أحزاب في السلطة تسعى لتفكيك لوائح المعارضة في عكار

انسحابات «غير مبررة» طال بعضها المرشحين العلويين

TT

أحزاب في السلطة تسعى لتفكيك لوائح المعارضة في عكار

لا تتردد أحزاب في السلطة باعتماد أساليب الترغيب والإغراءات المالية في دوائر انتخابية، ومنها دائرة الشمال الأولى (عكار)، حيث تعمل ليل نهار على سحب مرشحي المعارضة، أو ما يُعرف بـ«لوائح الثورة» المنبثقة عن انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 والتي تشكل تحدياً حقيقياً لها.
وسجلت الأيام الماضية حالات انسحاب من «لوائح الثورة» في عكار، دون أن يقدم المنسحبون مبرراً لذلك، في وقت وضعت مصادر معنية بانتخابات عكار هذه الخطوات في سياقين، الأول في إطار إغراءات مالية كبيرة لمرشحين أقوياء لإخراجهم من السباق وفرط لوائحهم، والثاني تهديدات أمنية للممتنعين عن العزوف عن خوض المعركة، وهذا ما تجلى ببعض الحالات النافرة في لائحة «عكار تنتفض» التي يرأسها العميد المتقاعد خالد ضاهر والتي تواجه محاولات تفكيكها دون توقف.
ويعترف العميد خالد ضاهر بـ«ممارسة ضغوط كبيرة على مرشحين في لائحته للانسحاب وفرط عقد اللائحة». وكشف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «(حزب الله) وحلفاءه في الحزب القومي السوري الاجتماعي وحزب البعث الموالين للنظام السوري نجحوا في إقناع المرشح العلوي على اللائحة نزار إبراهيم بالانسحاب لصالح لائحة العونيين وحلفاء (حزب الله)، وهذا ما حصل مع لوائح أخرى». وقال ضاهر: «هذا الفريق يحاول أولاً منع وجود أي مرشح علوي عند المعارضة، لضمان كامل الأصوات العلوية التي تبلغ حدود الخمسة آلاف صوت، لتصب بكاملها للائحة الموالية للنظام السوري». وأقر بأن لوائح الثورة «تشهد بدورها تصدعات خصوصاً في غياب التمويل، وهذا ما يسهم بإقناع مرشحين بالانسحاب مقابل إغراءات مالية كبيرة».
أما مرشح «التيار الوطني الحر» عن المقعد الماروني في عكار جيمي جبور، فلم يخف هذه الوقائع، إذ اعتبر أن حظوظه تتقدم على النائب الحالي هادي حبيش (كان في عداد كتلة نواب «المستقبل»)، وقال جبور في تصريح: «في انتخابات 2018 فاز حبيش بأصوات السنة الموالين لتيار (المستقبل)، أما الآن فإنا أتفوق عليه بأصوات المسيحيين، وعندي تأييد سني لا بأس به وكل هذه العوامل تصب لصالحي».
ولتعزيز حظوظ المرشح جبور وقطع الطريق على وصول نواب من المجتمع المدني في عكار، تتواصل مساعي فريق السلطة لتقويض هذه المجموعات في الأيام التي تفصل عن موعد فتح صناديق الاقتراع، وتؤكد مصادر ميدانية في عكار معنية بمسار الاستحقاق الانتخابي، أن «جهوداً كبيرة تبذل الآن لإقناع المرشح محمد المسلماني، وهو ابن بلدة البيرة، بالانسحاب من المعركة كونه يشكل رأس حربة ما يسمى «ثوار عكار». وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن المسلماني الذي يعد من أبرز أعضاء لائحة «عكار تنتفض»، هو حفيد رئيس بلدية البيرة محمد وهبة (ابن ابنته) المنتمي إلى حزب البعث، والأخير يدعم علناً المرشح العوني جيمي جبور في هذه المعركة، مشيرة إلى أن «مهمة إقناع المسلماني بالانسحاب أوكلت إلى جده، وإذا تحقق هذا الانسحاب يعني أن لائحته باتت خارج السباق، لأنها تبقى بثلاثة مرشحين وهذا العدد يفقدها الحق بالاستمرار بالمعركة».
ويشير رئيس لائحة «عكار تنتفض» خالد ضاهر إلى أن «الانسحابات دائماً ما تكون مشروطة بتجيير أصوات المنسحب لمرشحي (التيار الوطني الحر)، لتعويض ضعف قواعدهم الشعبية في عكار وضمان فوز مرشحي التيار (هما النائب الحالي أسعد درغام عن المقعد الأرثوذكسي، والمرشح جيمي جبور عن المقعد الماروني)»، لافتاً إلى «المقعد الماروني في عكار بات معركة حياة أو موت للتيار وحلفائه.
ويتمثل أبرز دلالات انسحاب المرشحين العلويين بإعلان انسحاباتهم المتتالية من مقر المجلس الإسلامي العلوي، لإضفاء رمزية لهذا الانسحاب، وإظهار الولاء المطلق لنظام بشار الأسد وحلفائه في لبنان وعلى رأسهم «حزب الله»، كما تعول لائحة الثامن من آذار، وفق المصادر الميدانية على «الصوت العلوي والناخبين اللبنانيين المقيمين في سوريا، والذين يتوافدون إلى لبنان في موسم الانتخاب بإيعاز من المخابرات السورية».
من جهته، يؤكد المحامي فواز زكريا، أن «ثمة قراراً اتخذ من قبل (حزب الله) والتيار العوني وحلفائهما لتصفية المعارضة في عكار، ومنع وصول أي من الحركات التغييرية إلى المجلس النيابي». ورأى زكريا (أحد المرشحين على لائحة «عكار التغيير» الذي آثر الخروج لضمان وحدة اللائحة)، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ممارسة الضغط على مرشحي المعارضة للانسحاب يهدف إلى فرط عقد الثورة، وإحداث شرخ فيما بينها بعد مرحلة الانتخابات، خصوصاً أن المنسحبين يرفضون تقديم مبرراتهم». وأشار إلى أن «آخر محطات هذه الانسحابات تمثلت بخروج المرشحتين وفاء جميل (المرشحة عن المقعد الأرثوذكسي، وهي ابنة شقيقة مسؤول الحزب القومي السوري في عكار) وجنان حمدان (المرشحة عن المقعد العلوي) اللتين لم تعطيا أي أسباب مقنعة للانسحاب». وشدد زكريا على «وجود خطة ممنهجة لفرط الثورة، وإخراج مرشحيها من اللوائح إما عبر التهديد الأمني أو عبر الإغراءات المالية».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.