استنفار أمني وحشود عسكرية تؤجج الأوضاع في العاصمة الليبية

قوات الدبيبة تستعرض أسلحتها لمنع باشاغا من دخول طرابلس وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية

باشاغا خلال لقائه في تونس مع بعض قادة الميليشيات المسلحة (تجمع أنصار رئيس الحكومة)
باشاغا خلال لقائه في تونس مع بعض قادة الميليشيات المسلحة (تجمع أنصار رئيس الحكومة)
TT

استنفار أمني وحشود عسكرية تؤجج الأوضاع في العاصمة الليبية

باشاغا خلال لقائه في تونس مع بعض قادة الميليشيات المسلحة (تجمع أنصار رئيس الحكومة)
باشاغا خلال لقائه في تونس مع بعض قادة الميليشيات المسلحة (تجمع أنصار رئيس الحكومة)

وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة، ارتفع منسوب التوتر الأمني مجدداً في العاصمة الليبية طرابلس، بعد أن دخلتها على نحو مفاجئ، فجر أمس، ميليشيات مسلحة قادمة من عدة مدن ليبية أخرى، تابعة لحكومة «الوحدة» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بعد انتشار شائعات عن قرب دخول فتحي باشاغا، رئيس حكومة الاستقرار الجديدة إليها.
وادعى مقربون من باشاغا وصوله قادما من تونس، في ساعة مبكرة من صباح أمس، إلى مطار مدينة الزنتان، الواقع على بُعد نحو 180 كيلومتراً جنوب شرق طرابلس، التي جابتها أرتال لمجموعات مدججة بمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة تابعة لحكومة الدبيبة، بعدما توافدت من مصراتة والزاوية والزنتان.
وواصل باشاغا اجتماعاته مع قادة الميليشيات المسلحة، حيث التقى، مساء أول من أمس، في تونس، فتحي الغزيل، آمر المجلس العسكري لثوار الزنتان، وعبد الله الخطابي آمر كتيبة ثوار صبراتة، لكن من دون إعلان عن نتائج الاجتماع، الذي قالت مصادر على صلة بباشاغا إنه يأتي في إطار ما وصفته بالاستعدادات النهائية، التي يجريها لتسلم السلطة في طرابلس في أقرب وقت ممكن.
في المقابل، وفي استعراض للقوة، انتشرت قوات تضم عدداً من الكتائب العسكرية من المنطقتين الوسطى والغربية، تتبع حكومة الدبيبة، وسط العاصمة وضواحيها الجنوبية، حيث أظهرت لقطات مصورة انتشار سيارات مسلحة تحمل شعار «قوة دعم الدستور والانتخابات»، الموالية لهذه الحكومة، ومرور آليات عسكرية في طرق عدة، من بينها الشط ومطار طرابلس وقصر بن غشير.
ورددت عناصر من هذه القوات شعارات تبشر باقتراب ما وصفوه بـ«يوم الحسم»، وتعهدت بالتصدي لأي هجوم محتمل على العاصمة، وقال أحدهم بلهجة متحدية: «نحن بالآلاف، ومن عنده حاجة يجينا (فليأتنا) في الميدان»، بينما قال آخر إنه تم «تحشيد الآلاف ضد من يحاول التلاعب أو المساس بأمن الوطن».
في سياق ذلك، قالت مصادر في حكومة الدبيبة إن قوات تابعة لها أعلنت «النفير العام»، وبدأت في التجمع داخل بعض المعسكرات، تحسباً لتطور الأحداث على الأرض، مشيرة إلى ما وصفته بحالة استنفار أمني وتحشيد عسكري في مناطق عدة؛ أبرزها منطقة السواني جنوب العاصمة طرابلس، كما تمركزت قوات أخرى أمام مقر الأمن الخارجي.
وتعبيراً عن فشل جهود الوساطة المحلية في التوصل إلى حل بين الدبيبة وباشاغا، حمل مختار الجحاوي، آمر شعبة الاحتياط بقوة مكافحة الإرهاب التابعة لمدينة مصراتة، بعثة الأمم المتحدة مسؤولية ما قد يحدث من صدام. وطلب في بيان له عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» من باشاغا والدبيبة، «إبقاء الصراع بينهما سياسياً»، مشيراً إلى أنهما تعهدا أمامه بذلك، كما حملهما «مسؤولية أي قطرة دم قد تسال»، على حد تعبيره.
كما كرر بيان مشترك، أصدره في ساعة مبكرة من صباح أمس، بعض قادة الميليشيات في مصراتة، الذين التقوا مؤخراً الدبيبة وباشاغا، نفس التحذيرات. وقالوا إنه «تقديراً لخطورة الموقف، سعينا مع بعض القادة إلى فتح قنوات اتصال بين بعض القادة الأطراف لتجنيب ليبيا والمنطقة الغربية والعاصمة شبح الصدام، ومحاولة الوصول إلى حل يبدد زعزعة الأمن والاستقرار، وقطع الطريق على المتربصين بالوطن في الداخل والخارج، كما اتفقنا مع الطرفين على أن يبقى الصراع سياسياً ولا مخرج له إلا الحل السياسي».
في سياق ذلك، نفى عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، على لسان مستشاره الإعلامي، أن يكون قد أعلن أن حكومة باشاغا ستدخل طرابلس خلال الساعات القليلة المقبلة، وقال بشكل مقتضب: «هذا الخبر غير صحيح».
من جهة ثانية، نقلت وسائل إعلام محلية معلومات عن استدعاء الاستخبارات التركية عدداً من قيادات عملية «بركان الغضب»، التي تشنها القوات الموالية لحكومة «الوحدة»، لإجراء محادثات عاجلة في أنقرة بعد اجتماع الدبيبة وباشاغا مع بعض قادة الميليشيات المسلحة. وادعت حدوث مشادة كلامية بين أبرز هذه القيادات في مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس، في أثناء التوجه إلى تركيا.
وكان الدبيبة قد تفقد عدداً من الأسواق الشعبية في طرابلس، أول من أمس، وأكد عقب استماعه لشكاوى مواطنين متقاعدين من عدم استمرار صرف العلاوة التي أقرتها الحكومة لهم في وقت سابق، أن الحكومة وضعت المعالجة المناسبة لاستمرار صرفها، تقديراً لهذه الشريحة المهمة.
وطبقاً لبيان أصدره مكتبه، فإن الدبيبة، الذي زار هذه الأسواق للتعرف على أسعار الخضراوات والفواكه، بعد الحملة التي قام بها جهازا الحرس البلدي والأمن الداخلي، والقرارات المنظمة من وزارة الاقتصاد والتجارة، استمع لملاحظات البائعين والصعوبات التي تواجههم، كما التقى عدداً من المواطنين، الذين أبدوا ارتياحهم لانتظام نزول المرتبات، وصرف علاوة الزوجة والأولاد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».