الجيش الليبي يتهم تركيا رسميًا بتجنيد المتطرفين في ليبيا وسوريا

حكومة الثني طالبت أنقرة باحترام السيادة الإقليمية

الجيش الليبي يتهم تركيا رسميًا بتجنيد المتطرفين في ليبيا وسوريا
TT

الجيش الليبي يتهم تركيا رسميًا بتجنيد المتطرفين في ليبيا وسوريا

الجيش الليبي يتهم تركيا رسميًا بتجنيد المتطرفين في ليبيا وسوريا

في سابقة هي الأولى من نوعها، اتهم الجيش الليبي تركيا رسميا بالمسؤولية «عن جميع عمليات التجنيد والدعم للجماعات المتطرفة في ليبيا وسوريا»، مؤكدا أمس على حق القوات المسلحة الليبية بضرب أي سفينة أو طائرة عسكرية أو مدنية تدخل المجال الجوي أو البحري من دون إذن من الحكومة الليبية المؤقتة التي تحظى بالاعتراف الدولي.
وقصف الجيش الليبي أول من أمس سفينة الشحن «Tuna - 1» التابعة لإحدى الشركات التركية والتي تحمل علم جزر الكوك، كانت في طريقها من إسبانيا إلى سواحل ليبيا، ما أدى إلى مقتل القبطان الثالث للسفينة الذي يحمل الجنسية التركية، وإصابة عدد من طاقمها، بالإضافة لوقوع أضرار مادية في السفينة.
وقالت غرفة عمليات الجيش الليبي في صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن مدينة درنة التي كانت تتجه إليها سفينة الشحن التركية التي تم قصفها أول من أمس، تعد خارج سيطرة ليبيا بالكامل، واعترف المتطرفون فيها بأنهم جزء من تنظيم داعش الإرهابي.
من جهتها، قالت القيادة العامة للجيش الليبي، إن سلاح الجو التابع لها كان بإمكانه تدمير سفينة الشحن التركية، لكنه اكتفى فقط بقصفها، مشيرة إلى أن الباخرة التي زعمت أنها تحمل بضائع مدينة تجاهلت كل التحذيرات التي وجهها لها بالتوقف لتفتيش الحمولة أو مغادرة المياه الإقليمية الليبية.
ولفتت قيادة الجيش في بيان رسمي أصدرته، أمس، في أول تعليق لها على قصف السفينة التركية، إلى أن السفينة كانت تتجه إلى سواحل مدينة درنة التي تعد وكرا للمتطرفين في شرق البلاد، كما أن السلطات الليبية أغلقت ميناءها رسميا قبل بضعة شهور في إطار مكافحة الإرهاب.
وأوضحت أن طاقم السفينة لم يستجب للنداءات المتكررة بالتوقف ما دفع الجيش إلى قصفها بالمدفعية والطائرات كخيار أخير، مؤكدة أنها لن تتردد في أداء واجبها من أجل فرض سيادة الدولة على أراضيها وحماية حدودها ومياهها الإقليمية بكل ما أوتيت من قوة.
من جانبها، رأت الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني، أن اختراق الناقلة التركية للمياه الإقليمية، شكل خرقا صريحا للأعراف الدولية ولكل المواثيق المنظمة لاحترام سيادة الدول، وكذلك للنظم الملاحية التي تتطلب الحصول على إذن دخول من الجهات المختصة متجاهلة كل التحذيرات بعدم الدخول إلى المياه الإقليمية.
وأكدت الحكومة ضرورة احترام السيادة الليبية، لافتة إلى أنها نبهت المجتمع الدولي إلى اختراق بعض السفن ودخولها للمياه الإقليمية لدعم الجماعات الإرهابية بالأسلحة والذخائر والمتطرفين لاستمرار الاقتتال على الأراضي الليبية.
وجددت تأكيدها بشأن ضرورة عدم المساس بسيادة الدولة، موجهة تحذيرا جديدا لكل السفن بعدم دخول المياه الإقليمية الليبية إلا بعد التنسيق مع الجهات المختصة.
إلى ذلك، طلبت حكومة الثني رسميا أمس من مجلس النواب الذي يعد أعلى سلطة تشريعية وسياسية في البلاد، تأجيل مثول رئيسها ووزرائه أمام المجلس للمسائلة إلى وقت لاحق، مشيرة إلى أن الوقت لم يكن كافيا لكي تجهز ردودها على تساؤلات ديوان المحاسبة.
وقال حاتم العريبي، الناطق الرسمي للحكومة، إنها طلبت التأجيل لعدم قدرتها على تحضير وتقديم كل الردود على التساؤلات التي أرسلها ديوان المحاسبة لرئاسة الوزراء قبل موعد هذه الجلسة بيومين فقط. وأضاف وفقا لوكالة الأنباء الرسمية أن «الوقت كان غير كافٍ أمام الحكومة لتقديم الردود المطلوبة»، موضحا أن الحكومة ستقوم لاحقا بتحضير ردودها وإبلاغ المجلس النواب لتحديد موعد آخر للمساءلة. من جهة أخرى، كشفت ما يسمى حكومة الإنقاذ الوطني التي لا تحظى بالاعتراف الدولي، لكنها تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، النقاب عن خطة أمنية قالت إنها تستهدف التصدي لظاهرتي انتشار المخدرات والسلاح، وامتثال المطلوبين للعدالة التي باتت تشكل خطرًا على المجتمع الليبي. وفي محاولة منه لإقناع إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما بالاعتراف بحكومته المنبوذة دوليا، قال خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ الوطني إنه يرحب بأي مساعٍ تبذل لإنجاح الحوار بين الليبيين ورأب الصدع والمصالحة بين المدن والمناطق الليبية.
وأشاد الغويل في كلمة تلفزيونية مساء أول من أمس موجهة إلى الشعب والكونغرس الأميركي، بالاتصال الهاتفي الذي أجراه مؤخرا نائب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين مع نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته.
وبعدما أثنى على المساعي الأميركية لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، زعم الغويل أن حكومته تعمل في ظروف مناسبة وبكل حيادية.
في المقابل، جدد بيان مشترك صدر أمس عن حكومات كلّ من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، تأكيدها على التزامها القوي بسيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، وضمان أن تستخدم الموارد الليبية الاقتصادية والمالية وثرواتها من الطاقة لصالح الشعب الليبي كافة. وأعرب البيان عن قلق «إزاء محاولات تحويل الموارد الليبية لخدمة المصلحة الضيقة لأي طرف من أطراف النزاع وتعطيل المؤسسات المالية والاقتصادية التي تعود ملكيتها إلى جميع الليبيين».
وأضاف: «نكرر توقعاتنا بأن تستمر جميع الأطراف التي تمثل المؤسسات الليبية التي تتمتع بالاستقلالية وهي مصرف ليبيا المركزي، والهيئة الليبية للاستثمار، والمؤسسة الوطنية للنفط، والشركة العامة للبريد والاتصالات السلكية واللاسلكية وتكنولوجيا المعلومات في العمل لخدمة المصالح الآجلة للشعب الليبي في انتظار بروز هياكل حكم موحدة تحت حكومة الوفاق الوطني المنتظرة».
وعد أن «التحديات في ليبيا لا يمكن معالجتها إلا من قبل حكومة قادرة على أن تشرف وتحمي بشكل فعّال المؤسسات المستقلة في ليبيا، والتي يتمثل دورها في حماية موارد ليبيا لصالح كل الليبيين»، محذرا من أن الإرهابيين يستغلون هذا الصراع لإحراز موطئ قدم في ليبيا، وسوف يسخرون الثروة الوطنية في ليبيا لخدمة أجندتهم المروّعة العابرة للحدود.
وخلص البيان إلى أن «ليبيا تعتبر محظوظة لامتلاكها الموارد اللازمة التي تمكنها من أن تصبح دولة سلم ورخاء تتمتع بتأثير قوي وإيجابي على المنطقة ككل»، داعيا كل الليبيين إلى دعم استمرار استقلالية المؤسسات المالية والاقتصادية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.