بعد 14 شهراً من تعيينه مبعوثاً خاصاً لبلاده لدى اليمن، وعند اتفاق الحكومة اليمنية والحوثيين على هدنة ثنائية برعاية أممية، قال المبعوث الأممي تيم ليندركينغ «هذه لحظة حاسمة بالنسبة لليمن، تمنح الأمل والشعور بالفرصة».
كان تصريح المبعوث الذي نشرته «الشرق الأوسط» من الرياض في ذلك اليوم، بمثابة انفراجة بسيطة، لعقدة واحدة من مئات العقد التي تشكل الأزمة اليمنية، التي لا تخفى على المبعوث الأممي الذي قال خلال تلك التصريحات، إن إعلان الهدنة الأخيرة أشاع «طاقة للتجمع هنا»، وأضاف «سأكون حاضراً (لدعم) الشعب اليمني، كما ستكون الولايات المتحدة حاضرة، فالرئيس (الأميركي) أعطى التزاماً لليمن».
لم يمر على حديث المبعوث سوى أيام معدودات حتى خرج اليمن واليمنيون بمجلس قيادة رئاسي يضم رئيساً وسبعة أعضاء، يمثلون مختلف الأطياف السياسية. كان ذلك نتاج مشاورات عقدت في الرياض برعاية خليجية، وتميزت بأنها كانت يمنية - يمنية خالصة، وحظيت بدعم واشنطن التي بعثت بمبعوثها ليكون حاضراً في المنطقة طيلة فترة انعقادها بين 29 مارس (آذار) و7 أبريل (نيسان) 2022.
ويبقى التحدي اليمني ماثلاً أمام ليندركينغ، الذي تقول الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الأميركية، إنه حاصل على درجة الماجستير في التاريخ والعلاقات الدولية من جامعة واشنطن في العام 1989، وعلى درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف من جامعة ويسليان في العام 1985. حصل على جائزة الاستحقاق الرئاسية، وعلى 9 جوائز شرف عليا من وزارة الخارجية، وجائزة الاستحقاق للخدمة المدنية من دائرة الجيش عن خدمته في العراق.
بدأ المبعوث مهمته في الرابع من فبراير (شباط) 2021 مبعوثاً خاصاً، لكنه لم يكن بعيداً عن اليمن؛ إذ شغل سابقاً منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون إيران والعراق وشبه الجزيرة العربية في مكتب الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية.
وسبق للمبعوث زيارة اليمن في مناسبة عدة. كانت إحداها في العام 2019 وقبل توسده منصبه الجديد، حيث زار عدن. كما زار بعد توليه المهمة الجديدة محافظة شبوة، وذلك بعد تحريرها من قِبل قوات العمالقة المسنودة بدعم تحالف دعم الشرعية في اليمن.
وتصفه الخارجية الأميركية بأنه «موظف مهني قديم في السلك الدبلوماسي للخارجية، وشغل سابقاً، منصب نائب رئيس البعثة في سفارة الولايات المتحدة في الرياض، من العام 2013 إلى 2016، كما شغل منصب مدير مكتب باكستان في وزارة الخارجية من العام 2010 إلى 2013».
ومن العام 2008 إلى 2010، أكمل ليندركينغ فترتَي عمل في العاصمة العراقية بغداد. الأولى بصفته كبير مستشاري الديمقراطية في السفارة الأميركية، والأخرى بصفته المستشار السياسي، للقائد العام للقوات متعددة الجنسيات في العراق، الجنرال تشارلز جاكوب. وقبل عمله في العراق، عمل ليندركينغ مستشاراً اقتصادياً ونائب رئيس البعثة بالوكالة، في سفارة الولايات المتحدة في الكويت. كما شغل منصب المستشار السياسي في سفارة أميركا بالرباط من العام 2002 إلى 2006.
وشملت جولات ليندركينغ الأخرى في السلك الدبلوماسي، العمل مساعداً خاصاً لوكيل الوزارة للشؤون السياسية مارك غروسمان، من العام 2001 إلى 2002، ومسؤولاً عن مكتب لبنان من العام 2000 إلى 2001، ومسؤولاً مراقباً في مركز العمليات. كما عمل ليندركينغ أيضاً في دكا، عاصمة بنغلاديش، ودمشق عاصمة سوريا. انضم ليندركينغ إلى السلك الدبلوماسي في العام 1993، بعد أن عمل في مجال اللاجئين، حيث شغل العديد من المناصب مع المنظمات غير الحكومية الأميركية، ومع الأمم المتحدة في نيويورك والسودان وباكستان وأفغانستان وتايلند. وهو ما يعطيه أفضلية في التعامل مع قضايا المنطقة وفهم مشكلاتها؛ الأمر الذي أشار إليه الرئيس بايدن عند تسميته مبعوثاً خاصاً لليمن. وقال «إن تمتعه بخبرة طويلة في المنطقة، ستساهم في تنفيذ مهمته، والعمل مع مبعوث الأمم المتحدة وجميع أطراف النزاع للدفع باتجاه حل دبلوماسي».
إلمام وكفاءة
يقول البراء شيبان، المحلل السياسي عضو مشاورات الرياض اليمنية، إن «المبعوث الأميركي من الشخصيات التي تتمتع حتى من قبل تعيينها بإلمام بالملف اليمني. لقد تعامل مع اليمنيين بشكل كبير، ولديه تجربة في التعامل مع الملف، حتى عندما تلتقيه تجد لديه المعرفة والخبرة».
ويعتقد شيبان أن المبعوث كان أكثر حماسة ونشاطاً عندما بدأ بتسلم الملف؛ إذ عقد كثيراً من اللقاءات، وكان يلتقى حتى مع اليمنيين الموجودين داخل الولايات المتحدة لكن يبدو أن تعاطي الإدارة الأميركية الحالية قيّد من إمكانية تحركه أو المرونة التي كان يبدو أنه سيتحرك من خلالها في حال وجود إدارة أميركية مختلفة، أو على الأقل تعاط أميركي مختلف مع الملف اليمني.
«الكثير من اليمنيين يثنون على تجربتهم معه، خصوصاً لدى عقد نقاشات ولقاءات؛ إذ يتفاعل بشكل منفتح وإيجابي أكثر أحياناً حتى من المبعوثين الأمميين». يضيف المحلل السياسي «ألاحظ أن نشاطه عندما بدأ كان أكبر؛ لأن يدرك أهمية استعادة الدولة ومفهوم استعادة مؤسساتها وإنهاء حال الملشنة (التحول إلى الميليشيات) التي حصلت في اليمن منذ انقلاب الحوثيين على السلطة (في سبتمبر/أيلول 2014). بيد أن تعامل الإدارة الحالية خصوصاً في تعاطيها مع الملف الإيراني، لا سيما من خلال الدور الواضح والكبير للمبعوث الأميركي للملف الإيراني روبرت مالي، أثر بشكل كبير على قدرة المبعوث الأميركي في التعامل مع الملف اليمني، فاضطر إلى التراجع عن مواقف سابقة كثيرة، أبرزها أهمية كسر الحوثيين عسكرياً قبل الوصول إلى السلام. كان خطاب المبعوث قبل تولي هذه المهمة هو أن الضغط العسكري على الجماعة يستطيع إجبارهم على عملية سياسية. ونظرته للحوثيين كانت مختلفة، فقد كان يرى أن الجماعة الحوثية تستجيب للضغط العسكري، لكن بعدما أزالت الإدارة الجديدة الحوثيين من قائمة الإرهاب اضطر ليندركينغ إلى المناورة والتحرك في إطار الإدارة الجديدة. والمحاذير التي وضعتها الإدارة الأميركية واضح أنها قيّدت من قدرته على المناورة وأثرت على طريقة أدائه وتعاطيه مع الملف اليمني».
إيران والحوثيون
رغم عمل ليندركينغ تحت إدارتين، جمهورية وديمقراطية، فإن قدرته على وصف العلاقة الإيرانية - الحوثية ما زالت متقاربة. فقد اتهم ليندركينغ إيران بلعب دور ضار باليمن، بمواصلتها تسليح الحوثيين وتدريبهم وتجهيزهم، وإرسال الأسلحة والمعدات العسكرية وتهريبها لليمن، وذلك في تحدٍ لقرارات مجلس الأمن الدولي. وخلال مقابلة أجراها الموقع الإخباري «ذا وورلد»، أعرب ليندركينغ عن اعتقاده أن ضرر إيران تعدى اليمن إلى استهداف منشآت النفط السعودية، وجزم بأنها لا تلعب دوراً إيجابياً حتى اللحظة، كما ذهب إلى حد اتهامها بأنها «العامل الرئيسي الذي يلعب التأثير الأكثر ضرراً».
وجود الجهات الخارجية والمتمثلة هنا بإيران ضاعف من استحالة الحلول السياسية اليمنية، في ظل تمسك الحوثيين ومن ورائهم طهران بأن تبقى الجماعة ميليشيات لا يمكن أن تنخرط بشكل سياسي وتقاسم بقية اليمنيين السلطة، أو تنقل الصراع من الأسلحة إلى صناديق الانتخابات.
وللمبعوث تصريح شهير حول الشعب الإيراني خلال مقابلة أجراها مع «الشرق الأوسط» في شهر مايو (أيار) عام 2019، حين قال «نتعاطف جداً مع الشعب الإيراني الذي تحكمه قيادات من أمثال قاسم سليماني والحرس الثوري و(فيلق القدس) بالإضافة إلى دعمهم جماعة (حزب الله) في لبنان ونظام الأسد والتدخل في الشأن السياسي اللبناني والعراقي». وكان ذلك التصريح يسبق مقتل القيادي في الحرس الثوري قاسم سليماني بنحو سبعة أشهر.
ولطالما تحاول الإدارة الأميركية أن تفصل بين الملفين اليمني والإيراني، ورغم استحالة ذلك، وحتى إن حاولت واشنطن فعل ذلك، فكثير من اليمنيين يعتقدون بأن إيران لن تفصل الملفين، وستتعامل مع اليمن كورقة تستطيع تحريكها متى ما توافقت مصالحها ومراوغاتها مع الغرب، سواء في محادثات البرنامج النووي الإيراني أو غيرها من التحركات السياسية.
في الحوار ذاته، قال ليندركينغ أيضاً «نرى أن الإيرانيين يلجأون إلى كل السبل لإطالة أمد الحرب. ويجب أن يكون الشعب اليمني في مقدمة أولوياتنا. ويجب أن نفكر في كيفية إنهاء القتال واستعادة الخدمات الحكومية وحل الأزمات الإنسانية في البلاد التي لا يمكن حلها مع استمرار النزاع وعدم الاستقرار».
كما قال المبعوث في مقابلة أخرى مع «الشرق الأوسط» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 «لم نرَ إيران تلعب أي دور إيجابي في اليمن، وقلنا ذلك منذ فترة طويلة، إذا أرادت إيران أن تُظهر أنها يمكن أن تكون جهة فاعلة ومسؤولة، فعليها أن تبدأ بإنهاء تدخلها في الصراع في اليمن».
صعوبات المهمة
يعتقد الدكتور حمزة الكمالي، وكيل وزارة الشباب والرياضة عضو الفريق الحكومي الإعلامي لمشاورات السويد، أن ليندركينغ يتميز بأن لديه فهماً حقيقياً لأزمة اليمن بعيداً عن النظرة القاصرة التي تحصر الملف عند رؤية اليمن بوصفه خطراً أمنياً على الولايات المتحدة ومصالح واشنطن، كما ينظر ليندركينغ لليمن بنظرة اليمنيين «أي أنه لا ينظر إلى جانب الصراع العربي - الإيراني لليمن بقدر ما يقرأ ما يتعلق بمستقبل اليمن على المستوى السياسي والاجتماعي. هذه النظرة وهذه القراءة والقدرة الكبيرة على الاستماع التي يمتلكها المبعوث مكّنته من فهم أكثر للصراع رغم تغير الإدارات الأميركية. ويعد حصوله على ثقة إدارة ديمقراطية ليكمل عمله الذي كان تحت إدارة جمهورية في الملف ذاته، دليلاً على كفاءته».
ومن البديهي – كما يقول الكمالي - أن يواجه المبعوث صعوبة في الملف اليمني بسبب تغير الإدارة الأميركية، ومن وجهة نظر يمنية «نعتقد بأن هناك عشوائية في اتخاذ القرار الأميركي قد تكون أثرت على أداء المبعوث، سواء الكونغرس أو وزارة الخارجية التي أعتقد أن وجهة نظر وزير الخارجية تسطع فيها بموازاة ملفات أخرى في المنطقة».
النقطة الأخرى التي أوردها البراء شيبان، تتمثل في القيود التي يعمل في ظلها المبعوث الأميركي «فهناك أولوية واضحة للإدارة الأميركية، وهي عقد صفقة اتفاق نووي مع إيران». ويقول، إن هذه الأولوية تعني أن الحماسة التي بدأ بها ليندركينغ باتت الآن أقل مما كانت عندما تولى مهامه. كذلك، كان لحال الفتور التي صاحبت العلاقة الأميركية - الخليجية، أثر واضح على جهود ليندركينغ.
بالنسبة للحال الراهنة والمستقبل، يذهب شيبان إلى أن ليندركينغ يحاول إيجاد منفذ لتغيير تعاطي الإدارة الأميركية مع الملف اليمني، حتى يستطيع القيام بخطوات تختلف عن التعاطي الحالي، وإذا تغير ذلك التعاطي سيمتلك المبعوث أوراق ضغط، ومشكلة المبعوث الحالية هي افتقاده أي أوراق ضغط أو تأثير على الجماعة الحوثية، والسبب الرئيسي باعتقادي هو أن إدارته لا تخدمه في هذه المرحلة، ولكن في حال تغيّر التعاطي - وهو ما قد يحصل في المستقبل القريب - فإن ذلك سيمنح المبعوث الأميركي أدوات ضغط تمكنه من القيام بدور الوسيط بشكل أفضل مما هو الحال في الوضع الراهن.
أما حمزة الكمالي، فيتصور أن تمكين ليندركينغ بشكل أكثر فيما يتعلق بالقرار الأميركي في اليمن سينجم عنه «حلحلة أكبر على الصعيدين السياسي والعسكري»، مضيفاً «أرى أن فهم ليندركينغ يجعله صاحب رؤية لليمن، سواء بقى في منصبه أم لم يبق، فهو من أبرز السياسيين الأميركيين القلائل الذين يفهمون اليمن. إدراك المبعوث للأبعاد الاجتماعية والمكونات اليمنية، ولقاءاته مع الجاليات اليمنية في الخارج، كل ذلك يؤكد عمق نظرة الرجل للمجتمع اليمني، وهذا ما ينعكس بشكل لا إرادي على رؤيته ومقاربته للملف اليمني».