شلل تام يصيب منظومة الحكم في العراق بعد 19 عاماً من سقوط صدام

صراعات داخل البيت الشيعي وخلافات كردية - كردية

العراق يعيش انسداداً سياسياً كاملاً بعد 19 سنة من سقوط نظام صدام حسين (رويترز)
العراق يعيش انسداداً سياسياً كاملاً بعد 19 سنة من سقوط نظام صدام حسين (رويترز)
TT

شلل تام يصيب منظومة الحكم في العراق بعد 19 عاماً من سقوط صدام

العراق يعيش انسداداً سياسياً كاملاً بعد 19 سنة من سقوط نظام صدام حسين (رويترز)
العراق يعيش انسداداً سياسياً كاملاً بعد 19 سنة من سقوط نظام صدام حسين (رويترز)

في ذكرى سقوط بغداد بأيدي الجنود الأميركيين، عام 2003، يبدو العراق غارقاً اليوم في انسداد سياسي تام، في ظل عجز مكوناته السياسية المختلفة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وكذلك فشلها في الاتفاق على من هو الطرف الذي يشكل الغالبية النيابية التي تسمح له بتحديد الشخصية التي ستوكل لها مهمة تشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لحكومة مصطفى الكاظمي الحالية.
كيف تبدو العلاقة بين الأطراف المتصارعة داخل البيت الشيعي؟ ما مصير مهلة الأربعين يوماً التي منحها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لخصومه الشيعة في الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة؟ ما وضع الخلاف بين الأكراد أنفسهم على منصب رئيس الجمهورية؟ هذه جولة على تطورات المشهد السياسي العراقي في ذكرى سقوط النظام السابق...
لم تنجح منظومة الحكم السياسية في العراق، بعد مرور 19 عاماً على سقوط نظام صدام حسين على أيدي الأميركيين، في الاتفاق على عقد سياسي جديد. قال ذلك صراحة الرئيس العراقي برهم صالح في الذكرى التاسعة عشرة لسقوط بغداد، محذراً من استمرار الأزمة السياسية الحالية التي تمر بها البلاد بعد نحو 6 شهور على إجراء الانتخابات النيابية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
قال صالح، وهو أحد 40 مرشحاً يتنافسون على منصب رئيس الجمهورية، في بيان بمناسبة ذكرى سقوط نظام صدام: «في يوم سقوط صنم الاستبداد، الحاجة مُلحة لتلبية مطلب العراقيين بحكم رشيد، ومعالجة الخلل البنيوي في منظومة الحكم». وأضاف: «بعد عقدين من التغيير، يمر بلدنا بظرف حساس وسط انسداد سياسي وتأخر استحقاقات دستورية عن مواعيدها المُحددة، وهو أمر غير مقبول بالمرة بعد مضي أكثر من خمسة أشهر على إجراء انتخابات مُبكرة استجابة لحراك شعبي وإجماع وطني لتكون وسيلة للإصلاح وضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي وتصحيح المسارات الخاطئة وتحسين أوضاع المواطنين والاستجابة لمطالبهم».
وجدد صالح الدعوة إلى «عقد سياسي واجتماعي ضامن للسلم الأهلي، يقوم على مراجعة موضوعية لأخطاء الماضي». لكن واقع الحال يشير إلى أن لا أحد يريد مراجعة أخطاء الماضي. فبعد شهور على إجراء الانتخابات البرلمانية التي وصفت بأنها مبكرة (أبكر بشهور فقط من موعدها المبدئي)، لا يزال الشلل التام يصيب كل منظومة الحكم في العراق الذي دخل مرحلة الفراغ الدستوري.
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قائد تحالف الأغلبية الوطنية، قد فاجأ خصومه في البيت الشيعي (الإطار التنسيقي)، حين رمى الكرة في ملعبهم بشأن ما إذا كانوا قادرين على تشكيل حكومة أغلبية وطنية بدلاً منه، أم لا. ويعرف الصدر وخصومه، بالطبع، أن المعادلة فيها اختلال كبير. وقوام هذا الاختلال أنه في الوقت الذي يملك فيه الصدر أغلبية «الثلثين المعطلين» فإن «الإطار التنسيقي» الذي يضم القوى الشيعية التي سبق لها أن رفضت نتائج الانتخابات يملك «الثلث المعطل».
وكانت المعادلة السياسية في العراق تقوم على مبدأ التوافقية التي تعني توزيع المناصب بما فيها السيادية والوزارية، وسواها طبقاً لمبدأ المحاصصة. لكن الذي حصل بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، هو خروج زعيم التيار الصدري عما كان إجماعاً يحكم البيت الشيعي، حين أصر على تشكيل حكومة أغلبية وطنية ألحقها بشعاره المعروف «لا شرقية ولا غربية». إصرار الصدر على تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية يستلزم مشاركة قوى أخرى خارج البيت الشيعي الذي بات منقسماً بين طرفين: الكتلة الصدرية التي تملك 75 مقعداً في البرلمان العراقي مقابل قوى الإطار التنسيقي (تضم تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، ائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، عطاء بزعامة فالح الفياض، السند الوطني بزعامة أحمد الأسدي)، التي تملك كلها نحو 81 مقعداً مع اختلاف كبير في حجومها داخل هذه التركيبة.
- فيتو... لا فيتو
ففي الوقت الذي حصل فيه ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، على 34 مقعداً وهو ما جعله الثاني في البيت الشيعي بعد الصدر بعد أن كان المالكي يملك 24 مقعداً في انتخابات 2018، فإن تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم الذي كان عدد مقاعده في الانتخابات الماضية 22 مقعداً لم يحصل في الانتخابات المبكرة سوى على مقعدين اثنين. وفي الوقت نفسه، فإن زعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي الذي كان يملك أكثر من 12 مقعداً في الانتخابات السابقة، لم يحصد في الانتخابات الأخيرة إلا مقعداً واحداً. والأمر نفسه ينطبق على منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري ضمن تحالف الفتح الذي كان يملك 21 مقعداً، إذ لم يحصل إلا على 7 مقاعد.
فاجأت النتائج تماماً قادة هذه الأحزاب الشيعية العراقية، الأمر الذي جعلهم يرفضونها ويصفونها بأنها مزورة. وبرغم أنهم قدموا عدة طعون إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ومن ثم إلى المحكمة الاتحادية العليا بشأن ذلك، فإن النتائج جاءت مطابقة للنتائج المعلنة في البداية. كما أن المحكمة الاتحادية أقرت النتائج النهائية للانتخابات، مؤكدة بذلك أن التيار الصدري يتقدم وبفارق كبير عن أقرب منافسيه من الأحزاب والتيارات الشيعية.
وبعد إعلان النتائج، أعلن الصدر، المتصدر، برنامجه لتشكيل حكومة أغلبية وطنية خارج البيت الشيعي الذي أصبح بيتين: بيت يتزعمه مقتدى الصدر ويملك الأغلبية، وبيت بعدة رؤوس لم يعد عملياً يملك الأغلبية. وفي محاولة من الإطار التنسيقي لإجراء مفاوضات مع الصدر لتأمين الكتلة الأكبر وبقائها ضمن البيت الشيعي، فإن المفاوضات التي أجريت بين بغداد والحنانة بمدينة النجف، حيث مقر الصدر، لم تسفر عن نتيجة بسبب الفيتو الذي وضعه الصدر على نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون والخصم الرئيسي للصدر منذ ما سمي عملية «صولة الفرسان» التي قادها المالكي عام 2007 حين كان رئيساً للوزراء آنذاك ضد «جيش المهدي» الذي شكله الصدر بعد احتلال أميركا للعراق عام 2003 بهدف مقاومة الأميركيين. استمرت المفاوضات بين الطرفين واستمر فيتو الصدر على المالكي، حتى قام الصدر بنفسه برفع هذا الفيتو عبر اتصال هاتفي مفاجئ بالمالكي. وفي الوقت الذي بدا فيه أن هذا الاتصال الهاتفي مثّل بداية انفراجة داخل البيت الشيعي، فإن المفاجأة سرعان ما انتهت أو استوعبها المالكي حين عرض الصدر على المالكي القبول بابن عمه جعفر الصدر (سفير العراق الحالي لدى المملكة المتحدة) مرشحه لرئاسة الوزراء طالباً من خصومه في البيت الشيعي قبول هذا الترشيح.
- إشكالية الكتلة الأكبر
لا أحد من الشيعة يرفض من حيث المبدأ مرشحاً مثل جعفر محمد باقر الصدر لترؤس الحكومة. فالصدر الابن هو في النهاية نجل أحد أكبر مراجع الشيعة ومفكريهم في القرن العشرين، فضلاً عن كونه المؤسس والمرجع الأول لحزب الدعوة. لكنه في ظل بناء نمط جديد من التحالفات، فإن المشكلة التي واجهت الجميع هي الكتلة الأكثر عدداً التي تملك حق تكليف رئيس وزراء لتشكيل الحكومة. وطبقاً لما تسرب من معلومات حول المكالمة الهاتفية بين الصدر والمالكي، أبلغ الأخير الصدر بأنه لا يوجد اعتراض من حيث المبدأ على شخصية جعفر الصدر، لكن السؤال يتعلق بكيف يمكن تقديمه لرئاسة الوزراء طالما أن الأمر مرهون بالكتلة الأكبر التي تقدمه. وهنا تساءل المالكي: هل يقدم جعفر الصدر من قبل كتلة شيعية أكبر تمثل التيار الصدري والإطار التنسيقي؟ أم يقدم من قبل كتلة الصدر التي تضم تحالف السيادة السنّي بزعامة محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني؟ عند هذا الحد، انتهت المكالمة الهاتفية وعادت الأمور بين التيار الصدري والإطار التنسيقي إلى المربع الأول. فالصدر بقي مصراً على أن تقدم كتلته (تحالف إنقاذ وطن) المكلف بتشكيل الحكومة، بينما رأى الإطار التنسيقي أنه في حال تم اللجوء إلى هذا الخيار فإن المكون الشيعي الذي يملك أغلبية السكان والبرلمان سيتحول إلى أقلية للمرة الأولى منذ عام 2003.
- عقدة الرئيس
طوال الدورات البرلمانية الأربع الماضية، لم يكن منصب رئيس الجمهورية عقدة بحد ذاته، إذ إن المناصب السيادية العليا (الرئاسات الثلاث) توزع عرفاً على المكونات (رئاسة الجمهورية للكرد، رئاسة البرلمان للعرب السنة، رئاسة الوزراء للشيعة). وطالما أن الحزبين الكرديين الرئيسيين في إقليم كردستان (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني) كانا متفقين على تقسيم المناصب بينهما بين بغداد وأربيل، فإنه لم تكن هناك مشكلة في منصب رئيس الجمهورية. حتى عندما حصلت المشكلة المعروفة بين الحزبين عام 2018 ودخلا البرلمان بمرشحين اثنين، فإن الفضاء الوطني داخل البرلمان هو الذي حسم الموقف حين تم انتخاب الرئيس الحالي برهم صالح بأغلبية كبيرة ضد خصمه مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين وزير الخارجية الحالي.
وتكررت مشكلة الحزبين الآن، ولكن في ظل ظروف مختلفة قوامها تغيير نمط التحالفات. فالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني انضم إلى التحالف الثلاثي بزعامة مقتدى الصدر. كما انضم إلى هذا التحالف تحالف السيادة السني. وطالما أن منصب رئيس الجمهورية، طبقاً للدستور العراقي، يحتاج أغلبية الثلثين الذي تم تكريسه عبر التفسير الذي قدمته المحكمة الاتحادية العليا التي اشترطت أن تكون أغلبية الثلثين قائمة عبر كلتا الجولتين، فإن منصب رئيس الجمهورية تحوّل إلى العقدة الكبرى الآن بسبب النص الدستوري وتفسير الاتحادية. ففي هذه الحالة، فإن تحالف الصدر الثلاثي لا يملك أغلبية الثلثين اللازمة لانتخاب مرشحه لرئاسة الجمهورية وهو مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد. وريبر أحمد جاء ترشيحه من قبل الحزب الديمقراطي بعد إقصاء المرشح السابق وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري من قبل المحكمة الاتحادية العليا. وقد حصلت إشكاليات تتعلق بفتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بعد نهاية المهلة الدستورية للترشح، ذلك أن الديمقراطي الكردستاني، بعد إقصاء زيباري، كان يواجه خطر الحرمان من الترشح لهذا المنصب، وهو ما يعني فتح الطريق أمام مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني الرئيس الحالي برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية. وقد قبلت المحكمة الاتحادية العليا الطعن الذي قدمه أحد نواب البرلمان العراقي بشأن عدم دستورية فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية للمرة الثانية بعد إقصاء المرشح السابق للحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري. وبينما بدا موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني في غاية الصعوبة نظراً لغموض مصير مرشحه البديل ريبر أحمد البارزاني وزير داخلية إقليم كردستان، فقد اتخذت المحكمة الاتحادية قراراً بدا بمثابة حل وسط مثّل حبل إنقاذ للديمقراطي الكردستاني. فبعد أن اتخذت رئاسة البرلمان قراراً بفتح باب الترشيح لمدة ثلاثة أيام بهدف إتاحة الفرصة للديمقراطي الكردستاني ترشيح بديل لزيباري، فإن المحكمة الاتحادية التي طعنت بهذا القرار منحت في الوقت نفسه البرلمان، بالأغلبية البسيطة وليس نتيجة قرار من رئاسة البرلمان، الحق في إعادة فتح باب الترشيح لمرة واحدة وأخيرة. ونظراً لامتلاك كل من التحالفين («الثلاثي» و«الإطار التنسيقي») ما بات يسمى «الثلث المعطل»، فقد بدا من الصعوبة المضي ببقية الاستحقاقات الدستورية التي تتمثل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية ومن ثم تحديد ما هي الكتلة الأكبر التي ستختار مكلفاً بتشكيل الحكومة.
- انغلاق أم انسداد سياسي؟
في هذه الأثناء، زاد المشهد تعقيداً بعد إخفاق البرلمان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإخفاق الأكراد في الاتفاق على مرشح متفق عليه بينهم. في كل الأزمات السياسية السابقة، كانت الأطراف المتنازعة تخرج من عنق الزجاجة في الوقت بدل الضائع ونتيجة ضغط إقليمي في الغالب من إيران، وكان كل واحد منها يخرج وهو راضٍ بالغنيمة التي حصل عليها وبالحصص الوزارية التي نالها. لكن الأمر اختلف في هذه الانتخابات، حيث وصل المشهد السياسي إلى ما بات يصنف على أنه «انسداد سياسي» كامل.
حاول الزعيم الكردي مسعود بارزاني أن يفتح كوة في جدار الانغلاق السياسي حين أطلق مبادرة تهدف إلى إقناع الصدر برفع الفيتو عن المالكي، قبل اتصال الصدر بالمالكي فيما بعد. كان الهدف من مبادرة بارزاني التي لم يتعامل معها الصدر، برغم أن بارزاني حليفه، محاولة لحلحلة الأزمة بين التيار الصدر والإطار التنسيقي. وطبقاً لما بدا مشهداً جديداً في العملية السياسية في العراق بعد عام 2003، فإن المتغير الرئيسي هو أن الصدر دخل بنفسه وبكل ثقله بهدف تغيير المعادلات السياسية. وطبقاً لما أبلغ به «الشرق الأوسط» سياسي قريب من الكواليس، فإن الصدر ألغى دور «العراب» الذي كان يقوم في الماضي بترتيب الأمور، ومن ثم يتم التوافق بين الجميع بصرف النظر عما إذا كان هذا العرّاب خارجياً أم داخلياً، بحيث بات اليوم هو الذي يتصرف ويفاوض، بدليل مجيئه إلى بغداد أكثر من مرة واتصالاته الهاتفية من الأطراف السياسية المختلفة. ورداً على سؤال بشأن رفع فيتو الصدر عن المالكي، يقول هذا السياسي إن «هناك أموراً كثيرة حصلت خلال الفترة الأخيرة من بينها تراجع العلاقة بين الصدريين والحزب الديمقراطي الكردستاني، التي تكاد تكون وصلت إلى حافة حرجة، لا سيما بعد قرارات المحكمة الاتحادية وعدم اعتراف السيد بارزاني وحكومة الإقليم بقراراتها»، مضيفاً أن «الأمر نفسه انسحب على الموقف من تحالف السيادة، خصوصاً أن الصدر انزعج كثيراً من الصورة التي جمعت زعيمي تحالف السيادة الحلبوسي وخميس الخنجر مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بحضور مدير مخابراته». ويمضي المصدر السياسي بالقول إنه «بعد هذه الأمور، بالإضافة إلى تصاعد النقمة الشعبية بعد ارتفاع الأسعار وتأخير تشكيل الحكومة نتيجة للفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، قرر الصدر قلب المعادلة على الجميع وإعادة بناء التحالفات».
مع ذلك، بقي الانسداد السياسي قائماً، لا سيما مع الفشل المستمر في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي هذا السياق، أكد قيادي في «الإطار التنسيقي» لـ«الشرق الأوسط»، أن «مواقف الصدر لم تعد واضحة بالنسبة لهم قدر وضوحها بالنسبة لشركائه في التحالف الثلاثي»، مبيناً أنه «في الوقت الذي يحترم فيه الصدر تعهداته مع الأكراد والسنة إلى الحد الذي وصل فيه الأمر حد إعلان الدفاع عنهم بدعوى تعرضهم إلى تهديدات، فإنه اعتمد سياسة غير واضحة مع من يفترض أنهم الركن الآخر في البيت الشيعي حتى بافتراض وجود مشاكل داخل هذا البيت». وأضاف أن «الشروط التي طرحها الصدر لمفهوم الأغلبية الوطنية بدت موجهة ضد الأطراف الشيعية، وأولهم زعيم دولة القانون نوري المالكي، بينما لم يضع أي شرط لمشاركة الآخرين، لا سيما الأكراد والسنة بشأن ما يتبناه على صعيد حكومة الأغلبية الوطنية».
ويتضح مما يراه هذا القيادي في «الإطار التنسيقي» أن أزمة الثقة لا تزال عميقة بين الطرفين، حتى بعد اتصال الصدر بالمالكي. فالمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من أكثر من مصدر تفيد بأن «هناك انزعاجاً من وجود قادة سنّة ضمن اجتماع لبحث الأزمة داخل البيت الشيعي في حين لم يتدخل الشيعة في الحوارات بل والسجالات التي كانت تدور بين القادة السنّة والتي لم تحسم الإ خارج العراق، ومن قبل الرئيس التركي تحديداً». وترى مصادر مطلعة أن «الاجتماع كان منذ البداية غير محدد بمناقشة الأزمة داخل البيت الشيعي، خصوصاً بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، إنما كان بهدف مناقشة مفهوم حكومة الأغلبية الوطنية بين التحالف الثلاثي بحضور الصدر وتحالف السيادة بغياب الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لا أحد يعرف لماذا لم تتم دعوة ممثل عنه لحضور هذا الاجتماع».

أحد مؤيدي مقتدى الصدر في مدينة الصدر شرق بغداد (أ.ف.ب)

- الصواريخ على خط الأزمة
> على الرغم من الجهود التي حاول القيام بها قائد «فيلق القدس» بـ«الحرس الثوري» الإيراني، إسماعيل قآني، على صعيد إمكانية حلحلة الأزمة داخل البيت الشيعي، حتى لو أدى ذلك إلى الضغط على حلفاء الصدر من الأكراد والسنة، فمن الواضح أن تلك الجهود باءت بالفشل. وفي هذه الأثناء، دخلت الصواريخ على خط الأزمة من أوسع أبوابها، عندما قصفت إيران ما قالت إنه موقع لـ«الموساد» الإسرائيلي في أربيل. وقد بلغ تبادل الأدوار بين إيران وأذرعها في العراق أوجه مؤخراً. فإيران «الحرس الثوري» أعلنت ضرب أربيل بـ12 صاروخاً باليستياً بدعوى وجود مقر للاستخبارات الإسرائيلية هناك. وبينما أعلنت إيران أنها يمكن أن تواصل قصف مواقع جديدة في إقليم كردستان تنطلق منها هجمات تستهدف إيران، فإن فصيلاً مجهولاً لم يعلن عن نفسه كالعادة أمطر قاعدة بلد الجوية بأربعة صواريخ كاتيوشا، بحجة وجود جنود أميركيين داخل هذه القاعدة التي تضم طائرات «إف 16» حصل عليها العراق من الولايات المتحدة.
لم تغيّر الصواريخ في المعادلة كثيراً، كما أنها لم تجعل الصدر يعيد حساباته. لكن القوى السياسية العراقية أدركت مجتمعة، كما يبدو، أنها وصلت إلى طريق مسدودة بشأن إمكانية التوصل إلى حل لأزمة انتخاب رئيس الجمهورية. ولم يعد أمام الصدر سوى أن يعيد رمي الكرة في مرمى خصومه في البيت الشيعي، حين منحهم فرصة تشكيل الحكومة خلال فترة أربعين يوماً تبدأ من اليوم الأول من شهر رمضان وتنتهي في التاسع من شوال، طالما هم يملكون الثلث بينما هو يملك الثلثين. وبين الثلث والثلثين تبقى الأنظار متجهة الآن نحو ما يمكن أن تقوله المحكمة الاتحادية العليا بعد تجاوز كل المدد الدستورية التي منحتها لانتخاب رئيس الجمهورية.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.