صراعات خفية غرب العراقية تمهد لتصدعات في «إنقاذ وطن»

TT

صراعات خفية غرب العراقية تمهد لتصدعات في «إنقاذ وطن»

بعد أقل من أسبوعين على عودة السياسي السني العراقي البارز وزير المالية السابق رافع العيساوي وإطلاق سراحه بعد إغلاق قضايا سبق اتهامه فيها، عاد إلى بغداد، وبصورة مفاجئة أول من أمس، أحد أبرز شيوخ محافظة الأنبار المثيرين للجدل علي حاتم السليمان.
وكان العيساوي الذي اختلف مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؛ الأمر الذي أدى إلى اعتقال حمايته ومن ثم توجيه تهم لهم بالإرهاب، نفى أن يكون متهماً بأي قضية فساد مالي أو إداري. وبما أن اعتقال حمايته أدى إلى اندلاع مظاهرات في قضاء الفلوجة الذي ينتمي إليه العيساوي، والذي كان سبباً مباشراً في انطلاق المظاهرات الكبرى في محافظة الأنبار وامتداداها إلى بقية المحافظات الغربية أواخر العام 2012 وطيلة العام 2013، فقد تعقدت قضية العيساوي على الرغم مما بذل من محاولات لتبرئته.
وحال العيساوي من حيث الاتهام، بكونه أحد داعمي المظاهرات في المحافظات الغربية التي رفعت شعار «قادمون يا بغداد»، لا يختلف عن حال السليمان الذي اتهم بكونه أحد قادة تلك المظاهرات، والتي أدت فيما بعد إلى سيطرة تنظيم «داعش» عليها، بعد رفض الحكومة العراقية آنذاك تنفيذ المطالب التي كانت مشروعة، حتى باعتراف من أرسلتهم الحكومة وقتذاك للتفاوض مع قادة المظاهرات.
وبعد الانتهاء من الحرب على تنظيم «داعش» وتحرير المدن والمحافظات الغربية، برزت قيادات جديدة لقيادة المكون السني، كان الأبرز فيها بعد العام 2014 محمد الحلبوسي الذي دخل إلى البرلمان للمرة الأولى خلال دورة عام 2014 ليصبح في العام 2018 رئيساً للبرلمان. ومن ثم أعيد انتخابه في الدورة الخامسة الحالية.
غير أن انضمام الحلبوسي وشريكه خميس الخنجر إلى تحالف الصدر الثلاثي، والذي تسبب بتمزيق البيت الشيعي بين «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي»، أعاد خصوماً أقوياء لكل من الحلبوسي والخنجر عبر تسهيلات من الفاعل السياسي الشيعي؛ وذلك من خلال تسوية قضاياهم السياسية. وهو ما يمكن أن يخلق العديد من المشاكل داخل المحافظات الغربية على النفوذ والسيطرة.
وكانت محافظة الأنبار شهدت مؤخراً صراعاً من نوع آخر لشخصية من داخل الأنبار، لكنها مقربة من بعض قيادات «الإطار التنسيقي»، وهو سطام أبو ريشة، نجل قائد الصحوات السابق عبد الستار أبو ريشة الذي حاولت قوة من بغداد اعتقاله، لكنها فشلت بسبب وقوف قيادات من الفصائل المسلحة معه. وكان أبو ريشة أعلن في بيان معارضته لما عدّه انفراد الحلبوسي في الأنبار.
وفي هذا السياق، يقول الباحث العراقي فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «اعتكاف الصدر لم يكن مناورة سياسية مثلما يرى بعض المراقبين، وإنما هو خطأ تكتيكي جديد يضاف إلى الأخطاء الأخرى. إذ إنه فسح المجال أمام الإطار التنسيقي ليساهم في توطيد العلاقات مع القوى السياسية الأخرى، وبخاصة بعض أطراف التحالف الثلاثي الذي شكّله الصدر، وفي المقدمة منه تحالف السيادة السني». ومن ضمن المحاولات التي أريد منها إضعاف تحالف «إنقاذ وطن» - لا سيما بعد فشله على مدى ثلاث جلسات برلمانية في إكمال نصاب ثلثي مقاعد البرلمان لتمرير مرشحه لمنصب رئيس الجمهورية مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد - الضغط على الحزب وزعيمه مسعود بارزاني كي يتراجع عن استكمال الصفقة مع زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر. كذلك التحرك على جهة تحالف السيادة السني الذي يضم رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ورجل الأعمال خميس الخنجر الذي كان حتى وقت قريب خصماً للحلبوسي ومن ثم أصبح حليفاً بعد ظهورهما معاً مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وطبقاً لما تراه الأوساط السياسية العراقية المختلفة، فإن الضغط على بارزاني اتخذ مظاهر عدة، منها إقصاء مرشحه السابق والقوي لرئاسة الجمهورية وزير الخارجية السابق هوشيار زيباري بقرار من المحكمة الاتحادية، وإصدار المحكمة الاتحادية ذاتها قراراً بشأن عدم دستورية بيع إقليم كردستان للنفط؛ وهو ما أضعف موقف بارزاني كثيراً. يضاف إلى قيام إيران بقصف أربيل بـ12 صاروخاً بحجة وجود مقر للموساد الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن حملة الضغوط هذه لم تؤثر ظاهراً على موقف بارزاني، لكنها بدت في غاية الصعوبة وبدأت تؤدي إلى تصدعات داخل التحالف الثلاثي والتي عمّقها أكثر اعتكاف الصدر.
سنياً، فإن التحالف الذي جمع الخصمين القديمين الحلبوسي والخنجر والذي انضم إلى تحالف الصدر بهدف تشكيل حكومة أغلبية وطنية، تحول إلى هدف بالنسبة لقوى «الإطار التنسيقي» الشيعي التي وجدت أن هذا التحالف، ومعه الحزب الكردي، كانا هما السبب في تمزيق البيت الشيعي. وهو ما أدى إلى ممارسة العديد من الضغوط، لا سيما في المحافظات الغربية، حيث الكثير من الأوراق والملفات مضمومة في الأدراج تنظر تحريكها قضائياً وسياسياً، لكن في الوقت المناسب.
وفي هذا السياق، جاءت عودة العيساوي بعد إطفاء القضايا التي كانت تلاحقه، ومن بينها قضايا تتعلق بالنزاهة. ومن بعده، جاءت عودة الشيخ علي حاتم السليمان والتي يراد منها، مثلما يراها المراقبون السياسيون، التأثير على فرص الحلبوسي في زعامة المكون السني.
وبالعودة إلى الباحث العراقي فرهاد علاء بشأن طريقة استهداف تحالف السيادة السني بزعامة الحلبوسي والخنجر، يقول علاء الدين «إن تحالف السيادة كان أول من استهدفه الإطار التنسيقي وبدأ بالضغط على الدول الإقليمية الداعمة له. والتسريبات في أروقة المحادثات تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة أوعزت إلى تحالف السيادة ببدء إجراء حوار مع الإطار. وقد أجرى رئيس مجلس النواب ورئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي لقاءات مطولة وموسعة غير معلنة مع قادة الإطار الأسبوع الماضي. وقال قيادي في الإطار التنسيقي إن الحلبوسي أبلغنا بأنه بات يقف على مسافة واحدة مع الإطار والتيار، وأنه لن يمضي في مشروع إكمال تشكيل الحكومة من دون اتفاق بين التيار والإطار. وأكد هذا التوجه قيادي في تحالف تقدم وقال، إنهم باتوا أقرب إلى الإطار من التيار».
وطبقاً لذلك؛ فإنه في الوقت الذي دخل فيه تحالف «إنقاذ وطن»، مثلما يرى علاء الدين، «في نفق لا يمكنه الخروج منه إلا بعد عودة زعيم التيار الصدري إلى الساحة السياسية»، فإن خصومه في قوى «الإطار التنسيقي» حققوا جزءاً من أهدافهم في تحييد حلفائهم الكرد والسنة تمهيداً لتفكيك التحالفات السياسية وإعادة رسم الخريطة السياسية من جديد بعد عطلة عيد الفطر المبارك.



مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في سلطنة عمان، الاثنين، ملفَ التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية، وارتباط ذلك بشكل مباشر بأمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أشار عبد العاطي إلى «تأثير تصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر على مصر، بشكل خاص، في ضوء تراجع إيرادات قناة السويس».

وأدى تصعيد جماعة «الحوثيين» في اليمن لهجماتها على السفن المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بداعي التضامن مع الفلسطينيين في غزة، إلى تغيير شركات الشحن العالمية الكبرى مسارها من البحر الأحمر، واضطرت إلى تحويل مسار السفن إلى طرق بديلة منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي (2022 - 2023)، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي (2023 - 2024)، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وخلال لقاء الوزير عبد العاطي مع فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، أشار إلى تقدير مصر الكبير للقيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق، وللدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد عبد العاطي أهمية التعاون المشترك لتعزيز الأمن العربي، وحرص مصر على التنسيق والتشاور مع السلطنة لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على عدة جبهات.

وطبقاً للبيان، تناول اللقاء مناقشة عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها القضية الفلسطينية واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والجهود المصرية لاحتواء التصعيد في المنطقة، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، كما تم تبادل الرؤى حول الأوضاع في سوريا واليمن والسودان وليبيا.

وخلال لقائه مع بدر البوسعيدي، وزير خارجية سلطنة عُمان، في إطار زيارته الرسمية إلى مسقط، ناقش عبد العاطي مجمل العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك حيال القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك.

مباحثات سياسية بين وزير الخارجية المصري ونظيره العماني (الخارجية المصرية)

تناول الوزيران، حسب البيان المصري، أطر التعاون الثنائي القائمة، وسبل تعزيز مسار العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان، والارتقاء بها إلى آفاق أوسع تنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين.

وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مسقط، في يونيو (حزيران) 2022، بينما زار السلطان هيثم بن طارق القاهرة في مايو (أيار) 2023.

وأكد الوزيران على أهمية التحضير لعقد الدورة السادسة عشرة للجنة المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من عام 2025، لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.

وشدد عبد العاطي على الأهمية التي توليها مصر لتطوير وتعزيز علاقاتها مع سلطنة عُمان، مشيداً بالعلاقات الوطيدة والتاريخية التي تجمع بين البلدين. وأشار إلى الاهتمام الخاص الذي توليه مصر للتعاون مع أشقائها في الدول العربية في مجال جذب الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، مستعرضاً برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الجاري تطبيقه في مصر، والخطوات التي تم اتخاذها لتهيئة المناخ الاستثماري وتوفير الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية.

كما أشار إلى أهمية العمل على تعزيز التعاون بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بـالدقم، وكذلك الربط البحري بين ميناءي «الدقم» و«صلالة»، والموانئ المصرية مثل ميناء الإسكندرية وميناء العين السخنة وغيرهما، بما يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويساهم في تعميق التعاون بينهما في مجالات النقل الملاحي والتخزين اللوجستي، في ضوء ما تتمتع به مصر وعُمان من موقع جغرافي متميز يشرف على ممرات ملاحية ومضايق بحرية استراتيجية.

وفيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية في ظل التحديات المتواترة التي تشهدها المنطقة، ناقش الوزيران، وفق البيان المصري، التطورات في سوريا، والحرب في غزة، وكذلك الأوضاع في ليبيا ولبنان، وتطورات الأزمة اليمنية وجهود التوصل لحل سياسي شامل، وحالة التوتر والتصعيد في البحر الأحمر التي تؤثر بشكل مباشر على أمن الدول المشاطئة له، كما تطرق النقاش إلى الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي والتطورات في السودان والصومال.

وأكد البيان أن اللقاء عكس رؤيةً مشتركةً بين الوزيرين للعديد من التحديات التي تواجه المنطقة، وكيفية مواجهتها، وأكدا على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين والحرص على تكثيف التشاور والتنسيق بشأن مختلف القضايا، كما اتفق الوزيران على تبادل تأييد الترشيحات في المحافل الإقليمية والدولية.