سنوات السينما

المخرج نوري بوزيد
المخرج نوري بوزيد
TT

سنوات السينما

المخرج نوري بوزيد
المخرج نوري بوزيد

مانموتش‬ 2012 جمال تلك الفضاءات الكبيرة
«مانموتش» هو دراما اجتماعية على خلفية الأحداث الدائرة وفحواها يتمحور حول فتاتين صديقتين (سهير بن عمارة ونور مزوي) واحدة محجبة والثانية لا تؤمن بالحجاب وتعملان معاً في مطعم. المحجبة تتحاشى الاحتكاك مع صاحب المطعم الذي يتحرش بها، أما الثانية فهي مخطوبة لتونسي عائد من هجرة سنوات في باريس. لكنه عائد بعقلية مزدوجة فيما يتعلق بحرية الفتاة المخطوبة إليه، ففي حين هو أبعد عن ممارسة الشعائر ويسمح لنفسه بالشرب، إلا أنه يريد من خطيبته أن تتحجب مدعياً أن والدته هي التي تريد ذلك. يساعده في ذلك شقيقها الخارج من السجن معتنقاً الوجهة المتطرفة والذي يحب الصديقة المحجبة. يلج الفيلم من هنا مشاكل كل فتاة مع محيطها ومشاكلهما معاً مع الوضع الاجتماعي العام، وهو بذلك عمل رئيسي يتجاوز عثرات أفلام تونسية أخرى تناولت موضوع الحياة الاجتماعية في وسط الظروف الحاضرة.
حقق المخرج التونسي المعروف نوري بو زيد الفيلم في أعقاب ما عرف بثورة الربيع التونسي وتقع أحداثه في أتونها. يبدأ الفيلم وقتال الشوارع بين قوات النظام والثائرين عليه محتدمة واليد العليا حتى بدء الفيلم لقوات النظام التي نراها تنهال على المتظاهرين بالضرب المبرح. البداية دفق من لقطات العراك والهروب واللجوء إلى داخل المباني هرباً من بطش القوات النظامية ونظرات الخوف التي تعتلي الأعين وهم يتابعون ضرب أحد المتظاهرين ثم موت آخر قريب.
في أفلام بوزيد عموماً هناك دوماً شخص يريد من الآخر شيئاً لا يستطيع الآخر تقديمه. الأخ يريد من شقيقته ارتداء الحجاب وهي ترفض. الأب يريد الدفاع عنها لكنه ضعيف. صاحب المطعم يرغب في صديقتها المحجبة لكنها ممتنعة. إنها حالات ممانعة الأقوياء فيها يفرضون الرغبة والضعفاء يتمنعون ويعانون. الجميع هنا يدور في رحى تلك الإرادات صغيرة وكبيرة والفيلم إذ يسند بطولته لشخصيتين نسائيتين يذكـر قليلاً بفيلم روماني ورد في فترة زمنية متقاربة عنوانه «وراء الهضاب» (راهبة في كنيسة تشترك في محاولة فرض التدين على صديقتها). في «مانموتش» (الذي ينتهي بمشهد يموت فيه عازف أوكارديون أعمى يقوم به المخرج نفسه) الفرض ممارس على المتحررة من قبل شقيقها وأمها وخالتها، قبل أن تعترف الأخيرة بأن هذا هو طريق خطأ ويعترف الشقيق بأنه بات يفهم أكثر معنى الحريـة الفردية التي تتحمل تبعات ما تقوم به. لكن الفيلم لا ينتهي بأمل. بالنسبة إلى مخرجه المخاض صعب وهو يوعز بأن نهايات الأشياء ليست سعيدة.
يكرر الفيلم مفارقات لا تضيف فوق ما تم الحديث فيه. الطرح الذي نراه في الدقيقة الخمسين مثلاً كان تم طرحه قبل ذلك بربع ساعة. السيناريو يبدو كمن يريد التأكيد أكثر مما يهمـه المضي في التطوير. بذلك لا يتصاعد الفيلم على نحو مستمر. ما ينقذه هو الإخراج من ناحيتيه التقنية والفنية وتأطير مشاهده وتصميم حركة الكاميرا كما تمثيله الجيد والتلقائي من قبل الجميع بلا استثناء.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.