«والتقينا» بين جمال الفكرة وهشاشة التمثيل

مسلسل يحاكي الأزمة اللبنانية بعد الثورة

نوال بري بطلة مسلسل «والتقينا»
نوال بري بطلة مسلسل «والتقينا»
TT

«والتقينا» بين جمال الفكرة وهشاشة التمثيل

نوال بري بطلة مسلسل «والتقينا»
نوال بري بطلة مسلسل «والتقينا»

يمكن للمسلسل اللبناني «والتقينا»، بفكرته ونيته، أن يكون أفضل مما هو عليه. إنه محاكاة تدنو من مقاربة الأسى المتمادي، فتطرح مشهدية الذل الكبير والوجع الجماعي. له صوت يحاول إيصاله، ورسالة يشاء أن تغير الوضع. تقف في طريقه عقبات تحول دون التألق.
البحث لا يتوقف عن مسلسلات من صميم الحياة وسيناريوهات تشبه يوميات الناس. وعلة الدراما اللبنانية في غربتها عن محيطها، إلا في بعض المَشاهد وبعض الشخصيات. كانت الأفكار تحوم حول قصور الأغنياء، وفيلا مدخّني السيجار، وأصحاب الفخامة. وشيئاً فشيئاً، راحت تستوعب حقيقة أن ما يجري في الأحياء الفقيرة ومنازل العاديين هو الجرح الصادق. فعدّلت بعض المسار، إلى أن تكتلت الأزمات حولها وطعنتها في الظهر.
«والتقينا»، كفكرة، يستحق التحية، فعلى أحدهم أن يقول شيئاً عن ذلك السقوط الحاد نحو القعر. عوامل عدة تجعل الحسن ينقلب إلى الضد، تبدأ بتواضع التنفيذ ولا تنتهي عند هشاشة التمثيل. حين تقرر «إم تي في» المغامرة، ينبغي عليها حساب خطواتها لئلا يكون التعثر سيد الموقف. تعاونها مع شركة «مروى غروب» لتنفيذ الإنتاج لا يعفيها من تحمل المسؤولية.

نوال بري ورلى شامية بشخصيتي حلا ودنيز

تصبح النوايا أقل أهمية من الأفعال حين تكون النتيجة أقل من المطلوب وأدنى من المُتوقع. فإذا كان الهدف تقديم مسلسل عما بعد ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، يملك «خطاباً شجاعاً» حيال «محاربة» الفساد، وأصابع يوجهها إلى «حيث لا يجرؤ الآخرون» في الدراما اللبنانية، فذلك لجهة المبدأ يرفع الرأس. المعضلة في «كليشيهات» نص يفيض بالوعظ (كتابة غادة مهنا كلاس)، وفي كاريكاتيرية بعض التمثيل وركاكة الصورة (إخراج مكرم الريس).
ليت ما نشاهده يتحقق في الواقع، فيجد اللبنانيون ابن زعيم سياسي ينقلب عليه ويقف في صف الشعب! يقدم ميشال حوراني بشخصية «مجد الصايغ»، ابن الوزير الفاسد «مروان الصايغ» (عصام الأشقر)، اختزالية الأمل وسط الاختناق، ولو أن تبرؤ ابن سياسي من أبيه شبه مستحيل في لبنان. يصبح «الخلاصَ الأخير» للبنانيين ومشروع زعيم يمثل النزاهة والكرامة، شرعيته مستمدة من عذابات الناس وانتفاضتهم على «السيستم».
يطيح المسلسل بشعار الثورة الرئيسي «كلن يعني كلن» لمصلحة الاستثناء. فبوصلته تدور حول إثبات براءة زعيم متهم بسرقة الآثار، وإعادة تلميع صورته بعد الفبركة والتجني. وإذا كان صحيحاً أن التعميم لا يجوز في كل أحواله، وثمة دائماً من يحكمون بضمير، فإن العمل يناقض نفسه بإعلائه صوت السياسي «البريء» وتجنده للدفاع عنه، كقضية أولى تتبعها قضايا تصبح ثانوية.
المفارقة، أن الأمير «عمر كبارة» (جهاد الأطرش)، يملك ملفات تدين المنظومة الحاكمة، لكنه يحتفظ بها إلى «الوقت المناسب» فيستعملها ورقة ضغط حين تستدعي مصلحته. أي أنه يتواطأ بالسكوت مع الفاسدين طالما أنه لا يجد سبباً لفضحهم وهز عروشهم. حول هذا التناقض، تسير الشخصيات من دون طريق.
من يمثّل «عمر كبارة» في النظام السياسي اللبناني؟ تقريباً لا أحد. فلِم يكون الشخصية المحورية في عمل يدعي النَفَس الثائر؟ وإن كان ممكناً أن يمثل «مجد» توق الشباب إلى التغيير، فإن السياق الذي زُج فيه (قلبه الطاولة على أبيه والتحاقه بصف عدوّه «عمر كبارة») لا يُقنع لبنانياً قرأ في كتب التاريخ أن ابن الزعيم هو امتداد سياسي ووجودي له، والوراثة السياسية متجذرة في العمق.

نوال بري وميشال حوراني في المسلسل

يمكن أن يكون المسلسل بمثابة «الحلم المنشود» لولادة «لبنان جديد»، لو أنه بغير تركيبة. المعركة من جبهتين: عائلة «كبارة» وخطها السياسي «النزيه»، وعائلة «الصايغ» الطافحة بالفساد والصفقات. لكن قلبين من العائلتين يخفقان للحب: «مجد الصايغ»، و«حلا كبارة» (البطلة نوال بري). لقاؤهما في باريس «ثورة» من نوع آخر. فالحب يحرّض «مجد» على المجاهرة بموقفه الوطني والالتحاق بمن يمثل «نهج الحق»، وهو هنا والد الحبيبة العائدة إلى بيروت لرد الاعتبار لأبيها والانتصار لسمعته الشريفة.
ليست البطلة خياراً صائباً للبطولة ولا تملك أي أرصدة. عليها العد للمائة قبل المحاولة المقبلة. عموماً، لم يُحدث أحد قفزة نوعية في التمثيل، رغم أداء يُعد جيداً لميشال حوراني وجوزيف حويك، فوجيه صقر ونيكول طعمة. رلى شامية بشخصية «دنيز» ضحكة المسلسل من دون أن تكون أفضل شخصياته. تنقذها شطارتها في الكوميديا؛ على عكس زميلها رودريغ غصن، الكوميدي الآخر، المصطدم بحضور درامي ضعيف.
بينما يشتد صراع تستخدم فيه الرؤوس الكبيرة كل الأوراق، حتى ورقة الأبوة، فلا يتوانى «كوستا» (صقر) عن خطف ابنه للضغط على زوجته، ابنة عائلة «الصايغ» والحصول على ضمانة من والدها تحفظ مستقبله السياسي؛ يعلو نقاش حقيقي ومؤلم بين «أحمد» (حويك)، وزوجته «رين» (نتالي حموي)، عنوانه الأوطان التي تقتل أبناءها؛ يمكن إسقاطه على أكثر الإشكاليات احتداماً اليوم وأشدها جدلاً: الرحيل أم البقاء.
ممثلون يسمّعون أدواراً يحفظونها، بلا مشاعر ولا تفاعل، وهذا يضرب المسلسل. يؤدّي ربيع الحاج مثلاً شخصية «آسر» ابن «الأمير عمر»، من دون أن يجيد أياً من مفاتيحها، والأمثلة غيره كثيرة. الضحك يتواصل حين يُفترض أن نتأثر!



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.