غموضٌ يلفّ معركة طرابلس بفعل الانكفاء السني وتشتت المعارضة المدنية

TT

غموضٌ يلفّ معركة طرابلس بفعل الانكفاء السني وتشتت المعارضة المدنية

احتلت دائرة الشمال الثانية التي تضمّ مدينة طرابلس وقضاء المنية- الضنيّة، صدارة الدوائر الانتخابية في لبنان؛ حيث سجّلت لأول مرّة في تاريخها تنافس 11 لائحة على 11 مقعداً نيابياً، إلا أنها المرّة الأولى التي يلفّ الغموض معركتها، بفعل الانكفاء السنّي بعد تعليق تيّار «المستقبل» مشاركته في الانتخابات، وانقسام قوى المعارضة المدنية على نفسها، وغياب الرؤية لدى جمهور «المستقبل» الذي يقف بين خياري الإحجام الكلّي أو المشاركة الخجولة.
وتتنافس في هذه الدائرة 5 لوائح أساسية مكتملة، الأولى: لائحة «الكرامة الوطنية» برئاسة النائب فيصل كرامي المتحالف مع الأحزاب الموالية للنظام السوري، مثل «المردة» «والقومي السوري الاجتماعي» و«الأحباش»، ويحظى بدعم من «حزب الله». الثانية: لائحة «إنقاذ وطن» التي يرأسها وزير العدل الأسبق اللواء أشرف ريفي المتحالف مع حزب «القوات اللبنانية». الثالثة: لائحة «للناس» المدعومة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. الرابعة: لائحة «لبنان لنا» التي يرأسها نائب رئيس تيار «المستقبل» السابق الدكتور مصطفى علّوش، المدعوم من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. أما الخامسة: فهي لائحة «الجمهورية الثالثة» التي شكّلها رجل الأعمال عمر حرفوش، بينما انقسمت قوى المعارضة المدنية على 6 لوائح، ستؤدي -وفق الخبراء- إلى تشرذم أصواتها، وإفقادها قوّة التأثير.
ورغم ارتفاع حدّة الخطاب لاستنهاض القواعد الشعبية عند كلّ طرف، فلا أحد قادر على ضمان حصد الحدّ الأدنى من المقاعد. ويعتبر الخبير الانتخابي جان نخّول أن «نسبة المشاركة في الاقتراع هي التي تحدد مصير معركة طرابلس». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مقاطعة الناخبين التقليديين لتيار (المستقبل) ستصبّ حتماً في صالح لائحة فيصل كرامي؛ لأن ناخبي الأخير سيصبّون بشكل كثيف على الصناديق، عدا عن التزام ناخبي الأحزاب المتحالفة معه، لا سيما (المردة) و(الأحباش) بشكل يرفع من حاصل هذه اللائحة التي قد تخرج الأقوى».
وتتقارب نسبة التأييد الشعبي بين لائحتي «للناس» و«إنقاذ وطن» تارة، وتتأرجح تارة أخرى على وقع الخطاب الذي تقدّمه كلّ منهما، ومدى تحركات مرشحيها على الأرض، ويعترف الخبير الانتخابي نخول بأن «لائحة مصطفى علوش قد تسجّل مفاجأة، إذا جيّر قدامى (المستقبل) أصواتهم لها، بالإضافة إلى الاستفادة من الحيثية الشعبية في المنية- الضنية للنائب سامي فتفت المرشح على اللائحة نفسها». ويشدد جان نخول على أنه «كلما ارتفعت نسبة التصويت تقدّمت فرصة التغيير».
ويشغل مقاعد طرابلس الثمانية، 5 سُنة، ونائب واحد ماروني، ونائب أرثوذكسي، ونائب من الطائفة العلوية. أما قضاء المنية- الضنيّة، فله 3 نوّاب سُنة.
ويشير اللواء أشرف ريفي، رئيس لائحة «إنقاذ وطن»، إلى أن «المعركة الانتخابية في طرابلس كما كلّ لبنان، هي مواجهة مع وصاية إيران المتمثلة بـ(حزب الله)»، معتبراً أن «هذه الوصاية التي تتحالف مع منظومة الفساد، هي التي دمرت الاقتصاد وأفقرت اللبنانيين». ويرى ريفي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «طرابلس في هذه الانتخابات تشكّل قلب المواجهة، فدائرة طرابلس المنية- الضنية، هي من الدوائر التي يسعى عبرها (حزب الله) لاختراق الساحة السنية، وسنمنعه من ذلك؛ لأن التصويت السنّي سيتجه إلى تأييد قوى السيادة والتغيير التي تسعى لاستعادة الدولة المخطوفة».
وفي ردّ على رهان فريق «الممانعة» على ما يسمّى «الفراغ عند السُّنة»، يقول ريفي: «المؤشرات لدينا تؤكد العكس، فلا فراغ ولا مقاطعة سنيّة للاستحقاق الانتخابي؛ بل مشاركة تحت عنوان تحرير لبنان، وإعادة وضعه على الخريطة العربية والدولية». ويختم مشدداً على «ضرورة توحيد القوى السيادية وتجاوز الحساسيات؛ لأن الانتخابات محطة على طريق الإنقاذ، أما المقاطعة فتصبّ في خدمة مشروع الدويلة، ولا مجال الآن للحسابات الصغيرة، ونحن نلمس يوماً بعد يوم توقاً لدى الناس للتصويت بكثافة، وهذا ما سيقلب السحر على الساحر».
أما في القراءة المحايدة للمشهد الانتخابي في عاصمة لبنان الشمالي، فيرى السياسي الدكتور خلدون الشريف، أن طرابلس «تتحضّر لمعركة باهتة من حيث القدرة على دفع الناخبين بحماسة». ويشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الناس لم تلمس منذ عقد ونيف، -أي منذ انتخابات عام 2009 حتى اليوم- أن من انتخبوهم تمكنوا من خدمتهم بشكل فاعل، أو نجحوا في تحسين الحضور السياسي لطرابلس، رغم تبوُّء كثيرين مقاعد متقدمة في الدولة، كما أن قياداتها لم تنجح في تحسين واقعها الاقتصادي قيد أنملة، رغم توفر الثروات المالية وتراكم الخبرات عند كثيرين في حقل المال والأعمال».
ولا يحمّل الشريف القيادات السياسية للمدينة وحدها المسؤولية، ويلفت إلى أن «المجتمع المدني في طرابلس لم يستطع -كما أهل الثروة- إقناع أبناء المدينة بأنّهم يشكّلون بديلاً جدياً عند المواطنين لتحقيق الإنماء المطلوب، ما يجعلهم مترددين في الذهاب إلى الصناديق؛ خصوصاً أن الوجوه المرشّحة لا تعطي انطباعاً بأنها قادرة على إحداث التغيير المطلوب».
أما في البعد السياسي الذي يحدّ من عزيمة الناخبين في الإقبال على الاقتراع، فيلاحظ خلدون الشريف أن طرابلس «تحوّلت سياسياً إلى ساحة لمعركة بين حلفاء (حزب الله) عبر لائحة النائب فيصل كرامي، مقابل لائحة (القوات اللبنانية) المتحالفة مع الوزير السابق أشرف ريفي».



طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

TT

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)
قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)

قال الجيش السوري ومصادر من قوات المعارضة إن قوات جوية روسية وسورية قصفت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سوريا، قرب الحدود مع تركيا، اليوم (الخميس)، لصد هجوم لقوات المعارضة استولت خلاله على أراضٍ لأول مرة منذ سنوات.

ووفقاً لـ«رويترز»، شن تحالف من فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً، أمس (الأربعاء)، اجتاح خلاله 10 بلدات وقرى تحت سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد في محافظة حلب، شمال غربي البلاد.

وكان الهجوم هو الأكبر منذ مارس (آذار) 2020، حين وافقت روسيا التي تدعم الأسد، وتركيا التي تدعم المعارضة، على وقف إطلاق نار أنهى سنوات من القتال الذي تسبب في تشريد ملايين السوريين المعارضين لحكم الأسد.

وفي أول بيان له، منذ بدء الحملة المفاجئة قال الجيش السوري: «تصدَّت قواتنا المسلحة للهجوم الإرهابي الذي ما زال مستمراً حتى الآن، وكبَّدت التنظيمات الإرهابية المهاجمة خسائر فادحة في العتاد والأرواح».

وأضاف الجيش أنه يتعاون مع روسيا و«قوات صديقة» لم يسمِّها، لاستعادة الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

وقال مصدر عسكري إن المسلحين تقدموا، وأصبحوا على مسافة 10 كيلومترات تقريباً من مشارف مدينة حلب، وعلى بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين بهما حضور قوي لجماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.

كما هاجموا مطار النيرب، شرق حلب، حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.

وتقول قوات المعارضة إن الهجوم جاء رداً على تصعيد الضربات في الأسابيع الماضية ضد المدنيين من قبل القوات الجوية الروسية والسورية في مناطق جنوب إدلب، واستباقاً لأي هجمات من جانب الجيش السوري الذي يحشد قواته بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة.

وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، اليوم (الخميس)، أن البريجادير جنرال كيومارس بورهاشمي، وهو مستشار عسكري إيراني كبير في سوريا، قُتل في حلب على يد قوات المعارضة.

وأرسلت إيران آلاف المقاتلين إلى سوريا خلال الصراع هناك. وبينما شمل هؤلاء عناصر من الحرس الثوري، الذين يعملون رسمياً مستشارين، فإن العدد الأكبر منهم من عناصر جماعات شيعية من أنحاء المنطقة.

وقالت مصادر أمنية تركية اليوم (الخميس) إن قوات للمعارضة في شمال سوريا شنَّت عملية محدودة، في أعقاب هجمات نفذتها قوات الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنها وسَّعت عمليتها بعد أن تخلَّت القوات الحكومية عن مواقعها.

وأضافت المصادر الأمنية أن تحركات المعارضة ظلَّت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في عام 2019، بهدف الحد من الأعمال القتالية بين قوات المعارضة وقوات الحكومة.

وقال مصدر بوزارة الدفاع التركية إن تركيا تتابع التطورات في شمال سوريا عن كثب، واتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان أمن القوات التركية هناك.

ولطالما كانت هيئة تحرير الشام، التي تصنِّفها الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، هدفاً للقوات الحكومية السورية والروسية.

وتتنافس الهيئة مع فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وتسيطر هي الأخرى على مساحات شاسعة من الأراضي على الحدود مع تركيا، شمال غربي سوريا.

وتقول قوات المعارضة إن أكثر من 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، قُتلوا منذ بداية العام في غارات بطائرات مُسيرة على قرى تخضع لسيطرة قوات المعارضة.

وتقول دمشق إنها تشن حرباً ضد مسلحين يستلهمون نهج تنظيم القاعدة، وتنفي استهداف المدنيين دون تمييز.