مجلة «المناهل» المغربية: «الدراسات المعجمية في خدمة اللغة العربية»

مجلة «المناهل» المغربية:  «الدراسات المعجمية في خدمة اللغة العربية»
TT

مجلة «المناهل» المغربية: «الدراسات المعجمية في خدمة اللغة العربية»

مجلة «المناهل» المغربية:  «الدراسات المعجمية في خدمة اللغة العربية»

خصصت مجلة «المناهل»، التي تصدرها وزارة الثقافة المغربية، عددها الجديد لملف يتناول «الدراسات المعجمية في خدمة اللغة العربية»، فضلاً عن مقالات متنوعة في مواضيع تاريخية وفلسفية وثقافية.
توزع العدد 104 ثلاثة محاور كبرى: محور أول خصص لملف العدد، تضمن مساهمات عبد العلي الودغيري (بواکير الدراسات المعجمية حول العربية المغربية)، وأحمد المتوکل (المصطلح اللساني بين التحديث والتعريب)، ومحمد غاليم (عن التصور القاموسي للمعنى المعجمي ولتوليده)، وعبد العزيز المطاد (المصطلح اللغوي وإشكالات التوحيد)، ومحمد بلبول (مقاربة لسانية لترتيب الأفعال المزيدة بالمعجم العربي)، وعلي القاسمي (صناعة المعجم التاريخي للغة العربية)، وليلى المسعودي (إسهام «التقنية» في الصناعة المعجمية المتخصصة: الحقل الدبلوماسي نموذجاً)، وعبد الغني أبو العزم (المعجم والخطاب الأدبي)، وأحمد متفكر (معجم المعاجم العربية: تأليف أحمد الشرقاوي إقبال)، وعبد الرحمن الملحوني (معجم مرددات شعراء الملحون الشفاهية في الإنشاد والتدوين مما اصطلحوا عليه فنياً في مجالسهم ومنتدياتهم: مقاربة للقصيدة الزجلية)، وعبد الفتاح الحجمري (جهود مكتب تنسيق التعريب في توحيد المصطلح العلمي والتقني)، وعبد النبي ذاکر (الترجمة البرتغالية لتحفة ابن بطوطة وعتبتها المقدماتية في مواجهة المصطلح الأمازيغي)، وعباس الصوري (من منشورات مكتب تنسيق التعريب الحديثة/ 2021: المعجم الموحد لمصطلحات «التقييم» التربوي {إنجليزي/ فرنسي/ عربي}).
وتحت عنوان: مقالات ونصوص متنوعة، تضمن المحور الثاني مساهمات رشيد الارکو (اللغة والتحيز: رؤية معرفية)، والحبيب استاتي زين الدين (التفكير النقدي والخطاب التربوي الرسمي: أَي دور للدرس الفلسفي؟)، ومحمد البوبكري (تأويلية الحداثة: بحث في الممكنات والحدود)، وجواد التباعي (عادات وتقاليد الانتجاع ومساراته ببلاد زيان وآليات تثمينه: قراءة في التراث الرعوي لقبائل زيان بين منتصف القرن 19م ونهاية القرن العشرين)، ومحمد البشري رازقي (جدل الإصلاحات في الإيالة التونسية قُبيل ثورة 1864 من خلال وثيقة غير منشورة)، وكريكور شويلر (في مراجعة «القياس الشعري»، ترجمة فؤاد بن أحمد). فيما خصص المحور الثالث للقراءات والتحقيقات، بمشاركة أحمد السعيدي (تحقيق المخطوطات ونشرها في المغرب: دراسة نقدية في تحقيق مخطوط «نعت الغِطريس» للناصري)، ومحمد سعيد البقالي (السياق والنسق من خلال تحقيق کتاب: «النفحات الأرجية والنسمات البنفسجية لنشر ما راق من مقاصد الخزرجية»)، وأحمد العراقي (الشعر والشعراء زمني الحسن الأول وابنه عبد العزيز من خلال دَرَري أحمد بن الحاج «الجوهرية» و«الإبريزية»)، وكريم الطيبي (بلاغة الحجاج وتحليل الخطابات قراءة في كتاب: «في بلاغة الحجاج: نحو مقاربة بلاغية حجاجية لتحليل الخطابات» لمحمد مشبال)، ومحمد مرشد (قراءة في کتاب رحمة بورقية: التفكير في المدرسة تفكير في المجتمع. تأملات سوسيولوجية حول التربية في المغرب)، ومحمد حناوي (قراءة في كتاب شلومو ساند: «کيف تَم اختراع فكرة الشعب اليهودي؟ من التوراة إلى الصهيونية»)، وسعيد الفالق (مدخل إلى فكر ابن عربي. قراءة في کتاب وليم تشيتيك «ابن عربي: وارث الأنبياء»)، ونجاة المريني (روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذکر من لقيته من أعلام الحضرتين مراکش وفاس لأبي العباس أحمد المقري).
ومما جاء في افتتاحية العدد: «إن المعجم يحتل مكانة مهمة في المحافظة على اللغة الوطنية والتراث، فهو ديوان اللغة، بالإضافة إلى دوره الكبير في مجال التربية والتعليم، بل وفي جميع مجالات الحياة الاجتماعية والمهنية وأهميته في البحث العلمي».
ولاحظت الافتتاحية بكثير من القلق «تراجع صناعة المعاجم» في المغرب، وفي البلدان العربية عموماً، سواء المعاجم العامة (معاجم المعاني/ المرادفات) أو المتخصصة (معاجم المصطلحات العلمية والتقنية) و«کساد سوقها»، نتيجة «لاستغناء مستعمليها من طلبة وأساتذة باحثين وغيرهم، عما توفره من ذخيرة لغوية ومفاهيمية مهمة وضرورية لنشاطهم البحثي والمهني. وتراجع مستوى المعاجم وانحسار دور وفاعلية السائد منها، وضعف آلية ومنهجية انتشارها وتوظيفها التي عجزت هي الأخرى عن المواکبة والتطور؛ لتتوافق ومتطلبات ما يشهده العالم من ثورة علمية ومعرفية وتكنولوجية سريعة وشاملة».



جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي
TT

جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي

ثمة فرق بين النقد الثقافي الساعي لإصلاح حال أمة ما وتسليط الأضواء على الأخطاء التي تعيق التطور من جهة، وجلد الذات الذي يصبح إدماناً، من جهة أخرى. هذا ما خطر ببالي وأنا أعيد قراءة كتاب الفيلسوف السعودي عبد الله العلي القصيمي «العرب ظاهرة صوتية». من وجهة نظره، العرب مُصوّتون فقط في حين لا يكتفي الآخرون بإصدار الأصوات، بل يتكلمون ويفكرون ويخططون وهم أيضاً خلاقون قاموا بإبداع الحضارات والقوة والفكر وتجاوزوا الطبيعة وفهموها وقاموا بتفسيرها قراءة فهم وتغيير وبحث عن التخطي والتفوق.

مثل هذا النقد مدمر لأنه يبشر بسقوط يستحيل النهوض منه لأن المشكلة في الجينات، والجينات لا يمكن إصلاحها. «العرب ظاهرة صوتية»، شعار رفعه العديد من الكتاب وأصبحت «كليشة» مكرورة ومملة، ولا يمكن أن يكون هذا التوجه نافعاً لأنه لا يضع خطة عمل، بل يرمي العربي في حفرة من الإحباط. مع أن هناك الكثير مما نراه من إنجازات دولنا في الجوانب النهضوية وأفرادنا على الصعيد العلمي ما يدعو إلى التفاؤل، لا الإحباط.

ما الذي خرج به جلد الذات الذي يمارسه المثقفون العرب على أنفسهم وثقافتهم بعد كل هذه العقود المتتابعة؟ بطبيعة الحال، ليس هذا موقف الجميع، إلا أن الأصوات المتطرفة توصلت إلى أن العرب لديهم مشكلة جينية، تمنعهم من مواكبة قطار الحداثة وإصلاح مشكلاتهم والانتقال إلى نظام الحياة المدنية المتحضرة. لا خلاف على تطوير أنظمة الحياة وتطبيق فلسفة المنفعة العامة للمجتمع وإعلاء قيمة حقوق الإنسان والحرية، وإنما الخلاف هو في هذا الوهم الذي يُخيل لبعض المثقفين أن المشكلة ضربة لازب وأنه لا حل، وهذا ما يجعل خطابهم جزءاً من المشكلة لا الحل، لأن هذا الخطاب أسس لخطاب مضاد، لأغراض دفاعية، يتجاهل وجود المشكلة وينكرها.

لا فائدة على الإطلاق في أن ننقسم إلى فريقين، فريق التمجيد والتقديس للثقافة العربية وفريق مشكلة الجينات. وأصحاب الرؤية التقديسية هم أيضاً يشكلون جزءاً كبيراً من المشكلة، لأنهم لا يرغبون في تحريك شيء، وذلك لأنهم يؤمنون بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وإن دخلت معهم في نقاش فتحوا لك صفحة الماضي المجيد والانتصارات العسكرية وغزو العالم في العصر الوسيط يوم كان العرب حقاً متفوقين، وكان المثقف الأوروبي يتباهى على أقرانه بأنه يتحدث العربية ويفهم فلسفة ابن رشد.

يخطئ الإسلاميون، وهم من يرفع شعار التقديس، عندما يتخيلون أن تجربتهم هي التمثيل الأوحد للديانة الإسلامية، فالنص حمَّال أوجه وفي باطنه آلاف التفاسير، والناجح حقاً هو من يستطيع أن يتخلى عن قراءاته القديمة التي ثبت فشلها ولم تحل مشكلات الشعوب التي تتوق إلى الحياة الكريمة. يخطئ من يتصور أن بإمكانه أن يسحق الأقليات ويحكم بالحديد والنار، وها هي تجربة صدام حسين وبشار الأسد ماثلة أمام عيوننا.

لقد بدأت مشكلتنا منذ زمن قديم، فالأمة العربية الإسلامية أدارت ظهرها للعلم في لحظته المفصلية في قرون الثورة العلمية والاكتشافات، ولهذا تراجعت عن المكانة العظيمة التي كانت للحضارة العربية الإسلامية يوم كانت أقوى إمبراطورية على وجه الأرض. دخلت حقاً في عصور الانحطاط عندما رفضت مبدأ السببية الذي قام عليه كل العلم بقضه وقضيضه، وولجت في عوالم من الدروشة والتخلف، ليس فقط على صعيد العلوم المادية، بل على الصعيد الأخلاقي أيضاً، وأصبحت صورة العربي في الذاكرة الجمعية تشير إلى شخص لا يمكن أن يؤتمن ولا أن يصدّق فيما يقول. هذا ما يجعله ضيفاً ثقيلاً من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية التي لجأ إليها العرب للعيش فيها.

لقد عاش العربي في دول تقوم على فرق ومذاهب متباغضة متكارهة قامت على تهميش الأقليات التي تحولت بدورها إلى قنابل موقوتة. هذا المشهد تكرر في كل الأمم وليس خاصاً بالعرب، فنحن نعلم أن أوروبا عاشت حروباً دينية دموية اختلط فيها الديني بالسياسي وأزهقت بسببها مئات الآلاف من الأرواح، لكنهم بطريقة ما استطاعوا أن يداووا هذا الجرح، بسبب الجهود العظيمة لفلاسفة التنوير ودعاة التسامح والتمدن والتعامل الإنساني الحضاري، ولم يعد في أوروبا حروب دينية كالتي لا زالت تقع بين العرب المسلمين والأقليات التي تعيش في أكنافهم. العرب بحاجة إلى مثل هذا التجاوز الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ضفاف تكاثر الدول المدنية في عالمنا، وأعني بالمدنية الدولة التي تعرف قيمة حقوق الإنسان، لا الدول التي ترفع شعار العلمانية ثم تعود وتضرب شعوبها بالأسلحة الكيماوية.

الدولة المدنية، دولة الحقوق والواجبات هي الحل، ومشكلة العرب ثقافية فكرية وليست جينية على الإطلاق. ثقافتنا التي تراكمت عبر العقود هي جهد بشري أسس لأنظمة أخلاقية وأنماط للحياة، وهذه الأنظمة والأنماط بحاجة إلى مراجعة مستمرة يديرها مشرط التصحيح والتقويم والنقد الصادق، لا لنصبح نسخة أخرى من الثقافة الغربية، وإنما لنحقق سعادة المواطن العربي وحفظ كرامته.