«كُتبٌ وكُتاب» لعبد الغفار حسين

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

«كُتبٌ وكُتاب» لعبد الغفار حسين

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر حديثاً لعبد الغفار حسين «كتب وكتاب - قراءات مختارة» عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية.
يحتوي الكتاب على 150 كتاباً استعرضها المؤلف في مختلف الموضوعات، بينها 60 كتاباً لمؤلفين من الإمارات، أي أكثر من ثلث الكتب التي استعرضها المؤلف، وهي دلالة إيجابية على تصاعد حركة التأليف والنشر في الإمارات بشكل متواصل، إلى جانب حركة النشر في مجمل المنطقة العربية.
يقول عبد الغفار حسين في مقدمة كتابه: «أحاول ألا أكون قارئاً عابراً، يقرأ كتاباً ثم يركنه ليتناول آخر، بل حرصت على أن أدوّن ما يعنّ لي من ملاحظات، إذا وقفت على معلومات وآراء للمؤلف تستحق المناقشة، وكنت أنشر ملاحظاتي عن الكتاب المقروء كلما سنحت الفرصة في الجرائد اليومية في الإمارات، ولا سيما الحلقات الرمضانية التي أكتبها منذ أكثر من 20 عاماً في جريدة الخليج».
ولا يكتفي المؤلف باستعراض الكتب أو مراجعتها فقط، بل يضع في مقدمة كل استعراض جديد اسم وصورة مؤلف الكتاب وبعضاً من سيرته الذاتية، وكذلك صورة الغلاف، وفي بعض المراجعات يضع صورة لصفحة الإهداء التي يذيلها المؤلفون بتوقيعهم، والتي تحمل تواريخ مختلفة تُعين القارئ والباحث على معرفة تاريخ نشر الكتاب وأين، وتبدو صفحة الإهداء كوثيقة جميلة لطالما كانت محببة في عالم القراءة؛ حيث يعتز كل قارئ أن في مكتبته كتاباً أُهدي إليه بشكل خاص. وفي ختام كل مراجعة يضع عبد الغفار حسين عنوان المادة التي نشرها آنذاك واسم المطبوعة وتاريخ النشر.
كما احتوى الكتاب على مقدمة كتبها محمد عبيد غباش، جاء فيها: «ينتمي عبد الغفار حسين إلى نوعٍ يتناقص عدده من الكتّاب متعددي الاهتمامات الذين يسعون باستمرار لِنَيل معرفةٍ جديدة، هذه الموسوعية في مقاربة الثقافة لا تراها عند المثقفين الذين ينزع أغلبهم للاحتماء داخل اختصاصٍ ضيّق يشعرون بالراحة بالمكوث فيه، وهم لهذا يجهلون الكثيرَ مما حولهم. وبالتأكيد فإن عبد الغفار حسين ليس من هؤلاء، يندر أن تراه ليس ممسكاً بكتابٍ في يده أو على طاولة عمله، متسلحاً بلغةٍ عربية كلاسيكية تمكّنه من فهْم الكلمات التي توقَّف استخدامها، ولذلك فهو لا يجد عناءً في الإبحار في الكتب العتيقة، وبإجادة للغتين الإنجليزية والفارسية، لا يمر عليه يوم دون أن يتصفح كتاباً صدر حديثاً يكشف أسراراً تاريخية لأول مرة، أو دوريةً تنشر مقالاً في السياسة، أو موقعَ إنترنت يقدم إجابات مهمة في النباتات والزراعة، وهو مستمعٌ صبور لأهل الاختصاص يُصغي ويسأل ويتابع، وهذه الروح المثابِرة والمتشوقة للمعرفة نجدها منتشرةً في هذا الكتاب».
وتشير الصفحات الأخيرة من الكتاب إلى سيرة عبد الغفار حسين المهنية والشخصية والمناصب التي تقلدها ومساهماته في الحياة العامة، والثقافة بشكل خاص، حيث تولى رئاسة اتحاد الكتاب في الإمارات وساهم في تأسيس أول مكتبة عامة بدبي، كما ساهم في تأسيس مجلة أخبار دبي، فضلاً عن مشاركته في تأسيس جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، وتولى رئاسة مجلس أمنائها لمدة 16 عاماً، وغيرها من المساهمات في التأليف والنشر حيث بلغت مؤلفاته 12 كتاباً في مختلف الموضوعات البحثية التوثيقية والإبداعية وغيرها.
كما حفلت الصفحات الأخيرة من الكتاب بشهادات تحت عنوان «قالوا عن عبد الغفار حسين»، تصدرتها عبارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: «عطاءات عبد الغفار حسين تثري الحركة الأدبية». كما نشرت شهادات كل من عبد الله المدني، وبلال البدور، وخلف الحبتور، ود. علي بن تميم، وحنيف القاسم، ود. سعيد حارب، ود. عبد الخالق عبد الله.
الكتاب جاء في 842 صفحة من القطع المتوسط.



كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025
TT

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025

هناك كتب عديدة أحلم بقراءتها في مطلع هذا العام الجديد المبارك. لكني أذكر من بينها كتابين للمفكر الجزائري المرموق لاهوري عدي. الأول هو: «القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي». والثاني: «أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر - ضرورة الانتقال من فلسفة أفلاطون إلى فلسفة كانط». وربما كان هذا أهم كتبه وأشهرها. والدكتور لاهوري عدي اشتهر، منذ عام 1992، ببلورة أطروحة لافتة عن صعود موجة الإسلام السياسي، بعنوان: «التراجع الخصب أو الانتكاسة الخصبة والمفيدة». هذا المصطلح شاع على الألسن وبحق. ما معناه؟ ما فحواه؟ مصطلح التراجع أو الانتكاسة شيء سلبي وليس إيجابياً، على عكس ما يوحي به المؤلف للوهلة الأولى، ولكنه يتحول على يديه إلى شيء إيجابي تماماً، إذا ما فهمناه على حقيقته. ينبغي العلم أنه بلوره في عز صعود الموجة الأصولية الجزائرية و«جبهة الإنقاذ». قال للجميع ما معناه: لكي تتخلصوا من الأصوليين الماضويين اتركوهم يحكموا البلاد. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كابوسهم. وذلك لأن الشعب الجزائري سوف يكتشف بعد فترة قصيرة مدى عقم مشروعهم وتخلفه عن ركب الحضارة والعصر، وسوف يكتشف أن وعودهم الديماغوجية الراديكالية غير قابلة للتطبيق. سوف يكتشف أنها فاشلة لن تحل مشكلة الشعب، بل وستزيدها تفاقماً. وعندئذ يلفظهم الشعب وينصرف عنهم ويدير ظهره لهم ويفتح صدره للإصلاحيين الحداثيين الليبراليين. هذه الأطروحة تذكرنا بمقولة «مكر العقل في التاريخ» لهيغل، أو بـ«الدور الإيجابي للعامل السلبي في التاريخ». بمعنى أنك لن تستطيع التوصل إلى المرحلة الإيجابية قبل المرور بالمرحلة السلبية وتذوُّق طعمها والاكتواء بحرِّ نارها. لن تتوصل إلى الخير قبل المرور بمرحلة الشر. لن تتوصل إلى النور قبل المرور بمرحلة الظلام الحالك. ينبغي أن تدفع الثمن لكي تصل إلى بر الخلاص وشاطئ الأمان. وقد سبق المتنبي هيغل إلى هذه الفكرة عندما قال:

وَلا بدَّ دونَ الشَّهْد من إِبرِ النحلِ

هذه الأطروحة تقول لنا ما معناه: الأصولية المتطرفة تشكل وهماً جباراً مقدساً يسيطر على عقول الملايين من العرب والمسلمين. إنهم يعتقدون أنها ستحلّ كل مشاكلهم بضربة عصا سحرية، إذا ما وصلت إلى الحكم. ولا يمكن التخلص من هذا الوهم الجبار الذي يخترق القرون ويسيطر على عقول الملايين، إلا بعد تجريبه ووضعه على المحك. عندئذ يتبخر كفقاعة من صابون. ولكن المشكلة أنه لم يتبخر في إيران حتى الآن. بعد مرور أكثر من 40 سنة لا تزال الأصولية الدينية المتخلفة تحكم إيران وتجثم على صدرها. فإلى متى يا ترى؟ إلى متى ستظل الأصولية الدينية القروسطية تحكم بلداً كبيراً وشعباً مثقفاً مبدعاً كالشعب الإيراني؟ بعض الباحثين يعتقدون أن هذا النظام الرجعي لولاية الفقيه والملالي انتهى عملياً، أو أوشك على نهايته. لقد ملَّت منه الشبيبة الإيرانية، ومِن الإكراه في الدين إلى أقصى حد ممكن. وبالتالي، فإما أن ينفجر هذا النظام من الداخل وينتصر محمد جواد ظريف وبقية الليبراليين الإصلاحيين المنفتحين على التطور والحضارة الحديثة. وإما أن يعود ابن الشاه من منفاه ويعتلي عرش آبائه مرة أخرى. ولكم الخيار.

وبخصوص إيران، أحلم بقراءة مذكرات فرح بهلوي للمرة الثانية أو ربما الثالثة. وهو كتاب ضخم يتجاوز الأربعمائة صفحة من القطع الكبير. وتتصدره صورة الشاهبانو الجميلة الرائعة. ولكنها لم تكن جميلة فقط، وإنما كانت ذكية جداً وعميقة في تفكيرها. من يُرِد أن يتعرف على أوضاع الشعب الإيراني قبل انفجار الثورة الأصولية وفيما بعدها أنصحه بقراءة هذا الكتاب. مَن يرد التعرف على شخصية الخميني عندما كان لا يزال نكرة من النكرات، فليقرأ الصفحات الممتازة المكرَّسة له من قبل فرح ديبا. كان مجرد شيخ متزمت ظلامي معادٍ بشكل راديكالي لفكرة التقدُّم والتطور والإصلاح الزراعي الذي سنَّه الشاه في ثورته البيضاء التي لم تُسفَك فيها قطرة دم واحدة. كان مع الإقطاع والإقطاعيين الكبار ضد الفلاحين البسطاء الفقراء. وكان بإمكان الشاه أن يعدمه، ولكنه لم يفعل، وإنما تركه يذهب بكل حرية إلى منفاه. بعدئذ تحول هذا الشيخ القروسطي الظلامي إلى أسطورة على يد أشياعه وجماعات الإسلام السياسي أو المسيَّس. هذا لا يعني أنني أدافع عن الشاه على طول الخط، كما تفعل فرح ديبا؛ فله مساوئه ونقائصه الكبيرة وغطرساته وعنجهياته التي أودت به. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه كانت له إيجابيات، وليس فقط سلبيات مُنكَرة. ولكن الموجة الأصولية دمرته ودمرت سمعته كلياً، وقد آن الأوان لتدميرها هي الأخرى، بعد أن حكمت إيران مدة 45 سنة متواصلة. وعلى أي حال، فإن أفعالها وأخطاءها الكبرى هي التي دمرتها أو ستدمرها. لقد أشاعت الحزازات المذهبية في المنطقة، وأعادتنا 1400 سنة إلى الوراء. هل سننتظر مليون سنة لكي نتجاوز الفتنة الكبرى التي مزقتنا؟ هنا يكمن خطأ التفكير الأصولي الرجعي المسجون في عقلية ماضوية عفى عليها الزمن. متى ستتحقق المصالحة التاريخية بين كافة المذاهب والطوائف عندنا مثلما تحققت المصالحة التاريخية الكاثوليكية - البروتستانتية في أوروبا وأنقذتهم من جحيم الانقسامات الطائفية والمذهبية؟ متى ستنتصر الأنوار العربية الإسلامية على الظلمات العربية الإسلامية؟ بانتظار أن يتحقق ذلك ينبغي على جميع الأقليات أن تلتف حول الأكثرية، لأنها هي العمود الفقري للبلاد، ولأن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وفشلها (لا سمح الله) سيرتد وبالاً على الجميع.

أضيف بأن الحل الوحيد للتطرف هو الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل السائد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، كما يقول القرآن الكريم. وهو الذي نصّت عليه «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، و«وثيقة مكة المكرمة» الصادرة عن «رابطة العالم الإسلامي»، في العام ذاته، وهو الذي تعلمته أنا شخصياً في ثانوية مدينة جبلة الساحلية السورية، على يد أستاذ التربية الدينية الشيخ محمد أديب قسام. كان فصيحاً بليغاً أزهرياً (خريج الأزهر الشريف). كان يحببك بدرس الديانة غصباً عنك. لا أزال أتذكر كيف كان يشرح لنا الحديث التالي: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت». كأني أراه أمام عيني الآن وهو يشرح لنا هذا الحديث النبوي الشريف. هنا تكمن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق. فإذا كان الإسلام يشفق على الهرة أو القطة أو الحيوانات؛ فما بالك بالبشر؟ هنا يكمن جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم ولا ترويعاً لهم.