الكاردينال «ريشيليو».. ونهاية الحرب الأهلية الفرنسية

الكاردينال «ريشيليو»
الكاردينال «ريشيليو»
TT

الكاردينال «ريشيليو».. ونهاية الحرب الأهلية الفرنسية

الكاردينال «ريشيليو»
الكاردينال «ريشيليو»

قلما يجود التاريخ السياسي بشخصية مثل شخصية «الكاردينال ريشيليو» الذي كان مما لا شك فيه من أعظم الشخصيات السياسية التي عرفتها فرنسا في التاريخ الحديث، فالرجل لا يمثل فقط طرازًا من رجال الدولة النادرين على المستوى الدولي، ولكنه أيضا يمثل النموذج العظيم للرجل الثاني خلف مركز القوة في الدولة، والآمر والناهي في نفس الوقت، فهو نموذج للشخصية السياسية التي يكرهها كل من هم حول مركز السلطة لتأثيره المباشر على الملك، ولكنه أيضا نموذج للشخصية التي يكرهها الحاكم، ولكنه لا يستطيع أن يستغني عنها، فهو رجل المتناقضات السياسية، كما أنه أيضا رجل المتناقضات الدينية، فهو كاردينال في السلك الكنسي الكاثوليكي، ولكن البابا يلقبه بـ«بطريرك الكفرة»!، ومع ذلك فهو الذي وضع الحد للحرب الأهلية المذهبية في فرنسا وأكمل عمل الملك هنري الرابع، كما أنه صاغ السياسة الفرنسية والتي أصبحت فيما بعد سمة أنظمة الحكم في أوروبا ورسخ لمفهوم القوة المطلقة للدولة النابعة من الدولة وليس الدين أو أي طبقة، فهو الذي صاغ مفهومًا جديدًا في السياسة الفرنسية ثم الأوروبية وهو مفهوم Raison d›etat أو للأسباب التي تتعلق بقوة الدولة، وقد استخدم الكاتب الفرنسي العظيم ألكسندر دوما شخصية «ريشيليو» ليجسد الشخصية السياسية الكريهة، ولكن حتى هو لم يستطع التخلص منها في رواياته أيضًا!
بدأت رحلة الكاردينال «ريشيليو» في السياسة الفرنسية من خلال انعقاد البرلمان الفرنسي إبان حكم لويس الثالث عشر تحت وصاية أمه «ماريا مديتشي»، وقد كان الرجل ممثلاً لأحد الأقاليم الفرنسية باعتباره رجلاً من رجال الكنيسة الكاثوليكية، وعلى الرغم من أن البرلمان انفض دون جدوى، فإن «ريشيليو» كان قد لفت انتباه الملكة الأم التي رأت فيه العقلية السياسية المناسبة كمستشارها، وقد استطاعت مع مرور الوقت أن تُسوق الرجل سياسيًا لابنها، ولكن سرعان ما تمرد الملك الابن وقضى على كل مستشاري أمه وعزلها مع «ريشيليو» الذي كان قد حظي بلقب «الكاردينال» على الرغم من أنه لم يكن قد بلغ السن القانوني لتقلد هذه الدرجة الكنسية وفقًا للقانون الفرنسي.
ومع ذلك فإن الرجل عاد مرة أخرى إلى حضن البلاط الملكي بكل قوة، فلقد بدأ يتدرج في الثقة حتى جعله الملك لويس الثالث عشر رئيس وزرائه، وعلى الرغم من القدرات المحدودة للملك مقارنة بالرجل، فإن «ريشيليو» كان دائمًا يسعى لإقناع الملك بأن الأفكار كلها أفكاره، والمشورة مشورته، فكان كثيرًا ما يوعز للملك بالسياسات وينفذها على أنها سياسات الملك، وهو ما جعله بعيدًا عن الشبهات لأنه لم يتطلع أبدًا لمنافسة سلطة الملك، بل كان دائمًا يكبح جماح نفسه وغيظه أو غروره، فالرجل كان حكيمًا ويعرف كيف يلعب دوره كرجل ثانٍ في الدولة حتى ولو كان الطرف الأذكى في معادلة القوة مع الملك، وقد تركزت سياسة «ريشيليو» في التأكيد على أهمية دور رجل الدولة والسلطة المطلقة للملك، فهاتان كانتا خلاصة فكر هذا العبقري، وهو الدواء الذي كانت فرنسا في أشد الحاجة له لظروفها السياسية والاجتماعية، ولم يكن يأبه في ذلك الوقت بآراء العامة أو الخاصة فيه، فهذا كان زمن السلطة المطلقة للملك التي دشنها هذا الرجل، فلقد عمل على إضعاف كل القوى التي كانت تنتقص من سيادة الملك، وعلى رأسها السلطة المتراكمة للنبلاء والإقطاعيين، والتي لم تأبه كثيرًا بالمراسيم الملكية، بل تلاعبت بها نظرًا لضعف الدولة بسبب الحرب الأهلية التي ضربت البلاد على مدار عقود ماضية، وهنا كان قرار «ريشيليو» تقليم أظافر كل الأرستقراطية وطبقة ملاك الأراضي من خلال قرار ملكي بإزالة كل القلاع الخاصة بهم والتي كانت مشيدة في غير مجال الدفاع عن الدولة، وكان الهدف منها هو القضاء على القوة النسبية لهذه الطبقة حتى تكون القوة للسلطة المركزية، وليس لأي طرف آخر، كما وضع القوانين التي نظمت سلوكياتهم تمامًا بلا أي مجال للفوضى، بل أنه تجرأ على الطبقة وقطع رقاب بعضها، والتي لم تمتثل لقوانين الملك، جاعلاً بذلك يد الدولة العليا.
أما الطبقة الثانية التي نوى الكاردينال التخلص من ثقلها السياسي فكانت مجموعات البروتستانت الخارجة عن الديانة الكاثوليكية، والتي كانت الحرب بينها وبين الكاثوليك هي سبب الحرب الأهلية الفرنسية لمدة عقود ممتدة، وذلك دون الإقلال من مكتسباتها وحقوقها، فلقد سمح مرسوم «نانت» الذي أصدره الملك هنري الرابع كما رأينا بأحقية البروتستانت في إقامة الميليشيات في قرابة مائة مدينة لحمايتها، كما أنهم باتوا يهددون وحدة الدولة مرة أخرى من خلال الدعم الإنجليزي الذي تلقوه، والذي بدأت بمقتضاه بشائر الحرب الأهلية مرة أخرى تهل، وهنا وضع «ريشيليو» نهاية للحرب الأهلية قبل تفشيها من خلال هزيمة البروتستانت هزيمة عسكرية كاملة، ولكنه عقد لهم ما هو معروف بصلح «أليه» في 1629، والذي بمقتضاه فكك كل الحقوق العسكرية التي كانت لهم، ولكنه منحهم حقوق المواطنة الكاملة والمتساوية مع الكاثوليك في البلاد، واضعًا بذلك نهاية للحرب الدينية في فرنسا، ولكن أغرب ما في الأمر أن كاردينالاً كاثوليكيًا هو الذي منح البروتستانت حقوقهم المتساوية في فرنسا ووضع أسس فكرة المواطنة في البلاد! ولكن هذه الحقيقة تشهد لـ«ريشيليو» وليس ضده رغم ما تردد عن فساده الأخلاقي الذي كان مثار الكثير من الأحاديث والنوادر، وبالقطع كان هذا أحد الأمور التي دفعت البابا في روما إلى كراهيته كراهية التحريم، فمن الذي كان يمكن أن يصدق أن كاردينالاً كاثوليكيًا هو الذي سيمنح البروتستانت في فرنسا الحرية الكاملة والمواطنة العادلة؟ ولكن هذه سمة رجل الدولة العظيم.
ولكن عظمة الرجل السياسية كانت أعمق من ذلك، فلقد اتبع الرجل سياسة مزدوجة ومتناقضة على المستوى المحلي مقابل الدولي، فعلى حين شد ساعده على البروتستانت في الداخل ليجعلهم مواطنين فرنسيين وليس مواطني أقليات دينية، فإنه كان يدعم حركات البروتستانت في ألمانيا، فلقد كان الرجل أفضل من لعب بكارت الاختلاف المذهبي في الإمبراطورية الرومانية المقدسة لكسرها من الداخل، بل إنه قام بدعم الدنمارك والسويد من أجل الدخول في حروب مذهبية لتحرير البروتستانت في ألمانيا، كما أنه كان يمول هذه الجماعات بشكل مباشر خاصة بعد اندلاع حرب الثلاثين عامًا، والتي كانت بمثابة السرطان السياسي الذي كسر الإمبراطورية وأدى لتفتتها بإقرار أحقية الملوك والأمراء تحديد المذاهب بأراضيهم ضاربًا الشعار السامي الكاثوليكي «إله واحد - إمبراطور واحد» في مقتل، ولكن القدر لم يمهل الرجل ليرى نجاح سياسته في 1648 بعد إقرار اتفاقية «وستفاليا»، والتي وضعت حدًا للقوة السياسية الألمانية لمدة قرنين من الزمان فلم تعد هذه الدولة تمثل لفرنسا العدو القاتل الذي كانت تمثله من قبل، وذلك إلى أن وحّدها بسمارك مرة أخرى في منتصف القرن التاسع عشر.
لقد وجه «ريشيليو» كل جهده نحو تقوية قوة التاج بكل ما أوتي من قوة، وذلك لاعتقاده الكامل بأن الدولة الفرنسية في حاجة إلى قوة مركزية تحكمها بعد تفتتها سياسيًا بسبب الحروب المذهبية والفوضى الداخلية، وقد كانت هذه المرحلة من التاريخ الفرنسي في حاجة لمثل هذه السياسة، فالدول عندما يتهدد كيانها وتتفتت وحدتها وتصير مهددة تصبح القوة المطلقة للدولة طوق نجاتها لفرض النظام بداخلها، من ثم ضرورة الحكم على «ريشيليو» من منظور عصره ومن منظور الحاجة السياسية لفكره آنذاك، ورغم الاختلافات الممتدة حول هذه الشخصية فإنها ستظل أيقونة سياسية لا خلاف على عظمتها، فهو تجسيد لمفهوم رجل الدولة الذي انتشل بلاده من الحرب الأهلية والخيبة الملكية والعسر الطبقي وحوّلها إلى أقوى دولة في أوروبا، ولو حكمنا على الرجل من وجهة نظر البابا في روما لوجدناه «كافرًا»، ولو حكمنا عليه من وجهة نظر الدولة الفرنسية سنجده «عظيمًا»، فالدور الذي لعبه «ريشيليو» كان سياسيًا وليس دينيًا، ومن ثم وجب الحُكم عليه من هذا المنطلق، فهكذا تُحكم الدول.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.