لبنان يصطدم بصعوبات توحيد سعر الصرف قبل التمويل الخارجي

صندوق النقد طالب بنظام نقدي شفاف

رياض سلامة حاكم مصرف لبنان (المصرف المركزي) (رويترز)
رياض سلامة حاكم مصرف لبنان (المصرف المركزي) (رويترز)
TT

لبنان يصطدم بصعوبات توحيد سعر الصرف قبل التمويل الخارجي

رياض سلامة حاكم مصرف لبنان (المصرف المركزي) (رويترز)
رياض سلامة حاكم مصرف لبنان (المصرف المركزي) (رويترز)

تتجنب الحكومة اللبنانية، حتى إشعار آخر، الإفصاح عن توجهاتها المتصلة بتوحيد سعر صرف الليرة والآليات التي سيجري اعتمادها لتحقيق هدف إرساء نظام نقدي جديد يقوم على الشفافية والمصداقية ضمن مسار التعافي المالي، والذي يشكل نواة خطة الإنقاذ التي يفترض أن ترفعها قريباً بصياغتها النهائية إلى إدارة صندوق النقد الدولي، بهدف الوصول إلى استحقاق إبرام اتفاقية برنامج تمويل بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 4 سنوات.
ويرى مسؤول مالي معني أن مسألة توحيد سعر الصرف تمثل العقبة الكبرى ضمن حزمة الشروط الإجرائية والتشريعية التي طلبها فريق الصندوق. ذلك أن أي سعر لليرة لا يؤثر في إعادة هيكلة مكونات ميزان المدفوعات ومعاملات الحسابات الجارية للاستيراد والتصدير فحسب، بل يصيب مباشرة التوازنات الهشة للمداخيل الوظيفية في القطاعين العام والخاص المبرمجة على أساس السعر الرسمي الحالي البالغ 1515 ليرة لكل دولار، كما يطال بمفاعيله كتلتي المدخرات والقروض القائمة لدى البنوك.
ويرتقب، وفق المسؤول الذي تواصلت معه «الشرق الأوسط»، أن تتضح معالم النظام النقدي المطلوب تبعاً لما ستقره السلطة التنفيذية بشأن توزيع أحمال الفجوة المالية البالغة نحو 73 مليار دولار، مع ترجيح تعديها مستوى 75 مليار دولار كتكلفة تأخير في إعداد الخطة. كذلك بالارتكاز إلى مجموعة مشاريع القوانين المالية الطارئة التي تحيلها الحكومة تباعاً إلى المجلس النيابي، ولا سيما منها القوانين الخاصة بضبط الرساميل والتحويلات (الكابيتال كونترول)، والتعديلات المقترحة على قانون السرية المصرفية وإعادة هيكلة البنك المركزي والقطاع المصرفي، فضلاً عن إخضاع البنوك لعمليات تدقيق ومحاسبة من قبل شركات دولية مستقلة.
ووفق هذا السيناريو، وفي ظل تقلص احتياطات العملات الصعبة لدى البنك المركزي إلى نحو 11 مليار دولار مما يحد من سيطرته على المبادلات النقدية، تتعزز الإشارات في أوساط القطاع المالي إلى أن الخروج الآمن من معضلة تعدد أسعار الصرف لن يكون ميسراً قبل الشروع بتنفيذ خطة الإنقاذ الموعودة، والمشروطة حكماً بتعاون السلطات المعنية السياسية والنقدية، وبتوفر استقرار داخلي نسبي بعيد استحقاق الانتخابات النيابية المقررة منتصف الشهر المقبل، وبما يترجم فعلياً تعهدات رؤساء الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء بالتأييد المسبق لمندرجات الإصلاحات الهيكلية الضرورية. وبذلك تشكل الأساسيات القانونية الموعودة ومن ضمنها مشروع قانون موازنة العام الحالي، المرجعية القانونية المعتمدة للقطاع المالي في مرحلة الإنقاذ والتعافي.
فمن دون امتلاك قدرات كافية لإدارة التحكم بالسيولة والسعر المرجعي الذي يمكن اعتماده عبر آلية التعويم الموجه التي تتطلب تدخل البنك المركزي في كبح المضاربات والحد من توسع الهوامش، وريثما يتم توقيع الاتفاق التمويلي مع صندوق النقد، يتعذر على الحكومة عبر وزارة المال والسلطة النقدية الإقدام على اتخاذ قرارات حاسمة في الموضوع النقدي، حسبما يؤكد المسؤول المالي. لكنه يقول إنه يمكن، بموافقة خبراء الصندوق، الاعتماد على منصة «صيرفة» التي يديرها البنك المركزي كمحطة انتقالية لبلوغ مرحلة تعويم سعر صرف الليرة، وبالتزامن مع بدء ورود الدفعات التمويلية من قبل المؤسسة الدولية.
وفيما أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن الاتفاق مع الصندوق حدث إيجابي، وسيساهم في توحيد سعر الصرف، فقد نوه بضرورة تلبية الشروط المسبقة التي حددها الصندوق في الاتفاق، على مستوى الخبراء، مع لبنان من أجل الحصول على موافقة المجلس التنفيذي على برنامج تمويلي متوسط الأمد. ومعلوم أن بعثة الصندوق خصت مصرف لبنان بشرط القيام «بتوحيد أسعار الصرف لمعاملات الحساب الجاري المصرح بها، وهو أمر بالغ الأهمية لتعزيز النشاط الاقتصادي، واستعادة المصداقية والجدوى الخارجية، وسيتم دعمه من خلال تنفيذ ضوابط رسمية على رأس المال».
وقد ساهمت المنصة النقدية منذ بداية العام الحالي بإعادة التوازن النسبي إلى أسواق المبادلات النقدية ضمن هوامش سعرية تحاكي عتبة 22 ألف ليرة لكل دولار، لكنها تتسبب، في الوقت عينه، باستنزاف مستمر لجزء من التوظيفات الإلزامية الخاصة بالودائع من دون تحقيق استقرار نقدي، ولو مؤقتا، باعتبار أنها لم تعالج مشاكل تعدد أسعار الصرف، كما لم تستوعب كامل المبادلات النقدية في الأسواق وعبر شركات الصرافة التي تتم بأسعار تفوق عتبة 25 ألف ليرة للدولار الواحد.
ويشير المسؤول المالي إلى تفشي معضلة تعدد أسعار الصرف في كامل منظومة التعاملات النقدية. وسيتجلى ذلك بزيادة حدة الاختلالات المعيشية والقدرات الشرائية، مع توجه الدولة إلى اعتماد سعر جديد للدولار الجمركي يرجح أن يتطابق مع سعر التداول على منصة البنك المركزي، والشروع بإعادة هيكلة أكلاف خدمات عامة كالاتصالات والكهرباء والمياه والرسوم العقارية وسواها بمعدلات تتراوح بين 3 و5 أضعاف السعر الرسمي الحالي.
وفي المقابل، تبدو قدرات الدولة ومعها القطاع الخاص محدودة للغاية في تغطية توسع عجوزات المداخيل. بل إن الارتفاع الهائل لأسعار المحروقات نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية وانعكاسه التلقائي على تكلفة التزود بالكهرباء من المولدات الخاصة، تكفل بالاقتطاع التام لكامل المعونات النقدية الطارئة التي تم صرفها للموظفين على شكل مساعدة شهرية توازي نصف الراتب أو بزيادات بدلات النقل.
وبالتوازي، يعاني المودعون في البنوك من تعدد أسعار الصرف فيما يخص حساباتهم المحررة بالدولار والتي تشكل نحو 80 في المائة من إجمالي الودائع. فالمستفيدون من التعميم رقم 161 يحصلون على 800 دولار شهرياً، موزعة مناصفة بين 400 دولار نقدي (بنكنوت) ومثلها بالليرة بسعر 12 ألف ليرة لكل دولار. وبذلك يتم اقتطاع نحو 50 في المائة في الشريحة النقدية بالليرة، إلى جانب تحويل نصف المبلغ المستحق للصرف عبر البطاقات الممغنطة التي لم تعد مقبولة في أغلب نقاط البيع.
أما لجهة غير المستفيدين من التعميم أو الذين يودون الحصول على سيولة إضافية، فإن سقوف السحوبات الشهرية تتراوح عموماً بين 5 و8 ملايين ليرة شهرياً وبسعر 8 آلاف ليرة لكل دولار، أي باقتطاع تصل نسبته إلى 68 في المائة وفقاً للسعر الرائج في السوق. علما بأن النجاح الجزئي الذي حققه البنك المركزي في الحد من توسع الكتلة النقدية بالليرة التي تقلصت إلى نحو 36 تريليون ليرة بعدما تعدت 45 عتبة تريليون ليرة، تسببت، بالمقابل، في شح السيولة الورقية بالعملة المحلية وبارتفاع الفوائد على مبادلاتها بالشيكات.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.