بماذا يردّ اليمنيون على المشككين في مجلسهم الرئاسي؟

جانب من مشاورات الرياض
جانب من مشاورات الرياض
TT

بماذا يردّ اليمنيون على المشككين في مجلسهم الرئاسي؟

جانب من مشاورات الرياض
جانب من مشاورات الرياض

اختار اليمنيون ترك أي مصالح ضيقة. وقدم كل فريق في مشاورات الرياض برعاية خليجية مطلع أبريل (نيسان) 2022، التنازلات المطلوبة لتوحيد الصف. وكان على رأس أولئك المتنازلين الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر.
بيد أن أصواتاً وصفها يمنيون بـ«النشاز» لم يَرُقْ لها توحد اليمن واليمنيين، وراحت تشكك في دستورية الخطوات.
لم يتفاجأ السياسي اليمني كامل الخوداني، عضو المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، بالأصوات «النشاز» التي هاجمت المجلس الرئاسي، وقال: «لقد تعودنا منها التشكيك في كل خطوة أو جهد يوحد اليمنيين في معركتهم المصيرية في مواجهة المشروع التوسعي الإيراني واستعادة بلدهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية»، متابعاً: «بات من الواضح أن هذه الأصوات تخدم أجندة لا علاقة لها باليمن ولا باليمنيين، بل تعمل لصالح أطراف معروفة لدى الجميع».
تقول المحامية اليمنية هدى الصراري: «بالنسبة للأصوات التي تشكك في دستورية المجلس الرئاسي يجب ألا ننكر أن بقاء مؤسسة الرئاسة كان تحدياً حقيقياً لأي انفراجة للوضع السياسي خصوصاً مع حالة الجمود الذي كان عليه المشهد السياسي، وكان لا بد من تحريك هذا الجمود بعد سبع سنوات من الحرب، فالدستور اليمني أعطى صلاحيات للرئيس من نقل السلطة لنائبه ومع استحالة إجراء أي انتخابات أو انعقاد جلسات لمجلس النواب نتيجة الوضع السياسي المحتدم كان لا بد من هذه القرارات، إضافةً إلى الاستناد إلى المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية والقرارات الأممية التي استند إليها قرار نقل السلطة من هادي للمجلس الرئاسي في إدارة شؤون البلد».
وتذكّر الصراري بأن المجلس الرئاسي «امتلك المشروعية السياسية وحصل على تأييد دولي وإقليمي لإدارة البلاد، في الوضع الذي نحتاج فيه كيمنيين لانفراجة».
الباحث اليمني زيد الذاري لا يرى في سجال مشروعية مجلس القيادة التي يتحدث عنها البعض أي جدوى عملية. ويقول إن اليمن منذ عام 2011 ودخوله المرحلة الانتقالية لانتقال السلطة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والتوافق الداخلي عليها والمشاركة الشاملة في الحوار الوطني والاعتراف الدولي بشرعية السلطة المنبثقة، لا يدع مجالاً للحديث والطعن في أي قرارات تأخذها قيادة الشرعية ومنها تفويض صلاحياتها لمجلس قيادة جاء بناءً على توافق يمني واسع شهدته جلسات المشاورات اليمنية - اليمنية برعاية مجلس التعاون الخليجي، صاحب المبادرة وراعيها والمشارك في تنفيذها. ويتابع: «رغم كل هذا؛ فالأمر من زاوية الواقعية السياسية وبوجود التوافق داخل المنضوين في الشرعية والترحيب والاعتراف الدولي بمجلس القيادة يجعل الأمر منجزاً ومحسوماً وخارج النقاش».
أما سارة العريقي، عضو ائتلاف النساء اليمنيات المستقلات، فتقول: «إن المجلس الرئاسي يستمد شرعيته من الدستور اليمني الذي يعطي أي رئيس الحق في نقل سلطته، وهذا ما تم بالفعل، وأيضاً هذا المجلس قوته من حجم الالتفاف الشعبي حوله، وكذا إجماع كل القوى السياسية، ودعم الأشقاء في تحالف دعم الشرعية في اليمن والدول العربية والإجماع الدولي على تقديم الدعم له، وآخرها بيان مجلس الأمن المؤيد لهذا الانتقال السلس للسلطة، بالإضافة إلى طبيعة الانسجام بين أعضائه ووحدة الهدف للخروج باليمن من الحرب إلى السلام الدائم والاستقرار». وتؤكد أنه يجب ألا يتم إغفال «أن المجلس الرئاسي قام بتدشين أعماله من العاصمة المؤقتة عدن، الأمر الذي سيُكسبه قوة سواء من حيث الالتفاف الشعبي أو من حيث تنفيذ قراراته التي يتطلع لها جميع اليمنيين لترسيخ دور الدولة للقيام بوظائفها لإنهاء معاناة الشعب، والسير بخطى حثيثة للخروج من المأساة التي تشهدها البلاد وتحريرها من الحوثيين سلماً أو حرباً للوصول إلى سلام شامل ودائم وعادل».
من ناحيته، يرى الصحافي اليمني فيصل الشبيبي أنها «ليست المرة الأولى التي يفوّض فيها رئيس دولة شخصاً آخر بصلاحياته، فقد سبقه الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، رحمه الله، حين فوض فيها نائبه حينها عبد ربه منصور هادي بصلاحياته وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المُزمّنة، رغم أنه منتخب من الشعب مباشرةً، وبدوره كلّف الرئيس السابق هادي حينها محمد سالم باسندوه بتشكيل حكومة الوفاق الوطني بعد التوقيع على المبادرة الخليجية مباشرةً».
يقول الشبيبي: «اليوم يتكرر المشهد، بتفويض الرئيس السابق هادي الدكتور رشاد العليمي ومجلس القيادة الرئاسي، ونقل صلاحياته كاملة تفويضاً كاملاً لا رجعة فيه... الأمر الذي حظي بإجماع كبير من السواد الأعظم من أبناء الشعب تجاه مجلس القيادة الرئاسي والذي أضفى عليه شرعية شعبية، كون الشعب اليمني يبحث عن حل يُنهي هذا الصراع ويُعيد الأمن والأمان والاستقرار والسلام إلى اليمن، ويضع حداً للأزمة الإنسانية الكبيرة».
ويرى المحلل السياسي عادل شمسان أن «هناك أصوات نشاز... إلا أنها فشلت ويعلمون أن كل محاولاتهم لم تؤثر على الأمل الذي أصبح حقيقة ويتمسك به كل أبناء الوطن». ويقول شمسان: «إن تلك الأصوات التي فقدت مصالحها وطموحها واستئثارها بالقرار لمرحلة سابقة وتسعى إلى تأليب الرأي العام، اعتمدت في التشكيك على جهل الناس بالقانون ورغم أن الإعلان عن نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي جاء متوافقاً مع الدستور والرئيس المنتخب ونقل جميع صلاحياته وفقاً لما نص عليه الدستور والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المعتمدة كمرجعيات قانونية صادق عليها البرلمان اليمني وكذلك دولياً في قرارات التأييد في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي».



اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
TT

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين اتهمها بتمويل جماعات إرهابية من بينها «بوكو حرام»، التنظيم الإرهابي الذي يخوض حرباً داميةً ضد نيجيريا منذ 2009، قتل فيها عشرات آلاف النيجيريين. في نيجيريا لا صوتَ يعلو اليوم على مطالب التحقيق في مزاعم وصول أموال الوكالة الأميركية إلى «بوكو حرام»، ومحاسبة المتورطين في القضية جميعاً؛ لأن النقاش الذي يدور في الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ أبعاداً خطيرة بعد اتهام شخصيات في الوسط السياسي والمجتمع المدني بأنها متورطة في إيصال أموال الوكالة إلى التنظيم الإرهابي. واتسعت دائرة الجدل ليطرح أسئلة حول خطورة أموال المساعدات الخارجية على الأمن القومي للدول المستفيدة منها، خصوصاً إثر الكلام عن دور سياسي لعبته تمويلات «الوكالة» في خسارة الرئيس النيجيري الأسبق غودلاك جوناثان رئاسيات 2015.

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقَّع الرئيس العائد عدداً من القرارات أو «الأوامر التنفيذية»، التي كان في مقدمها قرار بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية باستثناء تلك المخصَّصة لمصر وإسرائيل. وكانت الذريعة، انتظار التدقيق في نشاطات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» التي ظلت لأكثر من 7 عقود تمثّل وجه الدبلوماسية الناعمة للولايات المتحدة.

ترمب يريد اليوم طيّ حقبة هذه الوكالة، وأسند مهمة تفكيكها إلى الملياردير إيلون ماسك، وزير «كفاءة العمل الحكومي» في فريقه الخاص. ولم يتأخر الأخير في وضع يده على جميع وثائق الوكالة، التي وصفها بأنها «عشٌ للأفكار اليسارية المتطرفة التي تكره أميركا».

هذا النقاشُ ظل أميركياً خالصاً، حتى جاءت تصريحات سكوت بيري، عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، لتخرج به نحو دوائر أبعد. إذ قال الرجل إن 697 مليون دولار أميركي من التمويلات السنوية لـ«الوكالة» تنتهي بحوزة تنظيمات إرهابية، من بينها جماعة «بوكو حرام»، وجماعة «طالبان»، وتنظيم «القاعدة».

تصريحات بيري جاءت خلال جلسة استماع للجنة الفرعية لمراقبة كفاءة الحكومة، تحت عنوان «الحرب على الهدر: القضاء على ظاهرة المدفوعات غير المشروعة والاحتيال». وقال بيري أمام اللجنة: «أموالكم تذهب لتمويل الإرهاب، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية... يجب أن يتوقف هذا فوراً».

وأضاف بيري في حديثه أمام لجنة الاستماع أن الوكالة خصَّصت 136 مليون دولار لبناء 120 مدرسة في باكستان، إلا أنه لم يُعثر على أي دليل يثبتُ تنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك حول مصير هذه الأموال.

علم "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (آ ف ب)

مطالب التحقيق

تصريحات عضو الكونغرس أثارت بطبيعة الحال جدلاً واسعاً في نيجيريا، وحظيت بحيّز واسع من التداول في الصحافة المحلية. وخلال برنامج تلفزيوني على قناة محلية لنقاش تصريحات سكوت بيري، قال علي ندومة، عضو مجلس الشيوخ في نيجيريا عن ولاية بورنو، إن على نيجيريا فتح «تحقيق شامل حول الادعاءات التي تفيد بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تموّل (بوكو حرام)».

وأردف السياسي النيجيري الذي ينحدرُ من بورنو، أكثر ولايات نيجيريا تضرراً من هجمات «بوكو حرام» الإرهابية: «لا يمكنكم القول إنها مجرد مزاعم، الأمر يتجاوز ذلك. ولهذا السبب يتوجَّب على الحكومة النيجيرية، والبرلمان الوطني على وجه الخصوص، التحقيق في هذه الادعاءات والتحقّق من صحتها، لأنها خطيرة للغاية».

ثم تابع ندومة: «هذا التطوّر مقلق للغاية، خصوصاً أن إحدى الجماعات الإرهابية التي ذكرها سكوت بيري هي (بوكو حرام)، التي لم تدمّر شمال شرقي نيجيريا فحسب، بل امتد تأثيرها أيضاً إلى مناطق أخرى من البلاد. تتذكرون أن (بوكو حرام) فجَّرت مقر الشرطة، ومكتب الأمم المتحدة في أبوجا، وكانت الخسائر البشرية هائلة. لذا، يجب أن تكون الحكومة النيجيرية مهتمةً بهذا الأمر».

ومن ثم، أعرب ندومة عن قلقه الكبير حيال هذه المزاعم، لافتاً إلى أن «أجهزة الأمن النيجيرية سبق أن أثارت هذه القضية بشكل غير مباشر مرات عدة»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش النيجيري أخيراً ذكرت أن «دولاً ومنظمات أجنبية» متورطة في تمويل «بوكو حرام». وخلص عضو مجلس الشيوخ النيجيري إلى التأكيد على ضرورة التحقيق في هذه المزاعم، وأن الجميع «كان يتساءل منذ سنوات طويلة عن مصدر تمويل هؤلاء الأشخاص».

قرويون نيجيرون إثر تعرّض قريتهم لإحدى هجمات "بوكو حرام" (آ ب)

المسلمون... و«بوكو حرام»

في الواقع، لأكثر من 15 سنة، دأبت جماعة «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا، وكان السؤال الذي يُطرَحُ بإلحاح من قِبَل الجميع هو: مَن يقف خلف هذا التنظيم الإرهابي؟ ومَن يوفر له التمويل والسلاح... ويمكِّنه من تجنيد آلاف الشباب المحبطين وفاقدي الأمل؟.

طيلة تلك الفترة، كانت أصابع الاتهام توجَّه إلى زمر من المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان شمال نيجيريا، حيث تنشط الجماعة الإرهابية. ولكن مع إثارة الجدل حول مزاعم تمويل «بوكو حرام» عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» أصدرَ «مركز الشؤون العامة للمسلمين» في نيجيريا بياناً يستحضر فيه اتهامات سابقة للمسلمين بتمويل الجماعة.

ولقد طلب «المركز» من البرلمان النيجيري التحقيق في تلك المزاعم، وأعرب رئيسه ديسو كامور، عن «قلقه العميق إزاء هذه الادعاءات»، قبل أن يستحضر «حملة التدقيق والاتهامات الظالمة التي واجهها المسلمون النيجيريون، ومنها التعاطف مع (بوكو حرام)».

وقال كامور: «إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستكشف نفاق أولئك الذين ألقوا باللوم على المجتمعات المسلمة المحلية، بينما كانت جهات خارجية تدعم الإرهابيين». وطالب، بالتالي، السلطات النيجيرية بالتحقيق في المزاعم لأن «النيجيريين يستحقون الشفافية والمساءلة بشأن أي تورّط أجنبي في تمويل الإرهاب على أراضينا».

شكوك كبيرة

من جانبه، ذهب آدامو غاربا، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في نيجيريا، والقيادي في حزب «المؤتمر التقدمي الشامل»، إلى أن «شكوكاً كبيرة» تحوم حول تمويلات الوكالة في نيجيريا، وأعلن تصديقه للادعاءات بأن بعض التمويلات قد تكون بالفعل أسهمت في تسليح «بوكو حرام» و«داعش في غرب أفريقيا».

وادعى غاربا، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الوكالة» أنفقت مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا العام الماضي، وتساءل عن طريقة صرف هذا المبلغ الكبير.

ثم أضاف: «ذكرتُ سابقاً أن (بوكو حرام) و(داعش)، ومختلف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تتلقى أسلحتها عبر جهات أجنبية سرّية تموّلها وتزوّدها بالسلاح. وبعد الكشف عن دور (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، يكفي أن نعرف أنه في العام الماضي وحده، أنفقت الوكالة مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا، فأين ذهب هذا المال؟ هل تعلم ماذا يعني 824 مليون دولار؟ عند تحويله إلى النيرة (العملة النيجيرية)، يساوي 1.3 تريليون نيرة».

واستطرد قائلاً: «هذا يعني أن كل ولاية يمكن أن تحصل على 36 مليار نيرة، ومع ذلك، يزعمون أنهم أنفقوا هذه الأموال على الحدّ من وفيات الأطفال والتعليم، لكن ماذا رأينا؟ لا شيء. متى دخل هذا المال؟ وأين ذهب؟ هذه الأموال تذهب لتمويل (بوكو حرام)، والخاطفين الذين يستخدمونها للقتل وتدمير بلادنا، هذه هي الحقيقة».

قضية باينانس

في سياق موازٍ، بينما يحتدم النقاش في نيجيريا حول اتهام «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بتمويل أنشطة «بوكو حرام»، اتهم فيمي فاني-كايودي، وزير الطيران السابق في نيجيريا، أخيراً، مسؤولاً تنفيذياً في شركة باينانس، أكبر منصة عالمية لتداول العملات الرقمية، بالتورط في إيصال التمويلات إلى الجماعة الإرهابية.

وزعم الوزير السابق إن تيغران غامباريان، المسؤول التنفيذي في شركة «باينانس» كان «أداة» استخدمتها الوكالة لتمويل الجماعة، قبل أن يصف غامباريان بأنه كان «عامل تمكين للإرهاب وأسهم في تخريب اقتصاد نيجيريا».

وللعلم، اعتُقل غامباريان في نيجيريا العام الماضي بعد اتهام السلطات النيجيرية شركة «باينانس» بالتهرب الضريبي، والتورّط في عمليات غسل أموال، بالإضافة إلى المساهمة في إضعاف العملة المحلية «النيرة». إلا أنه أُفرِج عن الرجل؛ بسبب تدهور وضعه الصحي، بينما تشير بعض المصادر إلى أن السلطات النيجيرية تعرَّضت لضغط دبلوماسي أميركي كبير.

وفي آخر تطور للقضية، رفعت نيجيريا دعوى قضائية في الأسبوع قبل الماضي ضد منصة «باينانس»، تطالبها بدفع 79.5 مليار دولار، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عملياتها في البلاد، بالإضافة إلى مليارَي دولار ضرائب متأخرة عن العامين الماضيين.

تمويل دون قصد!

في أي حال، لا يخلو النقاش الدائر في نيجيريا حول العلاقة بين «الوكالة» و«بوكو حرام» من حسابات سياسية ضيقة. ومن الأصوات التي بدت أكثر رصانةً، السفير والخبير الأمني نورين أبايومي موموني، عضو «حزب المؤتمر التقدمي» الحاكم، الذي نشر مقالاً تطرَّق فيه إلى طريقة عمل المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المراجعة، لأنها قد تُموِّل أنشطة إرهابية «دون قصد».

وتابع: «أنا قلق للغاية بشأن الاتهامات الأخيرة» التي تفيد بأن الوكالة قد تكون دعمت الإرهاب دون قصد في نيجيريا ومناطق أخرى من العالم... «هذه الادعاءات تثير تساؤلات جوهرية ليس فقط حول نزاهة المساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً حول تداعياتها الأوسع على الأمن العالمي، والعلاقات الدبلوماسية».

وأضاف أبايومي موموني أن «على الوكالات الدولية العاملة تقديم الدعم الإنساني من دون الإضرار بأمن المجتمعات المستضيفة». ورأى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد «الحاجة الملحة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة في برامج المساعدات الدولية. ومن الضروري أن تعزز وكالات مثل الوكالة الأميركية آليات المتابعة والتقييم والتدقيق؛ لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها ولا يتم تحويلها لدعم التطرف العنيف».

وأوضح أنه «إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تؤدي إلى زيادة التدقيق في سياسات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يستدعي عملية إصلاح جذرية... لأن اتباع نهج شفاف في تمويل المساعدات والالتزام بالمعايير الأخلاقية في تقديم الدعم الإنساني أمران أساسيان. وبالتالي، على الحكومة الأميركية أن تعزز التزامها بمنع تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المساعدات وسيلةً لتحقيق السلام والاستقرار، لا العنف».

المال السياسي

غير أن الاتهامات الموجَّهة إلى «الوكالة» لم تقتصر على تمويل الإرهاب في نيجيريا، بل وصلت إلى أن بعض تمويلاتها أسهمت في التأثير على الانتخابات الرئاسية في البلد الذي يملك الاقتصاد الأكبر في غرب أفريقيا، والذي يبلغ تعداد سكانه نحو ربع مليار نسمة.

إذ كتبت الصحافة المحلية، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «علاقة» ربطت «الوكالة» مع قيادة حملة «أعيدوا فتياتنا» التي أطلقها ناشطون في المجتمع المدني عام 2014 إثر اختطاف «بوكو حرام» مئات الفتيات من بلدة شيبوك في قضية هزَّت الرأي العام العالمي آنذاك. ولقد ادعى ناشطون سياسيون أن الحملة كانت مدعومة سراً من «الوكالة» بهدف الإطاحة بالرئيس النيجيري آنذاك، غودلاك جوناثان، بعد حملة واسعة لتشويه سمعته، ربطه بالفشل، وحمَّلته مسؤولية اختطاف الفتيات والعجز عن تحريرهن، ما فتح الباب واسعاً أمام فوز محمدو بخاري بانتخابات 2015 الرئاسية.

كذلك تعرَّضت الناشطة النيجيرية عائشة يسوفو، التي كانت من أبرز وجوه الحملة، لهجوم حاد على منصة «إكس»، حين طالبها البعض بتقديم تفسير أو اعتذار، لكن الناشطة النيجيرية في ردِّها على هذه الاتهامات، نفت أي علاقة لها أو للحملة بـ«الوكالة» أو أي منظمة دولية أخرى. وقالت في تغريدة مقتضبة: «أنا أعمل مع نيجيريين ملتزمين ببناء أمة عظيمة، بعيداً عن نظريات المؤامرة والتشكيك». لأكثر من 15 سنة دأب تنظيم «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا... وكان السؤال المطروح بإلحاح:

مَن يقف خلفه؟