تحليل: بعد «فشلهم» في كييف... ما الاستراتيجية العسكرية لروسيا اليوم؟

جانب من الدمار جراء القصف الروسي على مدينة ماريوبول الأوكرانية (رويترز)
جانب من الدمار جراء القصف الروسي على مدينة ماريوبول الأوكرانية (رويترز)
TT

تحليل: بعد «فشلهم» في كييف... ما الاستراتيجية العسكرية لروسيا اليوم؟

جانب من الدمار جراء القصف الروسي على مدينة ماريوبول الأوكرانية (رويترز)
جانب من الدمار جراء القصف الروسي على مدينة ماريوبول الأوكرانية (رويترز)

مع بدء المرحلة الثانية من الغزو الروسي لأوكرانيا - هجوماً في منطقة دونباس الشرقية - يطرح السؤال حول ما إذا كان الهجوم سيكون أكثر نجاحاً وكفاءة من المرحلة الأولى، وما إذا كان لدى أوكرانيا ما يكفي من القوات والأسلحة لعرقلته أو حتى منعه.
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أول من أمس (الثلاثاء)، إن العملية في دونباس «لحظة مهمة جداً لهذه العملية الخاصة برمتها».
وحسب تقرير نشرته شبكة «سي إن إن»، فإن الهدف الروسي واضح وصريح: تأمين جميع المناطق الشرقية لأوكرانيا في دونيتسك ولوهانسك - التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا منذ عام 2014. والهدف الثاني هو سحق المقاومة المتبقية في مدينة ماريوبول الساحلية لربطها بجسر بري بمنطقة روستوف الروسية في شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا من أوكرانيا قبل ثماني سنوات.
ولهذه الغايات، أعيد تموضع القوات الروسية التي تم نشرها في شمال وشرق كييف، وفي بعض الحالات أعيد تشكيلها بعد تكبدها خسائر فادحة.

اليوم هم - ووحدات أحدث - يتجمعون في أوكرانيا من الشمال الشرقي. يقدر المسؤولون الأميركيون أن روسيا حشدت نحو 78 كتيبة تكتيكية في شرق أوكرانيا - ربما نحو 75 ألف جندي ولا يزال يتم تجميع المزيد في المناطق الحدودية الروسية.
حتى الآن، كانت تكتيكاتهم مستمدة من قواعد اللعبة الروسية: الاستخدام المكثف للمدفعية وأنظمة الصواريخ متبوعاً بتقدم الدروع. تحولت مدن في لوهانسك مثل سيفيرودونيتسك وبوباسنا وروبيجن إلى أنقاض، مع تدمير إمدادات الكهرباء والغاز والمياه فيها.
لكن التقدم الروسي على الأرض كان متواضعاً. قد يكون ذلك نتيجة عدم تخصيص وقت لإعادة التجمع بعد الضربة العسكرية التي تعرضوا لها في فبراير (شباط) ومارس (آذار).
يقول معهد دراسة الحرب إن «القوات الروسية لم تأخذ استراحة من العمليات التي كانت على الأرجح ضرورية لإعادة تشكيل الوحدات المتضررة التي تم سحبها من شمال شرقي أوكرانيا ودمجها بشكل صحيح في العمليات في شرق أوكرانيا».
قدر المسؤولون الأميركيون اليوم أن روسيا فقدت ما يصل إلى 25 في المائة من قوتها النارية القتالية قبل الغزو.

محاصرة دونباس
أشار تحليل «سي إن إن» لصور الأقمار الصناعية وعشرات مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وتصريحات الجانبين إلى أن الروس يحاولون اليوم التقدم على ثلاثة محاور.

وأضاف: «تخيلوا دونباس مربعاً: القوات الروسية موجودة بالفعل على ثلاثة جوانب - تاركة الغرب فقط مفتوحاً أمام الأوكرانيين للتعزيزات والتراجع إذا لزم الأمر».
وتابع: «من الجنوب والشرق، تقدمت الوحدات الروسية بضعة كيلومترات في أحسن الأحوال هذا الشهر. في الجنوب حققوا بالفعل تقدماً ودخلوا منطقة زاباروجيا المجاورة لدونيتسك وهذا الأسبوع بدأوا بقصف القرى داخل المدينة».
وقال: «من الشمال، بعد الاستيلاء على مدينة إيزيوم في بداية هذا الشهر، لم يحرزوا سوى القليل من التقدم».
ولفت إلى أنه «ما هو غير واضح في هذه المرحلة ما إذا كان الروس سيغيرون عتادهم لتنسيق الهجوم بشكل أفضل»، فيما يعتقد المسؤولون الأميركيون أن روسيا لا تزال تجري «عمليات تشكيل... لتعزيز الخدمات اللوجيستية».
ومع ذلك، يقدر معهد دراسة الحرب أنه «من غير المرجح أن يكون الجيش الروسي قد عالج الأسباب الجذرية - ضعف التنسيق، وعدم القدرة على إجراء عمليات عبر البلاد، وانخفاض الروح المعنوية - التي أعاقت الهجمات السابقة».

التكتيكات الأوكرانية
أظهر الأوكرانيون ذكاء في تكتيكاتهم خلال الصراع، حيث تنازلوا عن الأراضي للحفاظ على الموارد ولكنهم استخدموا معرفتهم بالأرض وقدرتهم على الحركة لإلحاق خسائر بالوحدات الروسية.
انسحبت الوحدات الأوكرانية هذا الأسبوع من بلدة كريمينا في منطقة لوهانسك عندما واجهت قوة نيران ساحقة.
اليوم عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيقيمون مواقع دفاعية ثابتة، مما قد يؤدي إلى تدمير الوحدات أو تطويقها في مواجهة المدفعية الروسية والصواريخ والهجوم المدرع. البديل هو الدفاع المتحرك - القتال والانسحاب من التضاريس الأقل حيوية، وضرب الروس وهم يتراجعون ثم يحافظون على خطوطهم في المناطق التي يختارونها.

في الوقت نفسه، سيتطلع الأوكرانيون إلى تعطيل خطوط الإمداد الروسية - مما يؤدي إلى إرباكها وخلق تحد لخدماتها اللوجيستية وللروح المعنوية للجيش الروسي. وقد تكون الروح المعنوية في بعض الوحدات - التي أعيد انتشارها في هجومها الثاني خلال عدة أشهر - هشة.
أحد الأهداف الروسية هو مدينة سلافيانسك، لكن المنطقة المحيطة بها تشمل الغابات والأنهار والمستنقعات - يصعب عبورها وتتطلب معدات متخصصة. عندما يكون الروس مكشوفين على الطرق، كما أصبح واضحاً شمال كييف، فإنهم أكثر عرضة لكل من الطائرات من دون طيار الأوكرانية والصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات.
كما أن الأوكرانيين لا يدافعون فقط؛ في الأيام الأخيرة، حققت وحدات صغيرة مكاسب متواضعة شرق وجنوب خاركيف، مما قد يهدد خطوط الإمداد الروسية. إذا تمكنوا من الحفاظ على هذا، فسيتعين على الروس تكريس وحدات لحماية هذه الخطوط.
هناك بالفعل علامات على أن القوات الخاصة الأوكرانية تعمل خلف الخطوط الروسية: الأسبوع الماضي، تم تفجير جسر بري على طريق رئيسي قادم من روسيا. كما لحقت أضرار بجسر للسكك الحديدية داخل روسيا على حافة بيلغورود. يعتمد الجيش الروسي على السكك الحديدية في معظم عملياته اللوجيستية. في هذا الجانب من المعركة، قد يلعب دعم المخابرات الغربية دوراً حاسماً.
جانب آخر مهم في المعركة القادمة هو الجانب الثقافي. تتمتع الوحدات الأوكرانية ببعض الاستقلالية ويتم تشجيعها على استغلال الفرص في ساحة المعركة. حتى في حالة عدم وجود توجيه أو أوامر واضحة، لديهم الدافع للقتال. على النقيض من ذلك، فإن سلسلة القيادة الروسية جامدة، والثقافة لا تشجع المبادرة الفردية.

ومع ذلك، يواجه الأوكرانيون مخاطر كبيرة. إنهم يقاتلون - بشكل أساسي - داخل صندوق يمكن أن ينغلق إذا نجح الروس في اتجاه واحد أو أكثر. سيتعين عليهم المناورة بذكاء كما فعلوا في أنحاء كييف، والتنبه باستمرار لخطر التعرض للهجوم.
عندما تسقط مدينة ماريوبول، يمكن للروس إعادة توجيه القوات التي كانت مكرسة لهذا الهجوم، لكنها ستكون قد استنفدت، بسبب ما يقرب من شهرين من القتال في المناطق الحضرية.
قبل كل شيء، في سباق مع الزمن، تحتاج أوكرانيا إلى إمداد دائم بالأسلحة والذخيرة، والتي يجب أن يأتي الكثير منها اليوم من خارج البلاد عبر خط إمداد طويل ممكن اعتراضه. إنهم بحاجة إلى المزيد من الأسلحة المضادة للدبابات والدفاعات الجوية المتنقلة.
يجب حماية الهجمات المضادة من الجو لتعطيل الهجوم الروسي.
وقال مسؤول أميركي كبير، أول من أمس، إن واشنطن تعمل «على مدار الساعة» لإيصال أسلحة إلى أوكرانيا بسرعة «غير مسبوقة». سمحت الولايات المتحدة بالفعل بشحن 2.3 مليار دولار من الأسلحة والمعدات لأوكرانيا منذ الغزو.

الهدف: يوم النصر
كان هناك بعض الحديث عن رغبة الكرملين في تحقيق تقدم ملموس بحلول 9 مايو (أيار)، عندما تحتفل روسيا بيوم النصر بمناسبة هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. في ظل معدل التقدم الحالي، يبدو ذلك غير مرجح. السؤال الأكبر هو ما إذا كان هذا الصراع سيمتد إلى الصيف، في حرب استنزاف قاتمة.
سيتعين على الجيش الروسي تبديل الوحدات، والاعتماد على الاحتياطيات المحدودة، للحفاظ على الصراع الذي أصاب بالفعل قواته البرية. سوف تتأثر حساباتها (واستراتيجية الكرملين السياسية) بفاعلية المقاومة الأوكرانية وقدرة الحكومات الغربية على تزويد أوكرانيا بمعدات أكثر وأفضل.

وقال جاك واتلينغ من المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن في كتابه «War on the Rocks”: « لقد وفر التحدي الأوكراني الوقت والفرصة ليس فقط لدرء المزيد من المكاسب الروسية في دونباس، ولكن أيضاً لتشكيل المعركة بعد ذلك. إذا تحرك حلفاء أوكرانيا اليوم، فقد يردعون أو على الأقل يستعدون لهجوم صيفي».
هناك حاجة ملحة لإعادة الإمداد. في الأسبوع الماضي، سمحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بحزمة أمنية أخرى بقيمة 800 مليون دولار، والتي تضمنت رادارات للمدفعية والمضادة للمدفعية. يوم الثلاثاء، أشار الرئيس إلى المزيد قادم.
ستحتاج أوكرانيا إلى معدات هجومية إذا أرادت مهاجمة أي ثغرة أمنية في الخطوط الروسية، وهذا يشمل الدروع الثقيلة (مثل الدبابات الجاهزة للمعركة) بالإضافة إلى مجموعة من الأنظمة الأخرى.
تدرك الحكومات الغربية أن هذه لحظة حاسمة: رفع تكلفة «العملية العسكرية الخاصة» لروسيا إلى الحد الذي لا يمكن لموسكو التحمل فيه. يطالب الأوكرانيون بالحصول على أسلحة أكثر وأفضل. ورغم التفوق العددي الروسي عليهم سوف يحتاجون إلى خفة الحركة والتصميم والتعزيزات لدرء المرحلة الثانية من حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.