى تصوّر أطباق «السان جاك روتيه مع كريما الأرز وعصير الليمون» و«الفوا غرا هوم مايد» و«البوف بورغينيون» و«سمك السول مونيير» و«كاربتشيو دي سومون المدخن»، وغيرها من الأطباق التي يسيل لها اللعاب لمجرّد رؤية صورتها، والمنبثقة من المطبخ الفرنسي الأصيل. فتختارها حسب الشكل المقدمة فيه وعلى أساس الفكرة التي يعطيك إياها عنها نادل المطعم.
ومن بين تلك الصحون ما يحمل نصيحة لربّة المنزل عن وصفة طعام معيّنة، أو عن طريقة لحفظ الخضار في الثلاجة، أو عن كيفية تحريك المربيات على نار هادئة.
تطلّ حانة «Fred» على الطريق العام لهذا الشارع العريق (السراسقة)، ومن إحدى نوافذها مددت رأسي لأتفحّص الشرفات القصيرة المدى، المزدانة بالحديد الذي تم تطويعه على الطريقة الفرنسية. أما الواجهة الشرقية للحانة والتي تزينها نافذة كبيرة تخرق هندسة العقد القديمة بأخرى مستوحاة من الأشكال الحسابية، فتبدو لك وكأنها قطّعت بمثلّث قائم الزوايا (equerre) لابتكار أكثر من شكل في لوحة واحدة يدخلها النور من الخارج، ويطلّ على حديقة محيطة به. ويخيّل إليك من بعيد كأنك تشاهد رسمة تشكيلية، مصنوعة على طريقة النحت الناقر المعروف بالـ«relief» في عالم الرسم. ولم أستفق من مشواري التفقدي هذا والذي خطفني إلى عالم مرهف مليء باللمسات الفنية الجميلة، إلا بعد أن راحت تناديني صديقاتي للعودة إلى مكاني لتناول الطعام الشهي الذي امتدّ على الطاولة.
ورغم أن المنظر العام للمائدة كان شهيا، فإن طعم الأطباق فاق ذلك بأضعاف، إذ رحنا نتقاسم أطباق الـ(ستارترز) والسلطات بنهم، لننتقل بعدها إلى الأطباق الساخنة التي حضّرها لنا شيف المطبخ الفرنسي سيلفان ارتوس.
يسود أجواء حانة «Fred» الهدوء والرقي معا، فلا ضجيج وأصوات مرتفعة، ولا قرقعة صحون مفرطة ولا دخان سجائر تخنقك. فالموسيقى الفرنسية الكلاسيكية وطبيعة الناس الموجودة فيه، من رجال أعمال وسيدات أنيقات وسياح أجانب، طبعته بهوية لبنانية باريسية الهوى تأخذك لاشعوريا إلى عالم ملوّن بصور زاهية، يرسم الابتسامة على ثغرك ويضفي عليك حالة من الاسترخاء.
وبعدما طلبت التعرّف إلى صاحب المطعم الفرد عسيلي، والذي كما علمت يشرف شخصيا على كل شاردة وواردة في مطعمه، حتى إنه يتدخّل في إضفاء نكهات معينة على بعض الأطباق المقدّمة فيه، من خلال خبرته الدراسية والعملية التي أمضاها في باريس، سألته عن كيفية اختياره للخط الذي تبعه في «بيسترو فريد» فأجاب: «لطالما سكنني حلم وهو أن أدير مطعما خاصا بي، وهكذا صار عندما عدت من باريس في عام 2008، وافتتحت هذا المكان تحت اسم (table d”Alfred)، فشكّل يومها حديث البلد للشهرة التي حققها إن في مطبخه أو ديكوره الراقي، والذي يذكّرنا بالحقبة الفرنسية أيام الملكة ماري أنطوانيت. بعدها أصيب سوق المطاعم الأرستقراطي بنكسة عامة في لبنان، فقررت أن أقسم مساحة المطعم إلى اثنين، واحد منها أبقي فيه على الأول وأحوّله للمآدب الكبرى وللمناسبات الخاصة وحفلات الخطوبة والأعراس وغيرها، والثاني أحوّله إلى (بيسترو) عفوي لا يمتّ للرسمية بأي صلة، بل يكون مجرّد مكان نتفس فيه الصعداء بعيدا عن ضغوطاتنا اليومية»، ويضيف الفرد الذي سمّى مطعمه تيمنا باسمه، والذي يدور عمره في فلك الثلاثينات: «حاولت قدر الإمكان أن أبتكر هوية خاصة بي، واستعنت بمصممة الغرافيك ناتالي فلاحة وبمصمم الديكور رامي بطرس ليترجما أفكاري على الأرض، وأعتقد أنني نجحت بذلك كون المطعم اليوم يعدّ من مطاعم بيروت المعروفة، والتي يقصدها أهل البلد والسياح معا لأجوائه الفريدة وطعامه الفرنسي التقليدي الأصيل وأسعاره المدروسة، والذي نتمسك باستخدام مكونات طازجة في تحضير أطباقه، وأحيانا كثيرة تكون مصنوعة على طريقة الـ(Home made)، لنعزز زبائننا ونكرّمهم بطريقة تختلف عن تلك المتبعة في مطاعم أخرى. وهذا الأمر جعلنا نتّبع تقديم (الصحن اليومي) في لائحة تتضمن 21 نوعا من الأطباق الفرنسية لنرضي جميع الأذواق، والتي أيضا تتميّز بمكونات طازجة حسب كل موسم بموسمه».
المطبخ الفرنسي بكل أصالته ومكوّناته المعروف فيها، تجدها في حانة «Fred»، وقد حرص الفرد عسيلي على تطويرها لتتناسب وذوق اللبناني المتطلّب بطبيعته.
انتهى لقائي بصديقاتي على غفلة، فالوقت مرّ بسرعة وكان طعمه مختلفا بالنسبة لنا جميعا، خصوصا وأن مسك الختام تألّف من أطباق حلويات لذيذة قدّمها لنا الفرد عسيلي على ذوقه، وتضمنت كوب الـ«موس أو شوكولا» والغراتين أو فريز اللذيذين و«قطع الأناناس المارينيه» مع البهارات الاستوائية والسوربيه المثلّج.
فإذا كنت تشعر بالحنين إلى حانات باريس ومقاهيها، وتمنعك ظروفك الحياتية من القيام برحلة قريبة إليها، ما عليك إلا أن تتبع القول المأثور في لبنان «اللي ما بيجي لعندك تعا لعندو»، وقم بزيارة حانة «Fred» في شارع السراسقة لتسرق بعض لحظات المتعة التي ستنسيك دون شك ثقل يوم عمل شاق ومتعب.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.