يقول مصدر سياسي، يقف على مسافة واحدة من المرشحين لخوض الانتخابات المقبلة في لبنان، إن التحالفات الانتخابية لا تخضع لوحدة المعايير السياسية، وهذا ما ينطبق بالدرجة الأولى على تحالف «الثنائي الشيعي» («حزب الله» و«أمل») مع «التيار الوطني الحر»، الذي يسعى رئيسه النائب جبران باسيل إلى الحصول على ما لدى حلفائه من فائض في الأصوات التفضيلية لضمان فوزه بعدد من المقاعد النيابية في الدوائر الانتخابية ذات الثقل الشيعي، للتعويض عن تراجعه في الشارع المسيحي، لعله يعود إلى البرلمان الجديد بأكبر كتلة نيابية.
ويعتبر المصدر السياسي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن باسيل ينافس خصومه في الشارع المسيحي «بفائض القوة التي يتمتع بها حليفه الثنائي الشيعي»، مشيراً إلى أن باسيل «تقدم ببرنامج انتخابي لم يأت فيه على ذكر النقاط الخلافية (مع الثنائي الشيعي)، وكأنه قرر أن يسحبها من التداول استجابة لتحالف الضرورة الذي عقده مع (الثنائي) تقديراً منه بأن الطرف الأخير وحده يشكل الرافعة الانتخابية التي من دونها يبقى عاجزاً عن الفوز بعدد من المقاعد النيابية، خصوصاً في دوائر زحلة وبيروت الثانية وبعلبك الهرمل».
كما أن باسيل، حسب المصدر ذاته، يراهن من خلال تسليمه بشروط الثنائي الشيعي على كسبه التأييد الشيعي في دائرة الشمال الثالثة (البترون، الكورة، زغرتا، بشري)، وإن كان «الثنائي» سيوزع أصواته على الأرجح بالتساوي بين باسيل وبين منافسه زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، مع أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري (زعيم حركة «أمل») يميل لدعم اللائحة التي يتزعمها طوني نجل سليمان فرنجية.
ويراهن باسيل على أن «حزب الله» مستعد لتهريب رزمة لا بأس بها من الأصوات لمرشحه هو عن المقعد الماروني عن دائرة البقاع الغربي - راشيا، شربل مارون، في مقابل إصرار حركة «أمل» على ضخ كمية من الأصوات التفضيلية لنائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، لأن مرشحها عن المقعد الشيعي قبلان قبلان في هذه الدائرة يبدي ارتياحه للفوز بالمقعد النيابي. وعليه، فإن المعركة في دائرة البقاع الغربي، وإن كانت تدور بين اللائحة التي يتزعمها الوزير السابق حسن مراد الحليف لـ«الثنائي الشيعي» وبين اللائحة التي يرأسها النائب محمد القرعاوي المتحالف مع مرشح «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وائل أبو فاعور، إضافة إلى اللوائح المتعددة التي تضم مرشحين عن الحراك المدني، فإن الوجه الآخر لهذه المعركة يكمن في المنافسة الحاصلة في داخل البيت الواحد، أي بين الأرثوذكسي الفرزلي، والماروني مارون، على خلفية الحرب الدائرة بين باسيل والفرزلي لخروج الأخير من تكتل «لبنان القوي»، برغم أنه كان في عداد الفريق السياسي الذي خاض معركة إيصال العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى.
وفي هذا السياق أيضاً لا بد من الإشارة إلى الغموض الذي يكتنف المعركة الانتخابية في دائرة صيدا - جزين، بعد أن استحال على «حزب الله» التوفيق بين حليفيه الرئيس بري وباسيل، وهذا ما يطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كان الحزب قد تعهد لرئيس «التيار الوطني» بتهريب كمية من الأصوات لمرشحه أمل أبو زيد لإسقاط زميله على اللائحة النائب زياد أسود، مع أن الحزب لم يحسم أمره حتى الساعة ولن يغامر بموقف يمكن أن يؤثر سلباً على مرشح الرئيس بري النائب إبراهيم عازار.
ويقول المصدر السياسي إن قوى «14 آذار» سابقاً تنخرط في المنافسة الانتخابية وهي منقسمة على نفسها، ليس بسبب عزوف زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن خوض الانتخابات فحسب، وإنما لأن هناك صعوبة في إعادة توحيد ما تبقى من قوى «14 آذار» في لوائح موحدة بسبب الخلاف القائم بين حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، علماً بأن الحزب الأخير يخوض الانتخابات بتحالفه مع مرشحين كانوا في عداد من شاركوا في «انتفاضة 17 تشرين الأول» عام 2019، فالتحالف بين قوى «14 آذار» سابقاً اقتصر حتى الآن على حزبي «التقدمي الاشتراكي» و«القوات» في دائرتي الشوف - عاليه، والمتن الجنوبي - بعبدا، فيما تعذر عليهما التحالف في البقاع الغربي - راشيا بسبب امتناع القرعاوي عن ضم مرشح «القوات» عن المقعد الماروني مراعاة منه لمحازبي «التيار الأزرق» (المستقبل) وجمهوره على خلفية تأزم العلاقة بين سعد الحريري وسمير جعجع.
كما أن المنافسة على «الزعامة المارونية» كانت أحد الأسباب التي حالت دون تحالف «القوات» و«الكتائب»، على الرغم من أن موقفهما من «حزب الله» وسلاحه، امتداداً إلى محور الممانعة بقيادة إيران والنظام السوري، يبقى موحداً ولا غبار عليه.
لذلك فإن أقل ما يقال عن المشهد الانتخابي المقبل أن القوى المناهضة لـ«الثنائي الشيعي» اصطدمت بصعوبات حالت دون توحدها في لوائح موحدة لغياب المرجعية السياسية القادرة على إدارة الملف الانتخابي، في مقابل وحدة المرجعية لقوى «8 آذار» و«التيار الوطني». وإذا كان الأخير سيدخل في مواجهة مع تيار «المردة» في دائرة الشمال الثالثة، فإن هذه المعركة ستبقى خاضعة لإدارة زعيم «حزب الله» حسن نصرالله، الذي نجح في جمع باسيل وفرنجية إلى مائدته، ما أتاح له تنظيم الاختلاف بينهما بشكل يؤمن الشروط المطلوبة لمحاصرة جعجع أسوة بمحاصرته في دائرة بعلبك - الهرمل لقطع الطريق على مرشحه عن المقعد الماروني النائب أنطوان حبشي، للاحتفاظ بمقعده النيابي في هذه الدائرة.
وفي معلومات خاصة بـ«الشرق الأوسط»، فإن النظام السوري لا ينأى بنفسه عن التدخل في الانتخابات، وهو يستخدم نفوذه لمحاصرة رئيسي حزبي «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط و«القوات» سمير جعجع، ويضغط لتوحيد اللوائح في الدوائر الانتخابية الواقعة على تخوم الحدود اللبنانية - السورية، إضافة إلى أنه أعطى تفويضاً على بياض لـ«حزب الله» لعله يسجل خرقاً في الشارع السني يتيح لحلفائه الفوز بعدد من المقاعد، سواء في طرابلس أو في عكار امتداداً إلى بيروت الثانية.
إلا أن الانقسام بين قوى «14 آذار» سابقاً لا ينسحب فقط على تعدد اللوائح المنافسة للائحتي الثنائي الشيعي و«جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» في بيروت (الأحباش) برغم أن هاتين اللائحتين قد شُكلتا على أساس توزيع الأدوار للحؤول دون دخولهما في منافسة تستفيد منها اللوائح الأخرى وإنما على معظم الدوائر الانتخابية، إضافة إلى أنه ينسحب على لوائح المجتمع المدني.
وهناك من يسأل: لماذا لم تتوحد كل القوى المناهضة لمشروع «حزب الله»، أكانت تقليدية أو تلك التي تشكلت من المجتمع المدني، طالما أنها ترفع شعارات سياسية موحدة، فيما تخوض الانتخابات بلوائح متعددة؟ وهل أن معركة الحراك المدني هي مع القوى المعارضة، أم أنها تنظر إليها على أنها جزء من المنظومة السياسية؟
وعليه، فإن باسيل لم يحظ بتحالف مع «الثنائي الشيعي» إلا بعد أن وافق ضمناً على شروطه، بحسب ما تقول مصادر سياسية، وإلا ما هو تفسيره لضم مرشحه عن دائرة بعلبك - الهرمل إلى لائحة «الوفاء والأمل» برئاسة النائب في «حزب الله» حسين الحاج حسن، التي لديها برنامج انتخابي يتناقض كلياً مع مواقفه النارية في حملته على الثنائي الشيعي بخلاف قوله إنه يؤيد كل ما ورد على لسان البطريرك الماروني بشارة الراعي، في عظته لمناسبة عيد الفصح؟ ولذلك فإن ما يهم باسيل، كما يبدو، هو حصد أكبر عدد من المقاعد النيابية، مستعيناً بحليفه «حزب الله»، مع أن الأخير يمنحه «فترة سماح» تجيز له بأن يتمايز عنه في العلن لتلميع صورته في الشارع المسيحي.