67 عامًا على النكبة ولا يزال حلم العودة هو الأصعب والأبعد

الفلسطينيون يحتفظون بمفاتيح منازلهم القديمة للتأكيد على أن هذا الحق لن يسقط بالتقادم

فلسطيني يتأمل ملصق حول الذكرى الـ67 للنكبة (أ.ف.ب)
فلسطيني يتأمل ملصق حول الذكرى الـ67 للنكبة (أ.ف.ب)
TT

67 عامًا على النكبة ولا يزال حلم العودة هو الأصعب والأبعد

فلسطيني يتأمل ملصق حول الذكرى الـ67 للنكبة (أ.ف.ب)
فلسطيني يتأمل ملصق حول الذكرى الـ67 للنكبة (أ.ف.ب)

لم تقبل الحاجة عائشة عودة (85 عاما) مغادرة مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين في بيت لحم، منذ دخلته هاربة من جحيم الاحتلال قبل 67 عاما، وتقول إنها لن تبرح المخيم إلا إلى قريتها الأصلية «السِفلة»، أو إلى القبر.
وتعيش الحاجة عائشة على هذا الحلم منذ عقود طويلة، وهو حلم أدركت مع الأيام أنه سيستحيل في حياتها، لكنها تمني النفس بأن تدفن يوما هناك. وقال حفيدها رائد عودة، لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تعيد علينا يوميا ذكرياتها مع القرية، وتطلب منا أن ندفنها هناك ولو بعد حين».
وبينما يحيي الفلسطينيون الذكرى الـ67 لتشريدهم من قراهم الأصلية، أعادت الحاجة عائشة الطلب نفسه. وقال عودة «إنها تتذكر تفاصيل التفاصيل، الشوارع والحارات والبيوت والجيران والأصدقاء وكل يوم عاشته هناك». وحتى بعدما أتعب المرض جسد عائشة وأنهكها، لم تنس تفاصيل الحياة في قريتها.
والعودة إلى القرية هي الحلم الأصعب لدى ملايين الفلسطينيين في الوطن والشتات. وأصبح عدد الفلسطينيين الآن نحو 6.1 مليون نسمة، وهو رقم يشير إلى مضاعفتهم بنحو 9 مرات عما كانوا عليه إبان النكبة.
ولم تقبل عائشة مغادرة المخيم على الإطلاق إيمانا منها بأنها ستعود يوما. وعندما أخرجها أبناؤها من المخيم المزدحم، وأجبروها على المغادرة إلى مدينة قريبة في منزل كبير ورحب وجميل، بخلاف الذي لجأت إليه وهي صغيرة، أفاقوا في اليوم التالي ولم يجدوها. كانت عائشة عادت مشيا على الأقدام، منذ الفجر، إلى المخيم الذي ترى فيها خيمتها الأخيرة.
ويحفظ أهالي الدهيشة مثل غيرهم من أهالي المخيمات وأينما وجد الفلسطينيون أسماء قراهم واحدة واحدة. وتحمل الشوارع في المخيمات تحديدا أسماء كثير من القرى التي هجروا منها: «زكريا، بيت عطاب، علار، رأس أبو عمار، المسمية، المجدل، بيت جبرين، عجور»، وعشرات القرى الأخرى.
ويحيي الفلسطينيون اليوم الذكرى الـ67 للنكبة بمسيرات واسعة في مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. وبدأت هذه المسيرات منذ يومين، ورفع خلالها المتظاهرون العلم الفلسطيني ومفاتيح منازلهم في القرى المهجرة، في إشارة إلى التمسك بحق العودة وشعارات تؤكد على أن هذا الحق لن يسقط بالتقادم.
وعلى مدار ثلاثة أيام خرج الفلسطينيون في مسيرات في كل مدينة ومخيم وقرية يهتفون لحق العودة. وبشكل لافت رُفعت الأعلام السوداء فوق المنازل وعلى جنبات الشوارع. ويفترض أن يكون الفلسطينيون قد اتشحوا بالسواد اليوم، وتوقفوا عن الحركة تماما مع منتصف النهار، لمدة 67 ثانية، تطلق خلالها صفارات الإنذار في كل مكان معلنة الحداد على البلاد التي ضاعت.
وأطلق نشطاء فلسطينيون حملات مختلفة، من بينها حملة «48 النكبة - 67 النكسة.. مقاومة تغيّر المعادلات». كما أقام ناشطون خياما في مراكز المدن الفلسطينية، تشتمل على صور من أيام النكبة وأدوات نادرة وقديمة.
وقال مسؤولون فلسطينيون إن حق العودة لن يضيع. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين، زكريا الأغا «شعبنا لن ينسى مهما طال الزمن». وقال الناطق باسم كتائب القسام التابعة لحماس، أبو عبيدة، إن الفلسطينيين وبعد 67 عاما من نكبة فلسطين باتوا إلى العودة والتحرير أقرب. وأكد المجلس الوطني الفلسطيني على «تمسك شعبنا بحقوقه الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى مدنهم، وقراهم، وأراضيهم، التي هجروا منها قسرا عام 1948».
وحاول فلسطينيون زيارة القرى المهجرة، لكن الجيش الإسرائيلي منعهم من التقدم. ونجح محتجون في الوصول إلى منطقة «عين الحنية» في قرية الولجة غرب بيت لحم، والتي هجر سكانها في عام 1948، وتظاهروا مطالبين بالعودة إلى منازلهم. ويحتفظ أبو صبري زبون (88 عاما) بمفتاح بيته وشفرة حلاقته منذ خرج من علار قبل 67 عاما، هاربا عند صلاة الفجر مما وصفه دعاية التخويف ودب الرعب. وقال أبو صبري، الذي وقف قرب المنازل المهجرة في عين الحنية، لـ«الشرق الأوسط»: «مش حرام أصحاب هذه البيوت أصحاب المكان والأرض يسكنون في مخيمات، ويعيش اليهود في أجمل البلاد؟!».
وشهد أبو صبري معارك بين قوات عربية عراقية والجيش الإسرائيلي، وبين مقاتلين فلسطينيين والجيش الإسرائيلي، وقال إنه لن ينساها أبدا لأنها دبت في نفسه الأمل، قبل أن تتحول الكفة لصالح الإسرائيليين.
ويؤمن أبو صبري، مثل كثيرين من أبناء جيله، بنظرية المؤامرة على البلاد. وقال «لو بقيت المعارك قائمة لما احتلونا أبدا». والبلاد بالنسبة لأبو صبري هي علار، ولا شيء آخر. وهو يقول: «إحنا هنا مش عايشين، مش بشر، هذه مش بلادنا».
وجرب أبو صبري كل أنواع الخوف والجوع والمرض وهو يهجر بلده، ولم ينس قط ما عاناه، لكن منذ سنوات طويلة توقف عن تربية الأمل بأنه سيعود يوما. وقال: «القصة معقدة، سنعود حتما لكن لست أنا، ربما أحفادي، أو جيل بعد ذلك».
وجل ما يتطلع إليه أبو صبري اليوم هو زيارة أخيرة لقريته القريبة من القدس: «أريد أن أشم هواء البلاد، أن أحضنها، أمسك ترابها.. أشم ترابها، وبعدها أموت».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.