ضبابية تغلف استراتيجية الحكومة اللبنانية لإعادة هيكلة الدين العام

تعذر النفاذ إلى أسواق الدين نتيجة إقدام الحكومة السابقة على تعليق دفع مستحقات سندات اليوروبوندز (رويترز)
تعذر النفاذ إلى أسواق الدين نتيجة إقدام الحكومة السابقة على تعليق دفع مستحقات سندات اليوروبوندز (رويترز)
TT

ضبابية تغلف استراتيجية الحكومة اللبنانية لإعادة هيكلة الدين العام

تعذر النفاذ إلى أسواق الدين نتيجة إقدام الحكومة السابقة على تعليق دفع مستحقات سندات اليوروبوندز (رويترز)
تعذر النفاذ إلى أسواق الدين نتيجة إقدام الحكومة السابقة على تعليق دفع مستحقات سندات اليوروبوندز (رويترز)

وضعت الحكومة اللبنانية معادلات متباينة إلى حد التناقض في مقارباتها لإعادة هيكلة الدين العام، وتنفيذ الإصلاحات المالية الأساسية. فبينما هي تتنصل من أهمية إنشاء صندوق سيادي تتكون موارده من الأصول العامة المنتجة والتطوير الشامل للنظام الضريبي، تعول على تدفق قروض ميسرة من الشركاء الدوليين، بما يشمل البرنامج التمويلي الذي تسعى إلى إبرام اتفاقيته مع صندوق النقد الدولي.
ويكشف البنك الدولي، في أحدث تقاريره عن لبنان، بأنه في ظل المستوى العالي من حالة عدم اليقين، يرتقب أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي انكماشا إضافيا بنسبة 6.5 في المائة في العام الحالي، في حال لم تتغير سياسات الاستجابة للأزمة، وفي حال عدم وجود حد أدنى من الاستقرار السياسي والأمني. لتضاف إلى نسب 7 في المائة و21.4 في المائة و10 في المائة المحققة في السنوات الثلاث السابقة، والتي أودت إلى تقلص حاد للناتج من نحو 54 مليار دولار في العام 2018 إلى ما دون 20 مليار دولار حاليا.
ويؤكد مسؤول مالي معني لـ«الشرق الأوسط» أن الوضوح المفاجئ في تحميل المودعين والمصارف نحو 60 مليار دولار من إجمالي 72 مليار دولار من خسائر الانهيار المالي والنقدي، تقابله ضبابية تصل إلى مستوى الالتباس في معالجة أصل الفجوة البالغة نحو 100 مليار دولار وفق الأرقام الرسمية للدين العام، والمرجح أن يتعدى 105 مليارات دولار بعد احتساب مستحقات معلقة، بينها أكثر من 3 مليارات دولار لصالح صندوق الضمان الاجتماعي (بالسعر الرسمي لليرة).
ومع إطلاق تعهدات مسبقة بعدم المس بالموارد العامة والتعهد بوقف استجرار التمويل من البنك المركزي، يلفت المسؤول إلى تعذر النفاذ إلى أسواق الدين الدولية نتيجة إقدام الحكومة السابقة على تعليق دفع مستحقات سندات اليوروبوندز في ربيع العام 2020. وهي وقائع تنبهت إليها الحكومة في خطة التعافي، حيث استخلصت أن «جميع ما نحصل عليه من تمويل تقريبا سيكون من المصادر الدولية الرسمية دعماً لبرنامج استدامة الديون وتمديد آجالها. وبحسب وكالة التصنيف الدولية «موديز»، فإن اتفاق التمويل الخارجي مشروط بإعادة هيكلة شاملة للدين الخارجي للبنان، والذي يتضمن ديناً بالعملة الأجنبية يقارب نحو 38 مليار دولار، مما يفرض مشاركة كافية من الدائنين لتأمين استدامة للدين. لكن و«نظراً لسجل لبنان السابق الضعيف بتطبيق إصلاحات، فإن الاتفاق المفترض مع صندوق النقد قبل الانتخابات النيابية والرئاسية سيمثل استجابة من المؤسسات المالية الدولية لحاجة لبنان الملحة لمساعدات خارجية لوقف التدهور الاقتصادي والاجتماعي».
وتوضح الوكالة أن المساعدات المالية الخارجية سوف تحفز لبنان على إنجاز تقدم لناحية اعتماد مبادرات إصلاحية مهمة. لكنها تؤكد في المقابل، بأن أي تحسين في تصنيف لبنان يعتمد على ركائز أساسية لديناميكيات الدين العام، كالعودة إلى حالة النمو الاقتصادي، والحصول على التمويل، والقدرة على تسجيل فائض أولي في الموازنة والمحافظة عليه، والتي من شأنها أن تحافظ على استدامة الدين ويمكن أن تعيد للبلاد القدرة على الوصول إلى أسواق المال العالمية.
وفي المقابل، تضمنت خطة الحكومة التزاما باستدامة مسار الدين العام، والعزم على خفض كتلته إلى ما دون 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2026 وإلى 76 في المائة من بحلول العام 2032، وسيتحقق ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات منها ضبط أوضاع المالية العامة، ووضع سياسات تعزيز النمو والإصلاح المالي وإعادة هيكلة الدين. فيما يلفت التباين الصريح بين الالتزام بتخفيض الاحتياجات التمويلية الإجمالية إلى متوسط يبلغ حده الأقصى 10 في المائة من الناتج المحلي، وبين الإقرار الرسمي بعدم قدرة لبنان على الوصول إلى أسواق المال العالمية، بحيث «سيكون جميع ما نحصل عليه من تمويل تقريباً من المصادر الدولية الرسمية».
ومن الإشارات الملتبسة، وفقا للمسؤول المالي، إقرار الحكومة بأن تحقيق أهداف الدين العام يتطلب إعادة هيكلة سندات «اليوروبوندز»، والإفصاح عن نيتها التواصل مع الدائنين لبدء مناقشات إعادة الهيكلة بطريقة منظمة. فالتوجه في هذا السياق يجيء متأخرا نحو سنتين بالتمام من تعهد مماثل أطلقته الحكومة السابقة، وما تقترحه الحكومة بشأن توزيع الخسائر يشي بسيناريو لا يقل وطأة عن الأحمال التي ستلقى على عاتق المودعين والمصارف. فقد قدرت وكالة «موديز» أن الخسائر على حاملي سندات اليوروبوندز ستتخطى نسبة 65 في المائة من قيمتها الاسمية، فيما تشير ترجيحات من قبل بنوك دولية إلى اقتطاع لن يقل عن 70 في المائة مع خفض دراماتيكي للعوائد المستحقة واللاحقة وتمديد طويل الآجال لعمليات السداد.
وتقر الحكومة بأن استعادة الملاءة المالية تعد أولوية ملحة لتعزيز الثقة في الدولة وتقديم الخدمات الحيوية العامة، بعد سنوات عديدة من العجز الكبير، وضعف الإيرادات، والهدر والإفراط في الإنفاق، وتضخيم الدين العام إلى مستويات غير مستدامة، وقد أصبح جزء منه الآن ضمن المتأخرات على الحكومة بعد عجزها عن السداد.
وتستهدف الاستراتيجية المالية على المديين المتوسط والطويل، وضع الدين على مسار تراجعي من خلال إدخال تعديلات مالية تدريجية تصحبها إصلاحات دائمة واستراتيجية لإعادة هيكلة الديون. وستتركز الجهود المتعلقة بالإيرادات على إعادة بناء قدرة تحصيل الضرائب ورسوم الجمارك من خلال تعزيز الإدارة وتحسين الامتثال الضريبي. وبالإضافة إلى ذلك، سيتم تقييم التعرفة الجمركية على الواردات بسعر الصرف الرسمي الموحد الجديد وباستحداث عدة رسوم، بحيث تتم تغطية العجز المستهدف في موازنة الدولة من التمويل المتاح خارجياً، نظرا لاستبعاد التمويل المحلي بسبب مواطن الضعف الحالية وهشاشة القطاع المصرفي.
لكن يشوب هذه التوجهات تحديد اقتراحات عملية وذات صدقية. فالخطة، بحسب المسؤول المالي، ترتكز أساسا إلى تنصل الدولة عن موجبات الاقتراض الذي تسبب بتوسع الفجوة المالية التي قدرتها بنحو 60 مليار دولار لدى البنك المركزي، كما تخلو من أي مضمون مطمئن يهدف إلى سد منافذ الهدر والفساد في إدارة مؤسساتة القطاع العام وأملاك الدولة وأصولها ورفع كفاءة استثمارها. كذلك تحاذر خطط الحكومة، ومن دون مسوغ قانوني أو سبب مقنع، التطرق إلى الثروات الكامنة وفي مقدمها ثروة النفط والغاز في المياه الإقليمية، فضلاً عن تغييب اقتراحات متاحة لاستثمار مخزون الذهب البالغ حاليا نحو 18 مليار دولار.



سقوط بشار يشعل معارك «سوشيالية» مع «الإخوان» في مصر

مقر «الإخوان» محترقاً في القاهرة صيف 2013 (غيتي)
مقر «الإخوان» محترقاً في القاهرة صيف 2013 (غيتي)
TT

سقوط بشار يشعل معارك «سوشيالية» مع «الإخوان» في مصر

مقر «الإخوان» محترقاً في القاهرة صيف 2013 (غيتي)
مقر «الإخوان» محترقاً في القاهرة صيف 2013 (غيتي)

مع سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، اشتعلت على ساحة مواقع التواصل الاجتماعي، معارك مصرية بين فريقين أحدهما ينتمي إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، المصنفة «إرهابية» رسمياً منذ نحو عقد، يزعم إمكانية تكرار السيناريو السوري في البلاد، وآخر يقوده إعلاميون وبرلمانيون مصريون، استبعدوا بشكل قاطع تكرار الأنموذج السوري في بلدهم، بالإشارة إلى الدعم الشعبي الكبير الذي يحظى به كل من النظام والجيش المصري، عادّين أنه «الضامن لاستقرار البلاد وحمايتها من أي تهديدات».

«المعركة السوشيالية» مع «الإخوان» كان أحد أسلحتها «الرد المباشر» على المزاعم التي يروجها عناصر الجماعة أو من المحسوبين عليها. فمع دعوة محمد محسوب، وزير الشؤون القانونية الأسبق في عهد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، إلى «إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء القوائم الإرهابية»، وفق زعمه، في تغريدة على منصة «إكس»، قام عضو مجلس النواب المصري، محمود بدر، بالرد قائلاً: «مش قادر يقتنع إن الشعب المصري رماهم في مزبلة التاريخ بإرادته الحرة، وأن الجيش الوطني المصري رفض كل الضغوط الأميركية وغير الأميركية عشان استمرارهم وتمكينهم».

ورحل مرسي عقب مظاهرات شعبية حاشدة في 30 يونيو (حزيران) 2013، بعد عام من حكم «الإخوان» للبلاد، أعقبها محاكمات قضائية للرئيس الأسبق والمئات من قادة وعناصر الجماعة «المحظورة» بتهم تتعلق معظمها بممارسة «العنف والتحريض والتخابر».

وبرّر البعض استحالة تكرار السيناريو السوري في مصر، بالتأكيد على أن الظروف التي أدت إلى اندلاع الأحداث في سوريا تختلف تماماً عن الظروف الحالية في مصر، مراهنين على الوعي الشعبي، ومؤكدين أن الشعب المصري أكثر وعياً بالمخاطر التي تهدد استقرار البلاد، وأنه لن يسمح بتكرار تجربة الفوضى.

وقال الكاتب والمدون المصري، لؤي الخطيب، عبر صفحته على «إكس»: «طبعاً كل من الإخوان والمطاريد وداعمي الدواعش من امبارح بيدندنوا على نغمة امتى النموذج السوري الملهم يتكرر في مصر... امتى نلاقي السجون بتتفتح والفوضى تعم الأرجاء ويتبخر الجيش المصري فتزهزه معانا».

وشدّد آخرون على الإجراءات الأمنية التي تتبعها السلطات المصرية، مؤكدين على أن الأجهزة الأمنية المصرية تتخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمواجهة أي محاولات لزعزعة الأمن والاستقرار.

وقال الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، على منصة «إكس»: «من يتآمرون على الجيش ويتعمدون الإساءة إليه لا يختلفون عن (داعش) والنصرة... هؤلاء خونة الأوطان في كل مكان».

جبهة أخرى من المعارك «السوشيالية» فُتحت مع الإعلان عن تكليف محمد البشير بتولي رئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى أول مارس (آذار) 2025، وذلك بعد اتهامات بأنه «صاحب ميول إخوانية».

وروج ناشطون مقطع فيديو للبشير، وهو يستند إلى مقولة لمؤسس «الإخوان» حسن البنا. واستدعى ناشطون مصريون اسم هشام قنديل، رئيس وزراء مصر في عهد «الإخوان»، للتشبيه بينه وبين البشير، حيث راج هاشتاغ (#هشام_قنديل) وظل متصدراً لـ«التريند» خلال الساعات الماضية.

وحذّر الإعلامي المصري، أحمد موسى، من أن يتم «أخونة سوريا»، لافتاً إلى أن «البشير هو تكرار لتجربة محمد مرسي، وأخونة الدولة المصرية ومفاصلها ومؤسساتها».

واتفق كثير من التفاعلات على «الهاشتاغ» على أن البشير هو «هشام قنديل النسخة السورية».

كما أشار البعض إلى أن «التاريخ يعيد نفسه في كل الدول العربية».

بالتوازي اندلعت حرب كلامية بين مغردين مصريين وبين أنصار جماعة «الإخوان»، كون الطرف الأخير يأمل في إمكانية تكرار السيناريو السوري في مصر، حيث حذّر رواد «السوشيال ميديا» من مخططات «الإخوان».

وأعلن مغردون عن دعمهم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في ظل ما يتطلع إليه «الإخوان» بعودة الهاربين خارج البلاد إلى مصر على غرار دخولهم دمشق، محذرين مصر من فتن «الإخوان».

وقارن آخرون بين التجربة السورية والتجربة المصرية، لافتين إلى تنظيم «الإخوان» الدولي ما زال منتعشاً، ولديه قدرات سياسية ومالية وإعلامية هي التي استهدفت سوريا ومصر الفترة الماضية.

واستدعى نشطاء ذكر الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك، الذي تم تداول اسمه في عدد كبير من التغريدات، حيث ثمّن أصحابها «حفاظ مبارك على مصر وعلى أرضها، وعدم هروبه خارج البلاد» مثل بشار، رغم الإطاحة به عقب مظاهرات 25 يناير (كانون الثاني) 2011.