«فزاعة الحقل» في وجه الصدر بنصيحة إيرانية

(تحليل إخباري)

TT

«فزاعة الحقل» في وجه الصدر بنصيحة إيرانية

خلال الساعات الماضية، كان الجميع في «تحالف السيادة»، بزعامة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، يحمل هاتفه الجوال، يتفحص الرسائل الخاصة، ويجري اتصالات «عاجلة» للتأكد من أن التحالف لا يزال متماسكاً.
وكان إعلان علي حاتم السليمان، أحد الزعامات القبلية في محافظة الأنبار، عودته إلى بغداد، بمثابة تنبيه لتحالف الأغلبية بأن «الإطار التنسيقي» أعاد تفعيل مسار قديم باستقطاب شخصيات سُنّية مثيرة للجدل لتغيير المعادلة وإنهاء الانسداد. لم يكن أحد في «تحالف السيادة» يشك في أن قرار الإفراج عن العيساوي وعودة السليمان حدثان منفصلان.
قال نائب في «التحالف»، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن تحريك «جنود قدامى على الرقعة تكتيك قديم جرى استخدامه في انتخابات 2104». ومع أن الحالة مختلفة الآن؛ فإن النائب يثق بأن «(الإطار) لن يتوقف عن الضغط».
«السليمان يتناول السحور مع زعيم (ائتلاف دولة القانون)»، هذا ما رددته المصادر ونشره المدونون فجر أمس الخميس، وبدا الأمر ثقيلاً في مكاتب «تحالف السيادة»، حتى بعد أن تبرع مدير مكتب المالكي بنفي مقتضب للقاء، داعياً إلى «أخذ المعلومة من مصادرها».
وبدا أن «الإطار التنسيقي» يمارس «حيلاً نفسية» على زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر؛ منها إثبات أن حلفاءه غير قادرين على التماسك بمجرد أن تظهر «الفزاعة في حقولهم»، وأنه لن يجد أحداً هناك ينتظره بعد انتهاء مهلة اعتكافه الشهر المقبل.
والحال أن الحديث عن تكتيك «الجنود القدامى» الذي كان فعالاً عام 2014 يتزامن مع ما تؤكده مصادر عراقية بأن صاحب الفكرة هو السفير الإيراني السابق حسن دانائي فر، الذي كان فاعلاً في بغداد حين تشكلت حكومتا المالكي والعبادي.
ويبدو أن دانائي عوّض غياب إسماعيل قاآني عن المشهد العراقي؛ هذا الأخير يبدو أنه تلقى تعليمات بترك الملف لمن يستطيع فك الشفرة في بغداد. ومنذ شهر مارس (آذار) الماضي، بدأ سياسيون شيعة يتحدثون أكثر عن دانائي الذي أخبرهم بأنه يحمل «آليات جديدة للعمل».
وبحسب منخرطين في نقاشات «الإطار التنسيقي» فإن خطة دانائي لا تستهدف الضغط على الصدر إلى درجة ذهابه إلى المعارضة، لكنها تريد إخضاعه لنموذج التوافق الشيعي، انطلاقاً من «الكتلة الكبرى».
بهذا المعنى؛ لا قيمة سياسية لتحركات العيساوي والسليمان، سوى أن الغاية منهما استنفار بؤر الانقسام في البيئة السياسية السُنّية... إنها «موجودة وتحت السيطرة»، يقول سياسي سني نافذ.
ومن أجوبة أعضاء في «تحالف السيادة»؛ يبدو أنهم في خضم معادلة حرجة وصعبة؛ إذ إنهم ما داموا يفكرون في خيار الصدر؛ فعليهم البقاء متماسكين، لكن ضغط «الإطار» يسمح لشكوكهم بالتعاظم فيما إذا كان مشروع الأغلبية «قابلاً للعيش».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم