«اليونيسكو» تلجأ إلى الأزهر من أجل التصدي لهجمة «داعش» على التراث

وزير التعليم العالي لـ {الشرق الأوسط} : بيكوفا بعثت رسالة طمأنة للعالم للتعايش والسلام

مديرة اليونيسكو خلال لقائها بشيخ الأزهر في مقر المشيخة («الشرق الأوسط»)
مديرة اليونيسكو خلال لقائها بشيخ الأزهر في مقر المشيخة («الشرق الأوسط»)
TT

«اليونيسكو» تلجأ إلى الأزهر من أجل التصدي لهجمة «داعش» على التراث

مديرة اليونيسكو خلال لقائها بشيخ الأزهر في مقر المشيخة («الشرق الأوسط»)
مديرة اليونيسكو خلال لقائها بشيخ الأزهر في مقر المشيخة («الشرق الأوسط»)

لجأت منظمة اليونيسكو إلى الأزهر أمس، للتصدي للهجمة الشرسة التي يقوم بها تنظيم داعش الإرهابي على الآثار التاريخية في العراق وسوريا وليبيا، ودعوته إلى هدمها وعدم تدريس تاريخها.
والتقت إيرينا بيكوفا، مدير عام منظمة اليونيسكو، شيخ الأزهر أحمد الطيب بمقر مشيخة الأزهر، وعقدت ندوة كبرى في جامعة الأزهر بحضور عدد من الوزراء في الحكومة المصرية، أكدت فيها أنه «لا يمكن هزيمة تعدي (داعش) على الآثار باستخدام الأسلحة فقط، بل نحتاج لخطابات دينية قوية». ومن جانبه، قال وزير التعليم العالي السيد عبد الخالق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «بيكوفا بعثت رسالة طمأنة للعالم للتعايش والسلام من مصر».
في غضون ذلك، قال مصدر مسؤول في مشيخة الأزهر لـ«الشرق الأوسط»، إن «اليونيسكو تريد دعم الأزهر في تصديه لهدم الآثار»، مضيفا أن «بيكوفا أعربت عن حاجة المنظمة إلى تعاون مع الأزهر للتصدي لتدمير التراث الحضاري والإنساني، ونشر ثقافة السلم والسلام، وإصلاح ما أفسده الزمن بحكم الظروف، وما حدث في الوطن العربي والإسلامي، لما في ذلك من مردود إيجابي على الرأي العام العالمي»، مؤكدا أن «مدير عام اليونيسكو أرادت توصيل رسالة أيضا للعالم بأهمية الحفاظ على تراث ما قبل الإسلام للإنسانية».
واستقبل الطيب بيكوفا أمس، مؤكدا أن الآثار التاريخية إرث إنساني يجب الحفاظ عليه، وعدم الإضرار به، وأن ما تقوم به بعض التنظيمات الإرهابية من تدمير للتراث الحضاري وطمس لتاريخ شعوب بأكملها، أمر يرفضه الإسلام جملة وتفصيلا.
وكان الأزهر قد أفتى في مارس (آذار) الماضي بأن ما يقوم به تنظيم داعش من تدمير وهدم للآثار في العراق وسوريا وليبيا جريمة كبرى في حق العالم بأسره. وشدد الأزهر وقتها على أن تدمير التراث الحضاري أمر محرم شرعا ومرفوض، مشيرا إلى أن الآثار من القيم التاريخية والإنسانية التي ينبغي عدم مسها بسوء، وأن ما يقوم به «داعش» من تدمير للهوية وطمس لتاريخ شعوب بأكملها، جريمة حرب لن ينساها التاريخ ولن تسقط بالتقادم.
في ذات السياق، قالت مدير عام اليونيسكو في ندوة «الحوار والتعلم من أجل السلام»، التي عقدت في مركز المؤتمرات بجامعة الأزهر (شرق القاهرة) أمس، «نحن نصدم عندما يتم تدمير أو استهداف التراث الثقافي لحضارة أخرى، لأننا نشعر حينئذ أن الإنسانية بأكملها قد تضاءلت وتعرضت للهجوم»، لافتة إلى أن «حماية البنايات التاريخية من الأجيال المتعاقبة يعد دليلا على أهمية التراث، ويؤكد أنه من غير المعقول أن يتم تدميرها باسم الدين، وهو الذي يتم استهدافه اليوم في العراق من قبل المتطرفين الذين يهاجمون المواقع الآشورية والبابلية القديمة».
وأضافت إيرينا بيكوفا أن «تلك الآثار تم الحفاظ عليها عبر الزمان لجزء لا يتجزأ من ذاكرة وهوية الشعوب على اختلاف أديانها.. والتنظيمات الإرهابية تسعى إلى تدمير التراث تحت مسميات الأكاذيب المغلوطة»، وطالبت بتطهير ثقافي فوري في سوريا والعراق، موضحة أنه لا يمكن هزيمة تعدي «داعش» على الآثار باستخدام الأسلحة فقط، بل «نحتاج لخطابات دينية قوية».
وكان تنظيم داعش قد أفتى مطلع مايو (أيار) الحالي بهدم الآثار ومنع دراسة علومها، باعتبارها تخالف القرآن. لكن دار الإفتاء المصرية قالت حينها: إن «الله أمرنا في القرآن بأن نسير في الأرض ونتدبر آثار من كانوا قبلنا لنتخذ منهم العبرة والعظة». ووصفت الإفتاء فتوى «داعش» بـ«المنحرفة»، مؤكدة أنها تنم عن «جهل مطبق عند هؤلاء المتطرفين الذين لم يتدبروا القرآن ولا سنة رسول الله».
فيما قال المصدر المسؤول نفسه في مشيخة الأزهر أمس، إن «الطيب أكد لمدير منظمة اليونيسكو أن أصحاب الآراء الشاذة التي تدعو لمنع تعلم علم الآثار ودراستها، أو هدم الآثار التاريخية أو طمس معالمها خالفوا صحابة رسول الله الذين فتحوا هذه الأمصار ولم يتعرضوا لهذه الموجودات».
من جانبه، قال وزير التعليم العالي المصري إن «رسالة اليونيسكو هي زرع السلام وغرسه في نفوس البشر جميعا ليعم الأمن والأمان»، مضيفا في تصريح على هامش الندوة لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «بيكوفا بعثت برسالة طمأنة للعالم من مصر الأزهر والكنيسة، للتعايش والسلام».
بدوره، أكد رئيس جامعة الأزهر عبد الحي عزب في كلمته بالندوة أمس إن «الوسيطة تعني احترام الحضارات والثقافات والحفاظ على تراث الأمم وآثارهم»، لافتا إلى أن الأزهر يدعو للتعايش مع كل الأزمة والاستفادة من الماضي من أجل الحاضر. وقال عزب لـ«الشرق الأوسط»، إن «بيكوفا قامت بقياس ثقافة الطلاب لإلغاء الشائعات المغرضة التي تتهم طلاب جامعة الأزهر بالإرهاب والتطرف»، مشددا على أنها خلصت إلى أن طلاب الجامعة يمضون على نهج الاعتدال الفكري بما يكفل لهم النجاح الثقافي والديني ولمصر الأمن والأمان.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.