تقرير حقوقي: القضاء الإسرائيلي يمارس «الأبرتهايد» بحق الفلسطينيين

الفلسطيني البريء يفضل الاعتراف بذنب على خوض محاكمة عسكرية

TT

تقرير حقوقي: القضاء الإسرائيلي يمارس «الأبرتهايد» بحق الفلسطينيين

أصدر مركز حرية التعبير والاحتجاج في إسرائيل، تقريراً حول نشاط المحاكم العسكرية التي تحاكم الفلسطينيين بتهم «أمنية»، قال فيها إن آلية العمل المتبعة، لا تحرمهم فقط من العدالة، بل تدير سياسة «أبرتهايد» واضحة تتنكر فيها لميثاق جنيف، وتجعل المتهمين الفلسطينيين الأبرياء، يعترفون بذنوب لم يقترفوها حتى يرتاحوا من عذاب السجن الطويل ومعاناة الظهور في المحاكم.
وكشف التقرير، الذي نشر على صدر الصفحة الأولى من صحيفة «هآرتس»، أمس الأحد، أنه في الفترة ما بين مطلع عام 2018 وحتى أبريل (نيسان) من عام 2021، تم إنهاء 99.6 في المائة من الملفات القضائية التي وجهت فيها لوائح اتهام، بصفقة بين النيابة والدفاع، يعترف فيها المتهم بالتهمة مقابل صدور حكم متفق عليه، مع العلم المسبق بأن المتهم بريء ولم يرتكب أي مخالفة. وأشار التقرير إلى أن المتهمين في حالات كثيرة يكونون من الأطفال والفتية، «الذين يسعى أهاليهم لتقليص فترة السجن عليهم قدر الإمكان، فلا يجدون بداً من إقناع أبنائهم بالاعتراف».
وأوضحت الباحثة في شؤون المحاكم العسكرية الإسرائيلية د. سمدار بن نتان، أن «مدة الاعتقال للإنسان البريء يمكن أن تكون أطول من مدة الحكم الصادر بحقه في هذه المحكمة. ولذلك يكون من الأجدى له أن يعترف بالتهمة رغم أنه بريء منها تماماً». وجاءت هذه الاستنتاجات بوضوح في تقرير مركز حرية التعبير والاحتجاج، الذي يضم عدة منظمات شريكة، هي: «جمعية حقوق المواطن (مشروع دوكو - رايتس)، مركز عدالة القانوني، اللجنة الجماهيرية ضد التعذيب، مركز تمورا، صندوق المدافعين عن حقوق الإنسان ومنتدى التعايش في النقب».
ورصد المركز حجماً كبيراً من ملفات القضاء الاحتلالية خلال الأعوام من 2015 وحتى 2021، بمعدل 4500 قضية في السنة. ووجد أن اعتراف الفلسطيني أمام المحكمة العسكرية الإسرائيلية بذنب لم يقترفه، بات ظاهرة وليس حوادث عابرة. وأكدت أن الدافع هو مسيرة المعاناة التي يمر بها الفلسطيني، منذ اعتقاله والتحقيق معه وممارسة التعذيب بحقه والضغوط النفسية والجسدية على اختلافها، حتى المثول أمام القاضي، الذي يكون عادة محامياً تعينه النيابة العسكرية «ليحكم بالعدل» بينها وبين المواطنين الواقعين تحت سلطة الاحتلال.
المعروف أن جهاز القضاء العسكري في إسرائيل، الذي يعمل في المناطق المحتلة، تأسس في مطلع سنوات الخمسين من القرن الماضي لمحاكمة العرب في إسرائيل، الذين فرض عليهم حكم عسكري من عام 1948 وحتى 1966، وعندما تم الاحتلال الإسرائيلي للمناطق العربية عام 1967 (سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة)، كان الجيش الإسرائيلي مستعداً لبناء جهاز قضائي عسكري في المناطق المحتلة. وتبين أن الخطة التفصيلية لبناء هذا الجهاز كانت حاضرة منذ عام 1963، وعملياً قام المدعي العسكري العام بدخول الأراضي المحتلة مباشرة مع جيش الاحتلال، وكان برفقة كل وحدة عسكرية مستشار قانوني وقاضيان عسكريان ونائبان عسكريان وطاقم إداري. وقام القائد العسكري مباشرة في 7 - 6 – 1967، بإصدار 3 إعلانات عسكرية، الأول يتعلق بسيطرة القائد العسكري على المناطق المحتلة من ناحية الإدارة والأمن والنظام العام، والثاني الذي يرتب أمر إقامة جهاز قضائي عسكري مباشرة بعد الاحتلال، والمنشور الثالث يتعلق بسريان الأمر بشأن تعليمات الأمن (منطقة الضفة الغربية) (رقم 3) 1967، وهذا الأمر رتب الإجراءات القانونية أمام المحاكم العسكرية، وعرّف الجرائم والعقوبات التي يجب أن تُلقى على المخالفين للأمر.
ومع بداية الاحتلال، اعترفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بانطباق اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب على الأرض المحتلة. لكنها سرعان ما تراجعت وبدأت بإصدار تشريعات عسكرية، هي «الأوامر العسكرية» التي طالت كافة جوانب الحياة في الأرض المحتلة، ولم تقتصر فقط على الأمور المتعلقة بالوفاء بالتزامات دولة الاحتلال بموجب القانون الدولي، ولكنها تطرقت للعديد من المواضيع التي لها علاقة بالحياة المدنية وبطريقة تكفل مصالح الاحتلال وكأنه دائم للأبد، كالأوامر المتعلقة بملكية الأرض وبناء المنازل، وبالصحة والتعليم، وغيرها، وأصدرت قوات الاحتلال ما يزيد عن 1700 أمر عسكري خلال سنوات الاحتلال. ويعتبر نظام القضاء الخاص بالفلسطينيين، مختلفاً تماماً عن نظام القضاء المتبع لدى الإسرائيليين، بشكل لا يترك مجالاً للشك، في أن هناك فصلاً عنصرياً في هذا المجال.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».