«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي 3

3 أفلام في اليوم الأول كلها عائلية حتى أغربها شأنًا

«اختنا الصغيرة» للمخرج الياباني هيروكازو كوريدا ({الشرق الأوسط})  -  حكاية الحكايات اخراج الايطالي ماتيو غاروني  ({الشرق الأوسط})
«اختنا الصغيرة» للمخرج الياباني هيروكازو كوريدا ({الشرق الأوسط}) - حكاية الحكايات اخراج الايطالي ماتيو غاروني ({الشرق الأوسط})
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي 3

«اختنا الصغيرة» للمخرج الياباني هيروكازو كوريدا ({الشرق الأوسط})  -  حكاية الحكايات اخراج الايطالي ماتيو غاروني  ({الشرق الأوسط})
«اختنا الصغيرة» للمخرج الياباني هيروكازو كوريدا ({الشرق الأوسط}) - حكاية الحكايات اخراج الايطالي ماتيو غاروني ({الشرق الأوسط})

من الطبيعي أن يحاول مهرجان «كان» دعم صناعة الفيلم الفرنسي فيختار عددا منها في المسابقة وعددا آخر خارجها وينتقي، ما بين عام وآخر، فيلما فرنسيا للافتتاح أو آخر للختام. المشكلة هي أن هذا الاختيار مرتبط بشبكة علاقات تجارية كون فيلم الافتتاح، بصرف النظر عن هويته، بات تمهيدا لعرض الفيلم في اليوم التالي.
«رأس مرفوع» هو اختيار «كان» هذا العام وقد عرض يوم أول من أمس (الأربعاء) مرّتين، مرّة في الصباح للنقاد والصحافيين ومرّة في العرض الرسمي للضيوف والسينمائيين. وهو واحد من ثلاثة أفلام عرضت في هذا اليوم الأول و- رغم كل الجهد المبذول فيه - أضعفها.
يبدأ «رأس مرفوع» وبطله مالوني في السادسة من العمر. هاهي أمه تأخذه من يده إلى مكتب قاضية شؤون الأحداث فلورنس (كاثرين دينوف). من البداية ندرك أن الصبي مصاب بعارض عاطفي - نفسي يجعله يميل إلى الشراسة في التصرّفات، وفي سياق الفيلم سيتأكد لنا ذلك، فهو لا يتحمّل السُلطة. يريد الخروج عنها ولا يهاب ذلك. يتابع الفيلم عشر سنوات من حياة مالوني نراه فيها يترعرع على عدائه ذلك منحرفا نحو جرائم السرقة. لا نعرف ما الذي حدث له فعليا لكي يصبح أكثر حدّة وعدائية من ذي قبل، لكننا نرى القاضية فلورنس وهي تحاول مساعدته أكثر من مناسبة. مالوني الصغير نما أعوج السلوك ويبدو أنه لن يستطيع الاستقامة مطلقا.
يرمي الفيلم لنقد الأم لكنه نقد مظهري لا أجوبة عميقة فيه. كل شيء هو هكذا لأنه مقدّم على هذا النحو وليس لأن الأحداث تؤول إليه. في النهاية، وبعد أن يصبح الشاب أبا هناك أمل جديد، لكن مالوني لا يزال الشخصية المحورية التي لا يريد الفيلم تقديمها على نحو يساعد على فهمها بل يكتفي بعرض ما هي عليه.
تلتقط المخرجة إيمانويل بيركو خيطا من خيوط الإخراج الواقعي المنتشرة هذه الأيام، ما يقضي بأن تخصص أكثر من نصف ساعة في البداية خلال المقابلة الأولى التي تتم بين القاضية والصبي وأمه. هذا بالتالي يفرض حوارا لا ينتهي تستقبله مثل ضربات كرة المضرب وهي تنهال عليك. وهو أيضا معمول بمنوال إخراج تلفزيوني كمثل حال أفلام فرنسية كثيرة تتساءل خلالها ما إذا كان مخرجوها لا يفعلون شيئا سوى مشاهدة المسلسلات بين الفيلم الذي يحققونه والآخر.
نعومة فائقة
المخرج الياباني هيروكازو كوريدا كان قدّم في مسابقة 2013 فيلما عنوانه «الابن كالأب» لاقى استحسانا وجائزة لجنة التحكيم. الآن يباشر مهرجان «كان» أفلام المسابقة بفيلم كوريدا الجديد «أختنا الصغيرة» وهذا الناقد يفضل فيلمه السابق على هذا بمراحل.
كلاهما (وفيلما كوريدا الأول والثاني «لا أحد يعرف» و«أتمنى») دار في رحى العائلة الواحدة. في الفيلم السابق تم استبدال طفل بطفل خلال الولادة في المستشفى فنشأ ابن الفقراء مع عائلة ثرية، وابنها نشأ كابن العائلة الأخرى ولا أحد يكتشف الحقيقة إلا من بعد أن تجاوز كل صبي عشر سنوات من عمره. الآن على الصبيين، بعدما تم كشف الحقيقة، تبادل مواقع، لكن كيف سيتسنّى لهما ذلك وكيف ستتصرّف كل عائلة وهي أودعت ولدها الأول كل حبها؟
هناك، في ذلك الفيلم، قدر من النزاع. ماء يغلي ولو برقّة وأسئلة تحض على الإجابات. هذا كله غير متوفر في فيلمه الجديد «أختنا الصغيرة».
بعد تأسيس المشهد الأول (إحدى الشقيقات تستيقظ على دقات المنبّه) يبدأ الفيلم بالشقيقات الثلاث ساشي (هاروكا أياسي) وهي الأكبر سنا ويوشيرو (ماسامي ناغاواسا) وشيكا (كاهو) يتلقين نبأ وفاة والدهن الذي لم يرينه منذ سنوات. يحضرن التأبين حيث يلتقين هنا بفتاة صغيرة هي نصف شقيقة اسمها سوزو (سوزو هيروسي). الجميع يتآخى جيّدا والشقيقات الثلاث يرحبن بسوزو إذا ما أرادت العيش معهن. وهي توافق وينطلق الفيلم من هنا في رحلة من المشاهد المتكررة والناعمة والمظللة بمقطوعات بيانو من تلك التي تذكرك بأن الفيلم عاطفي حالم وعليك أن تستقبله على هذا النحو.
في الحقيقة هو عاطفي جدا وناعم جدا وبلا نتوءات ويفتقد إلى أي صراع. معظم الحقائق حول العائلة الأكبر (الأم والأب اللذان كانا تطلقا) معبّر عنها حواريا. ومعظم ما يدور على الشاشة مع الفتيات الشقيقات هادئ وكاميرا المخرج تستقبلهن في لقطات متكررة الحجم والزوايا. الدراما ذاتها منتفية والذي يحل في مكانها هو متابعة أقرب لأن تكون سياحية حول الحياة السعيدة (رغم بعض الصعوبات) لشقيقات تجاوزن بعض الحدّة في علاقتهن بالماضي.

* فانتازيا داكنة
المخرج الإيطالي ماتيو غاروني، مثل هيروكازو كوريدا، بات من زبائن «كان» منذ سنوات قليلة عندما قدّم، وبنجاح فيلمه «غومورا» سنة 2008. ذلك الفيلم غاص في واقعية المجتمع في مدينة نابولي حيث أزقة الجريمة وعصابات المافيا المعاصرة. هنا، في فيلم جديد عنوانه «حكاية الحكايات»، ينتقل 180 درجة من تلك الواقعية إلى الفانتازيا ولو أن الفيلمين يرسمان ظلالا داكنة واحدة حول شخصياتهما.
«حكاية الحكايات» يتضمن ثلاث قصص تدور كلها في زمن غابر (القرن السابع عشر) وفي ثلاث ممالك غابرة. الحكاية الأولى تدور حول الملكة (سلمى حايك) التي لم تنجب بعد وزوجها المتفاني (جون س رايلي) الذي يركض وراءها وهو يناديها «حبي». ذات يوم يدخل عجوز يخبرهما بأن الملكة تستطيع أن تحمل وتنجب إذا ما أكلت قلب تنين قابع في قاع النهر. على الملك نفسه أن يصطاده وهو يتسلح بحربة وخوذة ويغوص ويجد التنين نائما. يغرز الحربة فيه لكن التنين قبل أن يموت يضرب الملك فيقتله. القلب كبير جدّا والملكة تجلس بعد طبخه تأكله بيديها في لقطة منفرة. وإذ تفعل تحبل وتنجب في يوم واحد (خدمة إكسبرس) وابنها يترعرع لكنه يصادق ابن الخادمة الذي يشبهه كثيرا. تحاول الملكة التفريق بينهما لكن ذلك يحتاج إلى سحر آخر.
الحكاية الثانية هي لملك آخر (توبي جونز) لديه ابنة رومانسية تطلب من والدها أن يختار لها العريس المناسب. تريد أن تحب وتشعر بأنها محبوبة. لكن الأب مشغول عنها بتلك الذبابة التي حطت على يده فأخذها إلى جناحه وربطها إلى موديل عربة صغيرة فبدأت بسحبها. بعد زمن قصير ها هي الذبابة كبرت وأصبحت على شكل وحش والملك متيّم بها. حين تموت يقيم مسابقة: سيزوّج ابنته لمن يعرف مصدر جلد الوحش بعد سلخه. من بين كل الطامحين هناك وحش بشري مخيف الهيئة يعرف وتؤول الفتاة غصبا عنها للزواج به. ستهرب. سيلحق بها. ستقطع رأسه.
الحكاية الثالثة هي لملك آخر (فنسنت كاسل) لا نهاية لملذاته النسائية يتزوّج فتاة بدت له أجمل النساء. لكنها في الحقيقة ما هي سوى المرأة العجوز التي تسللت إلى فراشه ليلا واكتشف حقيقتها صباحا. المرأة المسحورة لديها شقيقة مثلها تريد أن تفرض نفسها على القصر وتخسر… ثم نرى شقيقتها التي أصبحت زوجة الملكة وهي تلاحظ أن بشرتها تعود إلى تجاعيدها السابقة.
في كل حكاية (كما في الفيلمين الآخرين المذكورين) هناك قصّة عائلية. يستفيد الفيلم من أماكن تصويره الغريبة ومن فانتازيا تقع في أزمنة غابرة وتحافظ على غرابتها ضمن السياق أيضا. لكن الفيلم ينتهي وأنت لا زلت تبحث عن مفاد ما. الحكايات ذاتها ليست مسرودة على نحو متوالي، بل يقطع المخرج بينها في انسيابية صحيحة (فعل الشيء نفسه في «غومورا». هناك تمثيل يتراوح من ضعيف (سلمى حايك) إلى جيد (بيبي كايف في دور الفتاة الأميرة). الفيلم بالإنجليزية ما يخلق تفاوتا في الإلقاء فهو لاتيني اللهجة عند سلمى حايك وفرنسي اللهجة مع فنسنت كاسل ثم بريطاني مع معظم الباقين.



شاشة الناقد: دراما نسوية

من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)
من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)
TT

شاشة الناقد: دراما نسوية

من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)
من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

الفستان الأبيض ‫★★★⭐︎‬

* إخراج: جيلان عوف

‫* دراما مجتمعية | مصر (2024)‬

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية. حتى الفيلم الذي ما زال النقاد حولنا يُعدّونه «أبو الواقعية» وهو «سارقو الدراجة» لڤيتوريو دي سيكا ليس واقعياً بالتجسيد الكامل. لديه حسّ واقعي وممثلون غير محترفين ومشاهد مصوّرة في الشوارع، لكن فيه قصٌ وتركيب وإطلاق عنان لحكاية.

لذا، فإن اتهام «الفستان الأبيض» بأنه فيلم غير واقعي ليس صحيحاً لأن مخرجته جيلان عوف لم تقصد تقديم هذا النوع من الأفلام. لو قصدت لفشلت تبعاً لما نراه. «الفستان الأبيض» أول وقبل كل شيء حكاية تقصد أن تنتقد حالات ناتجة عن حكاية خيالية. فتاة اسمها وردة (ياسمين رئيس) ستتزوّج في اليوم التالي لكن فستان الزفاف احترق صباحاً. هي وابنة خالتها بسمة (أسماء جلال) تنطلقان لشراء أو - على الأقل - استئجار فستان بديل. الرحلة تستمر طوال النهار ولساعة متأخرة من الليل من دون نتيجة. العراقيل متعددة، إما الأسعار عالية لا يمكن لفتاة من الطبقة الفقيرة تحمّلها أو هناك خلاف على الفستان يؤدي لمغادرة المكان بلا نتيجة، أو عندما تنجح وردة بمعاونة ابنة خالتها بسمة وصديقتها (إنجي أبو السعود) بالحصول على فستان مناسب تتعرض الفتيات لهيجان شوارعي بشع من شباب لا يحملون أي أخلاق. يتحرشون بهن ويخطفون الفستان ويدوسونه. الأمر يصل بوردة إلى التفكير بسرقة فستان، لكن شكراً لوالدتها (الجيدة سلوى محمد علي) استطاعت أن تنقذ الموقف في النهاية.

للفيلم حسنات عديدة. الحكاية نفسها جيدة الحبكة والتعرّض لواقع مجتمعي هو ليس الواقع الوحيد لكنه من لحمته. في مشاهد كثيرة تصوّر المخرجة شباباً بلا روادع أخلاقية يعيشون حياتهم بلهو مصطنع ويستمعون ويرقصون على أغاني لا فن أو معنى لها. للأسف تلجأ المخرجة في نهاية الفيلم إلى واحدة من تلك الأغنيات الشعبية التي كانت تنتقدها. ربما مضطرة لأن الأغنية هنا تعبيرٌ عن حفل الزفاف المقبل.

هناك ملامح إنسانية عديدة تبرز من ثنايا العلاقات النُّسوية كما من النقاشات بين وردة وخطيبها عصام (أحمد خالد صالح)، وتصوير متطوّر وسهل السياق من عمر أبو دومة، وتمثيل جيد من الجميع كبرت أدوارهم أم صغرت.

* عروض مهرجان البحر الأحمر.

Moon ‫★★‬

* كوردوين أيوب

‫* دراما مجتمعية | النمسا (2024)‬

دراما نسوية أخرى في شكل فيلم مختلف حققته المخرجة النمساوية (ذات الأصل الكردي) كوردوين أيوب في فيلمها الثاني. الأول أنجزته قبل عامين تحت عنوان «شمس»، والمشترك بينهما أنهما عن امرأة شابة ترفض الواقع وتُحارب ما قد يوقفها عن تحقيق استقلاليّتها. لكن الاستقلالية في فيلمها الجديد مسألة غارقة في تضارب ثقافات تقع ضحية فيها ولو لحين.

«قمر» (أولريخ سيدل فيلمز)

بطلتها مدرّبة ملاكمة للنساء. نتعرّف عليها سريعاً في الحلبة وفي البيت والمحيط النمساوي حيث عاشت وحيث تأمّنت حريّتها الشخصية. لا علاقة لمفهومها هذا بحقيقة ملازمة وهي أنها تحاول عبثاً التغلّب عن أحوالها المعيشية. لكن البحث عن مصدر عمل جيد يدفعها لقبول عرض من رجل أردني لديه ثلاث فتيات يريد من المدرّبة سارا (فلورنتين هولزنجر) تدريبهن على الملاكمة وفن الدفاع عن النفس. للغاية تسافر إلى الأردن وتبدأ العمل لتكتشف أن ما ينتظرها غير ما توقّعته. تصبح، رغماً عنها، جزءاً من وضعين واحد ثقافي والآخر يشوبه الغموض كونها تدرك الآن أن تدريباتها (التي ستتوقف بعد حين) ليست سوى أداة لأوضاع سياسية وعائلية غير مستتبة.

هذا فيلم عن الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا، ويمكن القبول بوجهة نظره كون الفوارق الثقافية بين تلك العربية وتلك الأجنبية أكبر من أن تُهضم، من وجهة نظر المخرجة التي ليس من السهل أو المعيب نقضها.

مشكلة هذا الناقد مع الفيلم هي أن الكاميرا المحمولة تقفز إلى الواجهة قبل الحدث وخلالها. ليس هناك سرد متواصل يشبه الاستماع إلى أسطوانة مشروخة. هو فيلم غاضب لأن بطلته غاضبة والمخرجة كذلك. الأسلوب يستعير من أفلام سابقة تعتقد أن عليها فرض طريقة العمل على المُشاهد لكي تنجح في إيصال رسالتها.

* عروض مهرجان ڤيينا

في الصالات

* من المسافة صفر ‫★★★‬ - فيلم تسجيلي مؤلف من 22 فيلماً قصيراً أشرف المخرج رشيد مشهراوي على إنتاجه يدور حول الحياة في غزة المستهدفة.

* The Damned ‫★★★‬ - فيلم رعب يختلف عن سينما هذا النوع يدور حول قرية تعيش لعنة اختياراتها عندما تفيق حائرة على سفينة جانحة.

* Wallace & Gromit: Vengeance Most Fowl ‫★★★★‬ - ينتمي إلى سلسلة «والاس وغروميت» الكرتونية الممتعة. فن التنفيذ بالدمى المتحركة مع فن الحكاية يتكاملان.

* 2073 ‫★★★‬ - نظرة داكنة أخرى على مستقبل الحياة على الأرض حيث السماء ترصد كل نفسٍ، والرافضون للتحوّلات مختبئون تحت الأرض.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز